وزير السياحة: 80 رحلة بحرية أي قرابة 220 ألف سائح اختاروا الوجهة التونسية    كاتب فلسطيني أسير يفوز بجائزة 'بوكر'    الرابطة 2.. النتائج الكاملة لمباريات الجولة 20 والترتيب    إيران تحظر بث مسلسل 'الحشاشين' المصري.. السبب    بعد انفصال لعامين.. معتصم النهار يكشف سبب عودته لزوجته    إنتخابات جامعة كرة القدم: إعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    بطولة المانيا: ليفركوزن يحافظ على سجله خاليا من الهزائم    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    مشروع المسلخ البلدي العصري بسليانة معطّل ...التفاصيل    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    القلعة الكبرى: اختتام "ملتقى أحباء الكاريكاتور"    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    سوسة: وفاة طالبتين اختناقا بالغاز    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    الأهلي يتقدم بطلب إلى السلطات المصرية بخصوص مباراة الترجي    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    وزير السياحة: عودة للسياحة البحرية وبرمجة 80 رحلة نحو تونس    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    كاردوزو يكشف عن حظوظ الترجي أمام ماميلودي صانداونز    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"مسيرة الصحوة الإسلامية.. نقد وتقويم" المؤلف: الشيخ راشد الغنوشي
نشر في الفجر نيوز يوم 02 - 11 - 2008


الناشر: مركز الراية للتنمية الفكرية

يولي المفكر الإسلامي راشد الغنوشي، اهتماماً متزايداً بالحركة الإسلامية ومسيرتها، عاملاً على تمحيص تجاربها المختلفة زماناً ومكاناً، وعلى الصعيد القيادي وجماهير الصحوة الإسلامية وشبابها الواعد. وفي الكتاب الذي يحمل عنوان "مسيرة الصحوة الإسلامية.. نقد وتقويم" والذي صدر قبل فترة عن "مركز الراية للتنمية الفكرية" ويقع في (224) صفحة من القطع المتوسط. يجيب الغنوشي على عدد من الأسئلة الإستراتيجية المتعلقة بالحركة بالإسلامية ومسيرتها، وعلاقاتها الجدلية مع المحيط سياسياً واجتماعياً وثقافياً. ويسبر أغوار شبكة الأوضاع القائمة في الساحات ذات العلاقة.
أسئلة إستراتيجية: يجيب المفكر راشد الغنوشي عن عدة أسئلة، قد يطرحها من هم خارج الحركة أو بعض أبنائها ممن التحق بها حديثاً أو مضى عليه دهر داخلها دون أن يدرك كلياتها، ومجمل قيمها وغاياتها الربانية ومرتكزاتها الإنسانية الحضارية، الهادفة لتحقيق نهضة الأمة. ومن هذه الأسئلة:
ماهية الحركة الإسلامية؟ وماذا يعني مصطلح الحركة الإسلامية؟ وما الصفات المشتركة بين فصائلها؟
وما تقنيتها وأساليبها في التأثير على المجتمع؟ ثم ما إسهامها في تجديد الفكر الإسلامي؟ وما إنجازاتها؟
وما المشكلة الكبرى بالنسبة لها؟ وما مقومات الحركة الإسلامية وإستراتيجيتها؟
وما هو واقع الحركة الإسلامية اليوم؟ وهل هي في أزمة أم في صعود؟ وإلى أين تسير الحركة؟
وما علاقة الحركة الإسلامية بالحكام؟ وهل هي علاقة صدامية؟ وهل يمكن إيجاد تفاهم مشترك بينهما؟
وما مدى جدوى استخدام القوة من قبل الجماعات في إقامة الحكم الإسلامي؟
وما هي الأداة المنهجية للتغيير؟ هل هي القوة والإكراه أو الحرية والإقناع؟ وهل عنف بعض الحركات الإسلامية هو رد فعل على العنف الرسمي؟
وما دور الأطراف الخارجية في التحريض ضد الإسلاميين؟ وهل يمكن اعتبار الصحوة الإسلامية اليوم أهم الظواهر الإيجابية لعصرنا؟
وهل صحيح أن الإسلام في حالة صحوة متزايدة وأن جاذبيته بلا منافس؟ وهل صحيح أن المستقبل لهذا الدين؟ وما العوامل المساعدة على ذلك؟
وما هي العوائق الداخلية والخارجية؟ وهل المد الأصولي في حالة أزمة وتراجع على حد زعم بعض الغربيين؟ وهل الصحوة بلا عيوب ولا مشكل ولا عقبات؟
هذه الأسئلة الإستراتيجية يجيب عنها المفكر الإسلامي راشد الغنوشي في الكتاب بوضوح شديدين "بإيجاز يمكن اعتبار الصحوة الإسلامية اليوم أهم الظواهر الإيجابية لعصرنا بسبب ما تقدمه من آمال متصاعدة لشعوبنا الإسلامية وخاصة لفئة الشباب، بعد أن سقط المثال الشيوعي". ويمضي قائلاً: "الثابت أن الإسلام في حالة صحو متزايد، وأن جاذبيته وخاصة للشباب والمقهورين والمفكرين الأحرار تكاد تكون بلا منافس".
