انتداب خريجي التعليم العالي : الشروط اللى تخليك تسجّل في المنصّة    توزر: استعدادات لإنجاح الأنشطة السياحية بمناسبة عطلة الشتاء واحتفالات رأس السنة    صالون الموبيليا والديكور والصناعات التقليدية بصفاقس : دورة جديدة بروح متجددة    ماكرون يؤكد رفض فرنسا توقيع اتفاقية "ميركوسور" بصيغتها الحالية    الجنسية الأميركية مهددة في عهد ترامب.."قرار" يقلب الطاولة..ما القصة..؟!    هامّ لتلاميذ الخاص: التسجيل عن بعد للحصول على بطاقة التعريف لا يشملكم    المنستير: عروض متنوعة خلال الدورة 12 من تظاهرة "الأيام الثقافية لفنون الفرجة" ببنبلة    المعهد الفرنسي بتونس يتجه الى جزيرة قرقنة:: اكاديمية دحمان للحصول على الشهائد الدولية !    عصام الأحمر: يشدد على ضرورة وضع برامج عربية مشتركة وتوحيد السياسات للوصول إلى تنمية شاملة    بودربالة يجتمع بممثّليْن إثنين عن عمال الإعاشة لدى الشركات البترولية بصحراء تطاوين    تأجيل محاكمة العميد الأسبق للمحامين شوقي الطبيب إلى 12 فيفري المقبل    تونس: كيفاش تستعدّ الديوانة التونسية لعطلة الشتاء ورأس العام    القصرين: سائقو التاكسي الفردي يجدّدون احتجاجاتهم للمطالبة بالترفيع في عدد الرخص    رسميا: نعيم السليتي جاهز للمشاركة في كأس أمم إفريقيا    فيلم "هجرة" للمخرجة والكاتبة السعودية شهد أمين : طرح سينمائي لصورة المرأة وصراع الأجيال    عاجل: منع جماهير منتخبات عربية وإفريقية من دخول مونديال 2026... وهؤلاء المعنيون    حزب التيار الشعبي يلتقي قيادات من حركات المقاومة الفلسطينية    وفاة رضيع نتيجة البرد القارس في خان يونس..#خبر_عاجل    تظاهرة كروية جهوية من 23 الى 26 ديسمبر 2025 بالمركز الثقافي والرياضي للشباب بن عروس    زيلينسكي: روسيا تتهيأ ل"سنة حرب" جديدة في أوكرانيا    بعد 13 عامًا..العثور على طائرة مفقودة في الهند    نهائي السوبر: الترجي ضد النجم – وقتاش؟ وفين تشري التذاكر؟    جمعية أجيال قصر هلال في جبل سمّامة: الجبل يحتفي بالدكتور فنطر    كوتش يفسّر للتوانسة كيفاش تختار شريك حياتك    تزايد حالات التهابات الأنف والأذن والحنجرة: تحذيرات من دكتورة تونسية    الملتقى الوطني للاتحاد التونسي لاعانة الاشخاص القاصرين ذهنيا من 19 الى 21 ديسمبر 2025 بمدينة سوسة    الجامعة النيجيرية لكرة القدم توجه إتهامات خطيرة لمنتخب الكونغو الديمقراطية    الاولمبي الباجي يعزز صفوفه بمحرز بالراجح ومحمد علي الراقوبي    دار الصناعات التقليدية بالدندان تحتضن معرض "قرية وهدية" من 22 الى 30 ديسمبر الجاري    سيدي بوزيد: اضراب جهوي لأعوان الشركة الجهوية للنقل القوافل    فتح باب الترشح لجوائز الإبداع الأدبي والفكري والنشر لمعرض تونس الدولي للكتاب    المسرح الوطني التونسي يقدم سلسلة عروض لمسرحية "جرس" بداية من الجمعة 26 ديسمبر    لا تفوتوا نهائي كأس العرب لكرة القدم بين المغرب والأردن..