لم يدر بخلد محمد 22سنة طالب بالسنة الأولى بكلية العلوم الإنسانية 9 أبريل أن رمضان هذا العام سيحمل له مفاجأة غير سارة بالمرة وبأن انتقاله من مسقط رأسه بجزيرة جربة 500 كلم عن العاصمة إلى أحد المبيتات الجامعية بتونس لغرض الدراسة، كان له الوقع السلبي على نفسيته وصحته يقول محدثي: "هذا أول رمضان أقضيه بعيدا عن العائلة وقد أحسست بإحباط شديد و تعاظم شعوري بالغربة لاسيما في هذا الشهر الذي تعودت أن اقضيه لسنوات وسط أجواء عائلية حميمة وعلى طاولة إفطار شهية فيها مالذ وطاب من الأطباق طبختها بعناية والدتي الحنون لكني الآن ودعت هذا النعيم لاستيقظ على كابوس اسمه الأكلة الجامعية". ويستأنف محدثي القول بعد أن طأطأ رأسه أرضا لتخرج منه تنهيدة عميقة : " بعد صيام يوم كامل وتحمل أعباء التنقل من المبيت إلى المطعم الجامعي(6 كلم تقريبا) أسيرها في اغلب الأحيان على قدمي رفقة أصدقائي في حالة عدم توفر الحافلات العمومية أجد نفسي بعد زحام الصف ومعاناة الانتظار أمام أطباق لا طعم لها أو رائحة ولاتسمن ولاتغني من جوع فأكتفي مكرها بتناول طبق الشوربة و قطعة الغلال دون أن أنسى وجبة السحور المتكونة من بعض الغلال وقطعة كايك وجبنة وياغورت لأعود أدراجي إلى المبيت مثقل الهموم وخالي البطن وقد قررت بعد تكرار التجربة أن أسلم أمري لله و أكتفي بشراء بعض المعلبات والمصبرات والألبان لأوفر على نفسي تعب الطريق " . وضعية الطالب محمد تنسحب فصولها على عدد هائل من طلاب المبيتات والأحياء الجامعية الذين تزامنت عودتهم الجامعية مع النصف الثاني من شهر رمضان لاسيما الطلبة الجدد الذين يختار أغلبهم الإقامة في مبيتات حكومية تخلو معظمها من أجهزة التبريد "الثلاجة" لذلك يجبر عدد لابأس به وخاصة الذكور على الأكل في المطاعم الجامعية التي ينطلق نشاطها بالتوازي مع الموسم الدراسي لتامين توزيع وجبات الغذاء والإفطار على الوافدين من الطلبة. وعموما تظل الأكلة الجامعية في نظر العديد من هؤلاء لاسيما الجدد دون المستوى المأمول وتبقى علامات السخط والتذمر هي العنوان الأبرز مع كل وجبة يومية مقدمة لتنضاف معاناة الأكل إلى سلسلة لاتنتهي تتصدرها معاناة السكن ومعاناة الغربة عن الأهل. "إيلاف" رصدت من خلال زيارتها لبعض المبيتات والمطاعم الجامعية انطباعات مجموعة من الطلبة حول نوعية الأكلة المقدمة ونقلت بكل أمانة هذه الآراء إلى القائمين على الإطعام الجامعي بديوان الخدمات الجامعية للشمال فكان هذا التحقيق:
الساعة السادسة ونصف مساءا طابور طويل من الطلبة يتزاحمون في مابينهم خارج أحد المطاعم الجامعية للظفر بمقاعد أمامية وأطباق ساخنة على طاولة الإفطار. "لقد مللت الانتظار.انتظار الحافلة العمومية لنقلي من مكان إقامتي إلى هنا وانتظار داخل الصف وانتظار مجدد للوسيلة نفسها للعودة أدراجي للمبيت". بهذه اللهجة الساخطة بادرنا كمال 21سنة الحديث مضيفا"قررت عديد المرات أن لا أعود للأكل في هذا المطعم لكن ما باليد حيلة فأنا لا أحسن الطبخ وليس لي أقرباء أستنجد بهم خلال هذا الشهر وعموما فالأكلة الرمضانية المقدمة متوسطة من حيث المحتوى وهزيلة من ناحية المذاق ولكن ما يشجعني هو وجبة السحور التي أعتبرها دسمة بالمقارنة مع وجبة الإفطار ذاتها". موقف كمال تطابق مع زميلته مريم التي بدت متذمرة من عدم اكتراث الطباخيين بمسألة البهارات فالأكلة حسب قولها أحيانا مالحة وأحيانا أخرى خالية من هذه المادة تمام و أشارت إلى أن أغلب الطباخيين لايراعون بعض الحالات المرضية الاستثنائية للطلبة والمتعلقة في أغلبها بمشكل اضطرابات المعدة وعسر الهضم كما تطرقت مريم إلى مسألة مهمة ونقطة سوداء صاحبت الأكلة الجامعية على مدى سنوات والمتعلقة بمادة "الكاربونات" التي تستعمل عادة لتسريع عملية طهي اللحوم ولكن مضاعفاتها تنعكس سلبا على صحة بعض الطلبة رغم تأكيد مراقبي الصحة خلو الأكلة الجامعية من هذه المادة وبأن المسألة لاتتعد كونها ضربا من الإشاعة لتبرير حالات التذمروعدم الرضا. غير أن مروان سنة أولى علوم تقنية بالقطب الجامعي الغزالة أكد " لإيلاف" أن شعوره بأوجاع على مستوى البطن والرغبة في النوم طوال اليوم انطلق منذ أول وجبة إفطار تناولها بالمطعم الجامعي لتستمر كل ليلة مباشرة بعد عودته لغرفته يقضيها ذهابا وإيابا على بيت الراحة. الرأي ذاته يشاطره فيه صديقه في الغرفة أنيس الذي أكد لنا تدهور حالته الصحية وانتفاخ بطنه وشعوره بالغثيان بسبب نوعية الأكلة المقدمة في المطعم مشيرا في الوقت نفسه إلى غياب قوارير الماء على طاولة الإفطار.
