فرنسا: حريق ضخم يلتهم آلاف الهكتارات بجنوب البلاد    الهياكل العظمية الحية" تشعل الخلاف بين إسرائيل وفلسطين في مجلس الأمن    طقس الاربعاء: الحرارة في ارتفاع طفيف    ولاية اريانة: جلسة عمل لمتابعة تقدم إنجاز مشروع إعادة تهيئة المسلخ البلدي برواد    نصف قرن من الفنون... والكرّاكة ما زالت تنبض من 15 إلى 31 أوت الجاري    مهرجان قرطاج الدولي 2025: الفنان "سانت ليفانت" يعتلي ركح قرطاج أمام شبابيك مغلقة    اتهام بالإبادة لأول مرة.. السيسي يشن هجوما على اسرائيل    بسبب دعوته لمحو غزة.. جماهير دوسلدورف تجبر النادي على التخلي عن التعاقد مع لاعب إسرائيلي    مستقبل القصرين.. انهاء التعاقد مع ماهر القيزاني بالتراضي    عاجل :وفاة مدرب إماراتي تهزّ تظاهرة القفز الحر في تونس    عاجل/ سقوط طائرة بهذا المطار..وهذه حصيلة الضحايا..    عاجل/ جريمة مروعة: شابين يقتلان صديقهما حرقا..وهذه التفاصيل..    غدا انطلاق موسم التخفيضات .. صولد غير جاذب للتاجر والمستهلك!    تاريخ الخيانات السياسية (37) تمرّد زعيم الطالبيين أبو الحسين    استراحة صيفية    أضرار فلاحية في القصرين    رئيسة الحكومة.. مبادرة الإسكوا فرصة مهمّة لتطوير الاستثمار    تراجع نسبة التضخم في تونس خلال جويلية 2025 إلى 5.3 بالمائة    مناضلون من التيار الشعبي يدخلون في إضراب جوع رمزي دعما لغزة من أجل رفع الحصار    طقس الليلة    قابس: وفاة شخصين وإصابة 7 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة في حادث مرور بالطريق الوطنية رقم 1 بمارث    وزارة الشؤون الدينية تكرم مكتب حجيج تونس    اللجنة الأولمبية التونسية تحتفي بالبطل العالمي أحمد الجوادي بعد إنجازه التاريخي في مونديال سنغافورة    الترجي الجرجيسي ينتدب المدافع مكرم الصغير    الكاف: تكريم الفنانة صليحة في افتتاح الدورة 49 لمهرجان بومخلوف الدولي    الرابطة المحترفة الاولى - طارق جراية ينسحب من تدريب مستقبل قابس    برنامج الامم المتحدة للمستوطنات البشرية في تونس يطلق "تقييم الهشاشة متعددة الابعاد" لارخبيل قرقنة لتعزيز الصمود المناخي المحلي    عاجل/ الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعلن..    وليد الصالحي يمتع جمهور باجة الدولي    زغوان: رفع 163 مخالفة اقتصادية خلال شهر جويلية المنقضي    وزير الشباب والرياضة يُكرّم الجمعيات الرياضية الصاعدة ويؤكد على دعمها    الفرص التصديرية غير المستغلة على مستوى السوق الهندية تقارب 214 مليون دولار    انفجار يخت سياحي وتسجيل اصابات في صفوف المصطافين..وهذه التفاصيل..#خبر_عاجل    دبور يرشد العلماء ل"سرّ" إبطاء الشيخوخة..ما القصة..؟!    عاجل: وفاة فنان مصري مشهور داخل دار المسنين بعد صراع مع المرض    مسؤول يوضح: ''لا اختراق شامل لمنظومة التوجيه... والتحقيق متواصل''    السنة الدراسية على الابواب : معلومات مهمّة لازم يعرفها المعلم و التلميذ    عاجل- في بالك اليوم أقصر نهار في التاريخ ...معلومات متفوتهاش    شنوّا يلزمك باش تاخذ قرض من بنك في تونس؟    تأكلها يوميًا دون أن تعلم: أطعمة تقلل خطر السرطان ب60%    تُعطّس برشا ومكش مريض؟ هاو علاش!    التراث والوعي التاريخيّ    صفاقس: انجاز جملة من التدخلات والأعمال العلمية تثمينا للموقع الأثري بطينة    زفيريف ينتفض ليُطيح بحامل اللقب بوبيرين من بطولة كندا المفتوحة للتنس    اللجنة الجهوية للنظافة بولاية تونس توصي بضبط رزنامة وبرنامج عمل للقضاء على النقاط السوداء    جامع الزيتونة ضمن سجلّ الألكسو للتراث المعماري والعمراني العربي    صور أطفالكم على الفيسبوك ؟ شوف القانون شنوا يقول    بارفان ب5 د و على الطريق ؟ رد بالك تضر صحتك و هذا شنوا يستنى فيك    قيس سعيّد: التعليم الوطني هو السلاح الحقيقي للتحرّر    سوسة: سلاحف بحرية مهددة بالاندثار تخرج إلى شاطئ القنطاوي في مشهد نادر    عاجل: زلزال بقوة 5.7 درجات يضرب هذه البلاد    واشنطن تدين قرار وضع الرئيس البرازيلي السابق قيد الإقامة الجبرية    بنزرت/ حجز 5,45 طن من مادة الدلاع وإعادة ضخها في المسالك القانونية..    الصربي ديوكوفيتش يعلن انسحابه من بطولة سينسيناتي الأمريكية للتنس    حملات لوحدات الشرطة البلدية تسفر عن القيام ب 54 عملية حجز    فنان الراب العالمي بلطي يروي قصص الجيل الجديد على ركح مهرجان الحمامات    اكتشاف علاج واعد لأحد أخطر أنواع سرطان الدم    تاريخ الخيانات السياسية (36) ..المعتزّ يقتل المستعين بعد الأمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحلقة الأولى:أحداث ميزاب في الجزائر و الوجه الآخر للإستعمار
نشر في الفجر نيوز يوم 26 - 06 - 2008

لما ثارت فتنة وارجلان (ورقلة حاليا) سنة 1960 بين الإباضية وعرب السنة بتواطؤ من السلطات الإستعمارية، كانت حينها مسألة فصل الصحراء على طاولة الحوار، وكان لسان حال السلطات يقول ترقبوا ما سيحدث لكم بعد رحيلنا. واختيار الضحية - التي سقطت في تلك المواجهات- من مدينة القرارة،لم يكن عبثا. ولقد ألقى حينها الشيخ بيوض في جنازة المرحوم بوعصبانة درسا في غاية الأهمية.
والتارخ يعيد نفسه لكن بسيناريوهات أخرى. فلما تحصل حزب المعارضة (الأرسيدي) في بريان على الأغلبية في الإنتخابات البلدية وذلك على حساب أحزاب السلطة، لم تتجرع هذه الأخيرة مرارة الخسران. فخشي لوبي الفساد الذي كان يتستر وراء أصحاب النفوذ على مصالحه بظهور تلك القوى التي غيرت من معادلات المنطقة. وكلما شعر هذا اللوبي بخطر يحوم حوله إلا وقام بتأجيج الأوضاع لتحويل الأنظار والتستر عن جرائمه ولسان حاله يقول هذا ما جنت عليكم "أحزابكم". وكل من حاول الوقوف في وجه هذه العصابة التي تعيث في الأرض فسادا لفضح مخططاتهم إلا ولفقت قضية ضده فيصبح ويمسي بين أروقة العدالة وتحت رحمة مافيا الفساد التي تتمتع بحصانة عليا.
بمثل هذه المكايد، زج بأبرياء في السجون، ومنهم من صدر في حقه الإعدام ظلما وعدوانا. مثل قضية السيد بابانجار الميزابي والذي لا يزال يعلن براءته من غياهب السجن، بعدما لفقت ضده تهمة قتل في حادثة رمضان 2005 والتي راح ضحيتها المرحوم الميزابي أيضا بازين الذي مات حرقا. والغرض من ذلك كله هو تأليب الأوضاع على حركات الإحتجاج وعلى أحزاب المعارضة مثل التي قام بها حزب الأففاس في ولاية غرداية.
