كيف نستخلص الدروس والعبر من الهجرة للخروج من الضبابية السياسية ومن التهميش و الاقصاء الى المشاركة ؟ " و انّ هذا صراطي مستقيما فاتبعوه و لا تتبعوا السبل..." (الانعام 153) "قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني وسبحان الله" (سورة يوسف 108) بقلم : عبد السّلام بو شدّاخ، احد مؤسسي الحركة الاسلامية في تونس باريس في 10جانفي 2008. عام هجري جديد نستقبله و عام آخر نودّعه نتمنّى على الله ان يجعله عام خير للأمة الاسلامية جمعاءوللشعب التونسي عام سعادة وهناء ورّخاء وللأسرى عام حرية و وئام وللمعارضة التونسية عام توفيق لما فيه خيرالبلاد بالحكمة من اجل تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة في هذه الايام يستعد العالم الاسلاميّ والبلاد التونسية جزء منه لاستقبال عام 1429 جديد و توديع عام آخر بأفراحه واتراحه نسجّل بارتياح خروج اخوة لنا من السجن وكلهم امل للانصهار في داخل المجتمع الذي غابوا عنه طوال السنين الطوال و لكنّهم اصتدموا بواقع مريرمن الجوع والفقر وقلّة ذات اليد ليس لعجز منهم ولكنهم لارادة في غلق ابواب الرزق في وجوههم و الزيادة في اهانتهم والتضييق عليهم بتشديد المراقبة الادارية عليهم. هكذا تمرّ السنين ولا تتشابه وهي سنة من سنن الله في خلقه و صدق الله العظيم اذ قال في سورة آل عمران : " وتلك الأيام نداولها بين النّاس " (آل عمران 140) . لقد شهدنا عام مليء بالاحداث المؤلمة و الجرائم البشعة التي ارتكبت في حقّ الشعوب العربية والاسلامية فكم من دماء سالت و كم من ارض سلبت و كم من ارزاق قطقت و كم من فتن دبّرت وكم من بلاد خرّبت في هذا العام الذي رحل في هذه الايام ولسّائل ان يتسائل من وراء كل هذا؟ ها نحن الآن نستقبل عام جديد و كلّنا امل في المستقبل رغم الجراح و الآلام و كلنا ثقة في وعد الله الذي دوّنه في سورة الرّوم اذ قال: " و كان حقّا علينا نصر المؤمنين " (الرّوم 47) اذ لا يحلو لنا الفرح ولا الاكل والشرب واخوان لنا في غياهب السّجون معاناتهم لا تزال متواصلة منذ ما يقارب العقدين. فهل من مجيب لدعاء الاموات بلا أكفان و بلا قبور؟ هؤلاء الصامدون المحتسبون الصابرون طوال السنين الطوال‘ نسال الله العلي القدير ان يفرّج عليهم قريبا‘ انه سميع عليم‘ ولا ننسى اخواننا المسرّحين الممنوعين من العمل او من السفر ولا المشردون في جميع اصقاع العالم‘ نسال الله تعالى ان يجمعنا و اياهم على ارض الخضراء الحبيبة‘. هذا الوضع الذي وصلنا اليه في تونس الحبيبة هو نتيجة اخطاء ارتكبها بعض الفاعلين في الساحة السياسية التونسية وبعض الاطراف من الوسط الاسلامي غرورا منهم من جهة. وبعض الاطراف من داخل السلطة الذين لا يعتمدون على الحوار و لا الوفاق بين الفرقاء والشركاء في الوطن ضنّا منهم انّهم سوف يحطّمون ارادتهم في التغيير السلمي فهم واهمون واهمون واهمون لان ارادة الشعوب لا تقهر. وحتّى نكون منصفين مع خصومنا علينا ان نعترف بداية ان تصرّف النظام في نوفمبر1987 كان قد تصرّف مع الاسلاميين بشكل ايجابي وهو ما دفع الاستاذ راشد الغنوشي للإطناب في مدح هذا النظام. اذ سرّح النظام حوالي 2000 من المساجين السياسيين من بينهم الاستاذ راشد الغنوشي المحكوم عليه بالمؤبّد، و حفظ ما يسمى بقضية "المجموعة