كشف تقييم نظام إجازة ماجستير دكتوراه "إمد" أن عمليات تشييد عدد من المؤسسات الجامعية لم يكن في محلّه نظرا لأنها لم تستقطب العدد الكافي من الطلبة. وبين هذا التقييم الذي أجرته لجنة مختصة بوزارة التعليم العالي أن هناك مؤسسات تعليم عال لم تبلغ نسبة استغلال فضاءاتها النصف. وينسحب هذا الأمر وفق مصادرنا على عدد من المعاهد العليا للدراسات التكنولوجية الواقعة خاصة بجندوبة وباجة وقفصة وعلى المؤسسات الجامعية القريبة جغرافيا من بعضها البعض والتي تدّرس اختصاصات متقاربة. وتوجد في المركب الجامعي بمنوبة على سبيل الذكر لا الحصر ثلاث مؤسسات تدرّس اختصاصات متشابهة, وهي المعهد العالي لفنون الملتيميديا بمنوبة والمدرسة العليا لعلوم وتكنولوجيا التصميم والمدرسة الوطنية لعلوم الإعلامية.. وكان بالإمكان ضم هذه الاختصاصات في مؤسسة واحدة وتوفير نفقات طائلة تبدّد على الانتدابات والصيانة والسيارات الإدارية وغيرها. وفي نفس السياق كان وزير التعليم العالي والبحث العلمي أقرّ خلال مداولات مجلس النواب حول ميزانية الدولة لسنة 2011 الأسبوع الماضي بأن نسبة استغلال الفضاءات في بعض المؤسسات الجامعية خاصة في الجهات الداخلية لا تتجاوز 50 بالمائة. وأكد على وجود ضرورة ملحة للتقليص في عددالاختصاصات العلمية وبحث الحلول المناسبة لتشتت مؤسسات التعليم العالي. أمام معضلة التشتت وضعف نسبة استغلال العديد من الفضاءات بالمؤسسات الجامعية رأت اللجنة التقييمية لنظام "إمد" أن الخارطة الجامعية تحتاج إلى المراجعة.. وعلمت " الصباح" أن الوزارة تعتزم القيام بمراجعة هذه الخارطة الجامعية التي ضبطت سابقا على أساس ارتفاع عدد الطلبة وكثرة الشعب العلمية ودعما للامركزية. وفي نفس السياق بين تقرير صادر عن الوزارة أن خيار اللامركزية في التعليم العالي انطلق منذ أواسط السبعينات من القرن الماضي وتحديدا عندما بدأت المؤسسات الجامعية ومؤسسات الإيواء بالعاصمة تختنق, وبدأ عدد الطلبة يتطور من بعض المئات في الستينات إلى أكثر من 7 آلاف سنة 1970 ليصل إلى 350 ألف طالب حاليا, وأملت هذه المعطيات فتح مؤسسات جديدة داخل مختلف ولايات الجمهورية.. وبالنظر للخارطة الجامعية الحالية يمكن الإشارة إلى أن عدد المؤسسات الجامعية ومؤسسات البحث العلمي بلغ هذه السنة نحو 193 مؤسسة تتوزع على 13 جامعة إلى جانب المعاهد العليا للدراسات التكنولوجية الموجودة بجميع الولايات.. وكان هذا العدد في حدود 53 مؤسسة فقط قبل 20 سنة أي خلال السنة الجامعية 1980 1981. ولن تؤدي مراجعة الخارطة الجامعية وفق ما استقيناه من معلومات "إلى غلق مؤسسات قائمة أو العدول عن تنفيذ المشاريع المبرمجة سابقا أي تلك التي تم إقرار إنشائها خلال مجالس جهوية ممتازة وستتم المراجعة على أسس عملية وستكون حصيلة دراسة معمقة". ومن بين العناصر التي تقوم عليها المراجعة التقليص تدريجيا في عدد الشعب العلمية بضم الاختصاصات المتشابهة لبعضها البعض وسيسمح ذلك بالترفيع في نسبة استغلال الفضاءات الجامعية من ناحية والضغط على الكلفة من ناحية أخرى.. وتم الشروع مطلع السنة الجارية في تنفيذ هذا التوجه بالتقليص في عدد الشعب من 720 إلى 580 شعبة وينتظر النزول بعدد الشعب إلى ما دون 500 شعبة السنة الجامعية القادمة. ويذكر أن تقييم نظام "إمد" جاء تنفيذا للقانون المنظم لهذا النظام الذي يؤكد ضرورة القيام بعمليات التقييم دوريا. وبالإضافة إلى هذا التقييم الداخلي ينتظر أن تشهد السنة القادمة بعث هيأة وطنية مستقلة للتقييم وضمان الجودة لتعمل على تقييم نتائج وتوجهات وبرامج جميع مؤسسات التعليم العالي. كلفة عن سؤال يتعلق بحصيلة ماتكلّف على المجموعة الوطنية نتيجة الخارطة الجامعية السابقة علمت "الصباح" أن لجنة التقييم لم تحدد بعد تلك الكلفة.. ويذكر أن كلفة الاستثمار في المؤسسات الجامعية تضبط على أساس الطالب بالمعاهد العليا والكليات وعلى أساس المقعد بالمطاعم الجامعية وعلى أساس السرير بالمبيتات. وفي هذا الصدد يذكر أن كلفة الطالب الواحد في المؤسسات العلمية تبلغ نحو 6 آلاف دينار وفي المؤسسات الأدبية تبلغ نحو ألفين وخمسمائة دينار وتبلغ كلفة الكرسي بالمطاعم الجامعية نحو 5000 دينار وكلفة السرير بالمبيتات الجامعية نحو 11 ألف دينار. وتعد تونس من أكثر الدول العربية إنفاقا على التعليم العالي وفق ما أورده التقرير العربي الثاني للتنمية الثقافية الذي أنجزته مؤسسة الفكر العربي سنة 2009. وأشار هذا التقرير إلى أن نسبة إنفاق تونس على التعليم العالي سنة 2008 بلغت 6 فاصل 45 بالمائة من مجموع الإنفاق الحكومي، وتبلغ هذه النسبة 3 فاصل 57 بالمائة في سوريا و3 فاصل 8 بالمائة في المغرب و3 فاصل 5 بالمائة في مصر و1 فاصل 6 بالمائة في السعودية و1 فاصل 5 بالمائة في لبنان و1 فاصل 69 بالمائة في الأردن.