نواكشوط محمد عبد الرحمن: في محاولة لاستيضاح ملابسات الهجوم الاخير الذي تعرضت له الوحدة العسكرية الموريتانية في منطقة تورين بشمال البلاد وأسفر عن مقتل 12 جنديا موريتانيا وتبناه تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وعلاقته بالهجمات السابقة، وطبيعة المنطقة التي وقع فيها وعلاقة ذلك بالأوضاع السياسية التي تعيشها البلاد، وانعكاساته الامنية محليا واقليميا، التقت الراية النقيب السابق في الجيش الموريتاني أحمد سالم ولد كعباش، بوصفه خبيرا ميدانيا ومحللا استيراتيجيا، وهو الذي عمل في السابق في المنطقة نفسها، قائدا مساعدا للمنطقة العسكرية الشمالية، كما شغل الوظيفة نفسها في عدة مناطق عسكرية أخري من موريتانيا. طلبنا منه توضيح رؤيته كخبير ميداني حول هذه العملية. سألنا النقيب ولد كعباش اولا عن طبيعة الهجوم والمنطقة التي وقع فيها، فقال: المنطقة التي وقعت فيها هذه العملية والعمليات السابقة هي منطقة مفتوحة، تمتد من الشكات أقصي نقطة في الشمال، وحتي مدينة النعمة في الحوض الشرقي، أي علي امتداد مسافة تناهز ثلاثة آلاف كيلومتر، وهي فضلا عن ذلك ممتدة داخل أراضي جمهوريات مالي، والجزائر والنيجر، ولا يوجد فيها سكان مستقرون، وتندر فيها نقاط المياه، وتتحرك فيها باستمرار مجموعات مسلحة تقوم بعمليات تهريب للسجائر، والمخدرات، والسلاح، والمواد الغذائية، وغير ذلك، وفي الآونة الأخيرة أصبحت هذه المنطقة مستقرا للجماعة السلفية الجزائرية. وفي الواقع فإنه من شبه المستحيل السيطرة علي هذه المنطقة، ومنع وقوع هذه العمليات، أحري بالنسبة لجيش من جيوش العالم لثالث مثل جيش موريتانيا. ومع ذلك فقد حاولت موريتانيا منذ سنة 1996 أن يكون لها وجود عسكري في هذه الناحية، حيث لم يكن لها فيها وجود قبل ذلك حتي في أيام حرب الصحراء في سبعينيات القرن الماضي. هكذا عملت موريتانيا منذ ذلك التاريخ علي وضع نقاط للمراقبة علي الأقل في تلك المنطقة، كما وضعت قاعدة في الشكات علي الحدود مع الجزائر، وكان هناك تنسيق مع الجيش الجزائري، وتم إبرام اتفاقية للتعاون الأمني علي الحدود بين البلدين، وكنت في ذلك الحين أعمل في عين المكان قائدا مساعدا لقائد المنطقة العسكرية الثانية. وحول إمكانية رصد تحركات المسلحين ومطاردتهم خصوصا في ضوء العملية التي تشنها وحدات من القوات الموريتانية ضد منفذي الهجوم الأخير، قال ولد كعباش إن المعلومات المشار إليها بشأن اتساع المنطقة تجعل تحرك المسلحين أمرا سهلا خصوصا في ظل خبرتهم بمسالك المنطقة وكون تحركاتهم تكون في الغالب ليلا، وبالتالي تصبح مطاردتهم أشبه ما تكون بالمستحيل في هذه الصحراء الممتدة مابين موريتانيا ومالي والنيجر والجزائر.وحتي الغطاء الجوي فإنه لا يكفي لحسم المعركة، إذ لا يتوفر لدي القوات الجوية الموريتانية ما يسمح بملاحقة المسلحين، فالطائرات الموجودة قليلة وتحتاج إلي التزود بالوقود كل ثلاث ساعات، ولا تتوفر البنية التحية الضرورية لذلك، وبالتالي فهو أمر مكلف جدا وشبه مستحيل، وبمقارنة بسيطة فإن الجيش الجزائري الذي يملك معدات أفضل لم يتمكن من ملاحقة المسلحين في هذه الصحراء أحري أن يتمكن من السيطرة عليها. وحول موقف بعض الأطراف السياسية