الأمنية" او "مجموعة الانقاض الوطني" مثلما يحلو للبعض تسميتها و هي في الحقيقة محاولة انقلابية أقدمت عليها بعض العناصر القريبة من الحركة الإسلامية. ثم أعلن عفوًا عامًا، ظهر فيما بعد أنه انتقائي، و أعاد المساجين المسرحين إلى وظائفهم و أعمالهم السابقة . و عوّض للمحكومين بالبراءة منهم، ثم منح رخصة قانونية للإتحاد العام التونسي للطلبة و سمي الاستاذ عبد الفتاح مورو، الرجل الثاني في النهضة آنذاك في المجلس الإسلامي الأعلى، و أشرك الاستاذ نورالدين البحيري، في صياغة و التوقيع على الميثاق الوطني الى جانب الأحزاب السياسية القانونية و سمح بالمشاركة بقوائم مستقلة في الانتخابات التشريعية لسنة 1989، و رخص للسيّد حمادي الجبالي لإصدار صحيفة أسبوعية "الفجر" القريبة من الحركة الاسلامية. و في نوفمبر 1988 استقبل الرئيس التونسي رئيس حركة الاتجاه الاسلامي بقصر قرطاج وكل هذه الخطوات التي عدّدناها كانت ايجابية ومن الواجب علينا عدم تغافلها او نسيانها. ولكن في سنة 1990 مع احتلال القوات العراقية لدولة الكويت هذا الموقف الذي سانده الاستاذ راشد الغنوشي ،هو موقف نشاز و لا يقبل به عاقل في صلب الحركة الاسلامية تزامن مع بداية قمع الاسلاميين بشاركة مع و مساعدة و مساندة وقتها من العديد من "الزعماء الديمقراطيين" و "المناضلين الحقوقيين" المعارضين حاليًا وهذا امر لا يجب اغفاله او نسيانه. فمن كان موقفه الاقرار باغتصاب أرض جاره كيف يكون موقفه عندما يغتصب جار له بلاده أم أرضه ياترى؟ عشرون سنة مرت فماذا أنجزنا لمشروعنا و بعد عقدين من المعاناة والصبر لا حظنا أننا كإسلاميين نفتقر إلى أسس تربوية و عقدية صلبة و راسخة و ذلك ما يفسر الإنهيار و السقوط لدى البعض منّا منذ اللحظات الاولى و المشاكل التي عشناها فيما بيننا أرجعها في مجملها إلى ضعف الجانب التربوي و التعبدي و عدم رسوخ العقيدة فلم نعد نجد ذلك الأخ الربّاني الجلد المحتسب الزاهد مما سهل السقوط السياسي و حتى الأخلاقي ؟ وإخوة قيادات المهجر لم يستفيدوا مما بين ايديهم من إمكانيات لتاسيس الفرد المسلم المنشود و ذلك ما يفسر السباب و الإنفعالات و نشر الغسيل دون مراعاة لأواصر الأخوة أو التاريخ المشترك. لا بد أن تكون أولى الاولويات توفير البرامج و الظروف التي تساعد على تخريج عدد كاف من القيادات الربانية حتى لا نضطر إلى تكليف غير الكفء و الأولى بنا ان يكون كسائنا على قدر ارجلنا. و هنا لا بد من الإشارة إلى أنه و الحق يقال فكرت الحركة الإسلامية في تونس في هذا الامرمنذ بداية التأسيس و ان كانت التربية و التكوين لم تكن كافية من حيث التطبيق لان اخواننا في القيادة كانت اولوياتهم تختلف و طغى عليها التسرّع والغرور في بعض الاحيان و لقد عرض مشروعا متكاملا لتكوين الفرد المسلم على مدى سنوات و لكن هذا المشروع بقي حبرا على ورق. فلماذا لم ينهض بذلك المشروع إخوة المهجر خلال ما يناهز العقدين من استقرارهم بالمنفى؟ وللحقيقة لانّ الحقّ مرّ كما قيل و " قل الحقّ ولو على نفسك" و الاعتراف بالحقّ فضيلة و بصراحة و للتاريخ على قيادة النهضة آنذاك، أن لا تنسى مسؤوليتها السياسية و الاخلاقية في مبادرتها بمواجهة النظام ، وضمنيّا في مأساة المساجين السياسيين لان السبب الاساسي هو غياب التكوين التربوي الاساسي للافراد و للاطارولقد اعتمد التركيز على من يحسن الكلام في الحلقات العامة او اصحاب العظلات المفتولة. و صدق الله العظيم اذ قال في سورة فصلت " من عمل صالحا فلنفسه و من أساء فعليها و ما ربّك بضلاّم للعبيد" (فصلت 46) و قال تعالى في سورة الانعام " .. ولا تكسب كلّ نفس الا عليها و لا تزر وازرة وزر أخرى ثمّ الى ربّكم مرجعكم فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون " (الانعام 164) . و على كل حال، يمكن أن نتفهّم ان من حق النظام أن يدافع عن نفسه و عن المجتمع الذي يتحمّل مسؤولية امنه وضمان الاستقرارفيه. و لكن في إطار الاحترام لحقوق الإنسان، و دون نظام العقوبات الجماعية و تعميم القمع الى الأسر بأكملها وانتهاءا بتدمير المجتمع بأكمله. و للحقيقة التاريخية ايضا ان النظام لم ينجح فقط في دوام حكمه طيلة عشرين عاما فحسب بل نجح ان يحقّق الاستقرار الاجتماعي. في الوقت الذي فشل خصومه ان يزيحوه او ان يشكّلوا قوّة ضغط ذات بال تجبره على اخذ مطالبهم بعين الاعتبار. وهذا ينطبق على من كانت في الثمانينات القوّة الثانية في البلاد. ان قيادة هذا التنظيم الذي فقد ما كان له عزّ و ريادة و ما بقي له الا تعداد المصابين والمرضى و المعاقين و العاطلين عن العمل. هذا الطاقم الذي اختار تأبيد القيادة في المهجر مسؤوليته عظيمة امام الله اولا ثمّ مسؤوليته امام الاجيال اعظم . هذه القيادة حكمت على الحركة بالانتحار الجماعي و البطيء فان كانت تتوهّم انها سوف تعود للبلاد غانمة نسيت او تناست ان النضال لا يكون بالوكالة من وراء البحار بل الساحة و مشاركة شعوبهم الآلام و الآمال والجوع والحرمان. " ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولّون الادبار و كان عهد الله مسئولا قل لن ينفعكم الفرار ان فررتم من الموت او القتل واذا لا تمتّعون الا قليلا" (سورة الاحزاب 15- 16). مع العلم انني لا الوم الاخوة الذين خرجوا من البلاد هروبا بدينهم و عوائلهم و انما لومي ينحصر على الطاقم القيادي فقط لا غير. ففي نوفمبر 2003 حدّد الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن سياسته الخارجية التي اتبعها نصف قرن بإعلانه "أن الاستقرار لن يشترى على حساب الحرية". كانت هذه مقدمة برنامج ندوة لمعهد أمريكان إنتربرايز www. aei. org عقدت في العاصمة الأمريكية تحت اسم "معارضون وإصلاحيون من العالم العربي". وكما ذكرت "دانيل بليتكا" نائبة رئيس المعهد لشئون دراسات السياسية الخارجية وسياسة الدفاع أن الإستراتيجية الأمريكية لن يكتب لها النجاح دون وجود الكثيرين من العرب الذين يحملون مشاعل الحرية من أجل التغيير في بلدانهم. وخلافا للكثيرين من النشطاء في دول الشرق الأوسط الذين ينخرطون الآن في معارك متواصلة من أجل الحريات الفردية، والاقتصاد الحر وسيادة القانون. تحدّثت آنذاك السيدة نايلة حشيشة بنت محمود شرشورعن الحالة التونسية فذكّرت بغياب مجتمع مدني حقيقي مستقلّ عن السلطة. وكانت فرسة لها لكي تتحدث عن جدوى الانتخابات الحرّة التي اتفاد منها الاسلاميون في العالم العربي و الاسلامي كلما تمكّنوا من المشاركة في جو من الحرية النسبية. وذكرت السيدة نايلة حشيشة بنت محمود شرشور على سبيل المثال الاسلاميون في تونس اذ كانوا القوة الوحيدة