[email protected] ملاحظة : كتبت هذا المقال منذ خمس سنوات وإذ أعيد نشره مجددا تحببا أولا في الأجر في أيام من أيام الله، ولكنه أيضا، تذكير حتى لا ننسى وتغمرنا الدنيا بجحافلها، وهو إشارة إلى أن المشهد لم يتغير كلية، وأن الهدف من هذا التحبير يبقى تجلية المغمور ونداء إلى أصحاب الشأن وأمل في خيرية النفس البشرية وخاصة في هذه اللحظات... بعد أيام قليلة يجمع رمضان لآليه التي نشرها بيننا، وردائه الذي ألقاه علينا، ويغيب بدره من جديد... و من وراء السحب والغمام ينبثق هلال جديد، وشهر جديد، وتحل أيام العيد... عيد بأي حال عدت يا عيد؟ سوف يفرح أطفالنا ولكن هل سيفرح كل أطفال بلدي؟ سيلبس أطفالنا الجديد ولكن هل سيلبس كل أطفال بلدي؟ سيعلو محيّا أطفالنا الضحك والابتسام، ولكن هل سيضحك كل أطفال بلدي؟ ستنال الهدايا أيادينا الصغيرة، ولكن هل ستلعب كل الأيادي؟ سنعانق أطفالنا ونظمّ أحفادنا ولكن هل كل أطفال بلدي سيجدون من يعانق؟ سنأكل في هذا اليوم ما لذّ وطاب، وسنزور الأحباب..، لكن هل كل البيوت تزار؟ هل كل وطني مزار؟ عيد بأي حال عدت يا عيد؟ إن العين لتدمع والقلب لينفطر وهو يسمع من بعيد، أزيز أبواب السجون تغلق في وجوه أطفال شبوا ولم يعرفوا من الآباء سوى الأسماء والصور الصامتة والباهتة. إن النفس لتنحبس أحيانا ولا تترك إلا زفيرا عابرا ينطلق من تحت الركام وهو يتابع مسار أجسام تتهاوى وأسماء تتلاشى وعناوين تسقط وذكريات أشباح... وجوه مكلومة وخدود ملطومة وآمال مردومة وأشواق معدومة...! عيد بأي حال عدت يا عيد؟ كيف تنام الأجفان وتُرتاد الفرش ويلتقي الخلان، وأجفان لم تر النور منذ سنين، ولم تلمس غير الأرض فراشا والسماء لحافا..؟، كيف لهلال العيد أن يظهر لهذا الحزن الذي يملأ البقاع؟ كيف له أن يبتسم والابتسامة قد فارقت ثغور أطفال منذ الأمد؟ ليقف المرء في بعض ثنايا حديثه واجما لا يستطيع لا التقدم ولا التأخر! وتعجز الكلمات على عبور الحنجرة من جديد! ليعجز المرء إلا أن يبتلع ريقه بكل مرارة ويلتجأ إلى لغة الإشارة للنجاة ولا حول له ولا قوة! لا نريد في هذه الأيام أن تفرح وجوه وتحزن وجوه، لا نريد أن نزور الأقارب والأصدقاء ويبقى تونسيون من بني جلدتنا في بيوتهم حزانى وثكالى وأيتام، الكافل في غيابات السجن أو تحت اللحود أو من وراء الحدود، والأمهات يسكبن الدموع من وراء الدهاليز وفي زوايا البيوت وفي الأركان المظلمة، بعيدا عن نظرات ملائكية لطفل صغير لا يفقه كثيرا من لعبة الكبار..، لا نريد أن يقول هؤلاء الصغار يوما هذا ما جناه علي وطني وما جنيت على أحد! عيد بأي حال عدت يا عيد؟ دعونا من السياسة ولو للحظات، دعونا من جلبة المواقف والبيانات، دعونا من التدافع والتجاذب والتعارض لساعات معدودة، والتزموا ولو لبرهة من الزمن العابر نداء العقل والقلب... كيف بكم يا أصحاب القرار وقد طويت الصحف وفارق الحبيب حبيبه وتنكر الوالد لولده وتذهل كل مرضعة عما أرضعت ونودي لمن الملك اليوم ولا مجيب ولا معيد...لله الواحد القهار! كيف بكم وقد تعلقت بأطرافكم شكاوى المضطرين، من حُرِمَ طيلة سنين نظرة حنان من أب مسجون، من حُرِمَت العائل والولي وأصبحت ترتاد الأسواق بحثا عن لقمة مرميّة بين القمامات، من مات تحت أغلال السجان، من هاجر منفيا وترك الأهل والعشيرة، ولم يسعد حتى بمرافقة والديه إلى مثواهما الأخير...؟ إن الخصومة كبيرة والمشتكي عنيد، والمشتكى إليه عادل وشديد، والمتهم ضعيف ضعيف ضعيف... ليس حديثنا توسلا و لا نداءنا تذللا، والله إنا لنرأف بهذه الأحوال، فاغتنموا أياما مازلتم تعيشونها، ومفاتيح مازلتم تملكونها، وعناوين مازلتم ترتادونها، اغتنموا حالكم قبل فوات الأوان حيث لا عذر ولا اعتذار. عيد بأي حال عدت يا عيد؟ ماذا لو فُتحت السجون في هذه الأيام وعاد الناس إلى جوار أهلهم وذويهم؟ ماذا لو فُتحت الحدود وعاد المنفيون إلى تربة أجدادهم؟ كلمة واحدة تكفي صاحبها أن يلفظها فمه، أو إشارة من إصبعه، حتى تجف الدموع وتستبشر الوجوه ويكون العيد للجميع، كلمة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تُفتح لها القلوب وتُمحى له الذنوب. حتى تنال الرحمة والفرحة كل بيت في تونس، وأن لا يبقى بيت واحد ينتظر أبا لن يطرق الباب، ومبشرا قد غاب، وزائرا لن يجاوز الأعتاب! عيد بأي حال عدت يا عيد...بما مضى أم فيك اليوم تجديد ؟؟؟؟ هذه آمالنا، هذه أحلامنا، هذا سعينا، هذه أشواقنا... ولكم يا أصحاب القرار في تونس الكلمة الأولى والأخيرة، وبيدكم اليوم ما سوف تعجزون عنه في يوم آخر وقد شهدنا عليكم وشهدتم على أنفسكم! فلا تسقطوا غصن الزيتون ولا تغمضوا العيون، وكل عام وتونس بخير، وكل عيد وأهل تونس في ألف خير! يقول الرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان ليلة القدر نزل جبريل عليه السلام في كبكبة من الملائكة، يصلون على عبد قائم أو قاعد يذكر الله عز وجل، فإذا كان يوم عيدهم باهى بهم ملائكته، فقال : يا ملائكتي! ما جزاء أجير وفَّى عمله؟ قالوا: ربَّنا جزاؤه أن يُوفَّى أجرُه. قال : ملائكتي! عبيدي وإمائي قضوا فريضتي عليهم، ثم خرجوا يعجون إلى الدعاء، وعزتي وجلالي وكرمي وعلوي وارتفاع مكاني لأجيبنهم، فيقول: ارجعوا فقد غفرت لكم، وبدلت سيئاتكم حسنات. قال: فيرجعون مغفورًا لهم" رواه البيهقي. المصدر: موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net المصدر: بريد الفجرنيوز