يتجاهل الكثيرمن الناس, طبعا باستثناء العرب والمسلمين, حقيقة أن الطريق الى البيت الأبيض في واشنطن, بالنسبة لأي مرشّح أمريكي, يمرعبر تل أبيب. وفي دولة العم سام ثمة ما يشبه إسرائيل صغرى تتحكّم في كلّ ما يتعلّق بالشؤون الأمريكية, وأولها الانتخابات الرئاسية والسياسة الخارجية. ومن يحالفه الحظ وظروف أخرى, جمهوريا كان أم ديمقراطيا, ويجد نفسه على سكة السباق للفوز بالرئاسة الأمريكية قد يسقط منهك الأعصاب قبل أن يصل الى عتبة البيت الأبيض إذا لم يكن قد حصل مسبقا على تزكية من حاخات بني صهيون الماسكين بقوة وإستماتة بكلّ خيوط اللعبة. ومن لم تكن إسرائيل وأمنهاالمزعوم شغله الشاغل سوف يتم هدردمه بين قبائل الناخبين وتتم تصفيته سياسيا وأخلاقيا, وجسديا أيضا, إذا إقتضت المصالح العليا للكيان الصهيوني. وعليه فان إسرائيل تُعتبر بالنسبة لجميع الساسة الأمريكان, وبدون إستثناء, أفضل وأعزّ ولاية أمريكية خارج بلادهم. وما الانتخابات الرئاسية الأمريكية الاّ معركة حاسمة, بين عشاق مغرمين, يهدرون ملايين الدولارات والجهود والوقت, ينتافسون من أجل الظفربقلب هذه العاهرة الشريرة المسماة إسرائيل. ولولا رضاها ومباركتها وسيف ديموقليس الذي تسلّطه على رقاب السياسيين الأمريكيين لما سُمح لبارك أوباما أو سواه حتى بالترشيح لتمثيل الحزب الديمقراطي في إنتخابات نوفمبرالمقبل. وهكذا, لم يخيّب باراك أوباما آمال صهاينة أمريكا أصحاب الأمر والنهي.والذين ينتظرون منه أن يفتح لهم قلبه على مصراعيه لكي يتأكدوا أنه لا توجد في ذلك القلب, الأفريقي وذي الاصول الاسلامية, ذرّة من الضغينة أو العداء أواللاحب لاسرائيل. وبالفعل, ففي أول يوم بعد فوزه بترشيح الحزب الديمقراطي إعتلى الفتى الأسمرأوباما منصّة مؤتمراللوبي من أجل إسرائيل "أيباك", وهي بالمناسبة أخطر وأكثرالمنظمات الصهيونية تأثيرا ونفوذ سواء في أمريكا أو في دول أوروبية أخرى حيث لها تفرعات وأذرع باسماء وعناوين مختلفة. ومن جملة ما قاله مرشح الحزب الديمقراطي باراك أوباما "إن القدس يجب أن تبقى عاصمة موحّدة لآسرائيل. وأنه سوف يفعل كلّ ما في وسعه من أجل أن تبقى إسرائيل متفوّقة في كلّ شيء.. وإن أمنها أمر مقدّس, وإن العلاقة بين أمريكا وإسرائيل علاقة وثيقة ومصيرية. وإنه سوف يعمل على إزالة أي تهديد تتعرض له دولة إسرائيل سواء جاء هذا التهديد من طهران أو من غزة" . وهنا أرتجّت وإهتزّت جدران القاعة من شدّة التصفيق. ولكن التصفيق خفت بل تلاشى تماما عندما زلّ لسال باراك أوباما فاشاربشكل عابرالى المستوطنات الصهيونية والدولة الفلسطينية المفترضة. وكأنه كفر بكلّ أنبيائهم. وقد لا يسامحه مستقبلا صهاينة أمريكا على زلّة لسانه هذه. ربما بنى الكثير من الحكام العرب, خصوصا أتباع نظرية الاعتدال والتعقّل, آمالا عريضة على مرشح الحزب الديمقراطي باراك أوباما بعد أن جعلتهم سياسة جورج بوش الصغير قطيعا من الغنم التائهة, وعرّتهم وفضحتهم بالكامل أمام شعوبهم, ومارست معهم كلّ أنواع الابتزاز والتهديد والاحتقار, ونهبت ثروات شعوبهم لتمويل حروبها العدوانية ضد دول وشعوب مسلمة, كما يحصل حاليا في العراق وفلسطين وأفغانستان والصومال وغيرها. ولم يبق أمام الحاكم العربي الغريق في بحرمن الذل والمهانة والتهميش الاّ التشبّث بالقشة الجديدة, التي إسمها باراك أوباما, لأنقاذ بعض ما يمكن إنقاذه, ماء الوجه قبل كلّ شيء. لكن حكامنا سوف يكتشفون, بعد أول زيارة لرئيس وزراء إسرائيلي الى ساكن البيت الأبيض الجديد, إنهم كانوا يبنون, كما دأبوا على ذلك منذ عقود, أحلاما على رمال متحرّكة ويهيمون خلف سراب مترامي الأطراف. فالديمقراطيون والجمهوريون في دولة العام سام هما وجهان لعملة صهيونية واحدة. والدليل على ذلك إن كلا المرشحين, الديمقراطي باراك أوباما والجمهوري جون ماكين, قدما أوراق إعتمادهما الى إسرائيل عن طريق مؤتمرالمنظمة الصهيونية"أيباك" وأقسما بأغلض الأيمان, في خطبة عصماء مؤثرة جدا, كما وصفها البعض, بان مصلحة إسرائيل بالنسبة لهما سوف تكون فوق مصلحة أمريكا والعالم أجمع. وعلى الآخرين, خصوصا عملاء أمريكا من الحكام العرب, أن يمسحوا أبوازهم "خشومهم" باي حائط كان, الاّ حائط المبكى. المصدربريد الفجرنيوز