المنظمة في البلاد التونسية القادرة على منافسة الحزب الحاكم بعد ان فقد عناصر القوة لتأطير الجماهير و اصبح مجرد مؤسسة ادارية بيروقراطية تطحن الجميع فاقدة لاي برنامج سياسي. ولعل هذا هو السبب الحقيقي من وراء كل هذا التنكيل بكلّ نفس اسلامي اصيل و ما المحاكمات المتكررة الى سنة 2008 الا دليل اضافي بتاكيد هذا الخوف المفرط من النظام من أي نفس اسلامي يطمح للحرية و هو يعاني من سياسة الاقصاء. وهذه السيدة نايلة حشيشة بنت محمود شرشور تحدثت منذ نوفمبر 2003 فهي ترى ان في ظلّ سيطرة نظم الحكم الديكتاتورية لا توفّر الانتخابات الحرّة كحلّ ديموقراطي فتصبح الانتخابات وسيلة غوغائية للوصول للحكم عن طريق اثارة النوضى. وهؤلاء النشطون العرب كما ذكر برنامج الندوة يخاطرون بتعريض أنفسهم للزج في غياهب السجون، هؤلاء الأفراد هم أعمدة بناء الشرق الأوسط الجديد ويمثلون الأصوات الأصيلة المعبرة عن الشعوب العربية. كما ذكرت السيدة نايلة حشيشة بنت محمود شرشور ان حرية التغيير بالوسائل السلمية في البلاد التونسية منعدمة و تحدثت عن عدم وجود فعلي للتجمع الدستوري الديموقراطي كحزب سياسي يأطّر الجماهير لانّه تحوّل الى جهاز اداري لا يمكن الاستغناء عنه من طرف لي مواطن في البلاد. وقد تسائلت السيدة نايلة كيف يمكن ان يحدث تطور في المستوى الشعبي في غياب أي ممارسة ديموقراطية حقيقية. ونادت السيدة نايلة حشيشة بنت محمود شرشور بضرورة تحييد الدّين الاسلامي في المجتمع التونسي حتّى لا يقع استغلاله سياسيا قبل الانتخابات.ز قالت ايضا انها تشعربالانتماء الى منطقة الحوض الابيض المتوسّط اكثر من الانتماء للعالم العربي الاسلامي مع تشبّثهابحقوق المواطنة التونسية([1]). و اننا اذ نشهد للسيدة نايلة حشيشة بنت محمود شرشور بالجرأة والشجاعة في اللقاء الصحفي التي اجرته مع جريدة امريكية (Middle East Quarterly) و التي كانت فرصة منها لتسليط الااضواء على مأساة الواقع السياسي في تونس منذ سنة 2003 و الذي لم يتغيير في مجالات التحرّر الاقتصادي والاجتماعي و كذلك في مجال الديموقراطية وتعدّد الاحزاب وضرورة القبول بالتواجد الاسلامي في المجال السياسي وهي تنادي الى تحييد الدين في المجال السياسي. محكمة تونسية تودّع السنة بأحكامً قاسية القضاء التونسي اصدرحكمه يوم 30 ديسمبر2007 على اثنين من التونسيين الثلاثين الذين يحاكمون منذ نوفمبر2007 بتهمة الارهاب والتآمر بالاعدام فيما حكم على ثمانية اخرين بالسجن المؤبد، وهي تعتبر واحدة من أكثر القضايا اثارة للاهتمام في شمال افريقيا. وقد اندلعت احداثها في مطلع عام 2007 بمواجهات مسلحة نادرة في تونس بين المجموعة السلفية وقوات الأمن اسفرت عن 14 قتيلا. كما حكم بالسجن ثلاثين عاما على سبعة متهمين آخرين يمثلون امام المحكمة الابتدائية في تونس العاصمة لوقائع تعود الى ديسمبر 2006 وجانفي 2007. واعلنت المحكمة انها حكمت على المتهمين الاخرين بالسجن لفترات تتراوح بين خمس سنوات وعشرين سنة. كما قضت أيضا بوضع جميع المحكوم عليهم تحت الرقابة الإدارية لمدة 5 سنوات باستثناء متهمين، إلى جانب تحويل المحجوز لديهم من أموال وسيارات وأسلحة وذخائر إلى صندوق الدولة. قالت مصادر حقوقية تونسية يوم 8 جانفي 2008 إن أعضاء المجموعة السلفية تقدموا بطعن في