يحاول الكتاب الإجابة عن أسئلة عديدة تطرح بقوة, وتتمحور حول مستقبل حلم الدولة الفلسطينية التي نادت بها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1974, فضلاً عن إخفاق ولادة الشرق الأوسط الجديد من فوضى الحروب. ولم يتوان الكاتب في توصيف أزمات السلطة الفلسطينية وعجزها عن التأسيس لدولة فلسطينية بالمعنى الحقيقي للاستقلال والسيادة الوطنية. وذهب إلى أبعد من ذلك محاولاً رصد التحديات التي تواجه المشروع الوطني الفلسطيني بشكل عام, وسجل في نهاية بحثه استخلاصات أساسية إزاء مستقبل منظمة التحرير الفلسطينية والهواجس الإسرائيلية السياسية والديمغرافية التي أرقت وتؤرق أصحاب القرار والمخططين الإستراتيجيين في إسرائيل. الانحياز الأميركي لإسرائيل
-الكتاب: القضية الفلسطينية أمام خطر التصفية -المؤلف: توفيق المديني -الصفحات: 557 الناشر: دار الفكر, دمشق -الطبعة: الأولى/2008
سرد الكاتب في الفصل الأول حقائق حول الانحياز الأميركي للتوجهات الصهيونية وإسرائيل وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001, فكافة المواقف الأميركية خلال فترة الانتفاضة كانت إلى جانب ممارسات الجيش الإسرائيلي التي أدت إلى استشهاد ألاف الفلسطينيين وأسر عشرات الآلاف منهم. بل ذهبت إدارة بوش الابن إلى أبعد من ذلك حين نعتت أكثر من فصيل وحركة فلسطينية بالإرهاب وفي المقدمة منها كتائب عز الدين القسام وكتائب الأقصى وغيرها. ومن جهته يرى الكاتب أن استخدام القوة والعنف -أي الإرهاب- متأصل في مفهوم الصهيونية منذ انطلاقتها، وهو الوسيلة الوحيدة التي تستخدمها الصهيونية لتحقيق مشروعها الاستيطاني عبر اغتصاب أراضي السكان الأصليين وإخضاعهم لهيمنتها. فضلاً عن كونه يشكل نمطاً يخص اليهود حصراً من خلال ممارساتهم البربرية التي ارتكبوها عبر التاريخ القديم والحديث وفي المقدمة منها الاستيلاء على الأرض في فلسطين. ولذلك يؤكد الكاتب ظهور منظمات صهيونية إرهابية شكلت بمجملها جزءاً من تاريخ الإرهاب, وفيما بعد كانت ممارسات إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني خلال العقود الستة الماضية عنواناً للإرهاب المنظم في العالم. انهيار عملية التسوية في الفصلين الثاني والثالث من الكتاب, أكد الكاتب محاولات ترويج إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية لمشروع شرق أوسط جديد بعد اتفاقات أوسلو, حيث كان مهندس المشروع المذكور رئيس دولة إسرائيل الحالي شمعون بيريز. ويكمن الهدف الأسمى بإغراء الأطراف العربية المفاوضة بتنمية اقتصادية محتملة للمنطقة برمتها من خلال عملية ربط إقليمي تكون فيه إسرائيل مركزاً مالياً وتكنولوجياً وتجعل منها دولة طبيعية, على الرغم من أنها دولة اغتصاب قامت على أشلاء الفلسطينيين وأرضهم. "رغم مرور 15 عاماً على اتفاقات أوسلو لم يحصل الفلسطينيون على دولة فلسطينية مستقلة في الضفة والقطاع, ولن تمنح إسرائيل الفلسطينيين في ظل الضعف والوهن ما لم تمنحه لهم في أوقات كثيرة سابقة "
ومع الانكشاف الواضح للسياسات الإسرائيلية إزاء الفلسطينيين والاستمرار في الاستيطان ونهب خيراتهم انهارت أوهام التسوية فالمفهوم الأميركي الإسرائيلي للسلام أطلق رصاصة الرحمة على اتفاقات أوسلو. وبعد الاتفاق المذكور برزت بشائر تبلور كيان فلسطيني, وكانت السلطة الوطنية تنظر إلى الاتفاق على أنه مفتاح بناء الدولة الفلسطينية المستقلة. غير أن كل ما كان يقصد في ذلك الوقت هو إخلاء بعض المناطق الفلسطينيةالمحتلة كي تديرها هذه السلطة بالوكالة فيما يبقى الكيان الصهيوني الطرف المهيمن الذي يقرر كل خطوة تالية. وعلى الرغم من مرور خمسة عشر عاماً على اتفاقات أوسلو لم يحصل الفلسطينيون على دولة فلسطينية مستقلة في الضفة والقطاع. ويصل الكاتب إلى نتيجة مفادها: أن إسرائيل