استمر امس "مسلسل الانهيار" في عالم المال الاميركي في ازمة مستفحلة مع سقوط عمالقته الواحد تلو الاخر ضحايا لأزمة الائتمان التي اندلعت في الولاياتالمتحدة منذ 13 شهرا، بما يذكر ب"الثلاثاء الاسود" عام 1929 حين انهارت الاسواق المالية العالمية. فبعد مؤسستي التمويل العقاري الاميركيتين "فاني ماي" و"فريدي ماك" سقط عملاق اخر مع إشهار مصرف الاعمال الاميركي "ليمان براذرز" الذي تأسس قبل 158 عاما، افلاسه ووضعه تحت حماية الفصل الحادي عشر من قانون الافلاس. وتقاطع ذلك مع شراء "بنك اوف اميركا" لمصرف الاعمال "ميريل لينش" الذي كان معرضا ايضا للخطر في سوق العقارات. كذلك، سمح مجلس الاحتياط الفيدرالي لمجموعة "اميركان انترناشينال غروب" (ايه اي جي) للتأمين استخدام ما قيمته 20 مليار دولار اميركي من موجوداتها في اجراء احترازي كي لا تكون المجموعة الضحية التالية في مسلسل الانهيار. وتردد صدى قرار الافلاس حول العالم حيث تأثرت به البورصات العالمية واسواق السلع والمصارف المركزية والحكومات وغيرها من المؤسسات المالية. ومصرف "ليمان براذرز" هو رابع اكبر مصرف استثماري اميركي وهو احد الاسماء التاريخية في "وول ستريت". لكن قرار افلاسه جاء بعدما سجل خسائر كبيرة بلغت 3.9 مليارات دولار في الفصل الثالث نجمت عن تعاملاته في سوق الاقراض العقاري في الولاياتالمتحدة. وقال المصرف في بيان قبل اعلان افلاسه انه قرر اتخاذ هذا الاجراء "بهدف حماية اصوله ورفع قيمته الى الحد الاقصى"، لانه لم يجد الجهة الراغبة في شرائه. ووضع نفسه تحت حماية قانون الافلاس (الفصل الحادي عشر)، اي ما يوازي تسوية قضائية. وفند "ليمان براذرز" ديونه في بيان، موضحا ان قيمتها الاجمالية تبلغ حتى ايار (مايو)، 613 مليار دولار، وان اصوله الاجمالية بلغت 639 مليار دولار. وبحسب الوثيقة، فإن الديون المستحقة للدائنين الثلاثين الاوائل بلغت 158 مليار دولار حتى الثاني من تموز (يوليو)، وان القسم الاكبر من هذا المبلغ سندات مصرفية تقدر بنحو 155 مليار دولار. وتأتي في المرتبة الثانية، القروض المصرفية واضخمها يقدر ب463 مليار دولار من بنك "اوزورا" الياباني. وقد ازدادت فرصة إمكان انهيار "ليمان براذرز" بشكل كبير بعد انسحاب مصرف "باركليز" البريطاني اول من امس من المحادثات التي كان يرمي من خلالها لشراء غالبية أسهم "ليمان"، علماً ان "باركليز" انسحب من المفاوضات لعدم تمكنه من الحصول على ضمانات بشأن التعهدات المالية التي يجب أن يفي بها "ليمان براذرز" عند افتتاح الأسواق صباح امس. وفي السياق نفسه، وافق مصرف "ميريل لينش" الذي كان هو الآخر يئن تحت وطأة أزمة الائتمان الراهنة، أيضا على بيعه ل"بنك اوف اميركا" بمبلغ 50 مليار دولار، وذلك في صفقة سينجم عنها نشوء أكبر شركة للخدمات المالية في العالم. وأصدرالرئيس التنفيذي ل"بنك أوف أميركا" كين لويس بياناً قال فيه ان "شراء إحدى أهم مؤسسات إدارة الثروات المالية والاستشارية فرصة رائعة