الافريقي يرفض تغيير موعد الدربي    بودربالة يوجه الى نظيره الايراني برقية تعزية في وفاة إبراهيم رئيسي    رفض الافراج عن سنية الدهماني    الهلال الأحمر الإيراني يكشف تفاصيل جديدة حول تحطّم المروحية الرئاسية    فلاحون يستغيثون: فطريات ألحقت اضرارا فادحة بالطماطم المعدة للتحويل    أبطال إفريقيا: الكشف عن مدة غياب "علي معلول" عن الملاعب    وزيرة السعادة تحافظ على مركزها ال9 في التصنيف العالمي    تونس: عقوبات تصل إلى 3 سنوات سجنا لكل من يعتدي على أملاك الدولة    تقرير يتّهم بريطانيا بالتستر عن فضيحة دم ملوّث أودت بنحو 3000 شخص    تزامنا مع عيد الاضحى : منظمة ارشاد المستهلك توجه دعوة لقيس سعيد    سيدي بوزيد: تواصل فعاليات الدورة 15 لمعرض التسوق بمشاركة حوالي 50 عارضا    الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة تفادي النزول): برنامج مباريات الجولة الحادية عشرة    صفاقس اليوم الجهوي للحجيج    الشاعر مبروك السياري يتحصل على الجائزة الثانية في مسابقة أدبية بالسعودية    مختص في الموارد المائية : تحلية مياه البحر هو خيار ضروري    نحو الترفيع في حجم التمويلات الموجهة لإجراء البحوث السريرية    البرلمان يعقد جلسات عامة للنظر في عدد من مشاريع القوانين    فظيع: غرق شخص ببحيرة جبلية بجهة حمام بورقيبة..    القيروان: إنتشال جثة سبعينية من فسقية ماء بجلولة    قبلي: الإطاحة بمروج مخدرات وحجز كمية من المواد المخدرة    حاول سرقة محل تجاري بأسلحة بيضاء ...فوقع في قبضة أمن قرطاج    الجنائية الدولية تطلب إصدار مذكرة اعتقال ضدّ نتنياهو    الشاعر مبروك السياري والكاتبة الشابة سناء عبد الله يتألقان في مسابقة الدكتور عبد الرحمان العبد الله المشيقح الأدبية    وزارة التشغيل تمدّد في آجال التسجيل في برنامج مساندة المؤسسات الصغرى المتعثرة إلى غاية يوم 16 جوان القادم    أبطال إفريقيا: تاريخ مواجهات الترجي الرياضي والأهلي المصري في القاهرة    تونس : أنواع و أسعار تقويم الأسنان    اشادات دولية.. القسّام تتفاعل وإعلام الكيان مصدوم...«دخلة» الترجي حديث العالم    هام/ هذه نسبة امتلاء السدود..    الأولمبي الباجي أمل جربة ( 2 1) باجة تعبر بعناء    انطلقت أشغاله الميدانيّة: التعداد السكاني دعامة للتنمية الاقتصادية    دول إفريقية مستعدّة لتنظيم عودة منظوريها طوعيا من تونس    فقدان 23 تونسيا في سواحل قربة ما القصة ؟    فيديو وصور يوثّقان المشاهد الأولى لحطام طائرة الرئيس الإيراني    تونس تقدم التعازي في وفاة الرئيس الايراني    استدعاء ثلاثة لاعبين لتشكيلة البرازيل في كوبا أمريكا واستبدال إيدرسون المصاب    سمير ماجول : ''القطاع الفلاحي هو مستقبل البلاد''    تونس تتوج ب 26 ميداليّة في المسابقة العالميّة لجودة زيت الزيتون في نيويورك    بداية من اليوم : إنطلاق تحيين السجل الإنتخابي للتونسيين المقيمين بالخارج    بينهم زعيم عربي.. زعماء دول قتلوا بحوادث تحطم طائرات    هذه أول دولة تعلن الحداد لمدة 3 أيام على وفاة الرئيس الايراني..#خبر_عاجل    عاجل/ وفاة رئيس ايران تنبأت به الفلكية ليلى عبد اللطيف قبل شهرين..وهذا ما قالته..!!    تحذير من موجة كورونا صيفية...ما القصة ؟    