لن تمنح الفلسطينيين في ظل الضعف والوهن بفعل خلافاتهم الداخلية ما لم تمنحه لهم في أوقات كثيرة سابقة كانوا فيها في وضع أفضل. تلاشي حلم الدولة الفلسطينية في الفصلين الرابع والخامس من الكتاب أسهب الكاتب في إبراز مسؤولية الدول الاستعمارية الكبرى عن إنشاء إسرائيل على أرض فلسطين في عام 1948، ولذلك كان الشعب الفلسطيني ضحية الاستعمار, وانتقل لتوصيف وإظهار النقاط التي تضمنتها أدبيات حركات المقاومة الفلسطينية. حيث أكدت معظم الفصائل منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية على ضرورة انتهاج الكفاح المسلح أسلوباً وحيداً لتحرير فلسطين واستعادة الحقوق المغتصبة. وكان شعار حرب التحرير الشعبية رفعته فصائل منظمة التحرير الفلسطينية رداً على التراجع الذي حصل بعد هزيمة يونيو/حزيران في عام 1967 وبروز استعداد عربي للتكيف مع القرار 242. تم طرح فكرة الدولة الديمقراطية العلمانية في دورة المجلس الوطني بتاريخ 28-2-1972، أي ما يعني قبول اليهود في فلسطين, وتعتبر حركة فتح أول فصيل فلسطيني يحدد هدف النضال الفلسطيني بإقامة دولة ديمقراطية تتعايش فيها كل الطوائف. "مع توقيع منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق أوسلو عام 1993 تلاشى مشروع الاستقلال الوطني الفلسطيني والدولة المنشودة, فقد كبلت الاتفاقية أي حركة سياسية وارتفعت وتيرة الفقر لتشمل أكثر من ثلثي الشعب في الضفة والقطاع"
وبعد عامين وبالتحديد في عام 1974 تمً تبني حل الدولتين, ويشير الكاتب إلى أنه مع توقيع منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق أوسلو في سبتمبر/ايلول من عام 1993 تلاشى مشروع الاستقلال الوطني الفلسطيني والدولة الفلسطينية المنشودة. فقد كبلت الاتفاقات أي حركة سياسية من حركات السلطة الفلسطينية الناشئة, كما أبقت الاتفاقات السيطرة كاملة للإسرائيليين على المعابر والنشاط الاقتصادي الفلسطيني. ولهذا ارتفعت وتيرة الفقر لتشمل أكثر من ثلثي الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع, ومرد ذلك سيطرة إسرائيل على أهم مفاتيح الاقتصاد الفلسطيني وخاصة التجارة الخارجية وحركة العمال الفلسطينيين, وبالتالي ابتزاز إسرائيلي سياسي منظم للفلسطينيين عبر البوابة الاقتصادية. وأشار الكاتب إلى أن منطق السلام الأميركي في المنطقة كان على الدوام إلى جانب الطرف الإسرائيلي وتصوراته, وهو لا يعكس الشرعية الدولية ومبادئها ودور الأممالمتحدة بشأن تسوية الصراع العربي الإسرائيلي. وخاصة لأن الموقف الأميركي من عملية السلام الذي يمثل السياسة الخارجية الأميركية عملياً, وقد توضح الموقف الأميركي بشكل جلي منذ أن نجح هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي الأسبق في التأكيد في أكثر من مكان على ضرورة رفض إسرائيل لأية انسحابات وضرورة استمرار سيطرتها على الأراضي المحتلة. حق العودة: مقايضة اللجوء الفلسطيني باللجوء اليهودي في الفصول الأخرى من الكتاب حاول الكاتب إبراز مواقف وتصورات الإسرائيليين لحل قضايا الحل النهائي, وخاصة قضيتي اللاجئين والقدس. ويؤكد الكاتب أن ثمة تقاطعات كبيرة بين الأطياف السياسية الإسرائيلية حول تصورات حل تلك القضايا, والمشترك أن تبقى القدس الموحدة بشقيها الجزء الشرقي المحتل عام 1967 والجزء الغربي المحتل عام 1948 العاصمة الموحدة والابدية لإسرائيل. ولا تتعدى تصورات إسرائيل لحل قضية اللاجئين أفكارا حول توطينهم حيث مكان تركزهم الحالي في كل من سوريا ولبنان والاردن مع عودة أفراد إلى مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية بأحسن الأحوال. "تصورات إسرائيل لحل قضية اللاجئين لا تتعدى أفكارا عن توطينهم حيث مكان تركزهم الحالي في كل من سوريا ولبنان والأردن مع عودة أفراد إلى مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية بأحسن الأحوال"
