توننداكس يسجل تطورا ايجابيا قارب 31ر16 بالمائة خلال النصف الأول من سنة 2025    الجبل الأحمر: 8 سنوات سجن لشاب نفّذ "براكاج" مروّع لطالبة قرب المركب الجامعي    النوبة الجندوبية بمهرجان بلاريجيا تستعيد أمجاد الفن الشعبي    عاجل: ماهي حقيقة تنحي الطبوبي؟ تصريحات رسمية تكشف كل شيء!    50 درجة حرارة؟ البلاد هاذي سكّرت كل شي نهار كامل!    عاجل: دولة عربيّة تعلن الحرب عالكاش وتدخل بقوّة في الدفع الإلكتروني!    ما هي التطورات المتوقعة في قطاع الاستهلاك الصيني؟    الشركات المدرجة بالبورصة والمصرحة ببياناتها للربع الأول من 2025 رفعت إجمالي مداخيلها الى 8ر12 مليار دينار    مأساة في اليمن.. وفاة 4 أشقاء بلدغات ثعابين أثناء نومهم    نجم المتلوي يعزز صفوفه بالمهاجم مهدي القشوري    ماتش الإفريقي والمرسى: هذا هو عدد الجمهور الي باش يحضر !    تونس الثانية إفريقيّا في التبرّع بالأعضاء.. أما عالميا؟ الرقم يصدم!    اليوم: السخانة ترتفع شوي.. وين وقداه؟    هام/ فتح باب الترشّح للطلبة التونسيين للتمتّع بمنح دراسية بمؤسّسات جامعية عمومية بالمغرب وبالجزائر..    عاجل : الحرس الوطني يكشف معطيات حول فاجعة اشتعال النّار في يخت سياحي بسوسة    عاجل- سوسة : غرفة القواعد البحرية للتنشيط السياحي تنفي و توضح رواية السائحة البريطانية    الحماية المدنية تواصل مجهوداتها في اخماد الحرائق    عاجل/ رئيس قسم طب الأعصاب بمستشفى الرازي يحذر من ضربة الشمس ويكشف..    علامات في رجلك رد بالك تلّفهم ...مؤشر لمشاكل صحية خطيرة    كيلي ماك.. نجمة The Walking Dead تخسر معركتها مع المرض    بطولة كرة اليد: البرنامج الكامل لمنافسات الجولة الافتتاحية    اختتام فعاليات المهرجان الدولي للفنون الشعبية وسط أجواء احتفالية وحضور جمهوري واسع    الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات تنظم يوم 8 اوت الجاري ندوة حول ذاكرة الحركات النسوية    زيلينسكي مدمن".. روسيا تشن حرباً رقمية واسعة على أوكرانيا    الحمامات: وفاة شاب حرقًا في ظروف غامضة والتحقيقات جارية    تواصل الحملة البلدية المشتركة لتحرير الأرصفة والطرقات وسط العاصمة    المرصد التونسي للمياه تلقى 604 بلاغا بشأن صعوبات متصلة بامدادات مياه الشرب خلال شهر جويلية 2025    لبنان يغيّر اسم شارع حافظ الأسد إلى زياد الرحباني    قوات الاحتلال تعتقل صحفية فلسطينية بالضفة الغربية..#خبر_عاجل    ماء الليمون مش ديما صحي! شكون يلزم يبعد عليه؟    إحداث قنصلية عامة للجمهورية التونسية بمدينة بنغازي شرق ليبيا    كتب ولدك للسنة الثامنة أساسي (2025-2026): شوف القائمة الرسمية    جريمة مروعة تهز هذه الولاية..والسبب صادم..#خبر_عاجل    عاجل : وفاة بطل كأس العالم مع منتخب ألمانيا    عاجل: خبير يصرح....براكين نائمة في تونس والمنطقة العربية وقد تتحوّل إلى تهديد حقيقي    مصر.. الداخلية تنفي صحة فيديو إباحي "لضابطي شرطة"    بلطي، يروي هموم الشباب وقضايا المجتمع ويصنع الفرجة على ركح المسرح الصيفي سيدي منصور بصفاقس    عاجل: أمريكا تضرب البرازيل بداية من اليوم برسوم جمركية جديدة    80 سنة تعدّت على جريمة هيروشيما: أول قنبلة نووية في التاريخ... أما تعرف شنية الحكاية؟    