لو كانت العدالة بمثل هذه الصرامة فيما سبق من أحداث في الولاية، مثل التي وقعت سنة 1985 أوسنة 1990 والتي راح ضحيتها إباضية أبرياء، لما تكررت مأساة بريان الأخيرة. وأولائك المجرمون الذين نكلوا بالضاحايا ومثلوا بهم هم اليوم يتنعمون في الطبيعة ولا شي يقلقهم أو يقض مضاجعهم. فالعدالة في الجزائر هي على المقاس وعلى المزاد. فالسلطة والعدالة تفسران بعضهما البعض وإحداهما ما هي إلا مرآة للأخرى. فلو قامت العدالة حينها بالإقتصاص من الجناة لأنقذت نفوسا أخرى، والله تعالى يقول "ولكم في القصاص حياة".
وكان بإمكان هؤلاء الإباضية أن يثأروا ردا للإعتداء، لكنهم أحرص الناس على حياة الفرد ولو كان هذا الفرد غير مسلم، فلا شيئ يردعهم غير إيمانهم العميق أن حفظ النفس مبدأ مقدس عند كل مؤمن متصف بالإيمان الحقيقي. ولم يجد التطرف يوما سبيلا إلى قاموسهم اليومي. وهل يعقل وفي مثل هذه الظروف أن يتهم ميزابي بقتل ميزابي؟ لكن مافيا الفساد عندما تنوي الإنتقام فلا خلق يردعها ولا دين.
لقد كانت الدولة الرستمية مثالا في التسامح بين المذاهب والديانات ولم نقرأ عن الإباضية يوما أنه مذهب انتشر بالسيف والإكراه بل بالدعوة والقناعة. ولقد شهد بذلك ابن الصغير المالكي الذي عاش في ظلال تلك الدولة. وما كان إباضية اليوم ليزيغوا عن هذه الركيزة الإيمانية.
لقد أظهرت السلطات الجزائرية عجزها في معالجة أحداث بريان التي كانت مسرحا للإشتباكات بين أبناء المنطقة مدة شهرين أو تزيد. وكانت الحصيلة ثقيلة : حصاد ثلاثة أرواح (اثنين منهم إباضية والثالث من السنة) وهذا الأخير سقط برصاصة شرطي. أما عن الحصيلة المادية فكان حرق وسرقة وتخريب عشرات المتاجر والبيوت وتشريد مئات العائلات. والإحصائيات الأخيرة تشير إلى 300 عائلة إباضية منكوبة مشردة يقابلها 165 عائلة سنية في نفس الأوضاع.
منطقة ميزاب، التي تنتمي إلى الأغلبية الصامتة الهادئة، لم يعرف الإرهاب كيف يتسلل إليها أيام سنوات الجمر، فكانت آمنة مطمئنة رغم أن أهلها دفعوا ضربية باهظة. واليوم يسعى مؤججوا الفتن ظاهرها وباطنها إلى زعزعة أمن قرى هذا الوادي، وادي ميزاب. فلحساب من وعلى حساب من ؟
لقد تعمدت السلطة تعفين الأوضاع لتوريط أكبر عدد من الأشخاص، وكان بإمكانها التدخل عند نشوب أول شرارة، لكنها تمادت وتراخت فقامت بعدها باعتقالات عشوائية أخذا بالظنه، فطالت الأبرياء، كاعتقال أحد أكبر أعيان المنطقة والذي يشهد له العام والخاص بالصدق والشرف، وهذا التصرف الإستفزازي يطرح أكثر من سؤال ولا يعبر إلا عن حقيقة ألا وهي تصفية الحسابات وأغراض أخرى سيكشف عنها بعد زمن. في حين تجاهلت هذه السلطة المتسببين الحقيقيين في الأزمة أمثال الوالي وأذنابه وكذا الطواطؤ العلني لرجال "الأمن" في إذكاء نار الفتنة. ولا شيئ يقلق هؤلاء لحد الساعة. أعوان بالزي الرسمي يشاركون في الصراع ضد الميزابيين، كما جاء في شريط مسجل وغيره من الأشرطة التي صودرت معظمها واعتقل صاحبها بدل الإسراع للقيام بالتحقيقات.
فكانت نتيجة هذه التجاوزات الخطيرة : مجرمون في الطبيعة وأبرياء في الزنزانة. وهذا التطرف لا يعبر إلا عن وجه آخر للإستعمار في ممارسة إرهاب السلطة. وكأني بخطبة زياد تسري في عروقهم " إني أقسم بالله لآخذن المقيم بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والصحيح منكم بالسقيم حتى يقول قائلكم أنجو سعد فقد هلك سعيد ."
