فرص واعدة للمؤسسات التونسية في FITA2025: تونس تستقبل القمة الإفريقية يومي 6 و7 ماي 2025    عامر بحبة: أسبوع من التقلبات الجوية والأمطار الغزيرة في تونس    عاجل : دولة عربية تعلن عن حجب 80% من الحسابات الوهمية    مفتي السعودية يوجه رسالة هامة للحجاج قبل انطلاق الموسم بأيام    غزة: إستشهاد 15 فلسطينيا على الأقل في قصف صهيوني استهدف منزلا    بطولة مدريد المفتوحة للتنس للأساتذة: النرويجي كاسبر رود يتوج باللقب    البطولة الفرنسية : ليل يتعادل مع مرسيليا 1-1    كيف سيكون الطقس اليوم..؟    محرز الغنوشي: حرارة صيفية الظهر وأمطار منتظرة    انطلاق امتحانات ''البكالوريا التجريبية'' اليوم بمشاركة أكثر من 143 ألف تلميذ    بوفيشة: احتراق شاحنة يخلف وفاة السائق وإصابة مرافقه    من الثلاثاء إلى الخميس: انقطاع مياه الشرب في هذه المناطق بالضاحية الجنوبية للعاصمة    حصيلة المشاركة التونسية في البطولة العربية لألعاب القوى بالجزائر: 19 ميدالية....    ترتيب لاعبات التنس المحترفات: انس جابر تتراجع..    لدى تلقيه مكالمة هاتفية من السوداني..سعيد يجدد دعم تونس لفلسطين ويدعو لوحدة الموقف العربي    العثور على جثث 13 موظفا من منجم للذهب في بيرو    ترامب يأمر بفرض رسوم بنسبة 100% على الأفلام غير الأمريكية    الرحيلي: الأمطار الأخيرة أنقذت السدود... لكن المشاكل الهيكلية مستمرة    سوريا.. انفجار الوضع في السويداء مجددا.. اشتباكات وقصف ب"الهاون"    باكستان تصعد حظرها التجاري ضد الهند    بيان للهيئة الوطنية للمحامين حول واقعة تعذيب تلميذ بسجن بنزرت    بوسالم.. فلاحون يطالبون بصيانة و فتح مركز تجميع الحبوب بمنطقة المرجى    معرض تونس الدولي للكتاب: الناشرون العرب يشيدون بثقافة الجمهور التونسي رغم التحديات الاقتصادية    كأس تونس لكرة اليد : الترجي يُقصي الإفريقي ويتأهل للنهائي    بورصة تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث الأداء بنسبة 10.25 بالمائة    وزارة العدل توضّح    الرابطة الثانية (الجولة العاشرة إيابا)    البطولة العربية لألعاب القوى للأكابر والكبريات: 3 ذهبيات جديدة للمشاركة التونسية في اليوم الختامي    اليوم آخر أجل لخلاص معلوم الجولان    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    بوشبكة.. حجز أجهزة إتصال متطورة لدى اجنبي اجتاز الحدود بطريقة غير قانونية    معرض تونس الدولي للكتاب يوضّح بخصوص إلزام الناشرين غير التونسيين بإرجاع الكتب عبر المسالك الديوانية    دخل فرعا بنكيا لتحويلها.. حجز عملة أجنبية مدلسة بحوزة شخص    طقس الليلة.. أمطار رعدية بعدد من الجهات    قابس.. حوالي 62 ألف رأس غنم لعيد الأضحى    ثنائية مبابي تقود ريال مدريد لمواصلة الضغط على برشلونة المتصدر بالفوز 3-2 على سيلتا فيغو    الصالون المتوسطي للبناء "ميديبات 2025": فرصة لدعم الشراكة والانفتاح على التكنولوجيات الحديثة والمستدامة    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    إلى أواخر أفريل 2025: رفع أكثر من 36 ألف مخالفة اقتصادية وحجز 1575 طنا من المواد الغذائية..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    تونس في معرض "سيال" كندا الدولي للإبتكار الغذائي: المنتوجات المحلية تغزو أمريكا الشمالية    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    خطير/كانا يعتزمان تهريبها إلى دولة مجاورة: إيقاف امرأة وابنها بحوزتهما أدوية مدعمة..    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    تنبيه/ انقطاع التيار الكهربائي اليوم بهذه الولايات..#خبر_عاجل    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    كارول سماحة تنعي زوجها بكلمات مؤثرة    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعايش المأزوم داخل الجماعة المصرية *
نشر في الفجر نيوز يوم 25 - 05 - 2008

أولا: محددات ضابطة لمنهج التعايش داخل الجماعة الوطنية(1):
"رئيس مسلم لدولة مسلمة".. قالها الرئيس السادات في السبعينيات، ربما وظفت في إطار وأجواء غير صحية، لكن هل هي مبعث لدهشة.."!!" أو جاءت لتؤكد شيئا جديدا طارئا؟؟
ذلك مفتتح ورقة تريد ألا تستسلم لمقولات تخديرية لفهم حالة التعايش المأزوم داخل الجماعة المصرية مسلمين وأقباطا، خصوصا عندما تشهر المواطنة في مواجهة الأسلمة، فمن المهم فهم العلاقة بين التعصب والسياق، علاقات الوصل والفصل بين "التوترات الاجتماعية الدينية" داخل الجماعة الوطنية، وسياقات الفعل الاجتماعي والسياسي المحيط المحلي والإقليمي.
