انقلاب قطار لنقل الفسفاط بالمتلوي.. تسجيل حالة وفاة    تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة    الشرع يجيب على سؤال: ماذا تقول لمن يتساءل عن كيفية رفع العقوبات عنك وأنت قاتلت ضد أمريكا؟    تركيا: مقتل 20 جنديا في سقوط طائرة عسكرية    تقديرا لإسهاماته في تطوير البحث العلمي العربي : تكريم المؤرخ التونسي عبد الجليل التميمي في الإمارات بحضور كوكبة من أهل الفكر والثقافة    محمد علي النفطي يوضّح التوجهات الكبرى لسياسة تونس الخارجية: دبلوماسية اقتصادية وانفتاح متعدد المحاور    المؤرخ عبد الجليل التميمي يدعو إلى وضع رؤية جديدة للتعليم    "ضعي روحك على يدك وامشي" فيلم وثائقي للمخرجة زبيدة فارسي يفتتح الدورة العاشرة للمهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان بتونس    الديوانة تُحبط محاولتين لتهريب العملة بأكثر من 5 ملايين دينار    عاجل/ الرصد الجوي يصدر نشرة استثنائية..    اخبار كرة اليد .. قرعة ال«كان» يوم 14 نوفمبر    كريستيانو رونالدو: أنا سعودي...    الكتاب تحت وطأة العشوائية والإقصاء    أزمة جديدة تهزّ المشهد الثقافي ... اتحاد الناشرين التونسيين يقاطع معرض الكتاب    الحمامات وجهة السياحة البديلة ... موسم استثنائي ونموّ في المؤشرات ب5 %    بنزرت الجنوبية ... 5 جثث آدمية لفظتها الأمواج في عدد من الشواطئ    3 آلاف قضية    وزير الدفاع الوطني: الوضع الأمني مستقر نسبياً مع تحسن ملموس في ظل واقع جيوسياسي معقد    المنتخب التونسي: سيبستيان توناكتي يتخلف عن التربص لاسباب صحية    عاجل/ قيمة ميزانية وزارة الخارجية لسنة 2026    عاجل/ سياسي جديد يدخل في إضراب جوع    الدعارة في "إسرائيل" تتفشى على الإنترنت    عاجل/ تونس تُبرم إتفاقا جديدا مع البنك الدولي (تفاصيل)    عاجل/ غلق هذه الطريق بالعاصمة لمدّة 6 أشهر    فريق من المعهد الوطني للتراث يستكشف مسار "الكابل البحري للاتصالات ميدوزا"    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الأديب والمفكر الشاذلي الساكر    الفواكة الجافة : النيّة ولا المحمّصة ؟ شوف شنوّة اللي ينفع صحتك أكثر    11 نوفمبر: العالم يحتفل ب''يوم السناجل''    عاجل: تونس وموريتانيا – 14 ألف تذكرة حاضرة ....كل ما تحب تعرفوا على الماتش!    تونس تتمكن من استقطاب استثمارات أجنبية بأكثر من 2588 مليون دينار إلى أواخر سبتمبر 2025    كونكت: تنظيم جديد لمحمّصي القهوة في تونس    عاجل-شارل نيكول: إجراء أول عملية جراحية روبوتية في تونس على مستوى الجهاز الهضمي    الأخطر منذ بدء الحرب/ شهادات مزلزلة ومروعة لاغتصاب وتعذيب جنسي لأسيرات وأسرى فلسطينيين على يد الاحتلال..    علماء يتوصلون لحل لغز قد يطيل عمر البشر لمئات السنين..    من وسط سبيطار فرحات حشاد: امرأة تتعرض لعملية احتيال غريبة..التفاصيل    عاجل: اقتراح برلماني جديد..السجناء بين 20 و30 سنة قد يؤدون الخدمة العسكرية..شنيا الحكاية؟    