وألاهم أنه ومنذ اتفاقات أوسلو بدأت مراكز ومؤسسات إسرائيلية الربط بين ما يسمى قضية اليهود العرب في إسرائيل وقضية اللاجئين الفلسطينيين. واللافت أن الحكومات الإسرائيلية منذ عام 1948 سعت إلى تأسيس خطاب سياسي يرفض تحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية لما ارتكبته المنظمات العسكرية ومؤسسات الحركة الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني منذ الانتداب البريطاني على فلسطين. وتنفي في ذات الوقت وجود حقوق للشعب الفلسطيني بالعودة بموجب قرارات الأممالمتحدة ونقصد القرار 194 لعام 1948، كما حملت تلك الحكومات الدول العربية المسؤولية الكاملة عن بروز قضية اللاجئين الفلسطينيين. ثم يسوق محامو إسرائيل وقادتها مزاعم أخرى تطالب الدول العربية بدفع التعويضات الكاملة عما تطلق عليه "معاناة وأملاك اليهود العرب الذين كانوا يعيشون في عدد من الدول العربية قبل عام 1948 والذين تحولوا بنظرها إلى لاجئين أخرجوا بالقوة من الدول العربية". حيث تشير الدراسات إلى أن مجموع اليهود العرب في إسرائيل قد بلغ نسبة تصل إلى نحو 20% من مجموع اليهود وسيصل العدد إلى مليون وستمائة ألف يهودي عربي بحلول 2020. ومن الأهمية بمكان الأشارة إلى أنه ومنذ توقيع اتفاقات أوسلو في سبتمبر/أيلول عام 1993, ارتفعت وتيرة الضخ الإعلامي العربي من أجل توصيف قضية اللاجئين الفلسطينيين وتمسكهم بحق العودة إلى ممتلكاتهم وأراضيهم. في مقابل ذلك بدأت منظمات الحركة الصهيونية في العالم منذ الاتفاق المذكور وبدعم وتمويل من إسرائيل بإنشاء هيئات ومؤسسات تمثل اليهود العرب بصفتهم المزعومة كلاجئين يهود من الدول العربية. ومع انتشار ثورة المعلومات ازداد عدد المواقع على شبكة الانترنت للمؤسسات المذكورة وبياناتها والأرقام التي تضعها كقيمة مالية للتعويض عن ممتلكات ومعاناة من تزعم أنها تمثلهم، أي ما يسمى اللاجئين اليهود من الدول العربية. وفي متابعة بحثية لتلك المواقع الإسرائيلية والصهيونية فإنها تقدر مجموع ما يسمى باليهود اللاجئين من الدول العربية يزيد على عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين أبعدوا عن أراضيهم ومدنهم في عام 1948، أي إن الرقم يصل إلى 850 الف يهودي من أصل عربي في مقابل سبعمائة ألف لاجئ فلسطيني. وتمً تقدير تعويضات اللاجئين اليهود العرب حسب المواقع الإسرائيلية بين (500) مليار و (1000) مليار دولار أميركي, في حين تقدر المؤسسات الصهيونية والإسرائيلية قيمة التعويضات المالية للاجئين الفلسطينيين بموجب ما ذكرته بعض المصادر البريطانية ونقلته الأممالمتحدة في عقد الخمسينيات من القرن العشرين بنحو (20) مليار دولار بالأسعار الجارية الحالية. "تهدف إسرائيل من وراء ترويج فكرة ما يسمى باللاجئين اليهود من الدول العربية إلى إلقاء مسؤولية بروز قضية اللاجئين الفلسطينيين على الدول العربية وتهديدها بأنها المسؤولة الآن عن مشكلة ما يسمى اللاجئين اليهود وتعويضهم "
وتهدف الحملة التي تقوم بها المؤسسات الإسرائيلية ومؤسسات الحركة الصهيونية منذ اتفاقات أوسلو إلى محاولة شطب القرار 194 القاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وأرضهم بأقرب وقت ممكن. كما تتضمن أهداف المؤسسات الإسرائيلية من وراء ترويج فكرة ما يسمى باللاجئين اليهود من الدول العربية إلقاء مسؤولية بروز قضية اللاجئين الفلسطينيين على الدول العربية وتهديدها بأنها المسؤولة الآن عن مشكلة ما يسمى اللاجئين اليهود من الدول العربية, وكذلك عن التعويضات المالية التي يراد فرضها على العرب. والهدف من ذلك فرض شرط على الدول العربية بقبول فكرة مشاريع التوطين للاجئين الفلسطينيين وشطب حق العودة من أجندة الأممالمتحدة في المستقبل.