يسعى عدد من الشبان في المناطق المنجمية في قفصة بالجنوب الغربي التونسي إلى كسر الطوق الإعلامي المحلّي المضروب على التحركات الشعبية التي تشهدها المنطقة منذ الأسابيع الأولى من العام الجاري.بأدوات بسيطة وسريعة النجاعة ينشر هؤلاء الشباب وقائع الأحداث، هم مواطنون صحفيون أمكن لهم العبور إلى العالم وإلى وطنهم عبر الشبكة العنكبوتية. منذ انطلاق الأحداث قبل ستة أشهر أعرضت الصحف التونسية عن تغطيتها. فصحف تشيد بالاستقرار الاجتماعي ومناخ الأمن والنماء الاقتصادي لا يمكنها أن تشوّش على الصورة التي رسمتها بمشاهد المظاهرات والدماء والاعتقالات والاعتصامات ومطالب الفقراء. أمّا صحف المعارضة قليلة الرواج فهي لا تصل التونسيين إلاّ أسبوعيا بعد تشبّع بأخبار الفنانين والرياضيين والحرب في العراق وفلسطين. لقد فوجئ عدد كبير من التونسيين بالمشاهد التي ينقلها موقع اليوتوب، فمنذ ما يعرف بانتفاضة الخبز في العام 1984 لم يشهد الشارع التونسي هذا السيناريو، عجلات محروقة وشباب ملثمون يلقون الحجارة وقوات الأمن تطلق القنابل المسيلة للدموع. هذه المرة تمثلت الإضافة في مشاهد القتلى والدماء وعمليات الإسعاف بل وشهادات حيّة. عند تشغيل محرك البحث على اليوتوب بكلمة "الرديف" بالعربية أو الفرنسية تظهر عشرات التسجيلات بعناوين مثيرة (رياح الثورة تهبّ على تونس، نهاية ابن علي، الرديف 2008، الرديف انتفاضة شعبية تقابل بالرصاص، الرصاص الحي بالرديف، الرديف تقطع الصمت...). تدفّق هذه الصور فتح واجهة جديدة أمام السلطات فتحركت أوّل مرة بحجب موقع اليوتوب و"الدايلي موشن". ثم بدأ اصطياد المصوّرين، فليلة 6 حزيران (يونيو) اعتقل في محافظة قفصة مراسل أسبوعية مواطنون الهادي ردّاوي وهو بصدد التقاط صور بالمستشفى لقتيل سقط برصاص البوليس في مظاهرة بالرديف وحوّلت وجهته إلى وزارة الداخلية بتونس. وبحسب الصحيفة المذكورة فإنّ التحقيق معه تركز حول الجهة المستفيدة من صوره وأمر حازم بأن لا يوجّه الكاميرا صوب المناطق المنجمية. أمّا محمود الردّادي أصيل الرديف فمنذ 7 حزيران (يونيو) انقطعت أخباره بعد نقله إلى وزارة الداخلية. وبحسب منظمة حرية وإنصاف فإنّ الردادي يعاقب على تسريب صور الأحداث على الانترنيت وإلى إحدى الفضائيات. ورغم أنّ تقنية اليوتوب المستخدمة في هذه الحالة تهدف أساسا لمواجهة آلة الدولة فإنّها تطرح تحديا كبيرا أمام الإعلام التونسي الذي رضي بظروفه وبالحدود المرسومة له. وبازدياد تدفق صور اليوتوب تهتزّ الثقة بالصحفي التونسي أكثر.