الرابطة المحترفة الاولى : شبيبة العمران تعلن عن تعاقدها مع 12 لاعبا    أوساكا تتأهل إلى قبل نهائي بطولة كندا المفتوحة للتنس وشيلتون يُسقط دي مينو    فرنسا: حريق ضخم يلتهم آلاف الهكتارات بجنوب البلاد    مهرجان قرطاج الدولي 2025: الفنان "سانت ليفانت" يعتلي ركح قرطاج أمام شبابيك مغلقة    مستقبل القصرين.. انهاء التعاقد مع ماهر القيزاني بالتراضي    تاريخ الخيانات السياسية (37) تمرّد زعيم الطالبيين أبو الحسين    استراحة صيفية    أضرار فلاحية في القصرين    تراجع نسبة التضخم في تونس خلال جويلية 2025 إلى 5.3 بالمائة    طقس الليلة    اللجنة الأولمبية التونسية تحتفي بالبطل العالمي أحمد الجوادي بعد إنجازه التاريخي في مونديال سنغافورة    دبور يرشد العلماء ل"سرّ" إبطاء الشيخوخة..ما القصة..؟!    عاجل- في بالك اليوم أقصر نهار في التاريخ ...معلومات متفوتهاش    عاجل: وفاة فنان مصري مشهور داخل دار المسنين بعد صراع مع المرض    التراث والوعي التاريخيّ    جامع الزيتونة ضمن سجلّ الألكسو للتراث المعماري والعمراني العربي    فنان الراب العالمي بلطي يروي قصص الجيل الجديد على ركح مهرجان الحمامات    بنزرت/ حجز 5,45 طن من مادة الدلاع وإعادة ضخها في المسالك القانونية..    تاريخ الخيانات السياسية (36) ..المعتزّ يقتل المستعين بعد الأمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوارمع المفكر الفلسطيني منير شفيق يحكي فيه تحولاته الدينية والفكرية
نشر في الفجر نيوز يوم 10 - 11 - 2008

تعتبر تجربة المفكر والباحث الفلسطيني منير شفيق وكيفية اعتناقه الإسلام إحدى التجارب المثيرة للاهتمام والوقوف عندها طويلا.. فالباحث شفيق كان مسيحيا على الصعيد الديني، وماركسيا على الصعيد الفكري، وحين كان ماركسيا كانت كتبه تعتمد كمادة نظرية أساسية لدى معظم الأحزاب الشيوعية العربية، وحتى عندما تحول إلى الاتجاه القومي أصبح كتابه "من التجزئة إلى الوحدة" أحد المراجع الأساسية في الأحزاب القومية العربية.
وبعد أن اعتنق الإسلام اعتبر أحد المفكرين الإسلاميين البارزين، وقد سبق لشفيق أن عمل طويلا في صفوف المقاومة الفلسطينية، فكان مديرا لمركز الأبحاث الفلسطينية وأحد أهم المنظرين السياسيين للمقاومة الفلسطينية، ويشغل حاليا مهام المنسق العام للمؤتمر القومي الإسلامي.
"إسلام أون لاين" التقته وحاورته حول تجربته واعتناقه الإسلام، وتطرق الحديث إلى مفهوم الخطاب الإسلامي والإسلام السياسي.
اقترب أكثر
* من المعروف أنك كنت مسيحيا على الصعيد الديني، وماركسيا على الصعيد الفكري، ثم انتقلت إلى الصف القومي، ومن ثم اعتنقت الإسلام، والسؤال هو ما الذي هداك إلى الإسلام؟ وكيف تم هذا التحول؟
** عندما اعتنقت الإسلام لم أكن شيوعيا على المستوى التنظيمي، فقد كنت تركت الحزب الشيوعي منذ سنوات عديدة، ولكن خلفيتي الماركسية كانت تحاول دائما أن تدرس القضايا التي تواجه الأمة دراسة أصلية غير معقدة على أي من الموضوعات المسلَّم بها في الماركسية، وكنا نسعى دائما للاقتراب أكثر فأكثر من نبض الشعب في محاولة لمعرفة السمات الحقيقية التي تتسم بها بلادنا، والتي تسمح بالتغيير في هذه البقعة من العالم.
ومنذ أواخر عام 1976 بدأ النقد الحقيقي للماركسية في أساسياتها، أي في فلسفتها المادية وفي منهجها الديالكتيكي وفهمها للاقتصاد السياسي، حتى وصل الأمر إلى نقد رؤيتها وتحليلها لأوروبا وليس فقط لبلاد المشرق.