"نحن لانطلب من القائمين على الإطعام الجامعي تزويدنا بأكلة صنف خمس نجوم لكن على الأقل وجب مراعاتنا في هذا الشهر وفي جودة الأكلة بصفة عامة لأننا في الأيام العادية نجد الحل في المطاعم الشعبية لكن خلال هذا الشهر تغلق أغلبها أبوابها ولامناص لنا من الأكلة الجامعية". هكذا بادرنا لطفي الحديث مضيفا"لقد قضيت الأسبوع الأول من رمضان في المطعم الجامعي لكني لم استطع تحمل رداءة الأكلة المقدمة وخيرت في النهاية اللجوء لأقربائي في الأيام الأخيرة من هذا الشهر رغم امتعاض بعضم لكن ماباليد حيلة"
من جهتنا سعينا للاتصال بديوان الخدمات الجامعية للشمال المؤسسة المشرف على المبيتات والمطاعم الجامعية بمنطقة تونس الشمالية فكان لنا لقاء مع السيد سعيد بحيرة مدير عام الديوان الذي أوضح أن الديوان يشرف على قرابة 30 مطعما جامعيا يتوزعون على 11 محافظة ويوزعون سنويا مايقارب ال7 ملايين أكلة منها 35 ألف لمنطقة تونس الكبرى" تونسأريانة بن عروس "وأكد أن الديوان من خلال هياكله الصحية حريص على متابعة ظروف الإطعام بدءا من مرحلة تسلم المواد الأولية من المزودين وصولا إلى مرحلة تقديمها طازجة للطلبة كما تخضع كل هذه المواد الغذائية إلى كراس شروط مع المزودين المتعاقدين مع الديوان وفي صورة وجود أي مخالفة يقع بطريقة آلية فسخ العقد مع المزود وإرجاع المواد التالفة وتعويضها بأخرى وأشار أن الديوان لم يسجل منذ سنوات أية حالة تسمم باستثناء هذا الشهر حالتين بمحافظة زغوان تبين بعد مراجعتهما أن السبب يعود لتخزين الطلبة لأكلة جلبوها من المنزل لأيام ومع حرارة الطقس وعدم توفر أجهزة تبريد بالمبيتات فقد تعفنت الأكلات وحدث المكروه علما وأنه يتم رفع عينة من الأكلة الجامعية ويقع الاحتفاظ بها لمدة 72 ساعة على أقصى تقدير للعودة إليها في صورة ظهور أي حالة تسمم أو ماشابهها. من جهتها أكدت السيدة سلوى بوبكر الأخصائية في حفظ الصحة بالديوان أن هيكلهم متعاقد مع أطباء بياطرة لمراقبة جودة المواد الحيوانية والأسماك فضلا عن ووجود فريق صحي قار في كل مطعم جامعي متكون من لجنة تسلم تتضمن فني سامي في حفظ الصحة ومدير المطعم والمقتصد ورئيس الطباخين وأشارت أن نفس اللجنة تنظم جدول الأكلات على مدى أسبوع كامل وتحرص على تقديم أكلة صحية ومتنوعة من ناحية الكم والكيف.وأضافت في ختام حديثها أن الخطر موجود ووارد لكن الديوان بجميع هياكله الصحية يحاول قدر الإمكان الوقاية من خلال تكثيف عمليات المراقبة والزيارات الفجئية . وبين سخط واستياء الطلبة وإقرار المسؤولين بجودة الأكلة تبقى المطاعم الجامعية موضوع سجال لاينتهي إلا بانتهاء السنة الجامعية وتبقى الأكلة الجامعية هما يؤرق الطلبة على مدار الموسم الدراسي وهنا نتساءل لماذا لا يقع تجهيز المبيتات الجامعية بأجهزة تبريد من أجل ضمان حفظ الأكلات ولماذا لا يقع النظر في مسألة النقل لاسيما للطلبة الإناث فالمسافة الفاصلة بين مكان السكن ومكان الإطعام ليست بالهينة كما أشارت بعض الطالبات.