وعبر هذه الأسطر نسعى لفك شفرات الحوار حول المادة الثانية التي لم تطرح للتغيير أثناء التعديلات والتغييرات الدستورية التي طرحت في العام الماضي، وبرنامج الإخوان الذي تداخل في السياق، وصار جزءا من الانقسام والحوار العام.
ومهمة الورقة هي مراقبة الأجواء غير الصحية التي تمت فيها النقاشات، ليس بهدف الجمود عندها، بل العكس تماما المطلوب، وهو التدبر والمكاشفة من جميع الأطراف لدراسة دلالة تلك المواقف السياسية والاجتماعية.
والورقة تضع نتائجها الكلية في إطار ثلاث ملاحظات هامة:
• الأولى: أن أحد أهم إشكاليات التعايش في مصر، أن يكون للجماعة الوطنية أكثر من وعي لمنظومة وجودها وحركتها، فما يراه المسلمون مؤسسا للعدل والمساواة من الخطر أن يكون عند الطرف الثاني داعما للظلم والانتقاص، والعكس أيضا، فنظرة كل طرف للأمر هو مؤشر في نظرة الطرف الآخر، وبالتالي من الواجب توضيح أن انشقاق الوعي يقود لانشقاق المصالح، وتلك هي عتبة الخطر التي يجب ألا يتجاوزها الجميع.
* الثانية: التعايش بين المسلمين والمسيحيين في مصر هو شأن مركب، بمعنى أن حالة التعايش الأساسية لم تنف وجود وعي جمعي سلبي، يمثل حالة النزاع والفتنة التي تعترض مسيرة تاريخه، هذا الوعي تاريخي ظل موجودا وقابلا للاستدعاء في أي وقت أو لحظات معينة، ومن ثم إذا كان في الطرف الإسلامي أفكار وحركات متعصبة، فسنجد أنه مع التيار المسيحي المندمج ثمة وعي خاص وتيار مزج الشهادة بالعزلة وينتج سلوكيات متعصبة، هذا الوعي يؤكد ويسترجع -خصوصا في مواقف الصدامات الدامية- سواء ما تم في تاريخ مصر الوسطى بحسب المؤرخ قاسم عبده قاسم، أو في الحقبة السبعينية، والمواجهات المسلحة الموجهة ضدهم من بعض الجماعات الإسلامية المسلحة، حيث رسخت تلك اللحظات هذا الوعي السلبي، ولا نختلف على تصوير هذا السلوك في الكثير منه في إطار رد الفعل من جانب بعض الأطراف المسيحية، لكن بات مهما إعادة رصد بعض المواقف والسلوكيات، حتى نفهم ونفرق بين ما هو فعل وما هو رد فعل وما هو اختيار لدى الطرفين، وكل طرح له تأثيره.
* الثالثة: وهي تخص الإطار الذي يجب أن تتحرك فيه أي مناقشة تخص شئوننا، سواء على المستوى الإسلامي أو المسيحي، حيث تنحاز هذه الورقة لمفهوم الجماعة الوطنية بوصفه المعبر الحقيقي عن حالة التعايش المصرية، والمدخل المناسب للتعامل مع مكوناتها وأوزانها.
