يمر "الجدل حول الإسلام" في هولندا بمرحلة انتقالية، وتغلب على الجدل حالياً نبرة "جارحة وحادة وهستيرية". لكن هذه المواجهات الحادة هي التي ستقرب في النهاية الهولنديين المسلمين وغير المسلمين من بعضهم. هذه الكلمات المفعمة بالأمل هي ما انتهى إليه المتحدثون يوم الخميس في ندوة التقى فيها في أمستردام سياسيون وباحثون وإعلاميون، تحت عنوان "وداعاً للتهرّب" على قاعة "المتحف الملكي الاستوائي جميع الأفكار الصادمة والجارحة ستساعد، بقصدٍ أو بدونه، في النهاية على دفع المسلمين الهولنديين إلى الاندماج في مجتمعهم: خطط السياسي اليميني خيرت فيلدرز لإنتاج فيلم عدائي حول القرآن، اللجنة التي أسسها السياسي الشاب إحسان جامي للمسلمين السابقين، الصورة التي رفض متحف لاهاي عرضها لأنها تضمنت قناعاً يمثل النبي محمد على وجه أحد المثليين جنسياً. الكاتب باس هاينه يوضح الكاتب "باس هاينه" احد المشاركين في الندوة هذا الرأي قائلاً: "إما أن يذهب "أبطال" السجال الحاليون بعيداً جداً حتى يصبحوا خارج الساحة، أو تستنفد الأفكار الصادمة طاقتها وتفقد أثرها، وحينها سيتطلع الجميع إلى ما بعد الصدمة." وفقاً لهذه النظرية فإن "الجدل حول الإسلام" في هولندا يسير وفق المراحل التقليدية المعروفة: الإنكار، ثمّ التهرّب، ثمّ المواجهة، وفي النهاية التصالح. السيدة إيلا فوخيلار، وزيرة الاندماج والأحياء السكنية، دعت إلى النقاش "مهما كان حاداً"، بشرط أن يكون موجهاً للبحث عن القواسم المشتركة التي يسعى إليها المسلمون وغير المسلمين، مثل تحسين أوضواع المدارس، وتحسين ظروف العيش في الأحياء السكنية. وقالت فوخيلار إن هولندا ستثبت عبر نقاشات كهذه أن ما يقال عن تقاليد التسامح التي تمتد قوناً فيها، ليست وهماً. الجدل إذن ضروري من أجل التصالح بين المسلمين وغير المسلمين، هذا ما اتفق عليه جميع المشاركين بحماس. لكن هناك شروطاً أساسية يجب أن تتوفر في الحوار، وفقاً لقول صادق حرشاوي، رئيس معهد التعدد الثقافي "فوروم" الذي نظم ندوة "وداعاً للتهرّب". الأسس التي يجب أن يقوم عليها الحوار هي مبادئ دولة القانون، على كلّ الأطراف أن تلتزم في حواراتها بمبادئ القانون الهولندي. "نعم ضروري، لكن هذا ليس كل شيء." كان رأي الكاتب باس هاينه الذي يرى أن الشعور بالمواطنة لا يقل أهمية. الهولنديون "الأصليون والوافدون" يشعرون غالباً بالخوف من بعضهم البعض وبأنهم مهددون. حين يشعر كلّ منهم بأنه يمتلك حرية تحقيق الذات، فإنهم سيتعاملون مع بعضهم بطريقة أكثر استرخاءً. كانت هذه رسالة الكاتب إلى الجميع. الافتقار إلى التعامل باسترخاء أكده ايضاً ييرون برودرس، رئيس بلدية ضاحية بوس أن لومر في أمستردام. يرى برودرس أن الهولنديين الأصليين خصوصاً يتعاملون بتشنج، حين يتعلق الأمر بقيمهم وعاداتهم: "من المهم أن يشارك "المواطنون الجدد" في الحياة العامة، لكن يجب أن لا يرغموا على تبني نظامنا القيمي." وهو ما يطالبه بهم الهولنديون وفقاً لرأي برودرس، الذي يضيف "علينا أن نكون أكثر انفتاحاً بهذا الخصوص." ضرب لذلك بمثال حول موضوع الإجهاض متسائلاً عن السبب الذي يمنع من فتح النقاش حوله. صفة التشنج لدى الهولنديين، أشار لها أيضاً محمد أجواعو، رجل الدين المسلم، ورئيس الرعاية الروحية الإسلامية لنزلاء السجون والمصحات، الذي قال "إذا كان أحد السجناء المسلمين يفضل الحديث مع مرشد روحي "إنسانوي" وليس مسلماً فإن المرشدين المسلمين لا يعترضون على ذلك، أما إذا حدث العكس، إذا أراد سجين هواندي غير مسلم أن يتلقى الإرشاد من إمام، فإن أجراس الإنذار تُقرع هلعاً. الجميع يتوقعون أن الإمام المسلم سيحاول إقناع السجين بالتحول إلى الإسلام." خلص المشاركون في الندوة إلى أن نتيجة واحدة، وهي أن هولندا قد تخطت حاجز الإنكار والتهرّب من المواضيع الحساسة، وأن هناك جرأة واضحة لخوض غمار الجدال. في نهاية الأمر لا بدّ أن يقتنع الجميع في هولندا، مسلمين وغير مسلمين، بأنّ عليهم التعايش معاً. وعلى حدّ قول الكاتب هاينة: "على الهولنديين قبول فكرة أن الإسلام سيبقى حاضراً هنا، وعلى المسلمين أن يقبلوا بجعل هولندا جزءاً من إسلامهم." يدور المؤتمر حول التوجهات والتطورات الجديدة داخل الإسلام الهولندي. أشر الباحث في علم الاجتماع الديني سيبكو فيلينغا خمس متغيرات جديدة. هناك عدد من المسلمين يولون اهتماماً متزايداً بهويتهم الإسلامية. يحدث هذا غالباً على حساب ارتباطهم بالبلد الأصلي. لدى مجموعة أخرى من المسلمين ميول متزايدة نحو الأصولية، ولا تؤدي هذه الأصولية بالضرورة إلى استخدام العنف. لدى مجموعة ثالثة يشخّص فيلينغا ظاهرة يسميها "التخثر"، يتخذ الإسلام لدى هؤلاء صورة واحدة غير قابلة للتغير، وتتكون الصورة غالباً بتأثير أئمة قادمين من البلد الأصلي. هناك فئة رابعة تتحول نحو العلمنة: يتراجع دور الدين في حياتهم، أو يختفي تماماً. الفئة الخامسة والأخيرة وفقاً لتقسيم فيلينغا هي الأكثر تأثراً بالثقافة الهولندية: هؤلاء يعتبرون الدين مسألة فردية، ويختارون بأنفسهم الصيغة التي تعجبهم لممارسة إيمانهم الديني. من أمستردام: نيكولين دن بور إذاعة هولندا العالمية