رسميا: إستبعاد لامين يامال من منتخب إسبانيا    عاجل: منخفض جوي ''ناضج'' في هذه البلاد العربية    QNB تونس يفتتح أول فرع أوائل QNB في صفاقس    تصريحات صادمة لمؤثرة عربية حول زواجها بداعية مصري    عاجل : تحرك أمني بعد تلاوة آيات قرآنية عن فرعون بالمتحف الكبير بمصر    سليانة: نشر مابين 2000 و3000 دعسوقة مكسيكية لمكافحة الحشرة القرمزية    عشرات الضحايا في تفجير يضرب قرب مجمع المحاكم في إسلام آباد    عاجل/ سقوط سقف إحدى قاعات التدريس بمعهد: نائب بالمجلس المحلّي بفرنانة يفجرها ويكشف..    عاجل: معهد صالح عزيز يعيد تشغيل جهاز الليزر بعد خمس سنوات    غدوة الأربعاء: شوف مباريات الجولة 13 من بطولة النخبة في كورة اليد!    عاجل/ وزارة الصناعة والمناجم والطاقة تنتدب..    مؤلم: وفاة توأم يبلغان 34 سنة في حادث مرور    النادي الإفريقي: محسن الطرابلسي وفوزي البنزرتي يواصلان المشوار    بعد أكثر من 12 عاما من إغلاقها.. السفارة السورية تعود إلى العمل بواشنطن    المنتخب التونسي لكرة السلة يتحول الى تركيا لاجراء تربص باسبوعين منقوصا من زياد الشنوفي وواصف المثناني بداعي الاصابة    عاجل/ وزير الداخلية يفجرها ويكشف عن عملية أمنية هامة..    النقابة التونسية لأطباء القطاع الخاص تنظم يومي 13 و14 ديسمبر القادم فعاليات الدورة 19 لأيام الطب الخاص بالمهدية    الدكتور صالح باجية (نفطة) .. باحث ومفكر حمل مشعل الفكر والمعرفة    صدور العدد الجديد لنشرية "فتاوي تونسية" عن ديوان الإفتاء    شنيا الحاجات الي لازمك تعملهم بعد ال 40    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحلقة الأولى:أحداث ميزاب في الجزائر و الوجه الآخر للإستعمار
نشر في الفجر نيوز يوم 26 - 06 - 2008

لما ثارت فتنة وارجلان (ورقلة حاليا) سنة 1960 بين الإباضية وعرب السنة بتواطؤ من السلطات الإستعمارية، كانت حينها مسألة فصل الصحراء على طاولة الحوار، وكان لسان حال السلطات يقول ترقبوا ما سيحدث لكم بعد رحيلنا. واختيار الضحية - التي سقطت في تلك المواجهات- من مدينة القرارة،لم يكن عبثا. ولقد ألقى حينها الشيخ بيوض في جنازة المرحوم بوعصبانة درسا في غاية الأهمية.
والتارخ يعيد نفسه لكن بسيناريوهات أخرى. فلما تحصل حزب المعارضة (الأرسيدي) في بريان على الأغلبية في الإنتخابات البلدية وذلك على حساب أحزاب السلطة، لم تتجرع هذه الأخيرة مرارة الخسران. فخشي لوبي الفساد الذي كان يتستر وراء أصحاب النفوذ على مصالحه بظهور تلك القوى التي غيرت من معادلات المنطقة. وكلما شعر هذا اللوبي بخطر يحوم حوله إلا وقام بتأجيج الأوضاع لتحويل الأنظار والتستر عن جرائمه ولسان حاله يقول هذا ما جنت عليكم "أحزابكم". وكل من حاول الوقوف في وجه هذه العصابة التي تعيث في الأرض فسادا لفضح مخططاتهم إلا ولفقت قضية ضده فيصبح ويمسي بين أروقة العدالة وتحت رحمة مافيا الفساد التي تتمتع بحصانة عليا.
بمثل هذه المكايد، زج بأبرياء في السجون، ومنهم من صدر في حقه الإعدام ظلما وعدوانا. مثل قضية السيد بابانجار الميزابي والذي لا يزال يعلن براءته من غياهب السجن، بعدما لفقت ضده تهمة قتل في حادثة رمضان 2005 والتي راح ضحيتها المرحوم الميزابي أيضا بازين الذي مات حرقا. والغرض من ذلك كله هو تأليب الأوضاع على حركات الإحتجاج وعلى أحزاب المعارضة مثل التي قام بها حزب الأففاس في ولاية غرداية.