موعد والنقل التلفزي..    معهد الرصد الجوّي يكشف موعد وصول التقلّبات الجوّية    عاجل: الدولة تنظّم ''شدّان الصغار'' في الدار...وهذه أبرز الشروط    اختفى منذ أيام: العثور على جثة شاب متوفي وسط ظروف غامضة..    نائب بالبرلمان: تسعير زيت الزيتون عند 15 دينارا للتر لن يضرّ بالمستهلك..!    رحلات وهميّة نحو تونس: عمليّات تحيّل كبيرة تهزّ الجزائر    لاعب النادي الإفريقي يعمق جراح النجم الساحلي    دراسة تحذر.. "أطعمة نباتية" تهدد صحة قلبك..تعرف عليها..    الستاغ: هاو كيفاش تتمتّع بإجراءات تسهيل الخلاص بداية من 22 ديسمبر    بطولة الكويت: طه ياسين الخنيسي ينقذ الكويت من الخسارة امام السالمية    عاجل/ بداية من اليوم: تونس تدخل تحت تأثير منخفض جوّي قادم من الجزائر..    عاجل/ رصدت في 30 دولة: الصحة العالمية تحذر من انتشار سريع لسلالة جديدة من الإنفلونزا    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    ترامب مخاطبا الأمة: "الرسوم الجمركية" هي كلمتي المفضلة    عامر بحبة... منخفضًا جويًا قادمًا من الصحراء الجزائرية سيبدأ تأثيره على البلاد تدريجيًا    ترامب في خطابه إلى الأمة: الجيش الأمريكي هو الأقوى في العالم    ديوان الزيت يدعو المتدخلين في القطاع لطلب تخزين زيت الزيتون لدى الخواص    عاجل/ عامين سجن في حق هذا الفنان..    هام: منظمة الصحة العالمية تحذّر من الانتشار السريع لل Grippe    مستشفى شارل نيكول: نجاح أول جراحة الكلى الروبوتية في تونس    عاجل/ "الستاغ" توجه بلاغ هام للمواطنين..    شيرين تردّ على ''الكلام الكاذب'' عن صحتها وحياتها    الدكتور محسن حمزة/طبيب ... شباب القرن الحادي والعشرين يريد خطابًا يُحاوره لا يُلقّنه    ندوة «الشروق الفكرية» .. الشّباب والدّين    د. الصحبي بن منصور أستاذ الحضارة الإسلامية/جامعة الزيتونة.. السّؤال خارج الخطاب التقليدي خطوة لفهم الدّين لا ابتعادا عنه    8 أبراج تحصل على فرصة العمر في عام 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انتخابات أمريكا.. كيف يراها الإسلاميون؟ : علي عبدالعال
نشر في الفجر نيوز يوم 23 - 10 - 2008

مع يقينهم بما تمثله من حدث هام ليس فقط على الصعيد العالمي بل المحلي والإقليمي، يخطئ من يظن أن الإسلاميين غير معنيين بالسباق الدائر الآن حول منصب الرئاسة الأمريكية، لما لنتيجته من انعكاسات على الأمن والاستقرار، وتداخلها تقريبا مع كل الملفات (السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والعسكرية، والعقائدية) في المنطقة والعالم.