القصرين : الوحدات العسكرية تشارك أبناء الجهة احتفالاتها بالذكرى ال68 لإنبعاث الجيش الوطني التونسي    نهائي "الكاف": حمزة المثلوثي رجل مباراة الزمالك ونهضة بركان    البرلمان : يوم دراسي حول انضمام تونس إلى بروتوكول اتفاقية المنظمة العالميّة للتجارة بشأن حقوق الملكيّة الفكرية المتصلة بالتجارة    التوقعات الجوية لهذا اليوم الاثنين 20 ماي..    المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسيدي بوزيد تستعد للموسم الثقافي والصيفي 2024    من هو المرشح الأول لخلافة الرئيس الإيراني؟    4 تتويجات تونسية ضمن جوائز النقاد للأفلام العربية 2024    في عيده ال84.. صور عادل إمام تتصدر مواقع التواصل    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    إرتفاع قيمة صادرات المواد الفلاحية البيولوجية ب 24.5 بالمائة    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوارمع المفكر الفلسطيني منير شفيق يحكي فيه تحولاته الدينية والفكرية
نشر في الفجر نيوز يوم 10 - 11 - 2008

تعتبر تجربة المفكر والباحث الفلسطيني منير شفيق وكيفية اعتناقه الإسلام إحدى التجارب المثيرة للاهتمام والوقوف عندها طويلا.. فالباحث شفيق كان مسيحيا على الصعيد الديني، وماركسيا على الصعيد الفكري، وحين كان ماركسيا كانت كتبه تعتمد كمادة نظرية أساسية لدى معظم الأحزاب الشيوعية العربية، وحتى عندما تحول إلى الاتجاه القومي أصبح كتابه "من التجزئة إلى الوحدة" أحد المراجع الأساسية في الأحزاب القومية العربية.
وبعد أن اعتنق الإسلام اعتبر أحد المفكرين الإسلاميين البارزين، وقد سبق لشفيق أن عمل طويلا في صفوف المقاومة الفلسطينية، فكان مديرا لمركز الأبحاث الفلسطينية وأحد أهم المنظرين السياسيين للمقاومة الفلسطينية، ويشغل حاليا مهام المنسق العام للمؤتمر القومي الإسلامي.
"إسلام أون لاين" التقته وحاورته حول تجربته واعتناقه الإسلام، وتطرق الحديث إلى مفهوم الخطاب الإسلامي والإسلام السياسي.
اقترب أكثر
* من المعروف أنك كنت مسيحيا على الصعيد الديني، وماركسيا على الصعيد الفكري، ثم انتقلت إلى الصف القومي، ومن ثم اعتنقت الإسلام، والسؤال هو ما الذي هداك إلى الإسلام؟ وكيف تم هذا التحول؟
** عندما اعتنقت الإسلام لم أكن شيوعيا على المستوى التنظيمي، فقد كنت تركت الحزب الشيوعي منذ سنوات عديدة، ولكن خلفيتي الماركسية كانت تحاول دائما أن تدرس القضايا التي تواجه الأمة دراسة أصلية غير معقدة على أي من الموضوعات المسلَّم بها في الماركسية، وكنا نسعى دائما للاقتراب أكثر فأكثر من نبض الشعب في محاولة لمعرفة السمات الحقيقية التي تتسم بها بلادنا، والتي تسمح بالتغيير في هذه البقعة من العالم.
ومنذ أواخر عام 1976 بدأ النقد الحقيقي للماركسية في أساسياتها، أي في فلسفتها المادية وفي منهجها الديالكتيكي وفهمها للاقتصاد السياسي، حتى وصل الأمر إلى نقد رؤيتها وتحليلها لأوروبا وليس فقط لبلاد المشرق.
* تتحدث ب"نون الجماعة" فهل يعني هذا أنك كنت جزءا من مجموعة أو تيار اتخذ الاتجاه والمسار نفسه في انتقاله للصف الإسلامي؟
** هذا صحيح.. فإن انتقالي لم يكن عملية فردية، فأنا لم أتحول إلى الإسلام لظروف خاصة أو لقناعة شخصية، وإنما كنت جزءا من تيار واسع كان يضم عددا كبيرا من الشباب المثقف والمبدع، وهم ذوو اطلاع متعمق في الماركسية والتاريخ والاقتصاد، ومع أننا لم نكن تنظيما فقد كنا نلتقي دائما ونناقش القضايا بعمق لعدة أشهر، وبالطبع كانت هناك خلافات ووجهات نظر متضاربة إلى هذا الحد أو ذاك، ولم نكن نخرج برأي إلا بعد أن نكون قد قتلناه بحثا ونقاشا.