لمساهمينا". وهوت اسهم المجموعة الاميركية الدولية (ايه اي جي) للتأمين مع عمليات بيع هائلة لاسهمها تحسبا لان تكون الضحية التالية في مسلسل الانهيار. واعلن محافظ الاحتياط الفيدرالي في نيويورك ديفيد بيترسون انه سيسمح للمجموعة الاميركية باستخدام 20 مليار دولار من موجوداتها الاضافية لتأمين السيولة النقدية بهدف متابعة اعمالها. وسارع الاحتياط الفيدرالي الى الاعلان انه سيسترد قيمة سندات خزانة مستوجبة بقيمة 3.3 مليارات دولار في محاولة لسحب بعض السيولة من النظام المصرفي. وهو يسعى الى الاحتفاظ على نسبة الفائدة على الاقراض لليلة واحدة بين المصارف منخفضة اثر ارتفاعها عقب اعلان افلاس "ليمان". وتعليقا على هذه التطورات، اعلن الرئيس الاميركي جورج بوش ان إدارته تعمل من أجل الحد من تأثير افلاس بنك "ليمان براذرز" والتطورات المرتبطة بذلك على أسواق المال لكنه عبر عن التفاؤل ازاء مرونة أسواق رأس المال. تدهور البورصات وعاشت البورصات العالمية امس يوم "اثنين اسود". فقد فتحت بورصة "وول ستريت" جلسات التداول على انخفاض كبير حيث خسر داو جونز 2.34 في المئة ليبلغ 11154.20 نقطة، وناسداك 2.65 في المئة ليبلغ 2201.36 نقطة. وعند الاقفال كانت خسائر "ستاندرد اند دورز" بلغت اكبر مستوى لها في سنتين، واغلق المؤشر منخفضا 4.01% او 50.22 نقطة الى 1201.48 نقطة. وخسر "داو جونز" ما نسبته 3.79% او 432.75 نقطة الى 10989.24 نقطة. وهبط مؤشر "ناسداك" 76.91 نقطة او 3.40% الى 2148.36 نقطة. وشهدت الاسهم الاوروبية ادنى اغلاق لها في شهرين، اذ تراجع المؤشر "يوروستوكس 50" بنسبة 3.7 في المئة الى 1119.47 نقطة وهو ادنى اغلاق له منذ 16 تموز (يوليو). وفي تعاملات بعد الظهر في الاسواق الاوروبية، خسر مؤشر "كاك" لأفضل 40 شركة في باريس نسبة 4.32 في المئة، وخسرت سوق لندن 4.54 في المئة مع تسجيل مؤشر "فاينانشيال تايمز" للشركات المئة الكبرى في لندن تراجعا ب212.53 نقطة ليصل الى 5.204. بينما خسرت سوق فرانكفورت 3.33 في المئة . كما شهدت الاسواق الاسيوية خسائر كبيرة حيث اغلقت بورصة تايوان على خسارة 4.09 في المئة وبورصة الفيليبين على 4.2 في المئة. بينما استعادت بورصة سيدني بعض الخسائر التي منيت بها سابقا لتنتهي عند خسارة 1.8 في المئة. وكانت اسواق كبيرة في المنطقة من بينها سوق طوكيو وهونغ كونغ وشنغهاي وسيول مغلقة بسبب عطلات رسمية. وفي الاسواق التي كانت تجري فيها تداولات، منيت الاسواق المالية بأسوأ الخسائر. ففي البرازيل افتتحت البورصة بانخفاض 5.16 في المئة. وسجلت البورصات الخليجية وعلى رأسها السوق المالية السعودية، تراجعا حادا. وسجلت السوق السعودية، وهي الاكبر في العالم العربي، تراجعا قدره 6.5 في المئة ووصل مؤشر السوق الى مستوى 7255.15 نقطة. وسجلت تراجعات مماثلة في الاسواق المالية الخليجية التي تعاني اصلا موجة تصحيح جديدة. واغلقت بورصة الكويت وهي ثاني اكبر بورصة في العالم العربي، بتراجع 3.8 