ويتوقع المفكر الإسلامي راشد الغنوشي أن لا ينتهي القرن الحادي والعشرون قبل أن يكون الإسلام قد أرسى نواة صلبة لعالم إسلامي جديد، وقبل أن تصبح شعوبه غير قابلة لأن تحكم ديمقراطياً دون موافقته. وتحدّث في الكتاب عن التحديات القائمة أمام الصحوة الإسلامية "يمكن اعتبار الجهل بالإسلام أعظمها سواء بين المسلمين، وفيهم قطاع حتى من أبناء الصحوة الإسلامية أو من غير المسلمين، كما أن من أعظم الجهل بالإسلام ربطه بالتعصب والتطرف والإرهاب والعدوان على على حريات الأفراد والشعوب".
و يشير إلى أن "عملاً عظيماً لا يزال القيام به يمثل أعظم خدمة للإسلام، هو الدخول بالإسلام إلى العصر" أو الدخول مع الإسلام في العصر. أما التحدي الثاني كما يقول الغنوشي فهو "الاستبداد السياسي الذي يرزح تحته العالم الإسلامي، ومطلوب من أبناء الصحوة أن يخوضوا – بحسب الوسع – جهاداً لا هوادة فيه ضد الطغاة، حتى وإن رفعوا المصاحف، فشرّ الاستبداد ما تسربل بالمعاني الجميلة كالإسلامية والديموقراطية وحقوق الإنسان والوحدة الوطنية، كما يفعل حكام منافقون في بلداننا الإسلامية"، مؤكداً على أنه "ليس هناك من نعمة بعد الهداية أفضل من الحرية".
أما التحدي الثالث الذي يراه المفكر الغنوشي فهو "تقديم نماذج إسلامية للحكم، ونماذج اجتماعية وثقافية تبشر بعدالة الإسلام، وتجسد قدر ما يطيق البشر أسماء الله الحسنى في الأرض، وذلك هو التحدي العظيم والامتحان الحاسم لصالح الصحوة أوعليها...". أما التحدي الرابع فهو "العداء الغربي للإسلام وأمته" لافتاً الانتباه إلى أن الغرب بعد تخلصه من الكنيسة، سمح بما يُعدّ طبيعياً في الإسلام والتاريخ الإسلامي، وهو السماح للآخرين بإقامة شعائر دينهم مسلمين بوجود مسلمين ومساجد...
وجاليات إسلامية"، كما أنه من "الثابت أن المعرفة بالإسلام لدى الغربيين في ازدياد"، و"يزيد الأمور تعقيداً دور الحركة الصهيونية التي تبث سمومها، وتغلغلت منذ أكثر من قرنين في أعماق الضمير الغربي". ويحمل الغنوشي الجهات الصهيونية في الغرب جزءاً من مسؤولية التحريض ضد الإسلام" بينما لا يجهل أحد أن أكثر الأصوليات المعارضة تطرفاً وانغلاقاً وعدوانية، تلك التي تجلس على مقاعد الكنيست الإسرائيلي دينية وعلمانية". ودعا المفكر الغنوشي لبذل جهود كبيرة لفك الارتباط -كما وصفه- بين الأخطبوط الصهيوني والحضارة الغربية.