لو كانت العدالة بمثل هذه الصرامة فيما سبق من أحداث في الولاية، مثل التي وقعت سنة 1985 أوسنة 1990 والتي راح ضحيتها إباضية أبرياء، لما تكررت مأساة بريان الأخيرة. وأولائك المجرمون الذين نكلوا بالضاحايا ومثلوا بهم هم اليوم يتنعمون في الطبيعة ولا شي يقلقهم أو يقض مضاجعهم. فالعدالة في الجزائر هي على المقاس وعلى المزاد. فالسلطة والعدالة تفسران بعضهما البعض وإحداهما ما هي إلا مرآة للأخرى. فلو قامت العدالة حينها بالإقتصاص من الجناة لأنقذت نفوسا أخرى، والله تعالى يقول "ولكم في القصاص حياة".
وكان بإمكان هؤلاء الإباضية أن يثأروا ردا للإعتداء، لكنهم أحرص الناس على حياة الفرد ولو كان هذا الفرد غير مسلم، فلا شيئ يردعهم غير إيمانهم العميق أن حفظ النفس مبدأ مقدس عند كل مؤمن متصف بالإيمان الحقيقي. ولم يجد التطرف يوما سبيلا إلى قاموسهم اليومي. وهل يعقل وفي مثل هذه الظروف أن يتهم ميزابي بقتل ميزابي؟ لكن مافيا الفساد عندما تنوي الإنتقام فلا خلق يردعها ولا دين.
لقد كانت الدولة الرستمية مثالا في التسامح بين المذاهب والديانات ولم نقرأ عن الإباضية يوما أنه مذهب انتشر بالسيف والإكراه بل بالدعوة والقناعة. ولقد شهد بذلك ابن الصغير المالكي الذي عاش في ظلال تلك الدولة. وما كان إباضية اليوم ليزيغوا عن هذه الركيزة الإيمانية.
لقد أظهرت السلطات الجزائرية عجزها في معالجة أحداث بريان التي كانت مسرحا للإشتباكات بين أبناء المنطقة مدة شهرين أو تزيد. وكانت الحصيلة ثقيلة : حصاد ثلاثة أرواح (اثنين منهم إباضية والثالث من السنة) وهذا الأخير سقط برصاصة شرطي. أما عن الحصيلة المادية فكان حرق وسرقة وتخريب عشرات المتاجر والبيوت وتشريد مئات العائلات. والإحصائيات الأخيرة تشير إلى 300 عائلة إباضية منكوبة مشردة يقابلها 165 عائلة سنية في نفس الأوضاع.
منطقة ميزاب، التي تنتمي إلى الأغلبية الصامتة الهادئة، لم يعرف الإرهاب كيف يتسلل إليها أيام سنوات الجمر، فكانت آمنة مطمئنة رغم أن أهلها دفعوا ضربية باهظة. واليوم يسعى مؤججوا الفتن ظاهرها وباطنها إلى زعزعة أمن قرى هذا الوادي، وادي ميزاب. فلحساب من وعلى حساب من ؟
لقد تعمدت السلطة تعفين الأوضاع لتوريط أكبر عدد من الأشخاص، وكان بإمكانها التدخل عند نشوب أول شرارة، لكنها تمادت وتراخت فقامت بعدها باعتقالات عشوائية أخذا بالظنه، فطالت الأبرياء، كاعتقال أحد أكبر أعيان المنطقة والذي يشهد له العام والخاص بالصدق والشرف، وهذا التصرف الإستفزازي يطرح أكثر من سؤال ولا يعبر إلا عن حقيقة ألا وهي تصفية الحسابات وأغراض أخرى سيكشف عنها بعد زمن. في حين تجاهلت هذه السلطة المتسببين الحقيقيين في الأزمة أمثال الوالي وأذنابه وكذا الطواطؤ العلني لرجال "الأمن" في إذكاء نار الفتنة. ولا شيئ يقلق هؤلاء لحد الساعة. أعوان بالزي الرسمي يشاركون في الصراع ضد الميزابيين، كما جاء في شريط مسجل وغيره من الأشرطة التي صودرت معظمها واعتقل صاحبها بدل الإسراع للقيام بالتحقيقات.
فكانت نتيجة هذه التجاوزات الخطيرة : مجرمون في الطبيعة وأبرياء في الزنزانة. وهذا التطرف لا يعبر إلا عن وجه آخر للإستعمار في ممارسة إرهاب السلطة. وكأني بخطبة زياد تسري في عروقهم " إني أقسم بالله لآخذن المقيم بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والصحيح منكم بالسقيم حتى يقول قائلكم أنجو سعد فقد هلك سعيد ."
