واشنطن(swissinfoالفجرنيوز:مساكين هم عرب أمريكا، الذين هربوا من جاهلية الحكّام العرب، الذين لم ينتخبِهم أحد وارتضَوا بهوية جديدة، هي الهوية الأمريكية مع احتفاظهم بهويتهم العربية الأصلية. ثم جاءت أحداث سبتمبر 2001 لتعمّق الجهل الأمريكي بالعرب والمسلمين وتضعهم موضِع التشكيك في انتمائهم ووطنيتهم، ومدى إخلاصهم للمجتمع الذي التحقوا به مثل جميع الذين آمنوا ب "الحلم الأمريكي". ومع ذلك، عاش العرب الأمريكيون على أمل أنه مع تقادم ذكريات هجمات سبتمبر، التي لا تمت لهم بصلة ومع مواصلة عملهم السياسي وتقديم صورة المواطن الصالح، سيمكنهم تفادي جهالات التشكيك، غير أن حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية أظهرت أكثر من مرّة استعداد الجمهوريين بالذّات لتقديم العرب والمسلمين كوَصْمة ونموذج غير مُشرف، إذا تم إلصاقه بالمرشح الديمقراطي، فسيكون مدعاة للتشكيك في وطنيته وكفاءته. وكان أحدث مِثال على ذلك، ما وقع في اجتماع جماهيري للمرشّح الجمهوري جون ماكين في منيابوليس، حين أعربت له سيدة أمريكية عن خوْفها وعدَم ثِقتها في المرشح الديمقراطي باراك أوباما، لأنها تعتقد أنه عربي، وهو ما أظهر جانبا من الخلط الأمريكي بين الثقافات والدِّيانات، لكن ردّ المرشح الجمهوري عليها أظهر جهلا وحِقدا وعنصرية غريبة، حيث قال لها ماكين: "لا يا سيدتي، باراك ليس عربيا، إنه رب عائلة ومواطن محترم"!.. وعن هذه الواقعة، قال الدكتور جيمس زغبي، رئيس المعهد العربي الأمريكي لسويس إنفو: "لقد انطَوى ردّ ماكين على جهل السيدة الأمريكية على افتراض خاطِئ وعُنصري. فدفاعه عن باراك أوباما استند إلى قوله أنه ليس عربيا، إنه رب عائلة ومواطن محترم، وكأن كونه عربيا يتنافى مع إمكانية أن يكون ربّ عائلة أو مواطنا مُحترما، ولذلك، سارعْت إلى كتابة مقال نشرته بعض وسائل الإعلام الأمريكية في شكل رسالة إلى ماكين، قلت فيها: أنا عربي وأنا ربّ عائلة ومواطن محترم، نبّهته فيها إلى حقيقة أن المواطنين العرب الأمريكيين، مواطنون محترمون يكفل لهم الدستور الأمريكي كل حقوق المواطنة، وهم جزء لا يتجزّأ من نسيج المجتمع الأمريكي، ومصدر من مصادر قوّته ويربّون أبناءهم ليكونوا مِثالا يُحتذى، ويخدمون الوطن بكل شرف ونزاهة، وليس مقبولا في المجتمع الأمريكي اعتبار أي فئة أو جماعة عِرقية، خطرا داهما على الوطن". وقال الدكتور زغبي: "منذ بداية الحملة الانتخابية، لم يتوقف الجمهوريون عن استخدام صفة "عربي" أو "مسلم" كأداة لتشويه سُمعة المرشح الديمقراطي باراك أوباما، وليس هذا استفزازا فقط لمشاعر العرب والمسلمين في أمريكا، بل هو استفزاز لكل الأمريكيين، لأن كل جماعة عِرقية سبق استخدامها في الماضي لتخويف الناخبين، تُدرك أن تلك اللعبة تنطوي على أخطار مأساوية يكون ضحاياها في أغلب الأحوال مواطنون مسالمون أبرياء". الدكتور جيمس زغبي، رئيس المعهد العربي الأمريكي كولن باول يدافع عن العرب والمسلمين بعد إعلانه المفاجِئ كوزير سابق في إدارة بوش وعضو بارز في الحزب الجمهوري، عن تأييده للمرشح الديمقراطي باراك أوباما، انتهز وزير الخارجية السابق كولن باول لقاءً تليفزيونيا على شبكة تلفزيونية أمريكية رئيسية ليشُنّ حملة تثقيف وتذكير بالتسامح، حين عقّب على رد ماكين على السيدة التي اتّهمت أوباما بأنه عربي، والآخرين الذين لم يكفّوا عن اتهامه بأنه مسلم فقال: "وماذا لو كان مسلما في أمريكا، ما الذي يُسيء إليه؟ وهل هناك خطأ في أن يحلم طفل أمريكي مسلم في السابعة من عمره الآن، بأن يصبح يوما ما رئيسا للولايات المتحدة؟" وأضاف باول قائلا: "لقد سمعت مسؤولين كِبارا في الحزب الجمهوري يشكِّكون في أن أوباما مُسلم، ويمكن بذلك أن يكون على علاقة بالإرهابيين، وأسجِّل اعتراضي الشديد على هذا المَسلك الذي لا محلّ له في الولاياتالمتحدة". وذكر كولن باول الأمريكيين بصورة شاهدها لأمٍّ أمريكية مُسلمة أمام قبر إبنها، كريم سلطان خان، الذي ضحّى بحياته مع القوات الأمريكية في العراق، بعد أن نال عددا من أبرز الأوسمة العسكرية. وقد وجّه النائب الديمقراطي، كيث أليسون، وهو أوّل مسلم يتِم انتخابه عضوا في الكونغرس، الشكر لوزير الخارجية السابق كولن باول وقال: "لقد طرح باول السؤال الذي كان يتطلع إليه كل مُسلم في أمريكا، حين قال: وهل هناك ما يُسيء إلى كون الشخص مُسلما في الولاياتالمتحدة؟ وأجاب باول بالنّفي. وأضاف أليسون قوله: "إن الدِّيانة شأنها شأن العُنصر أو الجنس، لا تحدّد مَن هو الوطني الأمريكي، وأنا فخور بالجنرال كولن باول، لأنه أعطى كل الأمريكيين درساً في التّسامح. فحقيقة الأمر، هو أن التنوّع الذي يتّسم به المجتمع الأمريكي، هو السبب الأساسي وراء بِناء أمة أمريكية عظيمة، وهو الذي جعل منها شُعلة للحرية والأمل في العالم". وقد أظهر أحدَث استطلاع لآراء العرب الأمريكيين، أجرته مؤسسة زغبي لأبحاث الرأي العام، تراجعا في شعبية ماكين بعد واقعة "إنه ليس عربيا.. إنه ربّ عائلة ومُواطن محترم" وزيادة شعبية أوباما بين العرب الأمريكيين إلى 64% مقابل 23% لماكين، وهي أكبر نِسبة على الإطلاق تفَوّق بها مرشّح للرئاسة على مُنافسه لدى الناخبين من العرب الأمريكيين. إستراتيجية التّخويف من العرب والمسلمين ويقول الباحث الأكاديمي علاء بيومي، مؤلف كتاب "جون ماكين والولاية الثالثة للمحافظين الجُدد"، إن العنصرية التي يتعرّض لها العرب والمسلمون في غِمار الحملات الانتخابية للرئاسة الأمريكية، تؤكِّد أنها تنتمي لنوع خطير وتدعو إلى القلق الشديد، ليس فقط بسبب انتشارها وتورّط قادة الحزب الجمهوري فيها، ولكن لأن تلك العنصرية أصبحت مقبُولة ومبرّرة لا تحرّك لها غالبية الأمريكيين ساكنا، بخلاف المعروف عن الثقافة الأمريكية من رفضها مُمارسة العنصرية ضد أي فِئة من فئات المجتمع، وكأن الإساءة للعرب والمسلمين باتت للأمريكيين أمرا مقبولا تحت غطاء ما يسمّى بالحرب على الإرهاب. ويضيف علاء بيومي: "كان من المُفترض أن تتحوّل جذور أوباما، المولود لأب مُسلِم، إلى مِيزة وليس عَيبا، خاصة وأن صورة أمريكا في العالم الإسلامي تُعاني من تدهْور وبحاجة إلى مرشّح مثله متعدّد الثقافات وله إلمام بالإسلام، وإن كان مسيحيا، ولكن وصل الأمر ببعض الجماعات المُنضوية تحت لواء المحافظين الجُدد وأنصار إسرائيل وبعض قادة البروتستانت التبشيريين وبعض غُلاة الجمهوريين، إلى استغلال جذور أوباما الإسلامية في جانب منها لتخويف الناخبين الأمريكيين وإدّعاء أنه يخفي إسلامه في إطار مؤامرة إسلامية كُبرى لتقويض أمريكا من خلال انتخاب رئيس مُسلم يعمل على تدمير أمريكا، شأنه في ذلك شأن باقي المسلمين. ووصل الأمر إلى أنه، رغم تخصيص أوباما مواقع إلكترونية تنفِي أنه مسلم، وإيفاد مبعوثين لتهدئة روع يهُود فلوريدا، فإن استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة بيو الأمريكية لأبحاث الرأي العام، تشير إلى أن 12% من الأمريكيين ما زالوا يعتقدون أن أوباما مسلم". وينبِّه علاء بيومي إلى أن خطاب ماكين السياسي يتعمّد استخدام مُصطلحات خاطئة في توصيف صِراع الولاياتالمتحدة مع المتطرّفين في جماعات متشدّدة، ذات أصول إسلامية، وهو بذلك يذكي جذوة إستراتيجية تخويف الأمريكيين مما هو عربي أو مسلم، بطرحه فكرة أن الحرب ضد "الإسلام الراديكالي المتطرّف"، ستكون أهم حروب القرن الحادي والعشرين. إبراهيم هوبر، المتحدث باسم مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية حرب الفيديو للتّخويف من الإسلام وما أن اتّضح أن هناك عددا من الولايات التي تتأرجَح فيها أصوات الناخبين بين الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، مثل فلوريدا وميشيغان وأوهايو وبنسلفانيا وفيرجينيا، حتى لجأ الحزب الجمهوري إلى استخدام تمويلٍ لمؤسسةٍ خاصّة في فلوريدا من منظمة إسرائيلية متطرّفة تُدعى: "عيش ها توراة" في توزيع أكثر من 28 مليون نسخة مجّانية من فيلم فيديو بعنوان: "هوس: حرب الإسلام المتطرّف على الغرب"، على الناخبين في الولايات المُتأرجحة، لتخويفهم من باراك أوباما وجُذوره الإسلامية وادِّعاء أن لدى المسلمين هَوَسا بفكرة شنّ الحروب على الغرب، ويصوّر الفيلم شبّانا مسلمين يردّدون الدّعوة إلى الجهاد، ويقارن الفيلم بينهم وبين مشاهد الشبيبة النازية في عهد هتلر، كما يُصوِّر الفيلم مجموعة من المسلمين المتطرّفين على مَتن طائرة قاذفة عِملاقة، تخطِّط لقصف جوّي للكنائس الأمريكية. ويهدف الفيلم في مُجمله إلى ترجيح كفّة ماكين بادّعاء أنّ من سيُصوت لأوباما، ذي الأصول الإسلامية، سيدفع بأمريكا إلى حافة الهاوية. وقد جدّد مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية "كير" مطالبته للجنة الفدرالية للانتخابات ودائرة الضريبة على الدّخل، بالتحقيق في محاولة جماعة أجنبية استخدام تمويل في التأثير على نتائج الانتخابات الأمريكية. وناشد إبراهيم هوبر، المتحدث باسم المجلس الناخبين المسلمين، المشاركة بأعداد لا مثيل لها في انتخابات الرئاسة الأمريكية، كرد إيجابي على هِستيريا التّخويف من المسلمين، التي سادت حملة انتخابات الرئاسة على مدى عامين تقريبا. وقال إبراهيم هوبر: "في وقت تحتاج فيه الولايات المتّحدة إلى تحسين صورتها وعلاقاتها بالعالم الإسلامي، فإن حملة الترويج المُتواصل في الولاياتالمتحدة لهِستيريا مُعاداة المسلمين، لا تخدِم الأمّة الأمريكية، ويتعيّن على القادة الأمريكيين، على المستوى القومي والمحلي، أن يتّخذوا مواقِف عَلنية وصريحة، ضدّ كل خطاب أو عمل من شأنه استهداف أبناء أي ديانة". لكن الباحث علاء بيومي، يعتقد أن عرب ومسلمي أمريكا لا يمتلِكون الإمكانات السياسية أو الإعلامية لمُواجهة حملات التّخويف من العرب والمسلمين، لذلك، يحتاج الأمر إلى تحرّك العالميْن، العربي والإسلامي، لمواجهة حملات التّخويف من الإسلام، المعروفة بالإسلاموفوبيا. فهل سيفِيق العالم الإسلامي من ثباته العميق وينهَض لنُصرة دِين تدّعي الولاياتالمتحدة احترامه، وتفعل رسميا وشعبيا، كل ما من شأنه تحويل الإسلام إلى العدُو الجديد، كما يصوِّره المرشح الجمهوري جون ماكين، بأنه "صِراع أجيال مع عَدوّ إسلامي يسعى لبناء خِلافة إسلامية ضدّ دول الغرب!".. محمد ماضي - واشنطن