الحركة الإسلامية: الواقع والآفاق: تحت هذا العنوان يقدم الغنوشي تعريفاً للحركة الإسلامية "نقصد بالحركة الإسلامية جملة النشاط المنبعث بدوافع الإسلام لتحقيق أهدافه وتحقيق التجدد المستمر له من أجل ضبط الواقع وتوجهه أبداً". مؤكداً على أن "الدولة لم تعد إسلامية، ولم تعد تمثل الأمة ولا الإسلام، بل علمانية قهرية تمثل إرادة خارجية". و"لما انقطعت الدولة... أصبح هدف الحركة الإسلامية استعادة الشرعية الإسلامية المفقودة، فكانت انطلاقة حركة الاخوان المسلمين بقيادة الشهيد حسن البنا (رحمه الله) بعد ثلاث سنوات من سقوط الخلافة". ثم يغوص في في واقع الأمة متحدثًا عن التحولات التي تعيشها بعد انبعاث الصحوة الإسلامية أو جهاد الصحوة. ثم يلفت نظر الشباب الإسلامي إلى أن معجزة الرسول -صلى الله عليه وسلم- هي كتاب خالد، بينما معجزات الأنبياء السابقين مادية، مما يعني أن المعرفة والتأليف هي الرهان، أو "يعني أن الإسلام يقوم على الإقناع أكثر من الإخضاع منهاجاً للتعايش".
ويمضي قائلاً: "ونحن نعيش اليوم في عصر القنوات الفضائية التي تريد أن تجعل الإنسان صورة مكررة لإنسان الغرب"( ضمن ما يُعرف بتنميط لعالم وتغريبه). ويعقد الغنوشي مقارنة بين حالة الهرم والشيخوخة على أصحاب النموذج العلماني "حالة هرم تلحظها بسهولة كلما شاهدت لقاء للعلمانيين سواء في عدد الحضور أو مستوى أعمارهم بينما لقاءات الإسلاميين حاشدة، ويغلب عليها العنصر الشبابي" ضارباً مثلا بتونس "تضم السجون ما يزيد عن (30) ألف سجين، ويعبر هذا الحجم الضخم من العنف عن هرم العلمانية والفجوة الهائلة التي تزداد اتساعاً بين العلمانية والنخب الجديدة المتجهة للإسلام".
ويعدد المفكر الإسلامي راشد الغنوشي في كتابه العوامل المساعدة على انتصار الإسلام، والتي نختصرها في هذه النقاط:
أولاً: قوة الإسلام الذاتية.
ثانياً: حالة هرم المشروع المقابل = العلمانية.
ثالثاً: فساد الأنظمة.
رابعاً: عمق الإسلام في نفوس الشعوب المسلمة.
خامساً: الثروات الطائلة في العالم الإسلامي.
سادساً: تقدم وسائل الاتصال.
سابعاً: انتشار الإسلام في الغرب.
ويشرح الغنوشي كل نقطة من النقاط السالفة مما يستدعي قراءة الكتاب وعدم الاكتفاء بهذ العرض. ويتحدث الغنوشي عن العوائق التي تقف في وجه الصحوة الإسلامية ومنها:
أولاً: استمرار حالة الجمود الفكري.
ثانياً: فرض الشعوبية والقومية على العالم الإسلامي.
ثالثاً: قضية التعددية التي لا تزال من الصعوبة القبول بها داخل الحركة.
رابعاً: العلاقة الإشكالية بين الإسلام والديمقراطية.
خامساً: قضية المرأة.
سادساً: الحركة الإسلامية والفن. مع شرح كافٍ لما يعنيه من النقاط السالفة.
