بورصة تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث الأداء بنسبة 10.25 بالمائة    كأس تونس لكرة اليد : الترجي يُقصي الإفريقي ويتأهل للنهائي    اليوم آخر أجل لخلاص معلوم الجولان    الإسناد اليمني لا يتخلّى عن فلسطين ... صاروخ بالستي يشلّ مطار بن غوريون    مع الشروق : كتبت لهم في المهد شهادة الأبطال !    الأنور المرزوقي ينقل كلمة بودربالة في اجتماع الاتحاد البرلماني العربي .. تنديد بجرائم الاحتلال ودعوة الى تحرّك عربي موحد    الرابطة الثانية (الجولة العاشرة إيابا)    البطولة العربية لألعاب القوى للأكابر والكبريات: 3 ذهبيات جديدة للمشاركة التونسية في اليوم الختامي    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    حجز أجهزة إتصال تستعمل للغش في الإمتحانات بحوزة أجنبي حاول إجتياز الحدود البرية خلسة..    متابعة للوضع الجوي لهذه الليلة: أمطار بهذه المناطق..#خبر_عاجل    قطع زيارته لترامب.. نقل الرئيس الصربي لمستشفى عسكري    عاجل/ بعد تداول صور تعرض سجين الى التعذيب: وزارة العدل تكشف وتوضح..    كأس إفريقيا للأمم تحت 20 سنة: فوز ثمين لنسور قرطاج على كينيا ينعش حظوظ التأهل    معرض تونس الدولي للكتاب يوضّح بخصوص إلزام الناشرين غير التونسيين بإرجاع الكتب عبر المسالك الديوانية    الملاسين وسيدي حسين.. إيقاف 3 مطلوبين في قضايا حق عام    إحباط هجوم بالمتفجرات على حفل ليدي غاغا'المليوني'    نهوض المزونة يضمد الجراح ويبث الفرحة بالصعود الى الرابطة الثالثة    قابس.. حوالي 62 ألف رأس غنم لعيد الأضحى    نقيب الصحفيين : نسعى لوضع آليات جديدة لدعم قطاع الصحافة .. تحدد مشاكل الصحفيين وتقدم الحلول    نهاية عصر البن: قهوة اصطناعية تغزو الأسواق    حجز عملة أجنبية مدلسة بحوزة شخص ببن عروس    أهم الأحداث الوطنية في تونس خلال شهر أفريل 2025    ثنائية مبابي تقود ريال مدريد لمواصلة الضغط على برشلونة المتصدر بالفوز 3-2 على سيلتا فيغو    الكاف: انطلاق موسم حصاد الأعلاف مطلع الأسبوع القادم وسط توقّعات بتحقيق صابة وفيرة وذات جودة    الصالون المتوسطي للبناء "ميديبات 2025": فرصة لدعم الشراكة والانفتاح على التكنولوجيات الحديثة والمستدامة    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    إلى أواخر أفريل 2025: رفع أكثر من 36 ألف مخالفة اقتصادية وحجز 1575 طنا من المواد الغذائية..    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    مبادرة تشريعية تتعلق بإحداث صندوق رعاية كبار السن    تسجيل ثالث حالة وفاة لحادث عقارب    تونس في معرض "سيال" كندا الدولي للإبتكار الغذائي: المنتوجات المحلية تغزو أمريكا الشمالية    إحباط عمليات تهريب بضاعة مجهولة المصدر قيمتها 120 ألف دينار في غار الماء وطبرقة.    إذاعة المنستير تنعى الإذاعي الراحل البُخاري بن صالح    خطير/كانا يعتزمان تهريبها إلى دولة مجاورة: إيقاف امرأة وابنها بحوزتهما أدوية مدعمة..    زلزالان بقوة 5.4 يضربان هذه المنطقة..#خبر_عاجل    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    تنبيه/ انقطاع التيار الكهربائي اليوم بهذه الولايات..