* تتحدث ب"نون الجماعة" فهل يعني هذا أنك كنت جزءا من مجموعة أو تيار اتخذ الاتجاه والمسار نفسه في انتقاله للصف الإسلامي؟
** هذا صحيح.. فإن انتقالي لم يكن عملية فردية، فأنا لم أتحول إلى الإسلام لظروف خاصة أو لقناعة شخصية، وإنما كنت جزءا من تيار واسع كان يضم عددا كبيرا من الشباب المثقف والمبدع، وهم ذوو اطلاع متعمق في الماركسية والتاريخ والاقتصاد، ومع أننا لم نكن تنظيما فقد كنا نلتقي دائما ونناقش القضايا بعمق لعدة أشهر، وبالطبع كانت هناك خلافات ووجهات نظر متضاربة إلى هذا الحد أو ذاك، ولم نكن نخرج برأي إلا بعد أن نكون قد قتلناه بحثا ونقاشا.
لذلك كانت عملية الانتقال خطوة باتجاه تعميق هذا الفكر، والذي كان لي فضل صياغته أو طرحه بشكل متميز، ومع نهاية عام 1977 توصل الجميع تقريبا إلى ضرورة البدء بصياغة نظرية فلسفية تتعلق برؤية العالم وتحليل المجتمعات ورؤية التاريخ، بحيث تكون هذه النظرية نابعة من صميم واقعنا، وفي الوقت نفسه نعلن طلاقنا الكامل مع الماركسية، والحقيقة أن الكثير من أوراق هذه المرحلة لا يزال في حوزتي، ويمكن أن أعيد كتابته مظهرا كيف دار النقاش وكيف تطور.
الإسلام هو ثورتنا
* كم استغرقت هذه الفترة تقريبا؟ وما هي المواضيع التي شغلتكم في البحث والنقاش أكثر من غيرها؟
** استغرق النقاش في موضوع الإسلام حوالي السنتين، ناقشنا فيه الإسلام من زواياه الحضارية والثقافية ومن أهميته السياسية، واستطاع هذا التيار بمجموعه تقريبا أن ينتقل في تفكيره إلى إدراك أن لا ثورة ولا تغيير ولا تنمية في بلادنا ولا استقلال ولا وحدة ولا تحرير لفلسطين إلا من خلال الإسلام، ومن خلال تبني الجماهير للشعارات الإسلامية، ومن خلال النهوض على أساس الإسلام.
كنا نرى في هذا الموضوع قضية موضوعية، سواء آمنا بالإسلام أم لم نؤمن به، فهذه المسألة لا دخل لها بالإرادات ولا بالأوضاع، على الأقل في ذلك الوقت، وخرجنا بنتيجة أن التغيير في بلادنا يجب أن يقوم على أساس الإسلام، اللهم إلا إذا كان هناك أحد يريد أن يفرض تغييرا بالقوة والقسر، ولكن هذا التغيير لا يستطيع أن ينجز أو يحقق الهدف المنشود منه، وسيكون حاله كحال التغريب، وأخذنا نعيد النظر في قراءتنا للتاريخ، فلم يعد تاريخنا بالنسبة إلينا كما كانت تتحدث عنه الماركسية، وللحقيقة كنا ننظر دائما إلى تاريخنا بنظرة اعتزاز، فهو تاريخ مشرق، ولا علاقة له بالعهود المظلمة كما يفكر الغربيون.
* هل يفهم من هذا أن علاقتكم بالإسلام لم تتجاوز كونه محركا للثورة والجماهير.. فكيف نظرتم إلى الناحية الإيمانية والعقيدة وهي ركن أساسي في التعامل مع الإسلام؟
** بعد أن تعمقنا في دراسة الإسلام ووجدنا تلك الميزات العظيمة التي يتميز بها حضاريا وثقافيا وسياسيا، وكونه محركا للجماهير وموضع ثقتها، توصلنا إلى أن هذه الميزات ليس لها أي قيمة دون المحور الأساسي الذي تقوم عليه، وهو "العقيدة"، فهي التي تولّد كل هذه المزايا وهذه المعطيات، وتوصلنا بالتالي إلى أننا لو كنا جادين فعلا في فهم الإسلام كمشروع سياسي وتنموي وإنقاذي للبلاد، فلن نستطيع فهمه وإقامته بصورة سليمة إلا إذا استندنا إلى محوره المحرك "العقيدة"، وإذا لم نفهم عقيدة التوحيد جيدا فلا يمكن أن يقوم هذا البناء.