وإن بدا أن "التجاهل" هو السمة الظاهرة لموقف الإسلاميين من هذه الانتخابات، فإن متابعة الأخبار، والنظر المتعمق في خلفيات الأحداث، والترقب لما قد تسفر عنه يشي بشيء آخر، فحواه أن الحركات الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي متابع جيد لسباق البيت الأبيض، وهو متابع له زاويته الخاصة التي يرى بها الحدث على نحو ما يظهر من قول الكاتب الإخواني علي بطيخ في مقال له بموقع الجماعة الرسمي : " شئنا أم أبينا فإن ما يحدث في أمريكا يهمنا بالتأكيد.. ويؤثر فينا قطعا". طالع: انتخابات أمريكا 2008
الإخوان.. وظلال العلاقة مع أمريكا
بشكل عام لم تتفاوت كثيرا نظرة الإسلاميين على اختلاف حركاتهم وتوجهاتهم لهذه الانتخابات، وتكاد تكون آراؤهم متفقة تماما حول استبعاد فكرة وجود فارق بين المرشحين الديمقراطي والجمهوري فيما يتعلق بالتوجهات المستقبلية للإدارة الأمريكية القادمة.. ذلك أن اللوبي اليهودي في أمريكا متداخل وبقوة في نسيج الحزبَين، ويعِدُّ دائمًا البدائل والقيادات في كلا الحزبين الموالية تمامًا للكيان الصهيوني، ولعل دعْمَ إسرائيل وحماية أمنها ووجودها لا خلافَ عليه بين الحزبين حسبما يرى الدكتور محمد حبيب نائب المرشد العام للإخوان المسلمين، حيث يقول: "تكاد تكون السياسة إلى حد ما واحدة، وبالتالي لا يوجد فرق كبير بين الديمقراطيين والجمهوريين؛ لأن هذه الانتخابات يحددها فقط المال والإعلام وشركات السلاح"، وهذه تلقي بظلالها على كل انتخابات تجرى في الولايات المتحدة.
ويأتي ذلك في ظل إدراك الإخوان لما قد يمثله تداخلهم المباشر والصريح على خط الانتخابات من حرج أمام الرأي العام، خاصة بعد التلميحات الأمريكية بإمكانية الاتصال ومحاورة قادة الجماعة، واللقاء الذي جمع زعيم الأغلبية الديمقراطية في الكونجرس (ستني هوير) ورئيس كتلة الإخوان بالبرلمان المصري محمد سعد الكتاتني، في إطار توجهات جديدة تحظى بدعم الديمقراطيين، حيث دعت رئيسة مجلس النواب (نانسي بيلوسي) خلال جولة لها بعدة دول عربية إلى ضرورة الانخراط أكثر في المنطقة، على عكس الموقف العدائي ل"المحافظين الجدد" أصحاب النفوذ في الإدارة الجمهورية الحالية، وهو ما يفسره محمد حبيب بالقول: "المشكلة كانت في المحافظين الجدد وتوجهاتهم في السيطرة والهيمنة على العالم، والتفرد بالاقتصاد والترسانة العسكرية".
هذا بعكس إخوان سوريا الذين كان لهم موقف مستقل ومشتبك مع الحدث برغم التصريحات الرسمية للرئيس السوري بشار الأسد بأن دمشق لا تفضل مرشحا على آخر في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لأن بلاده لا تراهن على وصول أي من المرشحين الديمقراطي أو الجمهوري إلى البيت الأبيض! ورغم ما بدا من تأثير سلبي لحالة النفي التي استهلكت تصريحات قادة الجماعة وهم يتبرءون من تهمة السعي لفتح قنوات اتصالات مع واشنطن، فقد كان تعاطي إخوان سوريا مع الانتخابات سياسيا بحتا بعيدا عن المواقف الدينية، وبدوا فيه أقرب إلى حزب سياسي منه إلى جماعة إسلامية.

وتحت عنوان "أمريكا والمخاض الانتخابي" نشر المركز الإعلامي للجماعة مقالا للدكتور (ياسر سعد) اعتبر فيه العملية الانتخابية الدائرة غير عادية "بكل المقاييس" فمفاجآتها كثيرة والاستثناءات فيها عديدة، وهي أيضا انتخابات ساخنة يراقبها العالم والأمريكيون باهتمام بالغ في ظل أوضاع مضطربة تشهد تقلبات وتطورات كبيرة ومتسارعة، ومن ثم "من الصعب التنبؤ بنتائجها" التي تبدو متقاربة، ومتخمة بالمفاجآت، ومحكومة بعوامل داخلية وخارجية تأسر اهتمام الناخب الأمريكي وتربكه، وفي نهاية مقاله تساءل الكاتب: "هل يكون من نتائجها تجديد الحلم الأمريكي أم تأكيد الكابوس" الذي جلبته إدارة بوش على أمريكا والعالم.