عند قدومنا لحضور محاكمة الموقوفين من الدفعة الأولى، شبه أحد المحامين تلك التجاوزات الخطيرة أثناء التوقيفات والمداهمات وقال إنه تذكره بالعهد الإستعماري. أجل، ولكن هل رحل يوما الإستعمار من أراضينا الجزائرية ؟ فبدل أن يتغنى هؤلاء ويحتفلون كل سنة بعيد الإستقلال هل بإمكانهم أن يقدموا لنا حصيلة أهم منجزات ما بعد 1962، في الميادين التربوية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية ... والصحة والطرق و النقل و ... و ...؟
وهذه السياسة القمعية التي لاتفرق بين الجاني والبرئ والظالم والمظلوم وسياسة تكميم الأفواه لا يقابلها إلا التطرف وسيكون دخول السجن حينها شرف لصاحبه ومن أهم ما يضاف إلى سيرته الذاتيه. وما زاد للطين بلة وللوضع خطورة أولائك الذين يوشون بإخوانهم من جنسهم ظلما وعدوانا. ... خسروا الدنيا والآخرة. ... "وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون".
وأغرب ما في المحاكمة أن معظم المقبوض عليهم متهمون بالخروج إلى الشارع، ولو كان ذلك دفاعا عن أنفسهم وممتلكاتهم. أيعقل ألا يستجيب هؤلاء إلى نداءات الإستغاثة ويحلو لهم القعود في بيوتهم والشرطة تتفرج من بعيد في انتظار الأوامر، بل وتشارك في تأليب الأوضاع كما جاء في التقارير ؟ من منا لا يخرج من بيته ودار جاره يلتهب ؟ فماذا ينص قانون العقوبات عند عدم تقديم الإستغاثة لأشخاص والخطر يحدق بهم ؟
هل عندما رفض السيد المرحوم الإباضي الداغور الخروج من بيته، والذي تجاوز الستين، كان قد شفع له بذلك حيث قتل بطعنات خنجر ونكل به ؟ هؤلاء القتلة السفاكين يعبرون عما في أنفسهم عن حقد دفين وبغض ومقت، " ألا يظن أولائك أنهم مبعوثون ليوم عظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين".
ولا أستطرد كثيرا في سرد الحدث وأكتفي بالإحالة إلى بعض الروابط تجدونها أدنى الصفحة، مثل التقرير الذي بعث به حزب الأرسيدي إلى السلطات، لكنها آثرت التكتم على قول الحق.
مثل هذه الأحداث، كما أشرت سابقا، ليست حديثة العهد بالمنطقة، لكن هذه المرة أخذت أبعادا أشد خطرا تنذر بمستقبل مشؤوم ما دامت السلطات تتهرب من مواجهة الحقيقة المرة وتعالج الأوضاع بسطحية غريبة وبطرق مشبوهة وعدم الأخذ بعين الجدية مشاكل المنطقة لاحتواء الأزمة مع دراسة الأوضاع من أصولها الجذرية و الأخذ بعين الإعتبار خصوصيات المنطقة. فمن الوزير الذي يصرح أن النزاع سببه شخصي مستقيا معلوماته من صحافة المراحيض، إلى ذلك الذي يدعي أن ملف بريان طوي نهائيا بعدما زارها في نزهة للترويج للعهدة الثالثة المشؤومة ... بين ذاك و ذلك، بريان غارقة في الفتنة ... تستغيث.
عندما تلي علينا "ذلك التقرير" في المسجد، الذي حرر بإيحاء من الوالي، كان كلنا أمل إلى التوصل إلى حلول سلمية تطفئ لهيب الفتنة، لكن سرعان ما تبدد ذلك الأمل وأصيب الجميع بالخيبة. وقاصمة الظهر عندما ختم البيان لدعوة الرئيس إلى عهدة ثالثة، شعرت حينها بدوران وكأن السقف خر علينا وعلمت حينها أن حلقات الفتنة لا تزال في بداياتها. إنها المتاجرة بالفتنة، إنهم سماسرتها.
