تونس-اخيرا، سمحت الحكومة التونسيّة للجنة حماية الصحفيين الأميركية بزيارة أراضيها، بعد رفض دام طويلا. ولكنها حظيت بانتقادات عنيفة نتيجة لهذه الزيارة، خصوصة بعد ان تعرّض رئيس الوفد الزائر للمساءلة الأمنية. اعتقدت بعض الأوساط الإعلامية والحقوقية أنّ الحكومة التونسيّة ربما تكون أرادت، بقبولها زيارة وفد لجنة حماية الصحفيين الأمريكية، فتح صفحة جديدة مع المنظمات الحقوقية الأجنبية، بعد أن دأبت من قبل على منعها من دخول التراب التونسي بحجّة أنّ أغلب هذه المنظمات تأتي بخلفية مسبقة لتشويه صورة البلاد في الخارج. وقد شمل المنع جل المنظمات الحقوقية وخاصّة منظمة "صحافيون بلا حدود" حيث رفضت أكثر من مرّة السماح لرئيسها روبير مينار دخول تونس، بل اعتبرته من أشدّ "أعداء تونس". لذلك رأت هذه الأوساط في زيارة وفد من لجنة حماية الصحفيين ومقرها نيويورك مؤشرا على تغير في سلوك السلطة التونسية. هذه الاخيرة ساعدت الوفد الذي يقوده جوال كامبانا، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمنظمة، بالقيام بتحقيق ميداني بدأ منذ 21 حزيران المنصرم، ودام أسبوعين. خلال هذا التحقيق، التقى كامبانا بالعديد من الصحفيين والعاملين بالقطاع الإعلامي بأكثر من مؤسسة صحفية رسمية وخاصّة ومعارضة، ليطّلع على تقييمهم لواقع حرية الصحافة في تونس وليستمع لانشغالات الإطار الإعلامي الذي اشتكى بعض أقطابه أكثر من مناسبة من الضغوطات والانتهاكات التي يتعرضون لها. المساءلة غير أنّ المفاجأة الأولى لهذا الوفد كانت تعرض رئيسه للمساءلة الأمنية، إذ أكّدت منظمة حرية وإنصاف التي تُعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان أنّ السلطات الأمنية المشرفة على سجن صفاقس أخضعت كامبانا للمساءلة . وقد حصل ذلك حينما كان هذا الأخير ينتظر خروج عائلة الصحفي السجين سليم بوخذير من زيارته بعد أن رافقها إلى السجن تعبيرا منه عن مساندته للصحفي المسجون. وبعد أن استكمل الوفد جولته عبّرت شورلي قولد في حديث مع "منصات" عن أسفها الشديد لرفض السلطات التونسية الالتقاء بها وزميلها وقالت إنّها فوجئت بمستوى الحرفية التي يتمتع بها الصحافيون التونسيون. وأضافت "نحن نعتقد انه في بلد متطور حقق العديد من النجاحات مثل تونس لا يمكن تبرير موقف الحكومة الرافض لقبولنا وعدم تقديم تفسيرات حول سبب غياب حرية التعبير التي هي أساس كل نظام ديمقراطي ... نحن آسفون لذلك ولكننا في الوقت نفسه واثقون من أن منظمتنا مثل بقية المنظمات التي تعمل في نفس مجال عملنا ستقوم بالضغط الكافي عبر تقاريرها وعبر ما ستنقله من صورة عن أوضاع الحريات إلى العالم لإحداث التغيير المنتظر في المشهد الإعلامي التونسي". وعن تأثير تقرير اللجنة المنتظر وقدرته على تحريك الوضع قال كامبانا "نحن منظمة دولية ليست لها من وسائل الضغط سوى الكشف عن الحقائق وإلقاء الضوء على أوضاع حرية الصحافة في العالم..". وأضاف انه من غير المعقول ونحن في القرن الواحد والعشرين أن تظل أوضاع حرية التعبير في بعض البلدان ومنها تونس على ما هي عليه من سوء يصل حد تعريض الصحافيين للسجن بسبب ما يكتبو مثلما وقع للصحفي بوخذير الزميل محمد الفوراتي الذي صدر بحقه حكم غيابي يقضي بسجنه أكثر من سنة (يعمل الآن بالشرق القطرية). وقد اعتبر ان لا مستقبل للبلدان التي تقيد بشكل كامل حرية الصحافة خاصة مع انفتاح المشهد الإعلامي على مساحات الحرية..مساحات مثل الانترنت والفضائيات وغيرها وما هو متأكّد أن التضييق الذي تمارسه الأنظمة بات من الماضي وان المستقبل لحرية التعبير وحرية الصحافة وهذا ما يجب ان تفهمه هذه الأنظمة. وفي نفس السياق قالت قولد " لن نهاجم أو نجرّح احدا ولكن ما سنقوم به من نشر التقرير سيشكل ضغطا إضافيا ودعما كبيرا للصحفيين في تونس، وسنجعل العالم يرى من خلال تقريرنا حقيقة أوضاع حرية التعبير في البلاد. واعتقد، وهذا أملي، أن نتمكن من تحسين أوضاع الحريات وأوضاع الصحافيين في تونس". يُذكر أنّ لجنة حماية الصحافيين رصدت في تقريرها السنوي لسنة 2007 جزءا من الانتهاكات الحاصلة في تونس، حيث أكدت على التدهور الخطير للوضع الإعلامي ولواقع حرية التعبير. وتحدّث التقرير على سجن الصحفي سليم بوخذير في نوفمبر 2007، إضافة إلى الإعتداءات التي تعرض لها عدد كبير من الصحفيين، مما دفع بما يزيد عن 100 صحفي إلى الهجرة في ظرف منذ سنة 1987 إلى الآن.