وبالتالي التعامل مع المكون المسيحي بمؤسساته يجب أن يتم التعامل معه باعتباره شأنا وطنيا، وكذلك المكون الإسلامي مؤسسات وتياراته الحركية هي شئون وطنية ليس هناك طارئ أو ضيف داخل تلك المكونات، المتداخلة مع بعضها البعض، ولا مجال ل "إما، أو".
ثانيا: ملاحظات تطبيقية على تجربة صاخبة
1- أول تلك الملاحظات هو السياق..
أ- حيث جاء الحوار حول المادة الثانية داخل أجواء ملتبسة محملة بمظاهر اجتماعية وسياسية معيقة لانسيابية الحوار، وحائلة دون إنضاج أفكار توافقية بين الفرقاء كالتي أنتجت في سياقات تاريخية سابقة، سواء إبان الحركة الوطنية مع دستور 23، والكفاح المشترك ضد المستعمر، أو التعديلات الدستورية التي جاءت في لحظات دستورية وسياسية لها توافقها الخاص مع حقبة المشروع الناصري بحسبانه وريث الحركة الوطنية طوعا أو كرها، والذي جدد النضال المشترك -كلمة السر- لكن ضد الفقر والبطالة، ولإنجاز العدالة الاجتماعية وتحقيق الاستقلال ومواجهة العدوان، ومحاولة خلقه لأوضاع توافقية صنعت داخل بيروقراطيتها السياسية والاجتماعية بل الدينية، بحسبان تلك الكيانات جزءا من مشروعها العام، وتم توظيفها في إطار وداخل هذا المشروع النضالي العام، حيث الكنسية تواجه الاستعمار كما كتب الراحل وليم سليمان قلادة، والمسيحية تؤسس للاشتراكية مثل الإسلام كما كتب الأب متى المسكين، وسيد قطب.
هذا التحول تم إنجازه في حركة المجتمع، وتم استيعابه في حركة النص التشريعي، ولم تنشأ إشكالات تذكر حول الملف القبطي أو المواطنة أو التوجهات الإسلامية الدستورية أو أي ملمح ديني في المجال العام، سواء كان هذا قبل الثورة أو بعدها، والكثير من الأقباط الذي عايشوا تلك الفترات لم يبدوا ممانعة ضد وجود تيار ديني في المجال العام فضلا عن حالة التقنين.
ب- وحاليا السياق مختلف، والهوة عميقة:
فالجماعة الوطنية المصرية واضح أن ثوابتها تتعرض لعملية تكسير، ولا يوجد استقرار على مسلمات لا حالية ولا تاريخية، حيث جاءت التعديلات في مرحلة سيولة اجتماعية وسياسية، وتأزم في العلاقات بين المسلمين والمسيحيين، عقب مجموعة من المواقف المشحونة مرت على المشهد المصري، حوادث عنف في الصعيد، وقضية وفاء قسطنطين، وغيرها من القضايا التي شهدت جدلا وصخبا شديدا.
ج- يمكن رصد سياق التحول في العلاقات الإسلامية المسيحية بعد موت عبد الناصر وهزيمة 67، وتخلخل صيغ التحالفات الجامعة بين المسلمين والمسيحيين، حيث تغيرت القاعدة الاجتماعية، وتبدلت تركيبة القيادة داخل الكنيسة، حيث توحد الشعب مع كنيسته ووجهوا إليها غريزة الاحتماء والأمان، لتصبح هي خط الدفاع لاعتبارات معقدة بعضها داخلي، وبعضها خارجي، صاحب هذه التغيرات الهيكلية تغير مناخي عام حيث صار الدين هو الملاذ الوحيد للمصريين الذين حولوا أنظارهم تجاه القيادات الدينية الجديدة من أجل أن تمارس استحقاقات المرحلة، من الطرفين الإسلامي والمسيحي.
وبدا نمو متبادل في الحساسيات بدءا من مقولة السادات: "أنا رئيس مسلم لدولة مسلمة"، دخلت على إثره مصر تصاعدا طائفيا تراوحت فيه المواقف بين الفعل ورد الفعل..
وهنا يثور سؤال: هل هذا التحول الكبير في مزاج الكنيسة والجماعة القبطية وخيالها الرمزي سببه الأنبا شنودة وحده، أم أن للأمر علاقة بفورة التدين التي انطلقت في السبعينيات؟!