عندما يريد الشارع الجزائري أن يعبر عن سخطه والتنفيس عن غصصه مثلما حدث أخيرا في مدينتي الشلف و وهران فإنه يستهدف مؤسسات الدولة ورموزها لرفض التهميش والحقرة. ولكن ميزاب تختلف عن ذلك، فالميزابيون هم الذين يتكبدون الخسائر وكأنهم هم من سبب في وضعية الثائرين المزرية. كيف نفسر هذه الظاهرة ؟
لقد تعلم المزابيون، وبفضل هياكلهم الإجتماعية العريقة، كيف يعتمدون على أنفسهم، وأخذوا على عاتقهم التكفل بمحتاجيهم والتضامن مع المساكين والمعوزين للرفع من مستواهم المعيشي رغم أن جميع تلك التكفلات هي في الأصل عالة على الدولة. وهذه الحالة الإستثنائية في الجزائر لم تكن لتروق للبعض خاصة ممن يعاني الفقر والتهميش، فأصبحوا يتربصون بأولائك المزابيين حسدا من عند أنفسهم. وهذا العنصر أوهذه الوضعية يستغلها أصحاب النفوذ كلما شعروا بخطر ضدهم لتضليل الرأي العام ولحماية مصالحهم. وعندما يهم لوبي الفساد بتأليب الأوضاع، فالعنصر الديني أو المذهبي وحده كفيل لتحريك الشارع، لتبرير سفك الدماء وانتهاك الحرمات، في مسائل تعود إلى أربعة عشر قرنا من الزمن.
ولقد ساهمت بعض الصحف الدنيئة في نفث خبثها وسمومها لإذكاء نار الفتنة بنية مبيتة وبالتحالف مع قوى الشر والفساد. صحافة إذا تحدثت تنفست الكذب والبهتان، صحافة تقتات بالإشاعة والقذف. صحافيون متربصون تربص سوء يمارسون دون أدنى احترافية وبعيدون عن أخلاقيات المهنة والضمير المهني.
خطورة الوضع عندما يمسك بالقلم ويكتب وينشر التضليل على أنه حقيقة. تزداد المشكلة " كما أشار أحد الكتاب البارزين في عرب تايمز، أنقله بتصرف" وتستعصى على الحل حين يحصل الجاهل على مراتب عليا، فيتحول جهله الى ما يشبه العلم. هذه هى صناعة الجهل، وهى صناعة عتيدة فى عالمنا الإسلامي تقوم على رعايتها وزارات الثقافة والتعليم والإعلام والمنظومة التربوية. وفى هذا المناخ الفاسد نشأ شباب من الصحفيين. نشأوا فى هذه البيئة التى تحترف الجهل المسلح بالقدح والكذب وتمارسه، فى بيئة تحترف الافتراء وتقدس الأكاذيب والإشاعات ولا ترى فيها خزيا. ولم يتعلموا شرف الكلمة المكتوبة وقول الحق والصدق. " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد".
صحافة لا تبحث إلا عن الرواج والإثارة و قلب الحقائق. وهذا الوباء مس معظم الصحف العربية "إلا من رحم ربك". لماذا تتعمد هذه الصحافة عدم التطرق إلى صميم الأزمة للحديث عن ملفات الفساد ؟ صحفيون يوظفون المعلومات الميدانية حسب أغراضهم الدنيئة و يتفننون في طمس الحقائق.
وعلى رأس هذه الصحف وبلا منازع نجد صحيفة النهار التي اسودت صحيفتها ولم يمر عليها عام من ميلادها. إنها بوق النظام وحذاء المخابرات، صحيفة لا تتقن إلا القذف والكذب. وأتعجب كيف يثق الفرد في أمثال هؤلاء الصحفيين فيجالسهم ويحاورهم ويدلي إليهم بالمعلومات بدل القيام برفع دعاوي قضائية لمحاكمتهم.
...
وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلاَ تَحْسَبَنّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ * يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهّارِ. وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مّقَرّنِينَ فِي الأصْفَادِ * سَرَابِيلُهُم مّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىَ وُجُوهَهُمْ النّارُ * لِيَجْزِيَ اللّهُ كُلّ نَفْسٍ مّا كَسَبَتْ إِنّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ. صدق الله العظيم.
أيعقل أن يثق الفرد في سلطة قائمة على الجهوية القبلية ؟
نعم وأعي ما أقول وأزن كل حرف وكلمة.