ويوصي الكاتب بتوثيق الصلة بالله حتى ينتصر المشروع الإسلامي "توثيق الصلة بالله عن طريق الذكر والتلاوة وسائر العبادات وتوطيد أواصر الجماعة والانخراط في العمل الجمعياتي المنظم، وذلك امتثالاً لقوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا).
الحركة الإسلامية بين الدولة والمجتمع: وتحت عنوان "حيرة الحركة الإسلامية بين الدولة والمجتمع.. بين الحزب السياسي والجماعة الإسلامية" يقول الغنوشي: "إن التحقق بعقيدة التوحيد إيماناً وعملاً على الصعيد الفردي والجماعي، الروحي والمادي هو جوهر الرسالة الإسلامية، وهو محور الجهد الإصلاحي الذي قام به كل الرسل"، متحدثاً عن تجارب بعض الأنبياء في هذا الخصوص، وخلص إلى القول بأن الرسالة المحمدية هي النموذج المتميز بين سائر الأنبياء، شارحاً ومفعلاً حيثيات تلك الحقيقة في عرض لا يقارن. ويعتبر الكاتب أن "الانقلاب الأموي كان خطوة كبرى على طريق ابتعاد الدين عن السياسة"، مستعرضاً مسيرة الدعوة الإسلامية بعد التحاق الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالرفيق الأعلى، ووقوف الصديق -رضي الله عنه- في وجه فلول الردة، ممن فرقوا بين الفرائض، وكانت تلك أول محاولة لنقض إحدى عرى الإسلام، وهو ما نشاهد أمثلة كثيرة عليه لذلك في عصرنا. كما تطرق إلى الانقسام الخطير أو الانفصال الخطير بين الدين والسياسة "ومعنى ذلك أن العلماء بعد فتن قاسية أوشكت أن تطيح بالكيان الإسلامي جملة اضطروا إلى التنازل عن السلطة لصالح أصحاب الشوكة والقوة، وبذلك كانت المعادلة أوالصفقة التاريخية كالتالي: السياسة للحكام ولهم الطاعة ما حققوا أحكام الشريعة، وللعلماء ضبط أحكام الشريعة والقضاء والتعليم والإشراف على الأوقاف، المورد الغزير والطوعي للإنفاق على حاجات المجتمع، لكن تلك المعادلة لم تعد قائمة في الوقت الحاضر بذلك الشكل".
ويتحدث المفكر راشد الغنوشي عن انحسار ظل الخلافة "تفرقت الجماعة الإسلامية إلى جماعات، وانهارت نهائياً معادلة الحكم القائمة على الوفاق التاريخي بين العلماء والحكام، فقامت دول لا يمثل فيها العلماء أساساً من أسس شرعيتها". ويصف الكاتب الدولة القطرية المعاصرة التي أقامها المحتل لنفسه، وتمخضت عن القوة والتغلب وموالاة الأجنبي، متخذة من الدين ومؤسساته وعلمائه مجرد أدوات تُستخدم عند الحاجة، وملحقة بالأجهزة الأمنية للدولة". ويسجل الغنوشي في الكتاب مواقف الأمة من الأنظمة القائمة فقد "كانت محنة الإسلام وعلمائه عظيمة مع هذه الدولة، فاختار بعضهم المعاضدة للحكام جرياً على عادة علماء الإسلام، بوعي أو بدون وعي، لما حصل من تحول عميق، بل من انقلاب جذري في طبيعة الدولة،عما كانت عليه طول العصور، أو رعاية لمصلحة عامة أو شخصية، واختار البعض الآخر الخروج إلى صف المعارضة السياسية من خلال تكوين جمعيات وأحزاب سياسية... ".
وبعد استعراضه لمختلف الأفكار حول الحركة الإسلامية وطبيعتها، ثم مناقشتها يؤكد بأنه "على مر العصور ظلت فكرة العالم الخليفة حية كالجمرة التي قد يعلوها الرماد حيناً ثم لا تلبث أن تتأجج وتضرم بنارها ما خمد من فعالية الإسلام". ولم يغفل مفكرنا الغنوشي عن صور الخداع التي تلجأ إليها الدولة القهرية، بينما تمارس في العلن وفي الواقع المعاش حرباً ضد الإسلام الحي، مقدماً دولة مثل تونس نموذجاً صارخاً على ذلك، حيث يتم حظر الحجاب ومطاردة الدعاة.