وهنا بدأنا نبحث تلك القضايا المتعلقة بالعقيدة، ولا أخفي أن بعضنا كان لا يفكر في بحث مسألة الخلق، حتى إن بعضنا كان ينكر الخالق - أستغفر الله - وبعضهم الآخر طوى إيمانه بالله تحت طبقات من الإهمال، وهكذا عادت المناقشات المعمقة.. كيف حدث الخلق؟ وهل هناك خالق؟ وخرجت أمامنا كل النظريات المادية والنظريات الإلحادية في مقابل نظريات الإيمان ونظريات الإثبات لوجود الخالق عز وجل، وكانت الحجج التي قُدمت في مجال الإيمان أقوى بكثير من الحجج الأخرى، وتوصل الكثيرون منا إلى أن الله تعالى هو الذي خلق الأكوان وهو مدبرها، وأن عظمة القرآن والإسلام ما كانت لتكون على هذا القدر من الفاعلية لو لم يكن القرآن منزلا من الله تعالى، ولو لم يكن الرسول محمد رسولا نبيا من عند الله، وهو خاتم النبيين، ومن هنا دخلنا معركة جديدة مع أنفسنا داخل هذا التيار، وتقدم البعض أكثر من الآخر، فهنالك من اهتدى وحسن إسلامه، وهناك من بقي يناقش، وهناك من بقي يقدم قدما ويؤخر أخرى، المهم أن هذا التيار الفكري الثقافي السياسي بدأ يسير على الدرب الصحيح والصراط المستقيم فيما يتعلق بإمساك الموضوع من جوهره.
التعرف على الله منهج
* هل يمكن أن تحدثنا عن أهم القضايا التي واجهتكم في هذه المرحلة بالذات؟
** المسألة المهمة التي واجهت الذين اقتنعوا قناعة كاملة بالفكرة هي كيف ندخل إلى ذلك الشيء الآخر في الإيمان، فالخوف والرهبة من الله تعالى والحب له عز وجل والاشتياق إليه، كل هذه القضايا الوجدانية كانت تحتاج إلى نوع من الشفافية التي يفتقدها التفكير المادي السابق، يفتقدها الفكر الفلسفي، وهنا لم تعد المسألة مسألة جماعية، وكانت هذه القضية الوحيدة التي لم نستطع مناقشتها بشكل جماعي، وإنما تم تسليط الضوء عليها، وقلنا: إنه لا بد أن يصحب هذا الإيمان شفافية وتقوى ووجدان وأحاسيس ومشاعر وأنواع من الشوق.
كل هذه القضايا كانت مسائل فردية تتعلق بكل واحد من هذه المجموعة على حدة، وأذكر أنني ذهبت مرة إلى أحد الإخوة وكان طبيبا، ونمت عنده تلك الليلة، وعندما استيقظت لصلاة الفجر وجدته يقرأ القرآن ويشهق باكيا مبللا بدموعه القرآن الكريم، فهزني هذا المنظر جدا، وتمنيت أن أصل إلى هذا المستوى من الإيمان والإحساس بالخشوع.
* كيف تنظر إلى مصطلح "الخطاب الإسلامي المعاصر"؟
** هناك خطاب إسلامي صحيح، وهو الذي يقدمه العلماء والمفكرون في كل زمان ومكان وفي كل مرحلة، وفقا لتلك المرحلة ولظروفها، وهذا الخطاب الإسلامي الصحيح هو خطاب معاصر دائما، من زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى زمننا هذا، فالمعاصرة يجب أن ترتبط بالسلامة والدقة، ولو ادعى أحد أنه يقدم خطابا إسلاميا معاصرا، وهذا الخطاب لم يكن مؤصلا تأصيلا سليما ولا يستند إلى القرآن والسنة استنادا حقيقيا، فلا يمكن اعتباره معاصرا.
فالخطاب المعاصر هو الذي تمتد جذوره عميقا في التأصيل، ثم ينظر إلى هذا العالم نظرة عميقة لفهم الظروف والقوانين التي تحكمه، والحاجات الحقيقية التي يجب أن تعالج في هذا العصر، وهناك خطاب يمكن أن يسمي نفسه معاصرا، لكنه في الحقيقة لا يواجه تحديات، وإنما يحني رأسه لتحديات الغرب.