الحزب الإسلامي العراقي الم عبر عن الإخوان المسلمين هناك كان أكثر اشتباكا مع القضية، فهو قبل بالمشاركة في العملية السياسية في هذا البلد العربي الذي تحتله الولايات المتحدة، ويتولى أمينه العام للحزب السيد طارق الهاشمي منصب نائب رئيس الجمهورية، رغم النقد العنيف الذي لاقاه الحزب من معظم التيارات الإسلامية التي رأت في هذه المشاركة "شرعنة" للاحتلال الأمريكي يقدمها الإخوان خدمة من دون ثمن.
وفي مقابلة له مع قناة "العربية" سُئل الهاشمي: هل تشعرون بالقلق من الإستراتيجية الجديدة للديمقراطيين في حال وصولهم إلى السلطة بقيادة باراك أوباما؟ فأجاب بثقة قائلا: "ليس لدي قلق من سياسة البيت الأبيض.. سوف يراعي المصالح الأمريكية في المقام الأول، وبالتالي ينبغي أن تكون لدينا المرونة والعقلانية مع القادم الجديد، أيا كان هذا الشخص"، مضيفا: "لا أتوقع الكثير من التباين في الإستراتيجية فيما إذا كان القادم من الحزب الجمهوري أو الديمقراطي، ولذلك فسوف أتعايش مع القادم الجديد بمنتهى العقلانية، هو سوف يراعي مصالح بلده وأنا سوف أراعي مصالح بلدي".
السلفيون.. الشرعي والفقهي قبل السياسة والتحليل!
ومن جهتهم اتفق "السلفيون" مع "الإخوان" في نفي وجود أي فارق بين المرشحين الأمريكيين، وإن بدا أن السلفيين أقل اكتراثا بهذا الحدث والضجة الكبيرة المصاحبة له، بل ربما بما يجري في أمريكا عامة، فعلى موقع "صوت السلف" الذي صار أقرب إلى واجهة للتيار السلفي بمصر ومعبرا عن توجهاته وتحت عنوان "أرنب السباق" يكتب السيد عبد الهادي: "نحن لا يعنينا كثيرا من يفوز بانتخابات الرئاسة، فالمعلوم أن الرئيس الأمريكي ليس إلا واجهة لتنفيذ توجيهات المطبخ السياسي".
وفي مقاله الوحيد الذي تطرق فيه السلفيون إلى الانتخابات الأمريكية يلخص الطبيب عبد الهادي موقف الدعوة السلفية قائلا: "الذي يعنينا هو التنبيه على عداوة القوم للإسلام {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة : 120]، فقادة الغرب يقولون: "انتهزوا الفرصة، دمروا الإسلام، أبيدوا أهله، إنها الحرب الصليبية". ولعل سياسة عدم الاكتراث والتجاهل هذه تبدو طبيعية لدى أصحاب المنهج السلفي المنشغلين بمنهجهم التربوي والدعوي فقط من أجل "تعبيد الناس لرب الناس"، وتصحيح مفاهيم العقيدة، وتربية المسلمين على أخذ الإسلام من نبعيه الصافيين الكتاب والسنة.
لكن لم ينس السلفيون أن يتخذوا من هذا السباق وسيلة للتأكيد على القضايا الشرعية المتعلقة به، كتولي المرأة للإمامة الكبرى (بمناسبة دخول هيلاري كلينتون على خط الانتخابات) أو تولي الكافر للحكم في الدولة المسلمة.. يقول الكاتب السلفي في مقاله: "والعجب من العلمانيين وأذناب الغرب ممن ينبهرون بديمقراطية هذا السباق، فيتمنى أن يكون للمرأة في مصر والدول العربية دور مثل (هيلاري)، فترشح نفسها للمناصب العليا، بل الأدهى أنه يستنكر لماذا لا يكون رئيس غير مسلم أو وزير أجنبي".