قصور الحركة الإسلامية: وحول ما يصفه ب"قصور الحركة الإسلامية" يقول: "حققت الحركة الإسلامية إنجازات عظيمة في محاولتها تحرير الأمة من تراث الانحطاط وآثار الغزو الغربي المدمر، فقد ظلت بعيدة عن تحقيق هذا الهدف "إقامة شرع الله في الأرض". ويفسر ذلك القصور بأنه يعود أساساً إلى نمط التفكير داخل هذه الحركة، والذي لا يزال – على الرغم من المحاولات المتكررة ونجاحه الجزئي- مشبعاً بمثالية عصر الانحطاط لا صلة له بالواقع، إلاّ من خلال شخوص تجمد عنها على ضوء مقولات ومفاهيم تبلورت في عصور أقل ما يُقال فيها إنها تختلف إلى حد كبير عن عصرنا".
ويضرب الغنوشي أمثلة على ذلك القصور من خلال العجز عن استيعاب الواقع وفشلها في تسخيره..." مؤكداً على أن قضية المرأة ليست قضية تبرج وعري واختلاط، وإنما أيضا قضية اغتراب وظلم واستعباد، متحدثاً عن المنهج القرآني والمثالية والطاقة الجمالية...
وعن واقع الحركة الإسلامية، وتحت عنوان: الحركة الإسلامية أزمة أم صعود؟ يرد المفكر الغنوشي على مزاعم بعض المشتغلين بقضايا الفكر الإسلامي من الغربيين من أن "المد الاصولي" في حالة أزمة وتراجع، فيؤكد على أن "مد الإسلام في تصاعد كماً ونوعاً، فعلى المستوى الاول يكاد يتساوى مع عدد النصارى ليتخطاه في القرن الحادي والعشرين". ويمضي قائلاً: "وفي الكيف والفعالية أكثر من مؤشر يدل على أن عملية اكتشاف الإسلام في تقدم مطرد" وعن قوة الإسلام الأيديولوجية يقول: "لقد أمكن للمذهبية الإسلامية أن تدحر أيديولوجيات التغريب في أعرق مواطنها في مصر وتونس والجزائر والمغرب وتركيا والسودان وإندونيسيا أكبر بلد إسلامي".
ويؤكد على أن إقصاء الإسلاميين أدى إلى إفلاس الديمقراطية "لطالما أدى إقصاء الإسلاميين إلى إفلاسها والزج بالبلاد في كوارث الإرهاب والحرب الاهلية". ويستعرض الغنوشي بإسهاب ما وصفه بآثار الصحوة الإسلامية المباركة،ويضيف "يمكن أن نمضي في استعراض آثار هذه الصحوة المباركة على الصعيد الفكري؛ فقد انزاحت كثير من رواسب الانحطاط عن قلوب المسلمين عوداً إلى العقيدة الحنيفة الصافية من الخرافة والأوهام والبدع وفشا فكر الاجتهاد على أنقاض فكر التقليد".
ويستشهد بما ذكره الشاطبي في المقاصد من أن "الدين مبني على تحصيل المصالح ودرء المفاسد"، وفكر شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في "توافق صريح المعقول مع صحيح المنقول"، وفكر ابن خلدون في "ارتباط أحوال الدول بأحوال المجتمعات"، وميراث ابن حزم في الرد على التقليد، وفي رعاية الإسلام للجمال والأذواق … ثم يواصل "إن العملية الضخمة التي بدأتها الحركة الإصلاحية بقيادة ابن عبد الوهاب أولاً في الجزيرة على الصعيد العقدي في القرن الثامن عشر، وقطعت شوطاً بعيداً على صعيد التطبيقات الاجتماعية في القرن التاسع عشر على يد الأفغاني وتلاميذه، وتواصلت ولا تزال في القرن العشرين مع رشيد رضا وشكيب أرسلان والثعالبي والبنا والمودودي والفاسي وابن نبي، محققة يوماً بعد يوم مزيداً من النضج والتحرر من وهدة الانحطاط والاستيعاب للحداثة، والدخول بالإسلام إلى العصر قوياً عزيزاً ثابتاً على مبادئه، منفتحاً على كل جديد، مستوعباً على شروطه كل نافع، دافعاً أمته للنهوض وبسط العدل، حاملاً رحمته إلى الإنسانية المعذبة".
