كيف كسبت المرأة التي تتهيأ لتكون الزعيمة الجديدة لإسرائيل مكانتها كعميلة تعمل لصالح خلية سرية في وحدة تجسس من النخبة. جيمس هايدر، تشارلز بريمنز، وفران بيومان - (التايمز) إنه فصل آسر يخطف البصر من السيرة الذاتية لأي رئيس وزراء محتمل: أن يكون شاباً خطراً ونشيطاً ضالعاً في مهمة محددة كجاسوس في واحد من أكثر أجهزة العالم السرية احتراما ومهابة. مخلصة للتدريب الذي تلقته، أبقت تسيبي ليفني، الزعيمة الإسرائيلية المنتظرة، على صمت كصمت أبي الهول فيما يتعلق بعملها في الموساد في باريس في أوائل الثمانينات من القرن الماضي. وتبعا لذلك، جردتها التقارير المتعلقة بخدمتها من أي شيء يتحدث عن كونها عميلة في الخط الأمامي، تقوم بمطاردة واصطياد "الإرهابيين" العرب في كافة أنحاء أوروبا، واختزلتها إلى مجرد مدبرة منزل، والتي تم انتدابها لتوفير واجهة محترمة لمنازل الموساد الآمنة في العاصمة الفرنسية. على الرغم من أن الموساد لا يفشي أي تفاصيل، إلا أن باستطاعة صحيفة "التايمز" أن تكشف النقاب عن أن السيدة ليفني قد أدارت مهمات ومخاطرات استثنائية أثناء عملها كعميلة سرية إسرائيلية تعمل في خلية سرية متخفية في أوروبا. يقول أفرايم هاليفي، المدير السابق للموساد، الذي امتنع لأسباب أمنية عن تحديد الأجهزة والوحدات التي خدمت فيها السيدة ليفني في الفترة بين الأعوام 1980 و1984: "لقد كانت تعمل في وحدة من وحدات النخبة". وأضاف: "لقد كانت عميلة واعدة جداً، والتي أظهرت كافة المزايا التي تتطلبها مهنة واعدة. وكان ينظر إليها بشكل إيجابي جداً". كانت السيدة ليفني، التي تتحدث الفرنسية بطلاقة، وابنة رائدين بارزين في حرب العصابات الصهيونية، قد أمضت فترة خدمتها في باريس عندما كانت العاصمة الفرنسية ميدان معارك مميت لحرب الموساد السرية ضد مجموعات المتشددين الفلسطينيين من جهة، وطموحات صدام حسين النووية من جهة أخرى. ويقول مصدر استخباراتي إسرائيلي سابق للتايمز إن السيدة ليفني كانت قد جندت للخدمة في الموساد عندما كان عمرها 22 عاماً، بعد أن أدت الخدمة العسكرية، عن طريق صديقة طفولتها ميرا غال، التي كانت قد خدمت هي الأخرى لمدة عقدين في الجهاز، والتي تعمل الآن مديرة لمكتب وزارة ليفني. وأضاف المصدر أنها ربما كانت قد استهلت عملها، مثل العديد من المجندين، بممارسة ما يسمى "مهمات التلاميذ"، والتي غالبا ما تتمثل في المحافظة على المنازل الآمنة التي كانت تستخدمها فرق الإعدام، وكذلك العملاء الارفع منزلة ممن يؤدون مهمات في كامل أنحاء أوروبا. وقال السيد هاليفي أنه حتى هذه المهمات الصغيرة لم تكن في منأى عن أن تكون محفوفة بالمخاطر. وقال مسؤول التجسس السابق الإنكليزي المولد للتايمز: "إنني لا أقول إنها كانت تسير أعمال المنازل الآمنة، لكن الناس يعتقدون بأن العناية بالمنازل الآمنة هي مهمة بسيطة ودونية، ولا تنطوي على أية مخاطر. والناس الذين يقولون ذلك لا يعرفون شيئا عن ماهية المنازل الآمنة. إذ يمكن أن تكون خطرة جدا في بعض الأحيان". بعد تدريبها الابتدائي، خضعت السيدة ليفني لتدريب أساسي كضابط ميدان، حيث تعلمت كيفية تجنيد العملاء وجمع المعلومات في وقت اتسم بوجود حالة جيشان كبيرة في جانب أعداء إسرائيل، عندما كانت منظمة التحرير الفلسطينية تعيد ترتيب موضعها بعد أن خرجت من بيروت التي مزقتها الحرب إلى الشواطئ الأكثر أمنا في تونس. يقول إريك دينسييه، وهو عميل استخبارات فرنسية سابق: "كانت تلك فترة عمد فيها الإسرائيليون إلى إرسال رسائل سياسية قوية بواسطة هجماتهم، ولم يكونوا يترددون وقتها أبداً في جلب الانتباه". ويضيف: "منذ حرب الأيام الستة (في حزيران عام 1967) ظلت باريس قاعدة استخبارات هامة للموساد؛ أولاً، لأنها كانت لديها علاقات ممتازة مع الأجهزة الفرنسية، وأيضا لأن الكثيرين جداً من الفلسطينيين كانوا متمركزين هناك". نفذ العملاء الإسرائيليون منطلقين من باريس عدة اغتيالات، واعتقد على نطاق واسع بأنهم استطاعوا اختراق الفصائل الفلسطينية. وكان من بينها إليخ راميريز سانشيز، المعروف بكارلوس الثعلب، ومجموعة أبو نضال المنشقة. وكانت هذه المجموعة قد نفذت مذبحة ضد ستة أشخاص في مطعم غولدبيرغ في شارع ديروزيير في شهر آب-أغسطس 1982، بالإضافة إلى تفجير قطار باريس-تولوز السريع، الذي أفضى إلى مقتل خمسة أشخاص في