قال محللون إسرائيليون إن رئيس الوزراء إيهود أولمرت قدم ما يسمى شهادة الوفاة لفكرة "أرض إسرائيل الكبرى" التي أعلن انهيارها في تصريحات له أثناء إفادته أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست أول أمس. وأوضح الكثير من المعلقين اليوم الأربعاء أن تصريحات أولمرت أصابت قادة اليمين ونخبه الفكرية بالحرج؛ لأنه رغم أن أولمرت سيغادر منصبه قريبا على خلفية اتهامه بقضايا فساد خطيرة، فإن تصريحاته هذه تحمل دلالة كبيرة؛ لأن أولمرت ارتبط أكثر من أي زعيم إسرائيلي آخر بفكرة "أرض إسرائيل الكبرى". وتقوم الفكرة على أساس وجوب إقامة "الدولة اليهودية" على كل أرض فلسطين والأردن، وكان أولمرت أكثر الملتزمين بعقيدة المدرسة التصحيحية الصهيونية ومؤسسها زئيف جابوتنسكي صاحب الشعار الشهير "دولة على ضفتي النهر"، ويقصد أن إسرائيل يجب أن تشمل كل الأراضي التي تقع شرق وغرب نهر الأردن. عقيدة مستحيلة روني ميلو الذي شغل في الماضي منصب وزير الشرطة والقضاء في حكومات إسرائيل وأحد الساسة الذين انشقوا عن الليكود بسبب توصله إلى نفس القناعة قبل عقدين من الزمن قال: إن تصريحات أولمرت تمثل شهادة تاريخية هامة تؤكد أن كل من تبنى فكرة "أرض إسرائيل الكبرى" تبنى في الواقع عقيدة مستحيلة. وشدد ميلو في حديث مع القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي على أن "فكرة أرض إسرائيل الكبرى كانت منذ البداية غير واقعية؛ لأنها قامت على نفي وجود شعب آخر يتواجد في المكان ذاته". ونوه إلى أن الحركة الصهيونية كانت ترغب لو أنها استطاعت إقامة الدولة على أرض لا يتواجد فيها أي فلسطيني وعملت بقوة من أجل تحقيق ذلك، لكن تبين فيما بعد أن هذا هو المستحيل بعينه. أما كوبي نيف المفكر والكاتب الإسرائيلي فقد أشار إلى استحالة الرهان على خيار القوة لضمان تحقيق الأهداف الصهيونية، منوها إلى اكتشاف الصهاينة لحدود ما يمكن للقوة أن تحققه في الصراعات القومية. وأضاف في مقال نشرته صحيفة "معاريف": "إذا كانت الحقيقة في أنه بعد ستين سنة من الاستقلال اليهودي، حيث تتوفر لنا القوة العسكرية الأكبر الممكنة، القوة التي تسمح لنا لأن نبيد بكلتا يدينا شعوبا وبلدانا، فإننا نبقى أمام خطر حقيقي للإبادة الجماعية، فما الذي إذن أنجزه حكماؤنا بطرحهم الصهيوني". وتساءل نيف قائلا: "أيحتمل أن يكون التفكير الصهيوني الذي يقضي بأن القوة وحدها هي الحل، هو بالذات أقصر الطرق لوقوع المصيبة علينا، أيحتمل أن نكون أخطأنا في تفكيرنا على مدى التاريخ في أن نعتبر القوة والصهيونية التي تجمع اليهود في مكان واحد هي بالذات الحل لما نتعرض له من مخاطر". من ناحيته اعتبر شالوم يروشالمي معلق الشئون الحزبية في صحيفة "معاريف" أن أولمرت الذي أدين بالفساد يتوجب عليه أن يغادر منصبه بدون أن يحاول إحداث ضجة سياسية"، متهما إياه بأنه يريد إثارة ضجة تنسي الجمهور الأسباب التي دفعته للاستقالة. سليل فيلسوف الفكر اليميني يذكر أن أولمرت هو نجل إلياهو أولمرت الذي كان يعتبر فيلسوف حركة "حيروت" اليمينية المتطرفة التي أسسها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيجن، وسبق له أن شغل مقعدا في البرلمان. وتأثر أولمرت بفكر والده، وهو أحد أعضاء الكنيست القلائل الذين انبروا بالرفض لاتفاقية السلام مع مصر 1979 وعارض زعيمه بيجين. من هنا فإن تصريحاته الأخيرة تحمل دلالات كبيرة بالنسبة لمعظم المعلقين والمؤرخين الصهاينة. ومما قاله أولمرت في الجلسة مثار الجدل: "اعتقدت أنه من نهر الأردن وحتى البحر كله لنا.. إذ في كل مكان يحفرون فيه يجدون تاريخا يهوديا، ولكن في النهاية، وبعد عملية عذاب وتردد توصلت إلى الاستنتاج بأن علينا أن نتقاسم مع من نحن نعيش معهم، إذا لم نكن نرغب في أن نكون دولة ثنائية القومية". صالح النعامي