ولا أدري إن كنت وُفّقت في نقل صورة عن الكتاب الذي حيرني فيما آخذ منه وما أترك، فلا يغني هذا العرض المجتزَأ على الرغم من طوله شيئاً عن قراءة الكتاب. وعلى الرغم مما سبق فإن مفكرنا الغنوشي يشير إلى حقيقة هامة وهي أن "عملية تجديد التفكير في الإسلام لا تزال في بدايتها، بما يجعل قدرته -وهو على هذه الحال- محدودة في استيعاب التراث البشري ومشكلات البشرية، كما فعل في عصوره الأولى الزاهرة".
ومن مظاهر هذا القصور في استيعاب الواقع المحلي والدولي كما يؤكد الكاتب "ضعف تخصصات الإسلاميين في المجالات العلمية المتعلقة بتشخيص الظواهر الإنسانية؛ كالاقتصاد والسياسة والاجتماع والصحافة والفلسفة والتاريخ والجغرافية وعلم النفس والتربية والانثربولوجيا والسينما والآداب والفنون، مقابل إقبالهم على العلوم التطبيقية التي على أهميتها تغوص في الجزئيات، ولا تسعف كثيرا في رسم الإستراتيجيات الكبرى".
الحركة الإسلامية والعلاقة مع الحاكم: يقر الغنوشي تحت عنوان "الحركة الإسلامية والعلاقة مع الحاكم" بأن "الصدام هو الطابع العام للعلاقة بين الحركة الإسلامية والحكام" و "أمر واقع على وجه التغليب لا الاطلاق بسبب وجود أنواع أخرى من العلاقات تترواح بين الاعتراف المتبادل الصريح والضمني (تركيا) وباكستان وماليزيا وبنغلاديش وإندونيسيا وطاجيكستان ولبنان واليمن و(الأردن) والكويت والمغرب وبعض الجماعات في الجزائر …فما هو موجود هنا من صدام هو محدود، إذن فالصدام الواسع لا يشمل كل العالم الإسلامي، وإنما بعضه".
وتحدث الغنوشي في الكتاب عن المحن التي تعرض لها الإسلاميون في سجون الأنظمة الطاغوتية وحتى الاستبدادية، ومن بينها تونس فقط سلط على الإسلاميين حجم رهيب من النكال الاستئصالي "ولأن الدولة في هذه الحالة تتشخص في رئيسها وأسرته كملكية خاصة تغدو معها أموال الناس والأموال العامة جزءاً من هذه الملكية، بما يجعل ما يتسرب من بين أصابع الحاكم من الأموال وتوظيفها لصالح الناس ليس حقوقاً وإنما مكرمات وهبات وعطايا".
وحول اختلاف الحركات الإسلامية يذكر أن "أمتنا لم تفشل في شيء كما فشلت في إدارة الاختلاف و إفراغ المبدأ الإسلامي العظيم "الشورى" من مضامينه منذ ارتفعت المصاحف تمويهاً وتوظيفاً للدين لأغراض السياسة الاستبدادية". ويضيف في موضع آخر "كان ذلك المسؤول الرئيس عن تحول الخلافة إلى ملك عضوض، وسير الأمة من خلال ذلك في طريق الاستبداد مصدر كل شر والنقيض من كل وجه لمقصد من مقاصد النبوة، توحيد الله والكفر بالطاغوت، أو إقامة العدل واجتثاث الظلم".