في المئة ليصل المؤشر الى 12360.2 نقطة، اي بخسارة 488 نقطة وهي اكبر خسارة في يوم واحد هذه السنة. ومستوى المؤشر حاليا ما دون مستوى اغلاق 2007. وانخفضت سوق الدوحة بنسبة 7.01 في المئة لترسو عند 8216.71 نقطة، وهو مستوى ادنى 14.2 في المئة. وفي الامارات، خسر مؤشر ابو ظبي 4.35 في المئة ليصل الى 3754.49 نقطة، وهو مستوى ادنى 17.5 في المئة من مستوى اغلاق 2007 عند 4551.8 نقطة. اما سوق دبي المالية التي سجلت انخفاضات متتالية في الاسابيع الاخيرة، فقد انهت تداولاتها عند 4044.27 نقطة، بانخفاض قدره 1.7 في المئة معوضة خسائر اكبر سجلت خلال التداولات. ومستوى مؤشر دبي ادنى بنسبة 31.8 في المئة عن مستوى اغلاق 2007. وانخفض مجموع القيمة السوقية للاسواق المالية السبع في دول مجلس التعاون الخليجي بمقدار 200 مليار دولار تقريبا مقارنة بقيمته نهاية العام الماضي. وكان اجمالي القيمة السوقية للاسواق الخليجية السبع بحدود 1.116 ترليون دولار في نهاية كانون الاول (ديسمبر). وتراجعت اسعار النفط من جهتها الى ما دون 93 دولارا للبرميل الواحد في سوق لندن، وهو ادنى مستوى لها منذ شباط (فبراير)، وذلك بسبب المخاوف من تراجع الطلب نتيجة للازمة المالية المتفاقمة عالميا. وسارعت المصارف المركزية العالمية الكبرى الى حقن عشرات مليارات الدولارات في الاسواق. فالاحتياطي الفيدرالي الاميركي وافق على ضخ 70 مليار دولار في الاسواق المالية. وقال الاحتياطي الفيدرالي في نيوريورك الذي يعمل نيابة عن الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن، انه وافق على سلسلة مما وصفها ب"اتفاقات اعادة الشراء" لضمان توفر السيولة في الاسواق. وحذت المصارف المركزية في أوروبا واسيا حذو الاحتياط الفيدرالي. وقال المصرف المركزي الاوروبي ومصرف انكلترا انهما ضخا سيولة بقيمة 42 مليار دولار في محاولة لمنع تدهور الاسواق. وقالت مصارف مركزية في دول اخرى من مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى إنها تتابع الأسواق عن كثب وتقف على أهبة الاستعداد للتحرك. وقال مصدر في مصرف اليابان المركزي "اننا نراقب تطورات السوق المالية وعلى اتصال مع المركزي الاميركي والسلطات في دول اخرى". هبوط الدولار في الوقت نفسه، انخفض سعر الدولار بشكل كبير امام اليورو قبل ان يسترد بعضا من عافيته في تعاملات متقلبة. وتراجعت قيمة الدولار الاميركي في التعاملات الاسيوية بسبب المخاوف حول مدى استقرار النظام المالي الاميركي. وهبط سعر الدولار بنسبة 2.3 في المئة الى 105.72 ينا، في اكبر نسبة هبوط في يوم واحد منذ مطلع العام 2002. الذهب في المقابل، ارتفع الذهب في جلسة التعاملات الصباحية الى 779.25 دولار للاوقية (الاونصة) ارتفاعا من 750.25 دولار في جلسة القطع المسائية يوم الجمعة. لكنه عاد وانخفض مساء وتحدد سعره على 775 دولارا للاوقية (الاونصة). وبلغ سعر الذهب عند الاقفال السابق في نيويورك 765.75 767.75 دولار للأوقية.