وفي تعريجه على المرشح الديمقراطي اكتفى السيد عبد الهادي بالتركيز على جذور (أوباما) الإسلامية، والتي ارتد أبوه عنها لسبب أو لآخر، محذرا من أي تعاطف تجاهه بسبب هذا الأصل، حيث يقول: "إن أوباما هذا نصراني كاثوليكي متدين"، وفي وسط اسمه "حسين"، أي أن أحد آبائه ارتد عن الإسلام، إما لدنيا يصيبها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، أو أن أسلافه كانوا ضحايا عمليات التنصير التي كانت تجرى على "الرقيق" الذين يجلبونهم من إفريقيا المسلمة، فيعامل معاملة أشد من الحيوانات (...) "والمقصود أن هذا الرجل فتنة على أية حال فلا ينبغي التعاطف ولا الانخداع بسماحة أمريكا المزعومة".

مجلة "البيان" السلفية التي انتقلت من لندن للصدور في المملكة السعودية ركزت على كيفية سير "مسرحية الانتخابات الأمريكية" ومن المتحكم الحقيقي فيها، وتحت عنوان "الجنود الأمريكيون.. الأداة الأضعف في يد صُنَّاع الحرب" كتب د. أحمد إبراهيم خضر مقالا ركز فيه على اللاعبين الحقيقيين في السباق الانتخابي، معتبرا أنَّ الحاكم الحقيقي للولايات المتحدة هم الرأسماليون من كبار رجال الصناعة، ورؤساء شركات الصناعات الثقيلة والعسكرية، والمؤسسات البنكية، وشركات النفط، هذا التحالف (العسكري - السياسي - الصناعي)، وهو ما يُسمى في علم الاجتماع العسكري ب (المركب العسكري - الصناعي). فالشعب الأمريكي - في نظر الكاتب - لا يختار الحكام بمجرد التصويت لمرشحين معينين، بل إن رجال الأعمال هم الذين يمسكون بالقرار الحقيقي في الدولة، وهم الذين يتحكمون في الأحزاب والمجالس التشريعية، وليس الشعب الأمريكي كما يُقَال، إذ لا يستطيع أحد أنْ يصل إلى الحكم أو إلى المجالس التشريعية والتنفيذية أو القضائية إلا بمباركتهم، فهم الذين يسيطرون على أجهزة الإعلام العامة والخاصة، وهم الذين يسيطرون على رءوس الأموال، وعلى الشركات التي تصنع الحرب أو السلم.
الأحزاب الإسلامية أكثر تدخلا
ومما يخلص إليه المتابع لردود أفعال ومواقف الجماعات والأحزاب الإسلامية تجاه السباق الانتخابي الأمريكي أن الأحزاب السياسية الإسلامية أكثر اشتباكا مع هذا الملف، وأعمق في تناولها، وأقدر على نقده وإبراز مواطن الخلل فيه، ولعل ذلك يعود إلى طبيعة بنية الحزب كمؤسسة سياسية وتنظيمية أكثر اشتباكا مع السياسة والدعاية الانتخابية للمرشحين، ففي تعليقه ينتقد حسن الحسن نائب ممثل حزب التحرير الإسلامي في بريطانيا "التركيز على الشكليات" في هذا السباق بدل معالجة القضايا المحورية، "سواء فيما يتعلق بالشأن الأمريكي الداخلي أو فيما يتعلق بالشأن العالمي".
ومن أبرز الأمثلة على ذلك، تلخيص موضوع "الحرب على الإرهاب" بمناوشات كلامية متهافتة بين الطرفين (أوباما وماكين) كتصريح ماكين عن عزمه ملاحقة أسامة بن لادن إلى أبواب جهنم، فيما يهزأ أوباما من ماكين ويكتفي باللحاق بابن لادن إلى باب الكهف الذي يؤويه، كما يغذي تلك الحملات إعلام تافه يجعل من لون بشرة المرشح أو سنه مدار البحث والجدل، ليتحول الصراع على الصفات الشخصية لا الموضوع الذي يطرحه المرشح أو البرنامج الذي يتبناه.
