رغم حصار الحكومة والحجْب والقرْصنة والإعتقال ، المدونون في تونس -مِثْل نخْل بلدهم- لا ينحنون بقلم : سليم بوخذير * تتبجّح حكومة بلدي بأنها لم تسنّ بعدُ أيّ قانون يشترط الحصول على تأشيرٍ مُسبقٍ من السلطات لإنشاء صحيفة إلكترونية أو موقع أو مدونة على أعمدة الأنترنت ، ويستند المُهلِّلون المُكبّرون لهذه الحكومة على هذه النقطة ليُشيعوا أكذوبة إسمها « حرية النشر الإلكتروني » في تونس . يتغافل هؤلاء عن الحقائق الأهم وعلى أنّ النشر في الأنترنت والتدوين –إذا كان بحرية- ، قد يكون الطريق المعبدة السريعة في تونس نحو المعتقل أو في أقلّ الحالات : نحو تعقُّبِ البوليس لك في الشوارع وإطلاق العنان للعضلات المفتولة لتنهال عليك ضربا عساك لا تُصدّق مرة ثانية أكذوبة حرية النشر الإلكتروني هذه . أجدني أخجل من نفسي وأنا أطرح هذا الموضوع لو أنني أنسى ذكر إسم فقيد الكلمة الإلكترونية الحرة في تونس الخالد زهير اليحياوي أشهر كاتب ومدون لقي طريق المعتقل بسبب تدوينة صادقة كان ينشرها أو كلمة حق كان يكتبها تنفع الناس وتمكث في الأرض ، لقد لقي زهير طريقه إلى المعتقل ثم إلى ....القبر. ولكنه أبدا لم يلق طريقه إلى النسيان ولن يلقاه رغم محاولات نسْف ذكراها . لقد جاءت الحملة الأخيرة التي شنتها السلطات التونسية عشية ما تُسمّية بالإنتخابات الرئاسية والتشريعية « الشفافة والنزيهة » المنتظرة على عديد المدونات والمواقع بين حجب وقرصنة وآخرها ما لحِق بمدونات الأستاذ المختار اليحياوي من قرصنة وما إستهدف قبله بكثير مدونتي ومدونات أخرى عديدة وما نال صفحات عديد الكتاب الإلكترونيين على موقع « الفايس بوك » من قرصنة إلى حدّ أن تفتكّ الأيادي الخفية للحكومة بقدرة قدير منك مقود قيادة صفحتك لتحوّلها إلى صوت مُنتقد للمدونين ولك مثلما جرى على سبيل الذكر لا الحصر للصحفي والكاتب سليم بقة ، لقد جاء كل هذا ليعكس الوجه الحقيقي لحكومة بلدي المُعادية لحرية التعبير صيّادة حرية نشر وتبادل المعلومات وقنّاصة الكتّاب الإلكترونيين بإمتياز في المنطقة . مثال آخر أعطيه : لقد أفرجت هذه الحكومة في الثالث والعشرين من تموز 2007 على الحقوقي والكاتب الإلكتروني محمد عبو ، ولكن أنظروا بعد ذلك ما أقدمت عليه: لقد سلطت عليه سيف المحاصرة البوليسية اللصيقة والمنع من السفر لِ 7 مرات متوالية ، وأطلقت سهام صحافتها المأجورة لتحاول النيل من سمعته وزوجته ، والأهم : سخّرت شرطة أنترنتها لنسْف صفحاتها الإلكترونية ب »الفايس بوك » والعبث ببريده الإلكتروني . قرصنة المدونات والمواقع هو سلاح آخر لحكومة بلدي في وجه مُخالفيها من المدونين والكتاب الإلكترونيين ، ولكن الإعتقال أيضا هو سلاح آخر مازال مُسلطا ، فلا تنسوا ما يحدث للصحافي المستقل عبد الله الزواري من حصار في أقاصي الجنوب التونسي وتحرش به بين الفينة والأخرى من طرف البوليس . الحجب أيضا مازال سُنّة غير حميدة للحكومة التونسية تستهدف بها منذ سنوات عددا كبيرا من المواقع و المدونات ، فيما تُمارس هذه الحكومة وسائل أخرى بالتوازي مع الصحافيين والكُتّاب الإلكترونيين المخالفين ، من ذلك محاولة فبركة القضايا ضدهم والنيل من عائلاتهم مثلما حصل للكاتبة الجريئة الشهيرة نزيهة رجيبة . إنّها الصورة القاتمة المتكرّرة في تونس منذ سنوات : أقلام من الخوف تتحرّر فتُطْلِق العِنان لقرائحها لتُعبّر وتُحبِّر ، ومن الضفّة الأخرى حكومة من دستورها الراعي لحرية التعبير تتنصّل لتُسخّر أياديها الممتدة إلى كل شيء في البلد فتُحاول قطع أي لسان يطول أو أي قلم يُحاول كسر عصا الطاعة لها . ولكن مهما كان سيف الرقابة سليطا متجبّرا متوحّشا أحيانا ، ففي الطريق رغم كل العتمة : مازالت هناك شموع تُضاء .. وفي الأفق نجمات يجب إلتقاطها ..ومازال هناك نخل عصِيّ على الإنحناء.. * صحافي وكاتب إلكتروني تونسي – مُعتقل سابق TUNISIA Watch