#خبر_عاجل    برنامج مباريات اليوم والنقل التلفزي    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    أريانة: القبض على تلميذين يسرقان الأسلاك النحاسية من مؤسسة تربوية    بطولة فرنسا - باريس يخسر من ستراسبورغ مع استمرار احتفالات تتويجه باللقب    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    بعد هجومه العنيف والمفاجئ على حكومتها وكيله لها اتهامات خطيرة.. قطر ترد بقوة على نتنياهو    ترامب ينشر صورة له وهو يرتدي زي البابا ..    كارول سماحة تنعي زوجها بكلمات مؤثرة    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    وفاة وليد مصطفى زوج كارول سماحة    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار الطرشان وصمت الأموات بين السلطة والمعارضة


بسم الله الرحمان الرّحيم
حوار الطرشان وصمت الأموات بين السلطة والمعارضة
كيف تحقيق الأمن الغذائي و السلم الاجتماعي
العودة حق واسترداده واجب
لا حياة كريمة بدون المحافظة على الهوية العربية الاسلامية
الحكمة تقتضي ترك عقلية تبسيط الأمور و استعجال النتائج و الاستخفاف بالآخر
لا تنمية بدون ضمان حقوقّ المواطنة

(الجزء الأول)
"واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم أعداءا فألّف بين قلوبكم" (آل عمران 103)
"قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني وسبحان الله" (سورة يوسف 108)
" ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة"(النحل - 125)
" يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا و نساء، و اتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام إن الله كان عليكم رقيبا، " (النساء - 1)

باريس في 10 أوت 2008
بقلم : عبد السّلام بو شدّاخ، احد مؤسسي الحركة الاسلامية في تونس

إعلان الرئيس بن علي للترشح: منذ افتتاح المؤتمر الخامس للتجمع الدستوري الديمقراطي، يوم 31 جويلية 2008 الحزب الحاكم في تونس، أعلن الرئيس بن علي كما هو متوقّع عن عزمه الترشح إلى الانتخابات الرئاسية التي ستتم في نوفمبر 2009، وبذلك لم يبق أي شوق لهذا الموعد و لا سيما ان النتائج معلومة مسبقا رغم الحملة المضادة التي قامت بها أحزاب وجمعيات حقوقية رأت في ذلك تكريسا لرئاسة مدى الحياة. فقد كانت تميّزت البلاد التونسية أول دولة عربية عرفت إعلان حقوق الانسان في التاسع من سبتمبر 1857 تحت عنوان "عهد الامان"..
كما كان لتونس أول دستور مكتوب في العام 1861 الذي أرسى مقومات الملكية الدستورية وفقا لمرجعية القرن التاسع عشر، إلى جانب أنها كانت أول دولة عربية تقوم بإلغاء الرق في العام 1860، وهو نفس العام الذي شهد اعتماد أول مجلة رسمية تتضمن القوانين المنظمة للحياة العامة في البلاد..
موقع اللغة العربية بعد نصف قرن من الاستقلال: لقد صرّح الدكتور محمود الذوادي "سوف يسجّل التاريخ أنّ الشعب التونسي فشل في تطبيع علاقته مع لغته الوطنية بعد مرور أكثر من نصف قرن على نيله الاستقلال من فرنسا".
وعبّر الدكتور الذوّادي عن هذا الموقف ردّا على تلقيه دليل الهاتف الجديد من شركة الاتصالات التونسية باللغة الفرنسية، واكتشف بعد بحث أنّ هذا الدليل متوفر باللغة الفرنسية فقط. ونبّه في مقال كتبه لصحيفة /الصباح/ التونسية اليوم الأحد 10 أوت 2008 إلى أنّ "لغة المستعمر أصبحت هي اللغة الرسمية لشركة تديرها الدولة التونسية وهو ما يعدّ تناقضا مع ما نصّ عليه الدستور التونسي في بنوده الأولى ومخالفة لقانون سنّ قبل تسع سنوات يقضي بتعريب الوثائق الإدارية واللوحات الإشهارية".