لذلك كانت عملية الانتقال خطوة باتجاه تعميق هذا الفكر، والذي كان لي فضل صياغته أو طرحه بشكل متميز، ومع نهاية عام 1977 توصل الجميع تقريبا إلى ضرورة البدء بصياغة نظرية فلسفية تتعلق برؤية العالم وتحليل المجتمعات ورؤية التاريخ، بحيث تكون هذه النظرية نابعة من صميم واقعنا، وفي الوقت نفسه نعلن طلاقنا الكامل مع الماركسية، والحقيقة أن الكثير من أوراق هذه المرحلة لا يزال في حوزتي، ويمكن أن أعيد كتابته مظهرا كيف دار النقاش وكيف تطور.
الإسلام هو ثورتنا
* كم استغرقت هذه الفترة تقريبا؟ وما هي المواضيع التي شغلتكم في البحث والنقاش أكثر من غيرها؟
** استغرق النقاش في موضوع الإسلام حوالي السنتين، ناقشنا فيه الإسلام من زواياه الحضارية والثقافية ومن أهميته السياسية، واستطاع هذا التيار بمجموعه تقريبا أن ينتقل في تفكيره إلى إدراك أن لا ثورة ولا تغيير ولا تنمية في بلادنا ولا استقلال ولا وحدة ولا تحرير لفلسطين إلا من خلال الإسلام، ومن خلال تبني الجماهير للشعارات الإسلامية، ومن خلال النهوض على أساس الإسلام.
كنا نرى في هذا الموضوع قضية موضوعية، سواء آمنا بالإسلام أم لم نؤمن به، فهذه المسألة لا دخل لها بالإرادات ولا بالأوضاع، على الأقل في ذلك الوقت، وخرجنا بنتيجة أن التغيير في بلادنا يجب أن يقوم على أساس الإسلام، اللهم إلا إذا كان هناك أحد يريد أن يفرض تغييرا بالقوة والقسر، ولكن هذا التغيير لا يستطيع أن ينجز أو يحقق الهدف المنشود منه، وسيكون حاله كحال التغريب، وأخذنا نعيد النظر في قراءتنا للتاريخ، فلم يعد تاريخنا بالنسبة إلينا كما كانت تتحدث عنه الماركسية، وللحقيقة كنا ننظر دائما إلى تاريخنا بنظرة اعتزاز، فهو تاريخ مشرق، ولا علاقة له بالعهود المظلمة كما يفكر الغربيون.
* هل يفهم من هذا أن علاقتكم بالإسلام لم تتجاوز كونه محركا للثورة والجماهير.. فكيف نظرتم إلى الناحية الإيمانية والعقيدة وهي ركن أساسي في التعامل مع الإسلام؟
** بعد أن تعمقنا في دراسة الإسلام ووجدنا تلك الميزات العظيمة التي يتميز بها حضاريا وثقافيا وسياسيا، وكونه محركا للجماهير وموضع ثقتها، توصلنا إلى أن هذه الميزات ليس لها أي قيمة دون المحور الأساسي الذي تقوم عليه، وهو "العقيدة"، فهي التي تولّد كل هذه المزايا وهذه المعطيات، وتوصلنا بالتالي إلى أننا لو كنا جادين فعلا في فهم الإسلام كمشروع سياسي وتنموي وإنقاذي للبلاد، فلن نستطيع فهمه وإقامته بصورة سليمة إلا إذا استندنا إلى محوره المحرك "العقيدة"، وإذا لم نفهم عقيدة التوحيد جيدا فلا يمكن أن يقوم هذا البناء.