سؤال آخر: هل التنظيمات الدينية كانت سببا وحيدا ورئيسيا لرد الفعل القبطي؟
مؤشرات الإجابة سنجدها في متابعة مسار الصدامات الطائفية والتي بدأت في 16/6/1970 وحتى 12/11/1972 حيث وقعت 11 حالة منها 10 حوادث ابتداء من 11 أغسطس 71، حيث لم تكن التنظيمات الإسلامية قد ظهرت إلى العلن وعلى النحو الذي حدث في منتصف التسعينيات بل كانت شوكة اليسار قوية، ومن ثم وضع كل السلوك العنيف والطائفي لبعض الأقباط في خانة "رد الفعل" فقط غير دقيق تاريخيا، وأيضا تنحية السياق المحفز غير دقيق منهجيا.
وبالتالي عودة الأقباط إلى الكنيسة هو خيار خاص من خيار أعم اتخذته الجماعة المصرية، للبحث عن هويتها من داخل الدين برأي الكثير من الباحثين، بعد الهزيمة التي لحقت بمشروعها القومي، وهذا هو سياق الذي جرت وتجري عليه العمليات منذ أكثر من ثلاثين عاما.
د- وعندما وصلنا إلى لحظة التغييرات الدستورية التي تقررت كان نصف الحقيقة غائبا عن المشهد الرسمي، ونقصد بذلك القوى الإسلامية وبعض القوى القومية، مع تصعيد قوي لقوى غير معبرة عن ثقل وأوزان اجتماعية وسياسية، وفي مثل هذه الظروف لا يصح أن تتحرك التعديلات؛ لأنه في حالة افتقاد بلورة مناسبة لقوى المجتمع الحقيقية -خاصة في اللحظة الدستورية- يصبح المجال مفتوحا لنمو قوى غير معبرة عن أوزان القوة داخل الكيانات الاجتماعية، وتشارك في الحوار العام، مثل أصوات بعض أقباط المهجر ومؤتمراتهم، ولأنها ليست ذا ثقل فغالبا ما تكون رؤاها غير مسئولة أو أحادية أو متطرفة، فعدم البلورة والتحديد وإفساح المجال لجميع القوى الموجودة بالتفتح مؤذن بفشل التوافقات التي هي وليدة علاقات التوازن بين القوى والجماعات الفرعية المكونة للجماعة السياسية الأم. وفي ظل هذا التخبط السياسي تحركت إرادة التعديل، فكان طبيعيا أن يتم النقاش الصاخب فيما لم يطرح للتعديل ونقاش أقل فيما طرح للتعديل.
ه- في سياق التعديلات تم ربط الحديث عن المادة الثانية بإشكالية حضور الحركات الاسلامية في المجال العام، وجاءت المادة الخامسة المقترحة والتي تنص على حظر مباشرة أي نشاط سياسي أو حزبي أو قيام الأحزاب على أساس الدين أو الجنس أو الأصل، لتنفي التعارض المثار من قبل البعض الاتجاهات العلمانية، وبعض الأقباط والتي ترى أن المادة الثانية تمثل إسنادا للتيارات الإسلامية في المجال السياسي، ورغم التعارض الحقيقي بين المادتين، إضافة إلى تعارضها مع المادة الأربعين من الدستور التي تنص على مساواة المواطنين في الحقوق والواجبات وعدم التمييز بينهم بسبب الجنس أو اللغة أو الدين أو العقيدة، تم إقرارها.
وفي هذا السياق طرح برنامج الإخوان حيث استفاد النظام السياسي من لحظة الانقسام، والقراءة القلقة من صعودهم بوصفه مهددا للوجود القبطي، وصدرت القبطية تجاه الاسلامية كتناقض رئيسي وطرحت فكرة إلغاء المرجعية الدينية كما في المادة الخامسة، بحسبانه الإجراء الحامي للمسيحيين المصريين، وهنا التقت إرادة بعض الجماعة القبطية وصفواتها مع هذا التوجه.
لكن من المهم هنا أن نفهم أن القضية لدى الاقباط تتعدى فكرة البرنامج الإخواني ومدى رحابته من عدمه إلى فكرة القبول ذاتها بوجود تلك الحركات، والمسألة الإسلامية مفتوحة مع أغلب الجماعة القبطية بإطلاق دون تفريق أو تمعن في التفاصيل ودون اعتبار أنها جزء من البنيان الوطني يجب استيعابه ودمجه في إطار التوافق العام.