فالمعاصرة تكون بالتحدي، وبالوقوف في وجه ما يسمى بالعبارات العصرية أو المواقف العصرية؛ لأن من أهم سمات الحضارة الغربية أنها جاءت لتكتسحنا، وأنها لا تقبل حتى المعاصرة معنا، بل هي تريد إنهاء موضوع الإسلام بكل خطاباته المعاصرة والتقليدية، فالمطلوب من الخطاب الإسلامي المعاصر أن يفهم الغرب فهما عميقا ويعرف نقاط الضعف فيه لمواجهته وتحديه، وليس للخنوع له والانبهار بقوته العسكرية والتكنولوجية، والنظر فعلا إلى الإنسان الغربي، وأين وصلت به المادية التي جردته من إنسانيته، فالمشروع الإسلامي يمكن أن يقدم لهذا الإنسان حبل النجاة.
* أشرت إلى " الإسلام السياسي".. فكيف تفهمون هذا المصطلح؟
** أعتقد أن هذه العبارة قد أسيء استخدامها، أو أراد بعضهم أن يساء استخدامها، فكل إنسان سياسي، ولا بد أن يتحدث في السياسة، وكل ما يفعله له علاقة بالسياسة، ولا يستطيع إنسان أن يهرب من السياسة، لكن المسألة الخلافية هي في المرجعية السياسية، بمعنى هل نؤمن بالإسلام ونعتمده مرجعية وتأصيلا لفهمنا وتعاملنا مع السياسة؟ أم أن السياسة تعتمد مرجعية أخرى كالمرجعية الغربية مثلا.
فأنا أرى أن مفهوم السياسة عند الغرب يقوم على النفعية وعلى النظرة البراجماتية، ولا مكان للقيم الأخلاقية في الصراع السياسي الغربي، وعندما أقول يجب أن نتمسك بالإسلام فهذا يعني أن يقوم العمل السياسي أولا على الهداية، وأن تكون له مرتكزات أخلاقية وقيم واستقامة وصدق ومحاسبة، أما أن يستخدم الدين كغطاء للسياسة فهذا شيء لا نقره، وكما نرى أن العلمانيين يستخدمون الدين كغطاء للسياسة أكثر من غيرهم، فهناك العديد من القادة الذين يحاولون أن يظهروا بمظهر إسلامي، وهم أبعد ما يكون عن الإسلام.. المهم أن نناقش الموضوع تحت سؤال: على أي أسس تكون السياسة؟ وكيف يكون السياسي؟ وما هي أخلاقياته؟
هناك اتجاهان: اتجاه لا يريد أن يناقش هذا الأمر، ويريد أن يطبق النمط الغربي في الصراعات السياسية والحزبية، في حين أننا نرى أن لدينا دينا وتقاليد وتاريخا يستهوينا، مثلا القائد الذي يشبه عمر بن الخطاب أو الإمام علي بن أبي طالب أو أبو بكر الصديق، أي لدينا نماذج للحاكم، وطبعا أول وأهم أسوة هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
التعددية
* هذا الكلام يجرنا إلى سؤال حول مفهوم الديمقراطية في الإسلام وموقفه من تعدد الأحزاب؟
** هناك في الآونة الأخيرة رأي غالب بين الحركات الإسلامية والمفكرين الإسلاميين يرى ضرورة الاحتكام إلى صناديق الاقتراع فيما يتعلق بمسألة الدخول إلى الحكم، وإعطاء مجال أوسع الحرية الفكرية، هذه القضية أصبحت من المسلمات، والمطلوب الآن إيجاد صيغ لها وتحويلها إلى حقيقة واقعية، وهذا طبعا لا يلغي وجود بعض من يقول لا ديمقراطية ولا صناديق اقتراع ولا برلمان، ولكن هذا لا يمثل الاتجاه السائد.
وفي رأيي الوصول إلى كلمة سواء على مستوى الشعوب الإسلامية والحكام لا يكون إلا بالتعددية، واعتماد الانتخابات النزيهة، واحترام صناديق الاقتراع، ومحاولة تثبيت نوع من التقاليد المؤسسية والدستورية، أو منظومة من العلاقات تسمح بتوجيه هذا الأمر إلى طريق عام، ويجب أن تؤصل هذه المسائل.