وسجّل عالم الاجتماع التونسي أنّ عموم التونسيين لم يحتجّوا على توزيع دليل الهاتف بالفرنسية، ولا على كتابة اللافتات في الشوارع والمراكز التجارية باللغة الفرنسية "بل إنّ أغلبية التونسيين يكتبون شيكاتهم ويوقّعونها باللغة الفرنسية ويستعملون كلمة (بورتابل) الفرنسية بدل (المحمول أو النقال) كما يتبادلون أرقام هواتفهم بالفرنسية".
وأطلق الذوادي على هذه الظاهرة مصطلح "التخلّف الآخر" الذي يعني "عدم احترام اللغة العربية نفسيا وعدم إعطائها الأولوية في الاستعمال"، مضيفا أنّ المجتمع التونسي أصبح مختبرا حقيقيا لملاحظة ظواهر التخلف الآخر. فماذا أعدّ الرئيس التونسي لاستعادة العربية موقعها و للإسلام مكانته. ويتوقع أن تجرى الانتخابات العامة بتونس في أكتوبر العام 2009.
ويمكن اعتباران نتائج الانتخاتات الرئاسية قد حسمت و ان الرئيس بن علي بموجب المبايعة من قبل حزبه، هو المرشح الوحيد للانتخابات الرئاسية المقبلة من الزاويتين القانونية والدستورية، علما أن مجلس النواب التونسي (البرلمان) صادق يوم 24 جويلية الماضي على تعديل دستوري جديد، يحصر حق الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في الأمناء العامين للأحزاب السياسية المعارضة دون سواهم، من قيادات الأحزاب الأخرى والشخصيات الوطنية المستقلة مشترطا بذلك أن يكون الأمناء العامون للأحزاب مضطلعين بمهامهم مدة لا تقل عن خمس سنوات.
وطبقا لهذا القانون الجديد، فإن المحامي أحمد نجيب الشابي، الأمين العام السابق «للحزب الديمقراطي التقدمي» المتواضع جداً في حضوره وفي شعبيته، لن يتمكن من الترشحً من الناحية القانونية والدستورية للانتخابات الرئاسية المقبلة رغم عزمه و إرادته. وهذا ما جعل الشابي يعلن بدون جدوى في بيان رفضه لهذا القانون: «إن هذا القانون.. جاء كردة فعل على قرار الحزب الديمقراطي التقدمي بترشيحي إلى هذه الانتخابات، ويكون بذلك قد وضع شروطا على القياس الهدف منها إقصاء الترشحات التي يخشى الحكم منافستها، وجدير بالتذكير أني توليت خطة الأمانة العامة للحزب لمدة طويلة وتخليت عنها منذ زهاء السنتين، إرساء لسنة التداول على رأس المؤسسات الحزبية».
وكان قد حسم حزبان من المعارضة الموالية للسلطة الذين عرفا قدرهما و هما «حركة الديمقراطيين الاشتراكيين» و«الحزب الاجتماعي التحرري» (ليبرالي) إذ أعلنا خلال مؤتمر التجمع الدستوري الديمقراطي، قرارهما بترشيح رئيس الدولة، زين العابدين بن علي للانتخابات القادمة، في إطار تشكيل «جبهة وطنية ديمقراطية»، أو في سياق «أغلبية رئاسية».. على اساس انه مرشح وفاقي هو الرئيس بن علي.
وعلى الرغم من زوال العديد من الأنظمة العسكرية، أو الأحزاب الشمولية الأحادية في العديد من الدول الاشتراكية والعالم .. مع ذلك، فإن حزب «التجمع الدستوري الديمقراطي» ما زال يحكم في تونس وحده بلا منازع.
وتوالت الانتخابات الرئاسية والتشريعية بعد استقرار الرئيس بن علي خليفة للرئيس الاوّل والتي جرت في تونس في افريل 1989 ثمّ يوم 24 أكتوبر 1999، والتي حصل فيها الرئيس بن علي على نسبة 99.4 في المئة، بينما حصل حزبه على نسبة 91.5 في المئة، وانتخابات 1999 التي فاز فيها بن علي أيضا بغالبية ساحقة قبل تعديل الدستور لإلغاء سقف الولايات الرئاسية العام 2002. وكان هذا التعديل للدستور أتاح إعادة انتخاب بن علي العام 2004 بأكثرية 94.49 في المئة في مواجهة ثلاثة منافسين من المعارضة.