وهكذا يتم التركيز على الشكليات بدل معالجة مشاكل الناخبين، فضلا عن مشاكل البشرية، تلك التي تلعب الولايات المتحدة دور الريادة في صنعها، ولديها القدرة على التأثير سلبا أو إيجابا فيها، كأزمة الغذاء والغلاء والتضخم المطرد جراء فساد النظام الاقتصادي الدولي وانتشار أسلحة الإبادة وتدمير البيئة وانتشار الحروب الشريرة بسبب النهم الاستعماري للدول الرأسمالية.
ومن ثم يخلص القيادي بحزب "التحرير" إلى نتيجة واضحة مفادها أنه: "لا يعقل أن ندعم أو ندعو أحدا لانتخاب أحد هذين المرشحين.. بل إننا ندعوهما كما ندعو الشعب الأمريكي لإعادة النظر في النظام السياسي والاقتصادي الرأسمالي، وفي مجموعة القيم النفعية التي تهيمن على أمريكا والعالم الآن"، للخروج من النفق المظلم الذي تسلكه الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
ومن جهته تناول حزب "العدالة والتنمية" المغربي القضية في سياق حدث سياسي وإن كانت أبعاده عقائدية، تتعلق بتصريحات للمرشح الديمقراطي بشأن القدس الشريف الذي اعتبره أوباما عاصمة أبدية لإسرائيل، وهو ما دفع الحزب إلى الرد من خلال بيان رسمي عبرت فيه الأمانة العامة عن "استيائها ورفضها للموقف" الذي عبر عنه باراك أوباما، وما أبداه من استعداد لتقديم الدعم الأعمى للكيان الصهيوني؛ ولذلك فإن الحزب عبر عن "استنكاره لجعل قضية فلسطين عامة والأقصى الشريف بشكل خاص وسيلة للمزايدات الانتخابية بين المرشحين للرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية، مع ما ترتب ويترتب على ذلك من اضطهاد للشعب الفلسطيني وسلب واغتصاب لأرضه وحقوقه".
وكان الحزب قد عبر سابقا وإبان افتتاح الجدل الانتخابي عن ميله لوصول أوباما والديمقراطيين للرئاسة بدلا من الجمهوريين واليمين المسيحي المتشدد وسياسته العدائية تجاه المنطقة، بل دعوا بشكل صريح الناخبين المغاربة الأمريكان إلى التصويت لأوباما، وعقب انتخابه أمينا عاما للحزب استقبل عبد الإله بنكيران السفير الأمريكي (طوماس رايلي) بمقر الحزب، حيث قدم الأخير التهنئة على انتخابه أمينا عاما، ثم تناول اللقاء عددا من القضايا على رأسها مآلات انتخابات الرئاسة الأمريكية، والسياسات المتوقعة للإدارة القادمة إلى البيت الأبيض، ومواقفها من العالم العربي والإسلامي.
الإسلاميون في أمريكا
من خلال محاولة استقصاء مواقفهم يبدو أن للإسلاميين في الولايات المتحدة رأيا آخر، باعتبارهم جزءا من هذا البلد، يتأثرون بتوجهات حكوماته ويؤثرون في عدد أصوات مرشحيه، وإن كان تأثيرا محدودا، وفي هذا الإطار برزت "الجمعية الإسلامية الأمريكية" (ماس) كحركة إسلامية تحسب على "الإخوان المسلمون" في الولايات المتحدة، ورغم أنها لم تعلن عن موقف رسمي لها بتأييد مرشح ضد الآخر حتى الآن، فإنها قررت اقتحام العمل السياسي لترشيده وتحويله إلى عمل منهجي منظم، يهدف إلى التأثير الحقيقي في القرارات والسياسات، وذلك ضمن مشروع شامل للنهوض بالجالية المسلمة في أمريكا وتمكينها من أداء رسالة الدعوة والإصلاح.