وهنا بدأنا نبحث تلك القضايا المتعلقة بالعقيدة، ولا أخفي أن بعضنا كان لا يفكر في بحث مسألة الخلق، حتى إن بعضنا كان ينكر الخالق - أستغفر الله - وبعضهم الآخر طوى إيمانه بالله تحت طبقات من الإهمال، وهكذا عادت المناقشات المعمقة.. كيف حدث الخلق؟ وهل هناك خالق؟ وخرجت أمامنا كل النظريات المادية والنظريات الإلحادية في مقابل نظريات الإيمان ونظريات الإثبات لوجود الخالق عز وجل، وكانت الحجج التي قُدمت في مجال الإيمان أقوى بكثير من الحجج الأخرى، وتوصل الكثيرون منا إلى أن الله تعالى هو الذي خلق الأكوان وهو مدبرها، وأن عظمة القرآن والإسلام ما كانت لتكون على هذا القدر من الفاعلية لو لم يكن القرآن منزلا من الله تعالى، ولو لم يكن الرسول محمد رسولا نبيا من عند الله، وهو خاتم النبيين، ومن هنا دخلنا معركة جديدة مع أنفسنا داخل هذا التيار، وتقدم البعض أكثر من الآخر، فهنالك من اهتدى وحسن إسلامه، وهناك من بقي يناقش، وهناك من بقي يقدم قدما ويؤخر أخرى، المهم أن هذا التيار الفكري الثقافي السياسي بدأ يسير على الدرب الصحيح والصراط المستقيم فيما يتعلق بإمساك الموضوع من جوهره.
التعرف على الله منهج
* هل يمكن أن تحدثنا عن أهم القضايا التي واجهتكم في هذه المرحلة بالذات؟
** المسألة المهمة التي واجهت الذين اقتنعوا قناعة كاملة بالفكرة هي كيف ندخل إلى ذلك الشيء الآخر في الإيمان، فالخوف والرهبة من الله تعالى والحب له عز وجل والاشتياق إليه، كل هذه القضايا الوجدانية كانت تحتاج إلى نوع من الشفافية التي يفتقدها التفكير المادي السابق، يفتقدها الفكر الفلسفي، وهنا لم تعد المسألة مسألة جماعية، وكانت هذه القضية الوحيدة التي لم نستطع مناقشتها بشكل جماعي، وإنما تم تسليط الضوء عليها، وقلنا: إنه لا بد أن يصحب هذا الإيمان شفافية وتقوى ووجدان وأحاسيس ومشاعر وأنواع من الشوق.
كل هذه القضايا كانت مسائل فردية تتعلق بكل واحد من هذه المجموعة على حدة، وأذكر أنني ذهبت مرة إلى أحد الإخوة وكان طبيبا، ونمت عنده تلك الليلة، وعندما استيقظت لصلاة الفجر وجدته يقرأ القرآن ويشهق باكيا مبللا بدموعه القرآن الكريم، فهزني هذا المنظر جدا، وتمنيت أن أصل إلى هذا المستوى من الإيمان والإحساس بالخشوع.
* كيف تنظر إلى مصطلح "الخطاب الإسلامي المعاصر"؟
** هناك خطاب إسلامي صحيح، وهو الذي يقدمه العلماء والمفكرون في كل زمان ومكان وفي كل مرحلة، وفقا لتلك المرحلة ولظروفها، وهذا الخطاب الإسلامي الصحيح هو خطاب معاصر دائما، من زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى زمننا هذا، فالمعاصرة يجب أن ترتبط بالسلامة والدقة، ولو ادعى أحد أنه يقدم خطابا إسلاميا معاصرا، وهذا الخطاب لم يكن مؤصلا تأصيلا سليما ولا يستند إلى القرآن والسنة استنادا حقيقيا، فلا يمكن اعتباره معاصرا.
فالخطاب المعاصر هو الذي تمتد جذوره عميقا في التأصيل، ثم ينظر إلى هذا العالم نظرة عميقة لفهم الظروف والقوانين التي تحكمه، والحاجات الحقيقية التي يجب أن تعالج في هذا العصر، وهناك خطاب يمكن أن يسمي نفسه معاصرا، لكنه في الحقيقة لا يواجه تحديات، وإنما يحني رأسه لتحديات الغرب.