كما ألغى السن القصوى المحددة ب75 عاماً، لتؤكد لنا أن «حصة» الرئيس الدستوري، لم تتغيرا تقريباً، سواء أجريت الانتخابات الرئاسية والتشريعية في ظل الحزب الواحد أم في ظل التعددية الحزبية التي انطلقت في العام 1980. وقد أجمع أحزاب المعارضة على اعتبار الانتخابات هذه هي في الحقيقة محصلة نهائية لانتخابات تعددية داخل نظام الحزب المهيمن الواحد الحاكم بدون منازع.
إن أول ما يلاحظ المتابع للأوضاع السياسية في تونس عامة، هو أن حزب «التجمع الدستوري الديمقراطي» الذي كشف أن عدد منخرطيه يبلغ 2.2 مليون، وهو ما يعني أكثر من خُمس الشعب التونسي، الذي يقدر ب 10 ملايين نسمة، هم أعضاء في حزب التجمع، والذي أدخل تعديلات على الهيئات القيادية للحزب، كان أبرزها زيادة عدد أعضاء اللجنة المركزية من 250 عضواً إلى 343، إضافة إلى تقليص عدد نواب رئيس الحزب إلى نائب واحد، لا يزال مستمرا بالاحتفاظ بالحكم منذ الاستقلال إلى اليوم، أي على مدى ما يزيد عن نصف قرن بدون انقطاع وهو بذلك يظرب الرقم القياسي إذ يكاد يكون حالة منفردة في العالم.
مع العلم أن الأحزاب الشمولية الواحدية التي حكمت في أوروبا الشرقية، أو في بلدان العالم الثالث قبل نهاية الحرب الباردة، اكتشفت أن شعبيتها تراوح بين 20 و25 في المئة لدى خوضها انتخابات تعددية وشفافة مع أحزاب منافسة. ويحق للمراقب الموضوعي أن يتساءل عن سر القوة الخارقة التي جعلت جميع الأحزاب الوحيدة السابقة تسقط في أول اختبار لتعود إلى حجمها الحقيقي، بينما الحزب الدستوري مستمر بتحقيق نجاحات باهرة والفوز على منافسيه بهذه النسبة التسعينية العالية. فهل إن التونسيين يكرهون ويمقتون التعددية ولا يشعرون بالاطمئنان والأمان إلا تحت جناح الحزب الاوحد، أم لدى الدستوريين "عصا سحرية " تجعل أصوات مرشحيهم هي المرجحة دائماً ؟.
من الواضح أن الحكم في تونس لا يزال يرفض استبدال القانون الانتخابي الأغلبي بنظام انتخابي انتقالي يضمن لأحزاب المعارضة حضوراً محترماً ومؤثراً في الحياة البرلمانية..
فضلاً عن ذلك، فإن القانون الانتخابي الحالي لا يسمح بتكريس مبدأ تداول السلطة، ويعيد إنتاج نظام الحزب الواحد، ما يجعل أحزاب المعارضة الرسمية التي تصل إلى البرلمان مشكوكاً في صدقيتها السياسية، لأن المعيار الذي يتم في ضوئه اختيار ممثليها في البرلمان، ليس معياراً انتخابياً يستند إلى استقلالية الحزب وشعبيته لدى الرأي العام، وإنما هو معيار سياسي، بسبب تحالفها مع السلطة.
ومعروف أن حزب «التجمع الدستوري الديمقراطي» الحاكم يُهيمن على 80 في المئة من مقاعد البرلمان البالغ عددها 189 مقعداً، في حين أوصى بترك نسبة العشرين في المئة الباقية لكي تكون من حصة 6 أحزاب معارضة وقد أعفى القانون الأخير قيادات المعارضة من شرط الحصول على تزكية 30 منتخباً. و لقد دعونا الى معالجة هذا الامر باقتراح ان لا يكون لأي حزب حصة تتجاوز ثلث المقاعد في أي هيئة منتخبة حتى يضطر الحزب الحاكم ان يشارك غيره ضمن تحالف انتخابي.