نفس السنة. كانت هناك محطتان للموساد في باريس، وفق ما ذكره روجر فاليغو، مؤلف عدة كتب حول أجهزة الاستخبارات. وكانت إحداهما تغطي فرنسا، فيما كانت الأخرى تغطي أوروبا الغربية. وقال فاليغو للتايمز: "سمعت فقط عن كون تيسبي ليفني قد خدمت كعميلة في باريس في وقت متأخر. وفي تلك الفترة، كانت إسرائيل تعين الكثير من العميلات الإناث، واللواتي لم يكن يجندن من صفوف القوات المسلحة فحسب، وإنما أيضا بسبب اللغات التي يتحدثن بها ومهاراتهن التحليلية. وعندما تتأمل في عمل ليفني، فإنك ستستنتج أنها كانت تعمل في الجانب السياسي والتحليلي من الموساد". كان ناشطو الموساد في باريس يناضلون أيضاً من أجل تثبيط همة صدام حسين ومنعه من تطوير ترسانة نووية وشحن وقود نووي لمفاعله الجديد في الأزيرق، خارج بغداد تماماً. وفي شهر حزيران-يونيو 1980، وجد عالم مصري المولد، والذي كان يعمل في البرنامج النووي العراقي، مقتولاً في غرفته بالفندق، وهو قتل افترض أنه عمل محترف من فعل الموساد. كما أن إحدى بائعات الهوى التي سمعت أصواتا تخرج من غرفته ليلة مقتله قتلت بعد شهر في واقعة قتل وهروب غامضة. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه مناحيم بيغن أنه يأمل بأن تكون فرنسا قد "تعلمت درسها" لمساعدتها للعراق. وبعد سنة من ذلك، قامت القاذفات الإسرائيلية بنسف المفاعل النووي العراقي في الأزيرق وحولته إلى حطام. من جهة أخرى، استشهد تقرير فرنسي بخبراء يقولون إن السيدة ليفني كانت جزءا من وحدة من وحدات النخبة التي سممت حتى الموت العالم النووي العراقي عبد الرسول أثناء تناوله الغداء في باريس عام 1983. وقد قالت السيدة غال متحدثة عن تلك الأيام في الموساد: "لقد كانت المخاطر محسوسة.. ولو أنني ارتكبت خطأ، فإن النتيجة ربما تكون الاعتقال ونجوم تبعات سياسية كارثية ووخيمة على إسرائيل". تجلت المخاطر التي يتعرض لها الإسرائيليون العاملون في أوروبا بشكل وحشي في عام 1982، عندما أطلق أحد مسلحي مجموعة أبو نضال النار على شلومو آرغوف، السفير الإسرائيلي في لندن ، وأصابه في رأسه إصابة بليغة، متسبباً في إطلاق الغزو واسع النطاق الذي شنته الدولة اليهودية على لبنان بهدف اجتثاث منظمة التحرير الفلسطينية من جذورها. وقال السيد هاليفي متحدثاً عن مهنة الجاسوسية: "يحتاج الأمر إلى الشجاعة ورشاد الحكم لاتخاذ القرار الصائب في الوقت المناسب.. إذ إنك تعرض فريقا كاملاً للخطر، ويمكن أن تفتح كافة أشكال القضايا الأخرى التي تتجاوز الموضوع الذي تتعامل معه". مهما كان الدور الفعلي الذي لعبته السيدة ليفني في فترة خدمتها في الموساد، فإن السيد هاليفي يظل مقتنعاً بأن خبرتها وتدريبها يضعانها في موقف جيد للاضطلاع بالمهام الملقاة على عاتقها راهناً، فيما هي تحاول بناء إجماع لحكم إسرائيل. ويتذكر هاليفي أنه شاهدها في شهر أيار-مايو 2003، عندما كان مستشاراً للأمن القومي، وهي توظف مهاراتها التحليلية ذات المنشأ الموسادي وعنادها في الحكم، عندما كانت كوزير ثانوي صغير في الحكومة، هي الوزير الوحيد الذي يتصدى لآرئيل شارون ويبين له العيوب الرئيسية التي تضمنها إيجاز أمني معقد كان قد أرسل إليه قبل ساعات. يقول هاليفي: "إن هذا يظهر أنها تعرف ماذا تفعل، وأنها ترغب في الدفاع عما تفعل والظهور بمستواه". الحرب السرية - حزيران 1980: مقتل مدير البرنامج النووي العراقي يحيى المشد في فندقه في باريس، والذي يعتقد بأنه سقط ضحية لفريق إعدام تابع للموساد. ويقول مناحيم بيغن، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك لأحد الصحافيين إنه يأمل بأن تكون فرنسا قد "تعلمت درسها" بسبب مساعدتها للعراق. - حزيران 1981: تقوم إسرائيل بقصف المفاعل النووي العراقي الذي بنته فرنسا في العراق، ما أسفر عن مقتل اختصاصي فرنسي. ويشك في تورط الموساد في هذه العملية. - نيسان 1979: وقوع انفجار في مجمع صناعات CNIM في لاسين-سير- مير، ما أفضى إلى تدمير مفاعل نووي كان سيذهب إلى العراق. وتتجه أصابع الشك إلى الموساد في القيام بعملية التفجير. - تشرين الأول، 1980: تنفجر سيارة مفخخة خارج كنيس في باريس، مما يسفر عن مقتل أربعة أشخاص. - آب، 1982: يقتل ستة أشخاص ويتم جرح 22 آخرين، عندما فتح خمسة أشخاص مسلحين بالرشاشات والقنابل اليدوية النار على معبد يهودي في باريس.