ويعتبرهم البعض أنهم سبب رد الفعل الانعزالي عند بعض المسيحيين، وبالتالي كان طرح البرنامج الإخواني في هذا السياق محفزا لكشف حقيقة الوعي المشكل حاليا داخل الكثير من الأقباط تجاه الموقف من الأسلمة نصا وحركة، خصوصا أن برنامج الإخوان في تناولاته للولايات العامة ورئاسة الدولة هبط سقفها عن سقف الاجتهاد الأعلى، وهو ما ووجه بانتقادات ملحوظة لا سيما من شخصيات ومؤسسات إسلامية.
2- ثاني تلك الملاحظات إدارة الحوار:
أ- حيث طرح مبدأ المواطنة في مواجهة المادة الثانية، والإسلام في مواجهة المسيحية، وتم الاستقطاب، ودار الجدل حول مرجعيتين أحدهما: الشريعة الإسلامية؛ مصدر التشريع. والثانية: مرجعية المواطنة، كمبدأ تشريعي وسياسي.
واصطفت القوى في الجانبين نخب علمانية وليبيرالية ويسارية، وقوى إسلامية وبعض القوى القومية وقطاعات واسعة من المصريين وبعض رموز محافظة للدولة المصرية بخلاف أصوات المؤسسة الدينية.
ب- توظيف التمسك بمبدأ المواطنة في مواجهة الشريعة كان هدفه إقرار نزاع بينها وقيم العدل والمساواة المستمدة من الفقه الإسلامي، والزعم بأن مبدأ المساواة بين المواطنين يجب أن يستقى من الفكر الوضعي المنفصل عن الدين‏،‏ وهكذا كان النقاش في شكله الجزئي، أما في إطاره الكلي فهو حالة "نزاع أهلي" حول هوية الجماعة وتعريفها وتاريخها، ووعيها بذاتها.
وجدل المرجعيات في حقيقته لم يكن بين إسلام ومسيحية، بل جدل يقوم بين المرجعية الإسلامية والمرجعية الوضيعة العلمانية المنكرة لعنصر الدين في بناء نظم الحياة والمجتمع، بحسب الأستاذ طارق البشري.
ج- وصلت المحاججة إلى نصوص ووثائق الدولة المصرية الدستورية التاريخية، حيث مس الجدل والصخب دين الدولة، وهذا أول مرة يحدث في تاريخ الدولة المصرية، ويمثل تحولا داخل إطار المطلبية القبطية التي كانت تتحرك من أجل الاندماج في إطار المنظومة العامة وتوسيع دائرة الحقوق وتحقيق المساواة والمشاركة بعيدا عن أوجه المواجهات الدينية.
ومع تصاعد الجدل زاد الانقسام حول قضية الدولة والدين حدة وخطرا في آن معا، بوصف الدكتور الليبرالي وحيد عبد المجيد والذي أضاف: "لم يتعرض النص الدستوري الذي يحدد دين الدولة المصرية إلى نقد يُعتد به على مدى أكثر من 80 عاما، ناهيك عن أن يصبح جزءا من الانقسام حول قضية الدولة والدين". ولم يعد يعرف ما هو الثابت وما هو المتغير داخل التوافق العام.
د- وبهذا تحول الحوار الدستوري من لحظة اكتشاف للذات ومكوناتها المركبة وقيمها المرجعية التي هي رصيد الشرعية إلى لحظة احتراب واصطفاف ديني، حيث رأى بعض من الجمهرة المسيحية المصرية في هذا الاصطفاف فرصة في مناصرة اتجاه سياسي على آخر وهو أمر غير مسبوق، يصف الكاتب الليبرالي كمال غبريال تلك اللحظات بقوله: "رائع في موقف المثقفين والمفكرين المستنيرين من المسلمين، أن يبرزوا في مقاربتهم لهذه المادة ما يترتب عليها من تمييز ضد الأقباط وسائر غير المسلمين من المواطنين، وهو ما شجع العديد من مفكري ومثقفي الأقباط على التصدي أيضا لذات الموضوع بذات الوضوح والصراحة، وإن كان العديد من الرموز الذين اختارهم النظام الحاكم لتمثيل الأقباط، ظلوا يراوحون مكانهم الذي اعتادوه".