عند قدومنا لحضور محاكمة الموقوفين من الدفعة الأولى، شبه أحد المحامين تلك التجاوزات الخطيرة أثناء التوقيفات والمداهمات وقال إنه تذكره بالعهد الإستعماري. أجل، ولكن هل رحل يوما الإستعمار من أراضينا الجزائرية ؟ فبدل أن يتغنى هؤلاء ويحتفلون كل سنة بعيد الإستقلال هل بإمكانهم أن يقدموا لنا حصيلة أهم منجزات ما بعد 1962، في الميادين التربوية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية ... والصحة والطرق و النقل و ... و ...؟
وهذه السياسة القمعية التي لاتفرق بين الجاني والبرئ والظالم والمظلوم وسياسة تكميم الأفواه لا يقابلها إلا التطرف وسيكون دخول السجن حينها شرف لصاحبه ومن أهم ما يضاف إلى سيرته الذاتيه. وما زاد للطين بلة وللوضع خطورة أولائك الذين يوشون بإخوانهم من جنسهم ظلما وعدوانا. ... خسروا الدنيا والآخرة. ... "وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون".
وأغرب ما في المحاكمة أن معظم المقبوض عليهم متهمون بالخروج إلى الشارع، ولو كان ذلك دفاعا عن أنفسهم وممتلكاتهم. أيعقل ألا يستجيب هؤلاء إلى نداءات الإستغاثة ويحلو لهم القعود في بيوتهم والشرطة تتفرج من بعيد في انتظار الأوامر، بل وتشارك في تأليب الأوضاع كما جاء في التقارير ؟ من منا لا يخرج من بيته ودار جاره يلتهب ؟ فماذا ينص قانون العقوبات عند عدم تقديم الإستغاثة لأشخاص والخطر يحدق بهم ؟
هل عندما رفض السيد المرحوم الإباضي الداغور الخروج من بيته، والذي تجاوز الستين، كان قد شفع له بذلك حيث قتل بطعنات خنجر ونكل به ؟ هؤلاء القتلة السفاكين يعبرون عما في أنفسهم عن حقد دفين وبغض ومقت، " ألا يظن أولائك أنهم مبعوثون ليوم عظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين".
ولا أستطرد كثيرا في سرد الحدث وأكتفي بالإحالة إلى بعض الروابط تجدونها أدنى الصفحة، مثل التقرير الذي بعث به حزب الأرسيدي إلى السلطات، لكنها آثرت التكتم على قول الحق.
مثل هذه الأحداث، كما أشرت سابقا، ليست حديثة العهد بالمنطقة، لكن هذه المرة أخذت أبعادا أشد خطرا تنذر بمستقبل مشؤوم ما دامت السلطات تتهرب من مواجهة الحقيقة المرة وتعالج الأوضاع بسطحية غريبة وبطرق مشبوهة وعدم الأخذ بعين الجدية مشاكل المنطقة لاحتواء الأزمة مع دراسة الأوضاع من أصولها الجذرية و الأخذ بعين الإعتبار خصوصيات المنطقة. فمن الوزير الذي يصرح أن النزاع سببه شخصي مستقيا معلوماته من صحافة المراحيض، إلى ذلك الذي يدعي أن ملف بريان طوي نهائيا بعدما زارها في نزهة للترويج للعهدة الثالثة المشؤومة ... بين ذاك و ذلك، بريان غارقة في الفتنة ... تستغيث.
عندما تلي علينا "ذلك التقرير" في المسجد، الذي حرر بإيحاء من الوالي، كان كلنا أمل إلى التوصل إلى حلول سلمية تطفئ لهيب الفتنة، لكن سرعان ما تبدد ذلك الأمل وأصيب الجميع بالخيبة. وقاصمة الظهر عندما ختم البيان لدعوة الرئيس إلى عهدة ثالثة، شعرت حينها بدوران وكأن السقف خر علينا وعلمت حينها أن حلقات الفتنة لا تزال في بداياتها. إنها المتاجرة بالفتنة، إنهم سماسرتها.