* هناك خوف من كلمة "الديمقراطية" لدى بعض الاتجاهات الإسلامية.
** لا أحبذ استخدام كلمة "الديمقراطية" لأنها أحيانا تحمل كثيرا من الغموض، وأحيانا تفهم على الطريقة الغربية، والمطلوب تفكيكها إلى عناصر، ونرى ما يمكن أن ينسجم من هذه العناصر مع العقيدة والإيمان وبعد ذلك لن تكون هناك مشكلة، المهم أن يكون المحتوى واضحا وحاضرا ومجسدا.
بالنسبة إلى الطريقة التي يجب أن تطبق فيها التعددية والشورى والاحتكام إلى الجماعة واختيار أهل الحل والعقد، ومحاولة اختيار نواب الشعب والابتعاد عن فرض الرأي بالقوة وبالعنف أو الوثوب إلى السلطة بأشكال غير دستورية.
لا بد أن نترك فسحة لكل بلد حسب ظروفه الخاصة، فحتى الدول الغربية لا تخضع إلى نمط واحد من الديمقراطية، والذين يحملون العصا في كل مناسبة ويقولون افعلوا كما يفعل الغرب وكما تفعل أمريكا وإلا فستكونون مدانين بقضايا حقوق الإنسان وبمعاداتكم للديمقراطية، هؤلاء يريدون أن يخلطوا الأمور.
من حق شعوب العالم الثالث والشعوب الإسلامية أن تبحث عن صيغها.. مثلا لو أخذنا السودان فلماذا لا يكون له طريقة خاصة في التعبير عن إرادة الشعب، وعن كيفية انتخاب الناس، هل يجب أن نطالبه بإعلان انتخابات عامة مثل بريطانيا مثلا، في حين أننا نسكت عن دول أخرى.. في اعتقادي أننا لا بد أن نحترم إرادة التعبير في كل بلد، ونحاول أن نرصد كيف يسير هذا الأمر.. هل يتقدم أم يتراجع وينتكس؟ فالخصوصية سيف ذو حدين، ويمكن أن تستخدم لإشاعة القهر والاستبداد، ومصادرة الحريات، وفي رأيي تجربة السودان تقدم نموذجا جديدا أو معاصرا لإدارة الحكم وتطبيق الشورى على مراحل، ولا بد من أخذ هذه التجربة الغنية بعين الاعتبار.
ضد الاستكبار
* من المسائل المطروحة حاليا العلاقة بين السنة والشيعة.. والسؤال كيف تنظر إلى مسألة التقريب بين المذاهب؟
** إن الوحدة الإسلامية ضرورة، وليست فقط مجرد واجب إيماني وعقدي، فلا بد أن يتقرب المسلمون من بعضهم، وأن يزيلوا الخلافات فيما بينهم، وخاصة فيما يتعلق بقضايا أساسية في الإسلام، فالتحديات التي تواجه الأمة تفرض أن تقوم محاولات جادة للتقريب وللتوحيد، وللبحث عن القضايا المشتركة للتعايش، ولبناء تقاليد جديدة بالحوار بعيدا عن المهاترة وعن العنف وعن تصيد المواقف والأخطاء، حتى لا تضخم الخلافات، وهذا لا يعني بالضرورة أن يتخلى أحد عن نظرياته أو مفاهيمه، فليحتفظ كل برأيه كما يشاء، ولكن يجب أن نجد القضايا المشتركة لنعمل بها، ولنصد هذه الهجمة التي تستهدف الجميع دون استثناء، وهذا لابد أن يحدث إن لم يكن الآن فبعد عشرين سنة أو بعد خمسين سنة، ولكن لا بد أن يحدث، لأن الفكر الإسلامي في حالة تعمق وتطور أكثر فأكثر، وفهم للضرورات والظروف.
وأعتقد أن هذه المسألة لا تقف فقط عند المذاهب، بل علينا نحن أهل هذا المشروع الإسلامي أن نحمل عملية التقريب والتوحيد والتضامن حتى مع شعوب العالم الثالث، وأن نجد أرضية مشتركة كي نوحد مواقف المستضعفين من المسلمين وغير المسلمين في وجه هذا الاستكبار العالمي الخطير.
---------------------
كاتب من سوريا
الاثنين. نوفمبر. 10, 2008
إسلام أون لاين.نت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.