و عليه نستنتج أن مسألة التداول على السلطة في تونس مؤجلة الى أجل غير مسمّى، وفي الانتظار ندعو المجتمع المدني أن يقف بشكل ندي مع الدولة، ولاسيما أن المقاربة التي قدمها البيان الرئاسي والحزبي، لا تترك أي مجال للتأويل.
فقد صرّح السيد زهير المظفر، وزير الوظيفة العمومية ، وأحد منظري الحزب الحاكم، إن التداول الذي يعني تسليم الحكم، أو التخلي عن السلطة، أو الانسحاب من كرسي الرئاسة، لا معنى له من الناحية السياسية والدستورية، و هو محقّ في ذلك إذ شدّد و ألحّ على أن «التداول، لا يجد معناه إلا من خلال صندوق الاقتراع ورأي الشعب، فذلك هو الطريق إلى التداول، وهو ما تشير إليه، بل وتتضمنه مختلف الدساتير الموجودة حتى في أعرق الديمقراطيات في العالم، حيث لا يتم التنصيص على مبدأ التداول، وإنما على الانتخابات كقاطرة رئيسية للوصول إلى السلطة».
وهكذا فأن حركة الاصلاح السياسي في تونس لم تتوقف، بل كانت صفة الدستوري ملازمة للتسميات التي اتخذها الشعب التونسي من اجل مقاومة الحظور الاجنبي عن طريق حزب الدستور الحزب برئاسة الشيخ عبد العزيز الثعالبي، سواء عند تأسيسه حيث سمي "الحزب الحر الدستوري"، أو لاحقا عندما تم تعديل اسمه ليصبح "الحزب الاشتراكي الدستوري"، أو بعد وصول الرئيس الثاني للجمهورية في السابع من نوفمبر1987، حيث بات "التجمع الدستوري الديمقراطي"..
و منذ منتصف تسعينيات القرن المنقضي، دخلت البلاد مرحلة التنافس على الحكم، قبل أن يقع تحويل الحزب الى آلة دعائية لمن تربّع و استقرّ بالقصر الرئاسي بقرطاج الى أجل لا يعلمه إلا الله . إن الوضع الذي تردى فيه، الحزب الحاكم ومنذ 25 جويلية من العام 1988، الذي شهد إصلاحا جديدا للدستور، كما راجت أخبار لم تثبت عن احتمال إحداث منصب نائب رئيس بحجة تأهيله ليلعب دورا في تأمين عملية انتقال السلطة، لكن ذلك إما كان مجرد إشاعة أو أنه اقتراح تم استبعاده لعدم تلائمه مع طبيعة المرحلة.
ان الحزب الحاكم الذي يقترب من الذكرى المائوية لتأسيسه، والذي لا يرى نفسه خارج الحكم، والذي تشير مراجعه بأنه تجاوز عتبة المليوني عضو، أصبح في أشد الحاجة إلى التطوير على مختلف الأصعدة. وإذا كان خصوم التجمع الدستوري الديمقراطي يتهمه بالشيخوخة والاستناد على أجهزة الدولة لتأمين بقائه وتفوقه، فإن التعديلات التي عرضها الرئيس بن علي على المؤتمر الخامس ترمي إلى تعزيزه بعدد من الشباب اليساري الوصولي والانتهازي لاختراق ما يطلق عليهم بالحرس القديم، لتحقيق ما يسمي ب 'ترابط الأجيال' داخل الحزب.
كما أن إحداث لجان داخل اللجنة المركزية التي ستضخم عدد أعضائها بشكل غير مسبوق، قد يكون الغرض منه دفع الأعضاء إلى تنشيط الفكر السياسي الغائب داخل 'التجمع'. إذ يلاحظ المراقبون بأن مستوى الثقافة السياسية داخل الحزب الحاكم قد تراجع كثيرا، ويعتبر البرنامج السياسي للحزب ليس سوى نسخة مطابقة من خطط الحكومة وبرنامجها نظرا لعملية الدمج الكلي بين الدولة والحزب..