عندما يريد الشارع الجزائري أن يعبر عن سخطه والتنفيس عن غصصه مثلما حدث أخيرا في مدينتي الشلف و وهران فإنه يستهدف مؤسسات الدولة ورموزها لرفض التهميش والحقرة. ولكن ميزاب تختلف عن ذلك، فالميزابيون هم الذين يتكبدون الخسائر وكأنهم هم من سبب في وضعية الثائرين المزرية. كيف نفسر هذه الظاهرة ؟
لقد تعلم المزابيون، وبفضل هياكلهم الإجتماعية العريقة، كيف يعتمدون على أنفسهم، وأخذوا على عاتقهم التكفل بمحتاجيهم والتضامن مع المساكين والمعوزين للرفع من مستواهم المعيشي رغم أن جميع تلك التكفلات هي في الأصل عالة على الدولة. وهذه الحالة الإستثنائية في الجزائر لم تكن لتروق للبعض خاصة ممن يعاني الفقر والتهميش، فأصبحوا يتربصون بأولائك المزابيين حسدا من عند أنفسهم. وهذا العنصر أوهذه الوضعية يستغلها أصحاب النفوذ كلما شعروا بخطر ضدهم لتضليل الرأي العام ولحماية مصالحهم. وعندما يهم لوبي الفساد بتأليب الأوضاع، فالعنصر الديني أو المذهبي وحده كفيل لتحريك الشارع، لتبرير سفك الدماء وانتهاك الحرمات، في مسائل تعود إلى أربعة عشر قرنا من الزمن.
ولقد ساهمت بعض الصحف الدنيئة في نفث خبثها وسمومها لإذكاء نار الفتنة بنية مبيتة وبالتحالف مع قوى الشر والفساد. صحافة إذا تحدثت تنفست الكذب والبهتان، صحافة تقتات بالإشاعة والقذف. صحافيون متربصون تربص سوء يمارسون دون أدنى احترافية وبعيدون عن أخلاقيات المهنة والضمير المهني.
خطورة الوضع عندما يمسك بالقلم ويكتب وينشر التضليل على أنه حقيقة. تزداد المشكلة " كما أشار أحد الكتاب البارزين في عرب تايمز، أنقله بتصرف" وتستعصى على الحل حين يحصل الجاهل على مراتب عليا، فيتحول جهله الى ما يشبه العلم. هذه هى صناعة الجهل، وهى صناعة عتيدة فى عالمنا الإسلامي تقوم على رعايتها وزارات الثقافة والتعليم والإعلام والمنظومة التربوية. وفى هذا المناخ الفاسد نشأ شباب من الصحفيين. نشأوا فى هذه البيئة التى تحترف الجهل المسلح بالقدح والكذب وتمارسه، فى بيئة تحترف الافتراء وتقدس الأكاذيب والإشاعات ولا ترى فيها خزيا. ولم يتعلموا شرف الكلمة المكتوبة وقول الحق والصدق. " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد".
صحافة لا تبحث إلا عن الرواج والإثارة و قلب الحقائق. وهذا الوباء مس معظم الصحف العربية "إلا من رحم ربك". لماذا تتعمد هذه الصحافة عدم التطرق إلى صميم الأزمة للحديث عن ملفات الفساد ؟ صحفيون يوظفون المعلومات الميدانية حسب أغراضهم الدنيئة و يتفننون في طمس الحقائق.
وعلى رأس هذه الصحف وبلا منازع نجد صحيفة النهار التي اسودت صحيفتها ولم يمر عليها عام من ميلادها. إنها بوق النظام وحذاء المخابرات، صحيفة لا تتقن إلا القذف والكذب. وأتعجب كيف يثق الفرد في أمثال هؤلاء الصحفيين فيجالسهم ويحاورهم ويدلي إليهم بالمعلومات بدل القيام برفع دعاوي قضائية لمحاكمتهم.
...
وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلاَ تَحْسَبَنّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ * يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهّارِ. وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مّقَرّنِينَ فِي الأصْفَادِ * سَرَابِيلُهُم مّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىَ وُجُوهَهُمْ النّارُ * لِيَجْزِيَ اللّهُ كُلّ نَفْسٍ مّا كَسَبَتْ إِنّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ. صدق الله العظيم.
أيعقل أن يثق الفرد في سلطة قائمة على الجهوية القبلية ؟
نعم وأعي ما أقول وأزن كل حرف وكلمة.