ويضيف الغنوشي: "لقد فشل المسلمون في استنباط آليات للشورى تنقلها من كونه مجرد مبدأ وقيمة يعظ بها عالم جريء حاكماً مستبداً، إلى كونها نظاماً لكل العلاقات البشرية بما فيها علاقات الحكم وإدارة الاختلاف". وانتقد الغنوشي ما وصفها بحق، الثقافة القطرية "قد تكون بلغت من التمكن حداً يهدد جوهر المشروع الإسلامي"، ومع ذلك يؤكد بأن "قلب الأمة لا يزال يخفق واجفاً لكل ما يصيب طرفاً منها بسوء، ولو في أقصى الأرض".
ويواصل "لولا قيود بعض الأنظمة القطرية التي تشكل طوقاً حامياً (لإسرائيل) لرأينا ملايين الشباب والشيوخ يزحفون إلى القدس لتحريرها ونيل شرف الشهادة تحت أسوارها". كما يجيب الغنوشي بإسهاب في الكتاب عن جدوى استخدام القوة من طرف الجماعات في إقامة الحكم الإسلامي. وبعد أن يستعرض نماذج من التغيير بالقوة كما حصل للثورة الفرنسية والصينية والإيرانية حيث توفرت الأجوبة التي يجب الحصول عليها، وإلاّ فإن جماعات الخارجين على أنظمة العنف بالعنف "تكون قد قدمت لعدوها الفرصة الذهبية التي يتلهف عليها، وقدمت له السكين لذبحها". أما الأجوبة التي يطالب بها الغنوشي على أسئلة الكتاب فأتركها للقراء للاطلاع عليها بأنفسهم من خلال صفحات الكتاب نفسه.
الحركة الإسلامية ومنهج التغيير: وتحت هذ العنوان يشير الغنوشي إلى أن" الحركة الإسلامية تيار واسع يعبر من جهة عن خيبة آمال الأمة في المشاريع العلمانية القطرية التي لوّحت لها وبشرتها بأحلام النهضة، كما يعبر من الوجه الآخر عن عقد آمالها بالإسلام في الخروج من وهدة مآزق الحاضر وقيادتها إلى تحقيق الآمال المجهضة في العدل والكرامة والوحدة واستعادة فلسطين السليبة".
وبعد الاسترسال في ذكر النماذج المختلفة من الماضي والحاضر، ومن مختلف التيارات يدعو الغنوشي إلى ضبط نظرية في التغيير الإسلامي، مشيراً في نفس الوقت إلى ضحالة الفقه المتعلق بالدولة والمتعلق بالواقع. وفي موضع آخر يدعو إلى ترتيب الأولويات وتصنيف الخصوم، والبحث عن الأصدقاء، وتقليل الأعداء، والاقتصاد في التضحيات، والتبصر بالعواقب، وتوسيع مجال الشورى، وتوظيف أهل الخبرة، واحترام التخصص، وتوزيع المهام بحسب ذلك، وإرساء العدل سبيلاً لا بديل عنه لتعبئة طاقات الأمة، والتذرع بالصبر والحيلة، وتفويت فرص استدراجنا إلى معارك لا ضرورة لها، ولما تتوفر الفرص لكافية للنجاح فيها.
وعن "مقومات الحركة السلامية" يذكر الغنوشي عدة نقاط يقوم بعدها بشرحها بشكل غير مخلّ، وهي الشمول والاهتمام بالقضية الوطنية، واستمداد الإسلام من أصوله دون تعصب، والبعد الإيماني والشعبية. ثم يتحدث عن إنجازات الحركة الإسلامية والمشكلة الكبرى التي تعترضها، ثم الإستراتيجية والتغيير الحضاري، مطالباً بتحويل عملية الجمع والتكديس إلى بناء أصله ثابت وفرعه في السماء، ثم يعرض مبادئ أساسية في إستراتيجية العمل الإسلامي كالموقف من التراث، والغرب، والواقع، وأداة التغيير، والدعوة من خلال حاجات الناس، والتربية الفكرية، وتنمية الروح النقدية، والعالمية تحقيقاً لمبدأ التوحيد، واعتماد التخطيط وروح العصر.
وهي مباحث جديرة بالقراءة والتمعّن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.