ولا يزال النظام التونسي يتعامل مع المطالب الشعبية سواء منها حق العمل أوالسفر أوالتنظّم بالأدوات الامنية من القمع والتنكيل، ولا سيما في منطقة الحوض المنجمي في الجنوب التونسي الغني بمناجم الفوسفات ومواطنيه محرومون من عائداته، حيث قتل منذ بداية السنة الحالية 5 شبان بالرصاص وجرح العشرات، وفي وقت لا يزال فيه البعض من قادة الحركة الاسلامية في السجون منذ ما يزيد على 18سنة، وفي مقدمتهم رئيس الحركة الأسبق الدكتور "الصادق شورو".
المحكمة الإدارية تنصف عبد الله ألزواري : يوم الاربعاء 23 جويلية 2008 وبعد 6 سنوات من الصبر المبين اصدرت المحكمة الادارية حكما يقضي بإلغاء قرار وزير الداخلية بتحديد مكان إقامة السجين السياسي السابق عبد الله الزواري بالجنوب التونسي بعيدا عن أسرته في "جرجيس" .
مواقف قيادات الحركة الاسلامية في الداخل : يقول الشيخ عبد الوهاب الكافي "إنّي أعتقد أنّ هذه المحنة التي مرّت بها الحركة المباركة ومازالت هي ابتلاء من الله تعالى وتمحيص لأولي العزم منهم.. أن تصريحات الرجال الأبطال الذين أفرج عنهم بعد أن أمضوا زهرة شبابهم في غياهب السجون والتعذيب والقهر وصمودهم وثباتهم على العهد لهي بفضل الله ثمرة طيّبة لشجرة مباركة إذ لم يفتّ في عزيمتهم ما يقوم به النظام إلى اليوم من جور صارخ".
وهذا المهندس عبد الحميد الجلاصي يقول "في كل الحالات فقد ترسخ واستقر بحمد الله طيلة هذه المسيرة منهج مميز للحركة في التعامل مع المجتمع بمقتضى الرفق والتدرج، ويؤكد على التميز قدر تأكيده على التفاعل والمخالطة. ويؤكد على التيسير قدر تأكيده على عدم التساهل في الثوابت والكليات والأصول. وفي التعامل مع المخالفين بمقتضى التفهم، والبحث عن الحوار والقواسم المشتركة دون إغفال أو قفز على محاور الخلاف التي قد تكون جوهرية أحياناً. وفي التعامل مع السلطة وفق منهج رشيد ينفر من التنطع نفوره من موقع شاهد الزور، ويغلب الوفاق والحوار دون السقوط في منطق الاستجداء والتذلل.
ويقول أيضا "هذه الحركة كان لابد لها أن تنشأ؛ إذ كانت تعبيراً مخصوصاً في بيئة معينة وفي زمن محدد على حيوية ديننا القويم، وعلى تواصل قافلة الإحياء لقيمه، والتجديد لمعانيه، حتى يكون باستمرار ديناً قيماً، كما كانت تعبيراً عن حقيقة بلادنا، باعتبارها جزءاً من هذه الأمة التي تعمها صحوة إسلامية عظيمة من مشارقها إلى مغاربها، وما كان لبلادنا أن تكون بمنأى عن هذا الخير العميم".
إصرار على مواصلة الطريق : أما المهندس حمادي الجبالي فيقول "هذه الذكرى التي تعود بعد سبع وعشرين سنة على تأسيس حركة النهضة تأتي مثقلة بحمل سنين طويلة تقارب السبع والعشرين سنة من السجون والمنافي والتشريد والتجويع والقمع الذي طال أبناء الحركة، ومس أكثر من ثلاثة أجيال؛ فمنذ سبع وعشرين سنة مر عشرات الآلاف من أبناء حركة النهضة إلى السجون إبان محاكمات 1981م ومحاكمات 1986م ومحاكمات التسعينيات ولا يزال من قياداتها وأبنائها من يقبع الآن بالسجن لما يزيد علي ثمانية عشر عاماً، كما مر الآلاف إلى المنافي منهم من لا يقدر على العودة لبلده إلى الآن منذ سنة 1981م، ومر الكثير إلى ربهم شهداء بالإعدامات والاغتيالات والتعذيب، وعاش مئات الآلاف من أبنائنا وعائلاتنا محرومين من أبسط حقوق المواطنة كالعمل والعلاج والأمن والسفر.. ولا يزالون".
