كُتّاب كثيرون في العالم الإسلامي، عبّروا عن دهشتهم من قدرة "الديموقراطية" الأمريكية على تحمّل وصول "أمريكي" من أصول إفريقية مسلمة مثل (باراك أوباما) إلى مقعد الرئاسة في البيت الأبيض.. وبعضهم تساءل عن حجم "السماحة الأمريكية"، وما إذا كانت ستقبل ب"الكيني" الذي لا يزال يحمل اسم أبيه المسلم، بأن يتولى أعلى منصب سياسي في الولاياتالمتحدةالأمريكية!! الدهشة في الأولى، والتساؤل في الثانية، يعكسان شعوراً ب"عدم الثقة" في نضج المجتمع الأمريكي بشأن تجاوز "الفرز الطائفي" في الانتخابات الرئاسية. الأمريكيون لم يخضعوا لمحكّات كبيرة لاختبار هذا "النضج" سوى عام 1961، عندما انتخب الكاثوليكي الديانة (جون كندي) رئيساً للولايات المتحدةالأمريكية، ولم يتحمله الأمريكيون البروتستانت أكثر من عامين ليغتالوه عام 1963، ثم اختبار آخر بعيد أحداث سبتمبر الدامية عام 2001، عندما شاءت واشنطن نفي تهمة "اضطهاد الأقلية المسلمة" بأمريكا، فقررت تعيين مواطن أمريكي مسلم يُدعى "عثمان صديقي" سفيراً لها، في دولة لا يعرف أحد في العالم اسمها، ولا مكانها على خريطة الكرة الأرضية، وهي دولة (توفالو)! ودولة (توفالو) بحسب موسوعة(ويكيبيديا) هي جزيرة تقع في المحيط الهادي بين هاواي وأستراليا. مساحتها (26) كم2، وبذلك تكون رابع أصغر دولة في العالم. عدد سكانها (11468) نسمة! وهذه هي المرة الوحيدة التي شاءت الإدارة الأمريكية فيها "مجاملة" نحو (20) مليون أمريكي مسلم يعيشون على أراضيها! ظل الوضع "مسكوتاً عنه" بعدها، إلى أن نكأ ترشيح (باراك أوباما) تلك الجراح مجدداً. هيلاري كلينتون أعادت فتح ملف قابلية المجتمع الأمريكي على قبول حق المرأة في تولي "الولاية العامة" بحسب التعبير السياسي الإسلامي ثم كشف (أوباما) مكانة "الفرز الطائفي" في الحراك السياسي الأمريكي، وهما يماثلان الملفات "الملغومة" التي باتت مربعاً للسجالات الفكرية والفقهية بين الجماعات الإسلامية في العالم العربي، والنخب السياسية والفكرية سواء المتعاطفة مع محنتها الأمنية مع الأنظمة السياسية، أو المعارضة لحضورها "السياسي الديني" كقوة بديلة للنظم القائمة. تعرّضت "كلينتون" لكثير من الحملات الإعلامية والسياسية "العنصرية" التي استندت إلى "الفرز السياسي" على أساس "الجنس النوع" ، ثم تعرّض (بارك أوباما) لحملات أكثر شراسة و"خسة" من قوى أمريكية ذهبت إلى تصنيفه ليس بحسب "حقوق المواطنة" وإنما بتقييمه وفقاً ل"انتمائه الديني"! مثل تلك التي شنتها ضده "كلينتون" ذاتها، عندما عمّمت على شبكات الإنترنت صوراً له باللباس "الكيني" أو "الصومالي"، وعلى رأسه "العمامة" التي يشتهر بها المسلمون، بصفته "مسلماً" من جهة، وتشكيكاً في وطنيته من جهة أخرى! بل إن مستشاريه يتوقعون أن يلقى مصير "كندي" حال تم انتخابه للرئاسة! اللافت للنظر أن الظاهرة لم تكن "استثناء"؛ فهي كانت تخاطب "الضمير الأمريكي العام"، وهو منحى لم يكن ليصدر لولا وجود إحساس بأن لديه القابلية لوضع مثل هذا "الفرز" في اعتباراته أمام صناديق الاقتراع.