3 لغة الحوار:
أ- في مجملها كانت خير معبّر عن هذه الحالة الاستقطابية التي سادت أثناء التغييرات، واتسمت بالخشونة اللفظية، والسجالية، والتعبوية، والأحكام القيمية "إرهاب" "تطرف" "ظلام"، والعنصرية "الغزو العربي" و"ثقافة الصحراء" و"الوهابية الإرهابية"، بخلاف أوصاف أخرى شاعت من بعض الأطراف الإسلامية، وحوارات مبسطة، حول تدين الشخصية المعنوية كالدولة وتدين الفرد، والعلمانية والمدنية، بل الربط السلبي بين المادة الثانية وحوداث خطف البنات، وعدم بناء الكنائس، وقائمة المطالب والقضايا التي تمس الشأن القبطي، والطريف أنه تم إلحاق الفكر القومي والموقف من العروبة في منتصف المعركة، وأن التخلف قرين العروبة والأسلمة، وهنا تجدر إشارة إلى دور بعض الصحف الدينية المسيحية التي تصدر عن بعض الكنائس، والتي حاولت تجسير الفجوة بين تيار العزلة الداخلي، وبعض الأصوات المهجرية المتطرفة في خطاب واحد مضاد موجه ضد الأسلمة بتعبير أحدهم.
وأيضا لا ننسى الدور العكسي الذي لعبته بعض الصحافة الدينية الإسلامية أو الفضائيات والتي رأت في ذلك مبررا لشن حرب دينية.
للأسف الجمهور العادي البسيط أخذ الأمر في شكله المباشر، وأن الأمر هو صراع ديني إسلامي مسيحي، خصوصا أن بعض الأطراف لم يتمتع باللياقة الكاملة في الحديث عن بعض الثوابت الإسلامية، وربما تصور البعض أن ثمة أجندة جديدة صعدت للسطح الاجتماعي عبر عنها بعض العوام بتعبير اختزالي وطائفي "الأقباط صوتهم علا".
من المهم الإشارة في هذا الصدد إلى أن بعض المثقفين والناشطين المسيحيين اعتبروا أنه من الخطر أن يصدر الأقباط في مسألة الشريعة بحسبانها مسألة قبطية فقط، وحسمت الكنيسة المصرية بذكاء موقفها حيث أوقفت نقاش بعض رجال الدين عن الحديث في مسألة الشريعة؛ لأنها ليست مطروحة للنقاش والتعديل.
ب- وكانت هناك مناقشات هادئة لبعض الاتجاهات المستقلة من الطرف المسيحي، والتي طرحت وجهة نظر مهمة قابلة للنقاش والحوار منطلقة من أرضية وطنية ترفض فكرة الأقلية وتتمسك بالنضال المشترك من أجل إنجاز حالة المواطنة الجامعة، وتبدي تفهما لوضع الدين والقيم داخل المجال العام، وللتحديات الخارجية، وجاءت بلغة جادة مسئولة ورصينة وتثبت أن داخل الجماعة عناصر إجادة وعمق.
وهي الورقة التي أنجزها مثقفون أقباط كان على رأسهم سمير مرقس وجورج إسحاق وحنا جريس وسامح فوزي، وهي تعتبر من أهم الإنجازات المدنية القبطية التي تمت في تلك القضية.
ثالثا: نتائج واستشرافات
1- وحتى نفهم النتائج لا بد من فهم مقدار الحساسية المحيط بقضية الشريعة حتى نطالب بإلغائها..
فالمتأمل في نسق الشريعة، والنص عليها في مواثيق الدولة سيجد أنها دستوريا مجرد "إعلان سياسي" لقيم المرجعية والمعيارية الموجودة في المجتمع والتي يتفاعل داخلها الناس، فهي تتجسد في المجتمع كقيم وتقاليد وأعراف وقواعد ومعايير سلوكيات ومعاملات، ومستوعبة في عمليات التنشئة، والضبط حيث تمثل مضمون الضمير الفردي، والجمعي الذي يحدد الصواب والخطأ، والحق والباطل، والحلال والحرام، وهي كديانة الدولة مجرد تحية من المشرع لدين الأغلبية، استدعتها أولى لحظات التدوين والتوثيق في تاريخ الدولة المصرية.. وتدين الشخصية المعنوية لا يعني أنها تصلي وتصوم، ولا تمثل وضعًا خاصًّا لدين الأغلبية، وهو تقليد موجود في الكثير من دول العالم بشرط أن يكون دين الأغلبية نفسه لديه القدرة على استيعاب الحقوق الأساسية لأتباع الديانات الأخرى‏، وهو الشرط المتحقق في الفقه الإسلامي.