وأضاف "الجبالي" إن "السلطة اليوم تواصل الإصرار على سياسة الهروب إلى الأمام وتعيد إنتاج نفس تجربة الخطأ في تعاملها مع الشباب المتدين بالبلاد بقانون مكافحة الإرهاب غير الدستوري، مؤكداً أن هذه السياسة لن تجدي نفعاً سوى أنها تراكم مزيداً من المظالم على أبناء الشعب وعائلاتهم وتزيد الاحتقان بالبلاد". وشدد على أن "العالم كله يتجه طوعاً وكرهاً نحو التغيير بمزيد من الحريات للشعوب وبزوال الديكتاتوريات وأنظمة الاستبداد، ولا مفر لبلادنا من التغيير؛ لكننا نأمل أن يكون بأقل تكلفة على شعبنا، والسباحة عكس التيار مخاطرة وإهدار للوقت والجهد فهل آن للسلطة أن تفهم وتعتبر"؟ فالإسلاميون في حركة مد جديدة.
صون أمن البلاد والمجتمع: و قد كتب المناضل الحقوقي المنصف عاشور :"إن الاستهانة بخطر التهديد الإرهابي لا يخدم بأي شكل من الأشكال قضية حقوق الإنسان" هذا ما جاء في توضيحات من مصدر رسمي بتونس ردا على تصريحات صحفية لمنظمة العفو الدولية اعتبرت أن الحكومة التونسية تنتهك حقوق الإنسان بتعلة مكافحة الإرهاب وحماية البلاد.
مرة أخرى يطفو على السطح الخلاف بين رؤيتين لمنظومة حقوق الإنسان وللديمقراطية بوجه عام.. رؤية تعتبر أن مكافحة الإرهاب ضرورة لبناء الديمقراطية وحمايتها وشرط أساسي لصون أمن البلاد والمجتمع، ورؤية مغايرة تعتبر أن مقاومة الإرهاب ليست سوى تعلّة لانتهاك حقوق الإنسان.
وقد احتد الجدل بين هاتين الرؤيتين عقب أحداث 11 سبتمبر حيث برزت ردود متباينة تجاوزت الفوارق الإيديولوجية والثقافية والخلافات السياسية التقليدية وتمحورت حول كيفية التعامل مع ظاهرة التطرف والإرهاب في علاقة بقضايا الأمن والاستقرار والحريات وحقوق الإنسان.
وعلى عكس ما يروّج له البعض فإن هذه الخلافات لم تضع الحكومات والمجتمع المدني وجها لوجه، بل اشتدت صلب مكونات المجتمع المدني نفسه وشقت المنظمات غير الحكومية وحركة حقوق الإنسان بوجه عام. وقد أفرز جدلا متواصلا على مدى سنوات عدة.
ولقد لعبت منظمة الأمم المتحدة دورا رئيسيا في تطوير مقاربة جديدة لقضايا حقوق الإنسان تقرّ بشمولية هذه الحقوق وبالمسؤولية المشتركة للحكومات ومكونات المجتمع المدني في ترسيخها في إطار شراكة قائمة على الحوار والتعاون.
وللأمانة فقد بدت منظمة العفو الدولية من أبرز المنظمات غير الحكومية التي حاولت مراجعة مقاربتها لحقوق الإنسان من خلال التفاعل مع التحولات التي يشهدها العالم وما تفرضه من مراجعات أصبحت اليوم ضرورية لإضفاء المصداقية على خطاب حقوق الإنسان في مواجهة تحديات التنمية والعولمة. وشهدت المؤتمرات السابقة لهذه المنظمة تطورا إيجابيا نحو مزيد إضفاء الشمولية والتوازن بين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من جهة والحقوق المدنية والسياسية من جهة أخرى.