الأحكام الصادرة ضدهم بتهمة بالتآمر على أمن البلاد. وأشارت إلى أن ملف الطعن في الأحكام التي صدرت عن الدّائرة الجنائيّة التابعة للمحكمة الإبتدائية بتونس العاصمة،تم تحويله إلى هيئة الدائرة الجنائية بمحكمة الإستئناف بتونس العاصمة وأسفرت تلك الإشتباكات عن مقتل ضابط من الجيش التونسي برتبة نقيب، وعنصر أمن وجرح 3 آخرين، بينما قتل 12 من أفراد المجموعة وفق حصيلة رسمية. ان هذه الفئة من المجتمع التونسي التي اختارت فكرة العنف وسيلة مناسبة لتحقيق اهداف سياسية او فكرية هي نتيجة انسداد آفاق الحوار. انّ الدعوة الى اطلاق سراح ما بقي من ابناء الحركة في السجون ملحّة اكثر أي وقت. اذ كفى الحركة الاسلامية ما دفعت نتيجة اخطاء بعض افرادها من تشريد و سجن و تعذيب حتّى الموت احيانا لبعض المناضلين قليلي التجربة‘ وقع دفعهم في طريق مسدود نتيجة خيار غير سليم لم يقع الاجماع حوله من اجل ان نفتح صفحة جديدة للتامّل و المراجعة و المحاسبة فيما بيننا في داخل القطر لا خارجه. و بذلك فقط يمكن للدرّ ان يعود الى معدنه و تاخذ الصحوة الاسلامية موقعها في كنف الوضوح الكامل. و لذلك نصحنا ولا زلنا نصرّ في النصح لاخواننا في داخل القطر ان يحسموا فيما بقي من الحركة بالمهجر التي استحوزت على آلامنا و آمالنا و تضحياتنا و استغلّتها في غير موضعها. انّه آن الاوان للحسم و ايقاف النزيف على المستوى السياسي والتنظيمي والاعلامي. يقول الله تعالى في سورة الاحزاب " قل لن ينفعكم الفرار ان فررتم من الموت او القتل واذا لا تمتّعون الا قليلا قل من ذا الذي يعصمكم من الله ان اراد بكم سوءا او اراد بكم رحمة و لا يجدون لهم من دون الله وليّا ولا نصيرا" ( سورة الاحزاب 16-17) كنا قبل المحنة العظمى وهي محنة تهجير قيادة الحركة نتجشم الصعاب الأمنية للإلتقاء مرة في الأسبوع في مكان آمن لنتدارس ديننا أو نستمع لشريط نخفيه. أما اليوم فكل تلك الكتب و الأشرطة متوفرة على الشبكة العنكبوتية التي أضحت في متناول الجميع سواء في داخل القطر او خارجه. فما المانع من احياء البرنامج التكوينية التي وقع تربية شباب الحركة عليها قبل المحنة. ان هذه البرامج هي التي ساهمت في تكوين القيادات و العناصر الفاعلة القوية الأمينة على مصير الشعب التونسي عل مرالسنين في السبعينات و النصف الاوّل من الثمانينات. و في ذلك يتنافس زوار المنتديات و المواقع و بذلك تستعيد الكتابة قيمتها. فإني لا أتهم أحدا بعدم الإخلاص و لا أنتقص من الجهود المبذولة أو الرسالة التي تقدمها تلكم المواقع الإلكترونية فذاك مما لا ينكره إلا جاحد و لكني أتألم عندما أرى أننا نبذل الجهد و نبذر دون خطة واضحة بل نضيع و قتا ثمينا في مهاترات لا تقدم ولا تؤخر و الحال أننا في أشد الحاجة للبناء و التأسيس و الإعداد إعداد البدائل و الإجابة عن الأسئلة المكررة و التي تثار من حين لآخر لإلهائنا و تشتيت جهودنا و شق صفوفنا. وفي الاخير‘ ليس لنا ملجئ الا لله نشكو له حزننا ‘ و نقول حسبنا الله و نعم الوكيل ‘ فهو نعم المولى و نعم النصير ‘ فهو ربّ المستضعفين وهو ربّنا‘ وحسبنا الله و نعم الوكيل ونستلهم موقفنا هذا من دعوة الله في منزّل كتابه الكريم ‘‘ الذين استجابوا لله و الرّسول من بعد ما اصابهم القرح ‘ للذين احسنوا منهم و اتقوا اجر