لايمر يوم إلا وتظهر حلقة جديدة من مسلسل تواطؤ حكومة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مع الاحتلال الأمريكي, حيث كشفت صحيفة "صنداي تايمز" اليوم الأربعاء عن اتصالات سرية بين الاستخبارية البريطانية والأمريكية, و تنسيقهما بشأن فحص تقارير كان يرفعها "طاهر جليل الحبوش" رئيس المخابرات العراقي إلى البريطانيين، وتقارير أخرى كتبها "ناجي صبري الحديثي" وزير الخارجية العراقية وسلمها لوكالة المخابرات الأمريكية "سي أي إيه". ونقلت الصحيفة عن مصادر استخباراتية, قولها:" المخابرات الأميركية كانت تدرك أن إدارة الرئيس جورج بوش, ونائبه ديك تشيني جاءت لتنفذ حرباً، رسمتها قبل أن تدخل البيت الأبيض", فيما قل المحلل السياسي رون ساسكيند:" في خريف 2002، طلب رئيس قسم الشرق الأدنى بوكالة المخابرات المركزية الأميركية مساعدة زملائه البريطانيين، بعد أن واجه ندرة في المعلومات الاستخبارية الصلبة بشأن مشروع أسلحة الدمار الشامل العراقية, مما هدد سمعة ال CIA بالضياع". تعاون مخابراتي وأكد أن روب ريجر رئيس قسم الشرق الأوسط بوكالة المخابرات المركزية، دعا مايكل شيبستر نظيره بالاستخبارات البريطانية لجلسة عمل يوم كامل بشأن العراق, وأوضح ريجر فيما بعد الفائدة من هذه الاتصالات، قائلاً:" البريطانيون كانوا حذرين جداً من ناحية تأويل أو تفسير المعلومات الاستخبارية، مما يجعلها نافعة جداً بالنسبة لي، لأنني كنت عالماً بشكل أكيد أن هناك قراراً بشكل مسبق أننا ذاهبون الى الحرب، وبشكل أساس عندما جاءت إدارة بوش للبيت الأبيض". وأضاف ساسكيند:" بعد سنة واحدة من هجمات 11 أيلول, كانت الحكومة الأمريكية، تتوّج منهجها للحرب مندفعة نحوها بشكل متهور, في ظل تزايد الأطماع السياسية لرئيس محارب كبوش وبيته الأبيض، وبطريقة ما فإن البريطانيين, وبالتخطيط مع الدوائر السرية للمخابرات الأمريكية، تبادلوا التنسيق لتحقيق هذه الرغبة حيث أخبر شيبستر نظيره ريجر بعلاقته مع طاهر جليل الحبوش، الذي كان رئيساً لجهاز المخابرات بالعراق, واتصالات ريجر مع سعد خير رئيس المخابرات الأردنية، لاختيار مكان آمن لاجتماع شيبستر والحبوش في عمان سنة 2003". أدلة ملفقة وكان شيبستر قد علم من الحبوش الكثير من المعلومات التي تأكد أن العراق لايمتلك أسلحة دمار شامل، وأن القلق الكبير لدى صدام حسين أخذ يبدو قاسياً في أعين الإيرانيين, وفي تموز 2007 وصف السر ريتشارد ديرلوف الذي كان رئيساً لجهاز الاستخبارات البريطاني، مهمة شيبستر بأنها "محاولة لتهدئة الوضع كاملاً", لكن المهمة أدت الى الحصول على معلومات قوية وكافية لخلق شك بشأن الحرب, لكن الحقيقة أنها استخدمت في الخطاب الأمريكي بشكل غير محترم، وكادت تحدث تغييراً في العلاقات الثنائية بين البلدين. ويضيف:" نمت توقعات العالم على سماع الكذب من وسائل الجانب المظلم لبوش وتشيني في البيت الأبيض، لكن واشنطن استمرت بوضع ثقة أكبر ببريطانيا، التي كانت تقبل بشكل متكرر اعتذارات الولاياتالمتحدة وأعمالها", مشيراً إلى أن توني بلير رئيس الوزراء كان مدركاً لحقيقة أن النظام العالمي استقر على افتراض مسبق بتدخل عسكري أو اقتصادي أمريكي، وكان ناقداً لميل الولاياتالمتحدة نحو تصدير المشاكل الى بلدان العالم، وقلقاً في الوقت نفسه لأن واشنطن ستحتاج الى تنظيم أوضاعها مع البلدان نفسها. لكن الولاياتالمتحدة لا تكافئ الإخلاص البريطاني دائما". وتابع:" عندما أسست وكالة المخابرات الأمريكية اتصالاً سنة 2002 مع وزير الخارجية العراقي ناجي صبري، فإن التقارير الخالية من المصادر والمعتمدة على عروضه الاستخبارية والتي وصلت الى البريطانيين بضمنها مقدمة بشأن التناقض المباشر لتقييماته, فبينما ينكر وزير الخارجية أن لدى العراق أسلحة دمار شامل أو برنامجا جديا لهذه الأسلحة، فإن تقريره كان مرفقاً ببيانات تؤكد امتلاك صدام لأسلحة كيمياوية وبيولوجية ومسعاه العدواني لامتلاك أسلحة نووية". حرب زائفة وفي سنة 2006، عندما علم شيبستر بالتسلم الحقيقي للمعلومات الاستخبارية التي وفرها صبري، كتب تعليقاً لزملائه الأميركان مؤكداً أن البريطانيين كانوا قادرين على وضع تقرير وزير الخارجية العراقي جنباً الى جنب مع تقرير الحبوش، ليؤكدوا أنهم أبداً لن يذهبوا الى الحرب, إن مأساة العلاقات الإنكليزية-الأميركية في هذه المسألة بالذات لم تكن فقط قد تعرّضت للتآكل التدريجي للثقة البريطانية، ولكن أيضا في فشل الولاياتالمتحدة في تعلم الدروس التي تعرضها بريطانيا استناداً الى تاريخها. ويقول المحلل ساسكيند إن الولاياتالمتحدة فشلت بالسنوات الأخيرة في احترام التحذيرات المشرقة التي تصدر من هؤلاء الخبراء البريطانيين من أمثال ديفيد أوماند المنسق الاستخباري والأمني السابق، الذي حذر من استعمال أساليب مثل الأداء الاستثنائي، والاستجواب العميق، والحجز غير المحدد، والقتل الموجه، والذي أخسر الولاياتالمتحدة الكثير، وحلفاءها معها. وفي 2007 تركت بريطانيا مصطلح (الحرب على الإرهاب) بسبب طريقة تضميناته التي غذت أهداف العلاقات العامة للإرهاب الدولي, لكن الولاياتالمتحدة أصرت على استخدام المصطلح. وربما السنة المقبلة، ستحاول أن تحيل المصطلح الى التقاعد, وكما أشار رئيس الوزارء البريطاني الأسبق تشرشل إلى ذلك, قائلاً:" تستطيع دائما أن تحسب أن الأمريكان سيفعلون الشيء الصحيح، ولكن بعد أن يحاولوا أن يجربوا كل شيء".