وبرغم هذا التطور الإيجابي فإن العديد من الناشطين في مجال حقوق الإنسان والمهتمين بأداء المجتمع المدني الدولي يتطلعون اليوم إلى قيام هذه المنظمة بمجهود إضافي -يضاهي ما قامت به من مراجعة للعلاقة بين البعدين المشار إليهما في حقوق الإنسان- لمراجعة مقاربتها والتخلص من المفاهيم البالية التي تعصف بمصداقية المنظمة ومصداقية خطابها حول حقوق الإنسان وتهمّش دورها ودور المجتمع المدني الدولي في النضال من أجل مكافحة الإرهاب والتطرّف من خلال تجنب الخلط بين قضايا الحريات وحقوق الإنسان من جهة وأعمال العنف ودعاوى الفتنة والكراهية من جهة أخرى.
إن توخي الالتباس والغموض في هذا المجال لا يخدم قضايا حقوق الإنسان، كما أن التخلي عن الواجب تجاه المجتمع والدولة عندما يتعلق الأمر بمكافحة حركات الإرهاب والتيارات المتطرفة من شأنه أن يقلّل من قدرة الديمقراطيات الناشئة على الدفاع عن نفسها وتأمين شروط ديمومتها.
فهل يعي نشطاء بعض المنظمات الحقوقية التونسية والعالمية المخاطر التي تحف بالديمقراطيات الجديدة؟ وهل يدركون عواقب إفراطهم في التسامح تجاه أنصار العنف والتطرف؟
إن الديمقراطية الغربية ليست فوضى وهي تحمي نفسها من كل الفوضويين والارهابيين والانقلابيين ودعاة الكراهية والحقد وقد انبنت منذ قرون على ثنائية التسامح والسلم إيمانا منها بأن التسامح لا يتعايش مع العنف وأن احترام الرأي الآخر لا يعني تبرير الإرهاب.
فلماذا يصر بعض العاملين في مجال حقوق الإنسان على توسيع فضاء التسامح في بلدان الجنوب ليشمل دعاة العنف والإرهاب؟ ولماذا يختزلون مقياس الديمقراطية في الاعتراف بهؤلاء؟
وما تفسير التعاطف الأعمى الذي تبديه منظمات وأطراف تعتنق المثل العليا لحقوق الانسان تجاه جهات مورطة في أعمال اجرامية وتتربص بأمن المجتمع والعباد وبقيم التسامح والحرية والحداثة؟
ألا يعلم هؤلاء أن هذه المهادنة التي دفع الغرب ثمنها غاليا زمن النازية والفاشية لن تقود سوى إلى تقويض الديمقراطيات الناشئة وإشاعة الفوضى والتناحر ببلدان الجنوب أم أنّ الأمر يتعلق بتواطؤ سياسي مشبوه بين هذا وذاك لأغراض غير معلنة قد يعيدها البعض إلى النوايا الاستعمارية القديمة المتجدّدة؟
وإذا ما نزّهنا هذه المنظمات عن التواطؤ وهذا الارتباط الغير الطبيعي فهل يعني ذلك أن حركات حقوق الإنسان في العالم غير واعية بخطر الإرهاب وبضرورة مقاومته بل هي قد تكون غير مقتنعة أصلا بمشروعية هذه المعركة وتعتبرها مجرد "تعلة" لانتهاك حقوق الإنسان؟
و صدق الله العظيم اذ قال في سورة آل عمران: "ولتكن منكم أمّة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" (آل عمران 104) و قال تعالى "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (النحل:97). و الله هو الهادي إلى سواء السبيل لا رب غيره و لا معبود سواه . و اللحديث بقية ان شاء الله.
باريس في 10 أوت 2008
بقلم : عبد السّلام بو شدّاخ، احد مؤسسي الحركة الاسلامية في تونس
المصدر بريد الفجرنيوز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.