فالمعاصرة تكون بالتحدي، وبالوقوف في وجه ما يسمى بالعبارات العصرية أو المواقف العصرية؛ لأن من أهم سمات الحضارة الغربية أنها جاءت لتكتسحنا، وأنها لا تقبل حتى المعاصرة معنا، بل هي تريد إنهاء موضوع الإسلام بكل خطاباته المعاصرة والتقليدية، فالمطلوب من الخطاب الإسلامي المعاصر أن يفهم الغرب فهما عميقا ويعرف نقاط الضعف فيه لمواجهته وتحديه، وليس للخنوع له والانبهار بقوته العسكرية والتكنولوجية، والنظر فعلا إلى الإنسان الغربي، وأين وصلت به المادية التي جردته من إنسانيته، فالمشروع الإسلامي يمكن أن يقدم لهذا الإنسان حبل النجاة.
* أشرت إلى " الإسلام السياسي".. فكيف تفهمون هذا المصطلح؟
** أعتقد أن هذه العبارة قد أسيء استخدامها، أو أراد بعضهم أن يساء استخدامها، فكل إنسان سياسي، ولا بد أن يتحدث في السياسة، وكل ما يفعله له علاقة بالسياسة، ولا يستطيع إنسان أن يهرب من السياسة، لكن المسألة الخلافية هي في المرجعية السياسية، بمعنى هل نؤمن بالإسلام ونعتمده مرجعية وتأصيلا لفهمنا وتعاملنا مع السياسة؟ أم أن السياسة تعتمد مرجعية أخرى كالمرجعية الغربية مثلا.
فأنا أرى أن مفهوم السياسة عند الغرب يقوم على النفعية وعلى النظرة البراجماتية، ولا مكان للقيم الأخلاقية في الصراع السياسي الغربي، وعندما أقول يجب أن نتمسك بالإسلام فهذا يعني أن يقوم العمل السياسي أولا على الهداية، وأن تكون له مرتكزات أخلاقية وقيم واستقامة وصدق ومحاسبة، أما أن يستخدم الدين كغطاء للسياسة فهذا شيء لا نقره، وكما نرى أن العلمانيين يستخدمون الدين كغطاء للسياسة أكثر من غيرهم، فهناك العديد من القادة الذين يحاولون أن يظهروا بمظهر إسلامي، وهم أبعد ما يكون عن الإسلام.. المهم أن نناقش الموضوع تحت سؤال: على أي أسس تكون السياسة؟ وكيف يكون السياسي؟ وما هي أخلاقياته؟
هناك اتجاهان: اتجاه لا يريد أن يناقش هذا الأمر، ويريد أن يطبق النمط الغربي في الصراعات السياسية والحزبية، في حين أننا نرى أن لدينا دينا وتقاليد وتاريخا يستهوينا، مثلا القائد الذي يشبه عمر بن الخطاب أو الإمام علي بن أبي طالب أو أبو بكر الصديق، أي لدينا نماذج للحاكم، وطبعا أول وأهم أسوة هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
التعددية
* هذا الكلام يجرنا إلى سؤال حول مفهوم الديمقراطية في الإسلام وموقفه من تعدد الأحزاب؟
** هناك في الآونة الأخيرة رأي غالب بين الحركات الإسلامية والمفكرين الإسلاميين يرى ضرورة الاحتكام إلى صناديق الاقتراع فيما يتعلق بمسألة الدخول إلى الحكم، وإعطاء مجال أوسع الحرية الفكرية، هذه القضية أصبحت من المسلمات، والمطلوب الآن إيجاد صيغ لها وتحويلها إلى حقيقة واقعية، وهذا طبعا لا يلغي وجود بعض من يقول لا ديمقراطية ولا صناديق اقتراع ولا برلمان، ولكن هذا لا يمثل الاتجاه السائد.
وفي رأيي الوصول إلى كلمة سواء على مستوى الشعوب الإسلامية والحكام لا يكون إلا بالتعددية، واعتماد الانتخابات النزيهة، واحترام صناديق الاقتراع، ومحاولة تثبيت نوع من التقاليد المؤسسية والدستورية، أو منظومة من العلاقات تسمح بتوجيه هذا الأمر إلى طريق عام، ويجب أن تؤصل هذه المسائل.
* هناك خوف من كلمة "الديمقراطية" لدى بعض الاتجاهات الإسلامية.
