لا ندري على أية أسس بنت منظمة الشفافية الدولية تقريرها الذي إعتبرت فيه الصومال, وليس العراق الجديد, الدولة الأولى الأكثرفسادا في العالم. فالرغم من أن للفساد أوجه وأشكال متعددة, مالي وإداري وسياسي وأخلاقي وغيرذلك, وفي كثير من الأحيان يتشابك بعضها في البعض الآخربقوة, الاّ أننا لا نجد في التهمة الموجّهة الى الصومال الشقيق دليلا أو سندا يعطيها شيئا من المصداقية. بسبب إن الصومال بلد فقير تطحنه الصراعات المسلحة لأمراء الحرب وتجارالسلاح والباحثين عن موطيء قدم, مهما كان الثمن,على أطلاله وخرائبه. وجاء أخيرا الغزو البربري له من قبل أحفاد أبرهة الحبشي فزاد من طين الصومال وشعبه المسكين بلّة. وحتى لو صدّقنا ما تقوله منظمة الشفافية الدولية حول تصدّرالصومال لقائمة الدول الأكثر فسادا في العالم, فان هذا الفساد الصومالي يبقى مع ذلك قطرة في بحرفساد العراق الجديد وحكامه الذين إنفتحت شهيتهم على مصراعيها للفساد والأفساد ونهب المال العام. الى درجة إن البعض يقول, والعهدة عليهم, إن ثمة مدارس في المتطقة الخضراء في بغداد تعطي دروسا لتعلّم فنون وأصول الفساد. والدروس حسب ما سمعتُ خصوصية ولفئة معيّنة فقط من المسؤولين العراقيين. ومن تابع ويتابع وضع العراق منذ إحتلاله الى يومنا هذا لا يعثر, وأنا واثق تماما من كلامي هذا, على مسؤول كبير واحد بريء من تهمة الفساد. وحسب تصريحات رئيس لجنة النزاهة في برلمان العراق المحتل ان هناك 9 تُهم موجّهة الى وزيرالتجارة في حكومة المالكي العميلة ! وإذا وجد مسؤول عراقي كبير ما زالت يديه وجيوبه نظيفة حتى هذه اللحظة فمن المؤكد إن إنه ما زال ينتظردوره أو إنه لم ينهِ بعد دروسه في المدرسة التي أشرنا اليها آنفا. ما يحصل من فساد مالي وإداري وإقتصادي وحتى أخلاقي, منذ أكثر من خمسة أعوام, لم يحصل في أية بقعة على وجه الأرض. فلم نسمع عن فقدان مليارات الدولارات في الصومال مثلا,.و لم نسمع عن صفقات أسلحة فاسدة وقديمة بمليارات الدولارات. وفي الصومال لم نسمع عن عمليات تهريب علني وسرّي للنفط وثروات البلاد الأخرى, يقوم بها قادة الأحزاب الحاكمة أو من ينوب عنهم من الأبناء أو الأتباع. ولم نسمع عن الساسة الصوماليين, رغم متابعتنااليومية لما يجري في هذا البلد المنكوب, إنهم يملكون, كنظرائهم العراقيين, قصورا وفيلات في الخارج أو في الداخل أو لديهم شركات تجارية ضخمة وأرصدة مصرفية بالمليارات. أو إن معظمهم يحملون أكثر من جنسية أجنبية. فكيف يا ترى يُقارن الصومال الفقير وساسته الفقراء مثله بالعراق الذي تعادل ميزانيته السنوية ميزانية عشرين بلدا أو أكثرمثل الصومال. والخبرالتالي,المنشور في عشرات الصحف ومواقع الأنترنت, يعطينا فكرة واضحة عن حجم وضخامة الفساد المتفشي في عراق اليوم, مما يجعل هذا البلد يحتلّ, بجدارة وبلا منازع, المرتبة الأولى في الدول الأكثر فسادا في العالم. ويقول الخبر"إن أمريكا تحقّق حول عملية اختفاء 13 مليار دولار من الأموال المخصّصة لما يُسمى باعادة إعمار العراق". كما وزرد في الشهادة التي أدلى بها أمام الكونغرس الأمريكي أعضاء سابقون في لجنة النزاهة العراقية مايلي:" إن مكتب المحاسبة العراقية غير قادرعلى حساب هذه الأموال ومعرفة أين ذهبت. وإن الأموال التي رصدت لأعمار البلاد وإعادة تأهيل البنى التحتية تمت سرقتها أو تبذيرها من خلال عدد من المؤامرات المحبوكة". وعليه فان إتهام الصومال بأنه الدولة الأولى في الفساد هو إتهام باطل. فمتى توفّر للصومال, خصوصا في العقدين الأخيرين, مبلغ 13 مليار دولار؟ وكيف يكون ساسةُ الصومال فاسدين وهم بلا دولة ولا حكومة ومعظمهم مشرّد في دول الجوار. بل إنهم محرومون, خلافا لساسة العراق المحظوظين, حتى من منطقة خضراء خاصّة بهم يمكنهم ممارسة الفساد والأفساد في دهاليزها دون حسيب أو رقيب, طبعا بمباركة ومشاركة الشريك الأمريكي المحتل. وعلى منظمة الشفافية العالمية, التي لا يوجد لها مقر في العراق وليس لديها ممثلون فيه, أن تعيد النظر في حساباتها وتصحّح معلوماتها ولا تتهم الناس على الفاضي كما يُقال. ولعلم هذه المنظمة فان الفساد في الصومال وهايتي وبورما مجتمعة, وهي الدول التي جاءت في ذيل قائمة المنظمة باعتبارها الدول الأكثر فسادا, لا يتجاوز في كلّ الأحوال الفساد المالي والاداري لوزراة واحدة, كوزارة التجارة أو الكهرباء مثلا, في العراق الجديد. [email protected]