بعد ذهاب فرنسا (ولا أقول الإستعمار لأنه مازال قائما) اتخذ شرذمة من السلطة الجزائرَ بعد الإستلاء عليها ضيعة لها، وسكن هؤلاء في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وملكوا الجزائر ما فيها ومن فيها. واستباحوا خيراتها وذللوا الشعب بمارسة سياسة التجهيل والتفقير واسترهبوه فكانوا الوجه الاخر للإستعمار.
لن أعود بالقارئ كثيرا إلى الوراء وإنما يكفي الإلتفاتة إلى الرئيس الحالي وطاقمه الوزاري لنجد، وبعد إحصائيات بسيطة، عشر وزراء هم من أصول مدينة تلمسان ومعظهم مكلفون بأهم الحقائب الوزارية، وذلك من مجموع خمس وثلاثين وزيرا. أضف إلى تنصيب شقيقه ضمن ترسانته من المقربين.
ثم نلاحظ التهميش و الإنعدام الكلي لجيل ما بعد 1962 ؟
وما هي نسبة التمثيل الجنوبي في الوزارة ؟ وإذا أردنا أن نتحدث بلغة ومنطق السلطة أقول أين هي حصة الجنوب من الكعك ؟
وكم تعجبني عبارة "أحيل لمهام أخرى" وأطرب لها.
فما إن سيطر هذا الرئيس بزمام الحكم حتى أعلن إلغاء يوم 19 جوان ذكرى الإنقلاب وكذا رد الإعتبار للزعيم التاريخي مصالي الحاج. وإن كنت شخصيا ممن يرحب بهذا القرار، لكن أرفضه عندما يكون له صبغة جهوية.
عندما تكون بحوزتنا كل هذه المعادلات فلا نتعجب عن سر بقاء والي غرداية في منصبه رغم الأحداث الأخيرة، وكذا مدير المستشفيات ورغم الإحتجاجات المتكررة والتجاوزات الخطيرة. ولا أحد يقلق العربي بلخير ونفوذه في المنطقة. واترك لكم أن تجدوا العامل المتشرك بين هؤلاء.
أقول، ليس من الغريب أن يحتمي والي غرداية وراء هذه العصبية رغم ضلوعه في الأحداث ورغم الإلحاح الشديد في المطالبة برحيله. وهو في نفس الوقت حفيد وزير الخارجية السابق م. بجاوي. في حين أن الرئيس سارع وفي نفس الظروف إلى تنحية والي الشلف عند غليان الشارع.
لقد أطلعتنا جريدة الخبر أن هذا الوالي طلب الوزارة الداخلية إعفاءه عن مهامه لأسباب صحية لكن قوبل بالرفض مرتين. ما مدى صحة هذا الخبر ؟ أم هو للتضليل كما ألف العام والخاص ؟ وكيف للصحيفة أن تتحصل وتتفرد بهذه المعلومة ؟
السلطة العجوز أصبحت غير قادرة على التكفل برعيتها وهموما و مسايرة تحديات العصر ورغم ذلك فلا تزال ماكثة وطامعة في عهدة دائمة وترى نفسها وصية على ذلك الشعب المغلوب على أمره، خاصة جيل ما بعد الإستقلال، وأي استقلال؟ هذا الجيل الذي بلغ أشده وجاوز الأربعين وهو مقبل على الشيخوخة ومع ذلك فلا يزال قاصرا أمام النظام يحتاج إلى وكالة. هذا الجيل الذي فتح عينيه على نفس الوجوه التي لا تزال تتحكم في دوالب السلطة حفاظا على مصالحها ونفوذها.
دستور يوضع على المقاس، لأن الجزائر لم تجد "الرجل المناسب". إنها مسبة في حق 35 مليون من الشعب ... لماذا لا تأخذ، هذه الشرذمة، العبرة من فرنسا التي تسعى إلى تقليص عدد العهدات الرئاسية بعدما قلصت مدتها أو من روسيا التي تحترم شعبها ولم يتجرأ بوتين المساس بالدستور رغم شعبيته ؟
أي لعنة هذه التي تلحق الجزائريين ؟
يتبع.
وفي الحلقة القادمة سنركز الحديث، دائما في إطار هذه الأزمة، على :
- المنظومة التربوية العنصرية،
- تعديل الدستور على المقاس،
-المصالحة الوطنية،
- حقوق الأقليات المضطهدة.
المصدربريد الفجرنيوز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.