ويعود هذا التوجه الذي تتبناه الجمعية إلى العام 2002، حيث قامت منذ ذلك الحين بجهود ضخمة لتوعية المسلمين وتدريب آلاف الكوادر وتأطيرهم، وتمخضت هذه الجهود عن قدرة عالية على تعبئة الجالية المسلمة، وتحالفات قوية مع مؤسسات دينية وحقوقية، كما أثمر هذا العمل المنهجي حملة انتخابية غير مسبوقة لتسجيل الناخبين العرب والمسلمين وتثقيفهم، وتشجيعهم على التصويت، حيث غطت الحملة كل الولايات والمدن الأمريكية، وذلك من خلال فروع الجمعية ومكاتبها وكوادرها، مع التركيز على الدوائر التي يوجد بها ثقل عربي وإسلامي ويتوقع فيها منافسة حادة.
نتج عن هذه الحملة تسجيل عدد كبير من الناخبين المسلمين لأول مرة، خاصة من النساء والشباب، ومشاركة تاريخية للمسلمين أحدثت فارقا ورجحت كفة الديمقراطيين في عدد من المنافسات الانتخابية أمام منافسيهم من الجمهوريين، ومن ثم تعتزم الجمعية - انطلاقا من الانتخابات الرئاسية الحالية - البناء على هذا النجاح والاستمرار في التأطير المنهجي للناخبين المسلمين والانتقال بالجالية إلى أن تصبح رقما صعبا في المعادلة الأمريكية، ومن المشاركة الرمزية العفوية إلى العمل المنهجي والتعبئة العامة.
أما بالنسبة للسلفيين في الولايات المتحدة، فقد كان من الصعوبة بمكان الحصول على موقف محدد لهم خاصة وهم أطياف متعددة في هذا البلد، وموقفهم من الانتخابات يتغير بتغير رؤيتهم الشرعية، فمنهم من يجوّزها ويشارك فيها بإطلاق، ومنهم من يشارك فيها بشروط ، ومنهم من يحرّمها ولا يشارك فيها. وحسبما أبلغنا به المفكر السلفي المصري المهاجر في أمريكا الشمالية الدكتور طارق عبد الحليم، يسود إحساس عام بالارتياح وسط السلفيين من هذه الانتخابات، بغض النظر عن المشاركة أو عدمها "لسقوط مجرم الحرب بوش وأعوانه، والإحساس بأن الولايات المتحدة في حاجة إلى من يهادن لا من يهاجم".
ولما سألناه: هل توجد جماعة أو جهة سلفية معينة أعلنت عن موقف محدد لها من هذه الانتخابات سواء بدعم هذا أو ذاك؟ قال : لا أعتقد ذلك.. إذ ليس من عادة الجماعات السلفية إصدار البيانات، كما أنه ليس لهم كيان محدد (جمعيات أو منتديات) بل هم موجودون في مساجد عدة بأنحاء البلاد، وكثير منهم لا يهتم بالسياسة أصلاً.
ومن جهته يقدم مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) - وهو أكبر منظمات الحقوق المدنية للمسلمين في أمريكا - وجهة نظر مغايرة لما عليه الحركات الإسلامية، حيث تبدو المنظمة وقد حسمت أمرها بدعم باراك أوباما بعد أن وجدت فروقا كبيرة بين المرشحين الجمهوري والديمقراطي، خاصة على صعيد السياسة الخارجية، وموقفهما من الشرق الأوسط، و"رؤية كل مرشح للعالم" بشكل عام، فالمرشح الجمهوري الموالي للمحافظين الجدد (جون ماكين) يتحدث كثيرا عن ضرورة حشد قوى أمريكا في حرب كبرى ضد ما أسماه "الإرهاب الإسلامي"، مؤكدا أن هذه الحرب هي أهم تحد يواجهه الجيل الأمريكي الراهن، زاعما أن القاعدة ما زالت تسعى لبناء قواعد لها في أمريكا.
أما أوباما فيبدو أكثر تريثا، وهو يذكر أنه كرئيس لأمريكا سوف يفكر مليا قبل إرسال الجنود الأمريكيين للحرب، مؤكدا أن "سؤال الحرب والسلام" هو من أصعب الأسئلة التي يمكن أن تواجه أي رئيس للولايات المتحدة.
-------------------------------
صحفي من أسرة إسلام أونلاين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.