وهنا نسترشد بما كتب الراحل وليم سليمان قلادة: "الإسلام لم يستبعد من المجتمع الذي يهيمن عليه تعدد الأديان من مكونات الشعب، هذا التسامح ليس خاتمة ولكن بداية"، ويضيف: "والتوجه إلى الإسلام الآن لا يكون باعتباره ماضيا نتذكره، ولكن باعتباره واقعا حيا ومستقبليا.. والدين هو الكفيل بأن يكمل ما في النظام الوضعي من نقص يهدد حقوق الإنسان وكرامته.. لذا فالخاسر الحقيقي هو المجتمع الذي سيتحصن أكثر ويتترس بتلك القيم المهددة ويحولها من آليات النهضة والحوار إلى آلية الدفاع والهجوم وترسبات في الذاكرة تنتظر فرصة من أجل الانقضاض".
2- الدولة المصرية البيروقراطية العتيدة استفادت من الاستقطابيين، فجمعت بين مبدأ المواطنة كما نصت أولا في التعديلات الدستورية، ليستخدم لمنع وتقييد الأحزاب والحركات التي تتحرك سياسيا من على أرضية مدنية دينية -كما يقول الباحث رفيق حبيب- وبقيت الشريعة ثانيا تستخدم وتوظف عند الحاجة.. واستفادت أكثر بتوافق الصفوة القبطية لحصار المرجعية الدينية لضرب الحركات الإسلامية المدنية. والمادة الخامسة تضمن خلوا من المنافس السياسي بعد رفض فكرة المرجعية الدينية.
3- غياب التوافق العام ومحددات الأولويات عند الجماعة الوطنية فلم يعد ثمة ثابت نجتمع عليه، وتلاشى الخيط بين الاحتجاج من أجل العزلة والاحتجاج من أجل الاندماج، ومن ثم بات الأمر ملزما لدراسة هذه التحولات والتغيرات التي طرأت على السطح.
4- غياب النقد الذاتي داخل الجماعة القبطية وهو أمر يستحق التوقف..
مفهومٌ خطورة القيام بتلك العملية الداخلية، ومفهوم التحريض على هيبة ومكانة بعض المقامات الدينية، ومفهوم أن تجريح مقام البابوية لن يفيد سوى تيارات العزلة، ومفهوم الأدوار التنويرية لبعض الشخصيات والمثقفين الذين ينزلون للشباب المسيحي، وكل هذه أدوار مقدرة ومهمة، وإن كان مطلوبا من قبل القوى الحية والمستقلة إن فاتها النقد الذاتي الصريح ألا يفوتها وضع المؤسسة الدينية أمام استحقاقاتها القومية والتاريخية والوطنية، والتأكيد على الثوابت الوطنية، خصوصا أنه ما زال ثمة صوت معتبر داخل الاتجاه الديني والمدني يؤمن بتلك القيم.
5- بات مهما أن نجدد خطاب التعايش داخل إطار الجماعة الوطنية (إسلاما وعروبة وقبطية وتيارات) في سبيكة المصرية العامة، وبوصف تلك المكونات جزءا منغرسا وموزعا بين تلك الأوزان والنسب، وبالتالي كل المكونات بما فيها الحركات الإسلامية تصبح جزءا من المعيار والوزن والميزان، وهذه المراعاة هي حصن الأمان، وهذا هو القدر الذي يجب أن نؤمن به خيره وشره.
--------------------------------------------------------------------------------
* رئيس تحرير الموقع العربي لشبكة إسلام أون لاين.نت
(1)- يجب توجيه الشكر إلى الأستاذ / عبد الله الطحاوي – على مساعدته في إنجاز هذه الورقة.
*ورقة قدمت إلى اللقاء الإقليمي للفريق العربي للحوار الإسلامي – المسيحي حول: "الاحترام المتبادل بين المسلمين والمسيحيين"- 28 شباط / فبراير – 1 آذار / مارس 2008- بيروت.

الأحد. مايو. 25, 2008
إسلام أون لاين.نت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.