ترتبط الصحراء، منذ كانت، باكتشافات الرحالة الأجانب الذين كانوا يتيهون في رمالها بحثاً عن علامات حضارية تفك ألغاز امتدادها. وكما ارتبطت البحار بالقراصنة الذين يستولون على السفن في فترات القلاقل والصراعات، شكلت الصحاري بدورها مراتع لقطاع الطرق. «مثلث المخاطر» بين الجزائر ومالي وموريتانيا مرتع للمهربين والفارين والجماعات المتطرفة وقبل أن يفكر منظمو سباق السيارات والدراجات النارية في رالي باريس - داكار الذي يشارف عقده الثالث، كانت قوافل تجارة الحرير والملح والإبل والتمور تجتاز ممرات الصحراء في منطقة الساحل في اتجاه الشمال بحراسة رجال أشداء يعرفون خرائط الواحات ومنابع المياه. وتحولت الجِمال التي كانوا يركبونها سيارات ودراجات تفنن صانعوها في تحدي الطبيعة، لكن غاب عنهم أن المخاطر لم تعد تأتي من هبوب رياح الصحراء التي تتلف اشارات الطريق وإنما تأتي من مغامرين متطرفين مدثرين بعباءات دينية. ولذلك الغى منظمو السباق الذي كان من المفترض ان يبدأ اليوم في البرتغال وينتهي في داكار في 20 الشهر الجاري، للمرة الاولى منذ إطلاقه العام 1979. وجاء في بيان للجنة المنظمة انه «بعد اتصالات عدة مع الحكومة الفرنسية، خصوصا وزير الخارجية برنار كوشنير، اخذنا قرار إلغاء رالي داكار 2008 الذي كان سيبدأ غدا (اليوم) في لشبونة وينتهي في العاصمة السنغالية في 20 الجاري، بعد تهديدات من منظمات ارهابية»، وان التهديدات كانت مباشرة من المجموعات الارهابية. قبل بضع سنوات واجه رالي باريس - داكار تحدياً سياسياً تمثل في تهديدات كانت اطلقتها جبهة «بوليساريو» التي تنازع المغرب السيادة على الصحراء الغربية تحذر المشاركين من مخاطر عند اجتيازهم الصحراء الغربية. غير أن الحذر من إمكان ربط «بوليساريو» بحركات متطرفة اصولية جعلها تغض الطرف في ضوء اصرار منظمي الرالي على احترام خط السباق الذي كان يبدأ من باريس مروراً باسبانيا ثم الجزائر أو المغرب ومنطقة الصحراء ثم موريتانيا والسنغال. وقتها اعتبرت الدوافع السياسية قابلة للحوار، ما دام الموضوع يتعلق بحدث رياضي يشارك فيه أميركيون وأوروبيون من دون خلفيات. بيد أن الأبعاد التي ارتدتها الهجمات الأخيرة التي أودت بحياة سياح فرنسيين وجنود موريتانيين عند ما يُعرف ب «مثلث المخاطر» على الحدود بين موريتانيا والجزائر ومالي، أشاعت المحاذير حيال إمكان تعرض المتسابقين إلى الخطف أو الهجمات، خصوصا أن تهديدات صدرت عن تنظيم «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي» توعدت الغربيين، ما أعاد إلى الأذهان خطف ألمان على ايدي تنظيم متطرف في الصحراء جنوبالجزائر ونقلهم الى مالي. «مثلث المخاطر» ليس منطقة مجهولة، لكنه يقع عند تقاطع الحدود في مساحات شاسعة تكاد لا تخضع لرقابة أي من دول المنطقة. وقد تحولت هذه المنطقة في السنوات الأخيرة الى مرتع لتنامي الهجرة غير السرية وتهريب السجائر والمواد الغذائية والأسلحة. وزاد في اتساع دائرة الاستقطاب ان مقاتلين في حركات تمرد افريقية وجنوداً سابقين ومطلوبين للعدالة وشباباً مغامرين اتخذوا منها ملاذات آمنة في انتظار فرصة الالتحاق بأفواج المتسللين. وكشفت وقائع محاكمات منتسبين الى تنظيمات متطرفة في المغرب وموريتانيا والجزائر عن قواعد تدريب للمتطوعين الراغبين في السفر الى العراق. وبات الوضع الأمني في المنطقة الخارجة عن الرقابة يؤرق الأوروبيين والأميركيين ودول الجوار الافريقي، ما دفع الى التفكير بتشكيل قوات مشتركة تعمل على مكافحة الارهاب في هذه المنطقة. الرباط - محمد الأشهب الحياة