بعد ذهاب فرنسا (ولا أقول الإستعمار لأنه مازال قائما) اتخذ شرذمة من السلطة الجزائرَ بعد الإستلاء عليها ضيعة لها، وسكن هؤلاء في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وملكوا الجزائر ما فيها ومن فيها. واستباحوا خيراتها وذللوا الشعب بمارسة سياسة التجهيل والتفقير واسترهبوه فكانوا الوجه الاخر للإستعمار.
لن أعود بالقارئ كثيرا إلى الوراء وإنما يكفي الإلتفاتة إلى الرئيس الحالي وطاقمه الوزاري لنجد، وبعد إحصائيات بسيطة، عشر وزراء هم من أصول مدينة تلمسان ومعظهم مكلفون بأهم الحقائب الوزارية، وذلك من مجموع خمس وثلاثين وزيرا. أضف إلى تنصيب شقيقه ضمن ترسانته من المقربين.
ثم نلاحظ التهميش و الإنعدام الكلي لجيل ما بعد 1962 ؟
وما هي نسبة التمثيل الجنوبي في الوزارة ؟ وإذا أردنا أن نتحدث بلغة ومنطق السلطة أقول أين هي حصة الجنوب من الكعك ؟
وكم تعجبني عبارة "أحيل لمهام أخرى" وأطرب لها.
فما إن سيطر هذا الرئيس بزمام الحكم حتى أعلن إلغاء يوم 19 جوان ذكرى الإنقلاب وكذا رد الإعتبار للزعيم التاريخي مصالي الحاج. وإن كنت شخصيا ممن يرحب بهذا القرار، لكن أرفضه عندما يكون له صبغة جهوية.
عندما تكون بحوزتنا كل هذه المعادلات فلا نتعجب عن سر بقاء والي غرداية في منصبه رغم الأحداث الأخيرة، وكذا مدير المستشفيات ورغم الإحتجاجات المتكررة والتجاوزات الخطيرة. ولا أحد يقلق العربي بلخير ونفوذه في المنطقة. واترك لكم أن تجدوا العامل المتشرك بين هؤلاء.
أقول، ليس من الغريب أن يحتمي والي غرداية وراء هذه العصبية رغم ضلوعه في الأحداث ورغم الإلحاح الشديد في المطالبة برحيله. وهو في نفس الوقت حفيد وزير الخارجية السابق م. بجاوي. في حين أن الرئيس سارع وفي نفس الظروف إلى تنحية والي الشلف عند غليان الشارع.
لقد أطلعتنا جريدة الخبر أن هذا الوالي طلب الوزارة الداخلية إعفاءه عن مهامه لأسباب صحية لكن قوبل بالرفض مرتين. ما مدى صحة هذا الخبر ؟ أم هو للتضليل كما ألف العام والخاص ؟ وكيف للصحيفة أن تتحصل وتتفرد بهذه المعلومة ؟
السلطة العجوز أصبحت غير قادرة على التكفل برعيتها وهموما و مسايرة تحديات العصر ورغم ذلك فلا تزال ماكثة وطامعة في عهدة دائمة وترى نفسها وصية على ذلك الشعب المغلوب على أمره، خاصة جيل ما بعد الإستقلال، وأي استقلال؟ هذا الجيل الذي بلغ أشده وجاوز الأربعين وهو مقبل على الشيخوخة ومع ذلك فلا يزال قاصرا أمام النظام يحتاج إلى وكالة. هذا الجيل الذي فتح عينيه على نفس الوجوه التي لا تزال تتحكم في دوالب السلطة حفاظا على مصالحها ونفوذها.
دستور يوضع على المقاس، لأن الجزائر لم تجد "الرجل المناسب". إنها مسبة في حق 35 مليون من الشعب ... لماذا لا تأخذ، هذه الشرذمة، العبرة من فرنسا التي تسعى إلى تقليص عدد العهدات الرئاسية بعدما قلصت مدتها أو من روسيا التي تحترم شعبها ولم يتجرأ بوتين المساس بالدستور رغم شعبيته ؟
أي لعنة هذه التي تلحق الجزائريين ؟
يتبع.
وفي الحلقة القادمة سنركز الحديث، دائما في إطار هذه الأزمة، على :
- المنظومة التربوية العنصرية،
- تعديل الدستور على المقاس،
-المصالحة الوطنية،
- حقوق الأقليات المضطهدة.
المصدربريد الفجرنيوز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.