عظيم‘ الذين قال لهم النّاس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل ‘ فانقلبوا بنعمة من الله و فضل لم يمسسهم سوءا و اتّبعوا رضوان الله و الله ذو فضل عظيم ‘‘ (آل عمران 172 ) " من عمل صالحا فلنفسه و من أساء فعليها و ما ربّك بضلاّم للعبيد" (فصلت 46) " ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولّون الأدبار و كان عهد الله مسئولا" (الاحزاب 15.) ‘‘انّ الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم و اذا اراد الله بقوم سوءا فلا مردّ له وما لهم من دونه من وال ‘‘ (سورة الرعد 11) صدق الله العظيم ماذا سيتغيّر بعد دخول تونس منطقة التبادل الحر مع أوروبا ؟ و اليوم و نحن في سنة جديدة /1429/2008 لا يسعنا إلا أن نؤكد على أن الإصلاح ضرورة بالنظر إلى التحديات الكبرى التي لا مناص من مواجهتها. الأكيد أن سنة 2008 ستمحور سياسيا في بلادنا حول تكثيف الاستعدادات السياسية للانتخابات الرئاسية والتشريعية التي ليست لنا فيها ناقة ولا جمل ولسنا مستعدين ان نحشر ما بقي من مناضلينا فيها لصالح طرف على حساب طرف آخر. و ان ما يحدُث داخل الساحة النقابية، اذ انه من المنتظر ان تكون الإضرابات العُمالية والقطاعية، تعرف وتيرة متصاعِدة في هذا العام، وهو ما يجعل سنة 2008 ستكون سنة توتُّر اجتماعي بارز. اذ غلاء الاسعار اصبح ظاهرة حادة تقض مضجَع أغلب السكان، بما فيهم الطبقة الوسطى، التي أصبحت مرهُونة لدى البنوك، كما أن الخصخصة لا تزال تخلِّف وراءها ضحايا يتزايدون في كلّ سنة و جبهة العاطلين عن العمل، إلى جانب ما تلفضهم المدارس والجامعات كل عام نحو سوق الشغل. و لعل أبرزها للعيان الوضع الاقتصادي و الاجتماعي الذي ينعكس إيجابا أو سلبا على مستوى عيش المواطن بشكل آلي و مباشر,فانطلاقا من غرة جانفي 2008 تدخلو لغلّ دخول البلاد التونسية منطقة التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي يجعلها في منافسة مباشرة مع أكبر و أعتى العمالقة في المجال الاقتصادي الرؤسمالي. إن حجم التحدّيات التي تواجه البلاد يتطلّب إصلاحات سريعة و عميقة. و الكلّ يعلم أن الحلول اللازمة ليست حلولا تقنية بقدر ما هي اختيارات جوهرية تشمل السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي. فهل ستكون سنة1429 سنة انفتاح يفرج فيها على المساجين السياسيين و يتحرر الإعلام و يستقل القضاء و تتجسم دولة القانون و المؤسسات ؟ ونحن اذ نعتزّبمشروعنا الحضاري وخطّنا الدعوي السّلمي ندعو اخواننا بالتمسّك بوحدة الصفّ و الالدعوة للتصالح فيما بين شعبنا بجميع فؤاته و مكوّناته بدون اقصاء لأننا نؤمن بأن أمل شعوبنا فينا كبيرما دمنا متمسّكين بديننا و قيمنا و هويتنا و هذا ما نصبو إليه من أجل عزة تونس و كرامة شعبنا. و صدق الله العظيم اذ قال في سورة الاسراء : " وقل جاء الحقّ وزهق الباطل انّ الباطل كان زهوقا" (الاسراء 81) و السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته. باريس في 10جانفي 2008 بقلم : عبد السّلام بو شدّاخ، احد مؤسسي الحركة الاسلامية في تونس -------------------------------------------------------------------------------- [1] -http://www.taqrir.org/showarticle.cfm?id=106 تاريخ النشر: 09.01.2008/GMT:10:41