الموريتانية التي رأت أن السلطات الموريتانية الحالية مسؤولة عن وقوع هذه العملية لأنها شغلت الجيش بالسياسة عن حماية الحدود، قال ولد كعباش: أعتقد أن هذه العملية الأليمة والمؤسفة، كغيرها من العمليات الأخري هي عملية معزولة في الزمان والمكان. وبالمناسبة فهذا ليس هو أول هجوم، وكذلك هجوم لمغيطي 2005 لم يكن أول هجوم، لقد كانت توجد دائما هجمات وعمليات تستهدف السيارات في هذه المنطقة ويقتل فيها أشخاص، ولكن هذه الهجمات الأخيرة استفادت من تطور الوسائل والتقنيات وتم استغلالها إعلاميا وأضفي عليها طابع سياسي. وبالتالي فأنا أعتبر أن عملية تورين لا تضيف جديدا ولا علاقة لها بالوضع السياسي القائم في موريتانيا حاليا، فمنطقة الصحراء عموما ملتهبة، حيث توجد فيها الجماعات الجزائرية وجماعات جبهة الطوارق في مالي والنيجر، وموريتانيا ليست بمنأي عن التأثر بما يجري علي حدودها التي تحدثنا عن استحالة ضبطها. أما فيما يتعلق بمسؤولية تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي عن تنفيذ الهجوم الأخير فقد رد ولد كعباش بالقول: لا يمكن أن نؤكد مسؤولية جهة معينة عن الهجوم الأخير، حتي وإن تبناها تنظيم معين من أجل استغلالها دعائيا وسياسيا، فأنا لا أسلم بذلك، ولا يمكن أن يعطي معلومات دقيقة حول طبيعتها غير الأشخاص الموجودين في ميدان العملية وتتوفر لديهم أدلة واضحة حولها. وحول إمكانية أن يكون المهاجمون كانوا يستهدفون ضرب مناجم الحديد وشركة اسنيم الموجودة في ازويرات للتأثير علي الاقتصاد الموريتاني وتوجيه ضربة للحكام الجدد، قال النقيب السابق إن ذلك غير وارد في نظره، فليس هناك ما يمنع هؤلاء من استهداف منشآت تلك الشركة وتخريبها مباشرة، فالمنطقة مفتوحة كما ذكرنا، ولكن الأمر هو أقرب لعمليات تستهدف الحصول علي سيارات أو معدات معينة، ويمكن أن يكون الاشتباك حصل بشكل مفاجئ أو أن الوحدة الموريتانية لم تكن علي استعداد تام أو أنها لم تكن لديها المعلومات الكافية. وعموما فالعمليات التخريبية تقع في أي مكان من العالم، ولا تمكن السيطرة عليها أو حسمها بشكل نهائي. وعن تصوره كخبير ميداني لاحتمال استمرار هذه العمليات وأساليب مواجهتها قال النقيب السابق في الجيش الموريتاني إنه يعتقد أن مثل هذه العمليات سيستمر، كما كان موجودا منذ زمن بعيد، حيث يكمن الفرق فقط في تطور الوسائل والتقنيات، مع إمكانية استفادة الجماعات السلفية أو حركات التحرر، أو قطاع الطرق، أو غيرهم من هذه الوضعية. أما مواجهة مثل هذه العمليات فاعتقد أنها لا تكون من خلال التدخل الخارجي لأنه يزيد تأزيم الأوضاع ويمنح المجموعات المسلحة تعاطفا أكبر، وإنما تكون مواجهته من خلال العمل علي خلق تنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية في هذه البلدان وفتح المجال أمام الجميع دون إقصاء أو تهميش، وفي الوقت ذاته لابد من تعاون إقليمي وثيق بين الدول التي تعاني من هذه المشكلة لتأمين حدودها وحماية مواطنيها. واختتم النقيب أحمد سالم ولد كعباش حديثه ل الراية بالقول بعيدا عن السياسة وفي كل الأحوال فأنا أعتبر ان الحكام العسكريين هم الأكثر قدرة علي التعامل مع مثل هذه الظروف، وليس غيرهم ممن تنقصه الخبرة والكفاءة الضرورية .