في جلسة صاخبة طغت عليها لغة التهديد والوعيد والاتهامات المتبادلة بين من يُفترض أنهم كانوا في يوم ما رفاق درب طويل من الخيانة والعمالة للأجنبي. وفي أجواء من الفوضى لا تختلف عن أجواء مقهى شعبي مكتظ بزبائن مشاغبين وعاطلين عن العمل, فشل ما يُسمى بمجلس النواب العراقي يوم الثلاثاء في التصويت على قانون إنتخابات مجالس المحافظات المزمع إجراؤها في الخريف القادم. مع العلم أن هذا القانون يُشكل فرصة ثمينة, قد لا تتكرّر بالنسبة للكثيرمنهم, في الاستحواذ ووضع اليد على أكبر قدرممكن من خيرات وثروات العراق. وبغض النظر عن أن الفشل هو السمة الطاغية لحكام العراق الجديد الاّ أن مشكلتهم هذه المرة هي أكبر من الفشل والعجز وإنعدام الشعور بالمسؤولية أزاء ما يعانيه الشعب العراقي الذي يدّعون أنه إنتخبهم بشكل ديمقراطي وأوصلهم الى مقاعد البرلمان. إن مشكلتهم هي إن مصالحهم الحزبية والطائفية الضيّقة والجشع والشراهة, للمال والسلطة والجاه, أصبحت بالنسبة لهم أهم بالف مرّة من مصالح الوطن والشعب الذي يعاني الأمرّين منهم ومن قوات الاحتلال. ومن الطبيعي أن يلتزم نواب العراق الجديد, وحسب دستورهم الصهيوني, بديمقراطية المحاصصة الطائفية والعنصرية. ولذا فقد تمرّد النواب الأكراد لأن الأمور لا تعجبهم ووقفوا كعادتهم حجرعثرة أمام أية تسوية وإنسحبوا من القاعة. مع إن الأكراد هم أول من سعى وبقوة لصياغة وتشريع مثل هذه القوانين محاولة منهم لفرض واقع طائفي - عنصري يكرّس عمليا تفكيك وتمزيق وحدة العراق وشعبه. بل إن النواب الأكراد, رغم كونهم أفلّية, لم يكتفوا بما يستطيعون الحصول عليه, بل كانوا يحاولون وينجحون في أحيان كثيرة, في فرض أرائهم شاهرين سيف التهديد والابتزاز في وجه شركائهم من سياسيّ العراق الجديد. وعندما وجدوا جميع الطرق مغلقة في وجوههم لتمرير قانون مجالس المحافظات, لأن الجميع وقف ضدهم, وصفوا تلك الحالة بانها كسرعظم للأكراد وطعنوا بشرعية القانون, مع أنهم جميعا ومعهم برلمانهم الغيرموقّر لا يتمتعون باية شرعية لأنهم بكل بساطة إفرازات وفضلات الاحتلال الأمريكي. بل طالبوا بعرض القانون على ما يُسمى بالمحكمة الدستورية, متناسين إنهم كانوا شركاء في اللجنة التي ناقشت وصاغت لعدة أشهر ذلك القانون قبل عرضه على البرلمان للتصويت. لكن عملية كسرالعظم أثارت على ما يبدو حفيظة الامبراطورمسعود البرزاني فرفع رأسه وصوته, بعد صمت دام عدة أسابيع, وإستلّ سيفه مهددا العراقيين بتجزئة وتقسيم العراق إذا لم يحققوا له حلمه الصبياني بمنحه مدينة كركوك على طبق من فضّة كهدية لقاء مسيرته التاريخية الحافلة بالعمالة والخيانة والتآمرعلى الشعب العراقي. يهددنا البرزاني بتجزئة العراق وكأن العراق اليوم غيرمقسّم أو مقطّع الأوصال وموزّع كمحميات وإقطاعيات ومناطق نفوذ لسياسيّ المنطقة الخضراء وأتباعهم. بل وصل الأمرالى درجة التهديد بقطع إمدادات نفط كركوك عن سائرأرجاء العراق, كما صرّح أحدهم. ولو وضع قادة الأحزاب الكردية العميلة يدهم على مدينة كركوك ماذا سيكون تصرّفهم معنا؟ خصوصا وإن أناء أحقادهم ونواياهم الشريرة يطفح بما فيه بين الحين والآخر. وفي الوقت الذي يُثار فيه جدل واسع بين"قادة" العراق المحتل حول الانتخابات المحلية في محافظة كركوك بشكل خاص, ورفض الساسة الأكراد لأية صيغة توافقية مع الآخرين وإصرارهم وعنادهم الصبياني على الحصول على كلّ ما يريدون ويرغبون ضاربين بعرض الحائط حقيقة كونهم يمثلون أقلّية في العراق. في ذات الوقت يقوم أتباع العميلين مسعود البرزاني وجلالال الطلباني, من بيشمركة وسياسيين محليين ومجرمين مدفوعي الأجر, بعملية زحف بطيء عل محافظة نينوى وعاصمتها الموصل مستخدمين سياسة أسيادهم وأساتذتهم الصهاينة المتمثلة في الضم والقظم وإلتهام الأرض, وكأنهم سرطان قاتل يغزو جسدا سليم. إنهم يشكلون جزءا أساسيا في حكومة بغداد العميلة ولكنهم لا يعيرون أدنى إهتمام لأوامرها بل أنهم لا يعترفون حتى بوجودها الآّ إذا كان هذا الوجود يتماشى مع أهوائهم وتطلّعاتهم. فقد رفضوا إخلاء المباني والمؤسسات الحكومية في الموصل, وهي بالمناسبة بالعشرات, التي إحتلوها بعملية سطو مسلّح في وضح النهار وحوّلوها الى مقرّات ومخازن وسجون وأماكن تعذيب لكل من خالفهم الرأي حتى وإن كان من أبناء جلدتهم. وبتاءا على ما تقدّم وعلى سلسلة طويلة من الجرائم والانتهاكات والتجاوزات التي إرتكبها أتباع العميلين مسعود البرزاني وجلال الطلباني ضد العرب والتركمان والاقليات الأخرى, هل يمكن للمرء إعتبارهم شركاء في الوطن؟ أم أنهم من ألدّ وأشدّ الأعداء له؟ المصدر بريد الفجرنيوز