** لا أحبذ استخدام كلمة "الديمقراطية" لأنها أحيانا تحمل كثيرا من الغموض، وأحيانا تفهم على الطريقة الغربية، والمطلوب تفكيكها إلى عناصر، ونرى ما يمكن أن ينسجم من هذه العناصر مع العقيدة والإيمان وبعد ذلك لن تكون هناك مشكلة، المهم أن يكون المحتوى واضحا وحاضرا ومجسدا.
بالنسبة إلى الطريقة التي يجب أن تطبق فيها التعددية والشورى والاحتكام إلى الجماعة واختيار أهل الحل والعقد، ومحاولة اختيار نواب الشعب والابتعاد عن فرض الرأي بالقوة وبالعنف أو الوثوب إلى السلطة بأشكال غير دستورية.
لا بد أن نترك فسحة لكل بلد حسب ظروفه الخاصة، فحتى الدول الغربية لا تخضع إلى نمط واحد من الديمقراطية، والذين يحملون العصا في كل مناسبة ويقولون افعلوا كما يفعل الغرب وكما تفعل أمريكا وإلا فستكونون مدانين بقضايا حقوق الإنسان وبمعاداتكم للديمقراطية، هؤلاء يريدون أن يخلطوا الأمور.
من حق شعوب العالم الثالث والشعوب الإسلامية أن تبحث عن صيغها.. مثلا لو أخذنا السودان فلماذا لا يكون له طريقة خاصة في التعبير عن إرادة الشعب، وعن كيفية انتخاب الناس، هل يجب أن نطالبه بإعلان انتخابات عامة مثل بريطانيا مثلا، في حين أننا نسكت عن دول أخرى.. في اعتقادي أننا لا بد أن نحترم إرادة التعبير في كل بلد، ونحاول أن نرصد كيف يسير هذا الأمر.. هل يتقدم أم يتراجع وينتكس؟ فالخصوصية سيف ذو حدين، ويمكن أن تستخدم لإشاعة القهر والاستبداد، ومصادرة الحريات، وفي رأيي تجربة السودان تقدم نموذجا جديدا أو معاصرا لإدارة الحكم وتطبيق الشورى على مراحل، ولا بد من أخذ هذه التجربة الغنية بعين الاعتبار.
ضد الاستكبار
* من المسائل المطروحة حاليا العلاقة بين السنة والشيعة.. والسؤال كيف تنظر إلى مسألة التقريب بين المذاهب؟
** إن الوحدة الإسلامية ضرورة، وليست فقط مجرد واجب إيماني وعقدي، فلا بد أن يتقرب المسلمون من بعضهم، وأن يزيلوا الخلافات فيما بينهم، وخاصة فيما يتعلق بقضايا أساسية في الإسلام، فالتحديات التي تواجه الأمة تفرض أن تقوم محاولات جادة للتقريب وللتوحيد، وللبحث عن القضايا المشتركة للتعايش، ولبناء تقاليد جديدة بالحوار بعيدا عن المهاترة وعن العنف وعن تصيد المواقف والأخطاء، حتى لا تضخم الخلافات، وهذا لا يعني بالضرورة أن يتخلى أحد عن نظرياته أو مفاهيمه، فليحتفظ كل برأيه كما يشاء، ولكن يجب أن نجد القضايا المشتركة لنعمل بها، ولنصد هذه الهجمة التي تستهدف الجميع دون استثناء، وهذا لابد أن يحدث إن لم يكن الآن فبعد عشرين سنة أو بعد خمسين سنة، ولكن لا بد أن يحدث، لأن الفكر الإسلامي في حالة تعمق وتطور أكثر فأكثر، وفهم للضرورات والظروف.
وأعتقد أن هذه المسألة لا تقف فقط عند المذاهب، بل علينا نحن أهل هذا المشروع الإسلامي أن نحمل عملية التقريب والتوحيد والتضامن حتى مع شعوب العالم الثالث، وأن نجد أرضية مشتركة كي نوحد مواقف المستضعفين من المسلمين وغير المسلمين في وجه هذا الاستكبار العالمي الخطير.
---------------------
كاتب من سوريا
الاثنين. نوفمبر. 10, 2008
إسلام أون لاين.نت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.