إلى حدود امس الاحد.. تجميع 518 ألف قنطار من الحبوب الممتازة    بينها تونس.. ترامب يفرض رسوما جمركية مرتفعة على عدة دول    «شروق» على مونديال الأندية قوّة تشلسي أم طموح فلومينينسي؟    تاريخ الخيانات السياسية (8): الغدر بالحسين بن علي    اختتمت أعمالها في البرازيل : «البريكس» قوّة تنافس الغرب    تلاحقه العديد من الأحكام.. شفيق الجراية يرفض المثول أمام المحكمة    الجامعة تقرّر .. بطولة الرابطة الأولى تنطلق يوم 9 أوت ومنافسات الرابطة الثانية يوم 20 سبتمبر    دورة الصداقة الدولية الودية للكرة الطائرة: المنتخب التونسي يفوز على نظيره المصري 3-1    أخبار النادي الإفريقي: اتّفاق مع «بوادو» وكعيب يشترط    الشراردة .. حادث مرور يخلف مقتل فتاتين و4 جرحى    الموسيقي خالد سلامة ل«الشروق» ... لا أمارس الموسيقى من أجل «تجمير البايت»    عماد العيساوي: "النظام السابق لم يسقط... وتونس تعيش أزمة حوكمة وإدارة"    جندوبة: زيادة ب17.3% في عدد الوافدين الجزائريين عبر المعابر البرية خلال جوان    القصرين.. القبض على أحد المعتدين على شخصين بآلة حادة    مع الشروق : نتنياهو... سفّاح الشرق الأوسط الذي يتغذّى على الحروب    أولا وأخيرا ... فلفل بر العبيد    مهرجان قرطاج: الكشف عن شعار الدورة ال59 'قرط حدشت'    تنويه بالكفاءات التونسية    عاجل/ من بينها الترفيع في عدد طلبة كليات الطب: وزير التعليم العالي يعلن عن قرارات هامة..    ماذا في لقاء وزير الخارجية بالمنسقة المقيمة لمنظمة الأمم المتحدة بتونس؟    المحسوسة بلغت 50 درجة: أعلى درجات الحرارة المسجّلة في تونس اليوم.. #خبر_عاجل    عاجل/ انتخاب رئيسة جديدة لمجلس إدارة "التونيسار"    الليلة: أمطار رعدية بهذه المناطق..    عاجل/ رسميا: واشنطن تُلغي تصنيف "جبهة النصرة" كمنظمة ارهابية    التمويل المقدم من البنوك لمرفق النقل في تونس لا يتجاوز 3.1 بالمائة من إجمالي قروضها (بيانات مالية)    رئيس لجنة المالية والميزانية بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم: تونس تعيش عجزا طاقيا حادّا    عاجل/ بلاغ هام من معهد الرصد الجوي بخصوص الحرارة وال"تسونامي"    وزير ينتحر بعد ساعات من إقالته!! #خبر_عاجل    باجة: حريقان بتيبار يأتيان على 5 هكتارات بين مساحات غابية ومزارع قمح    عاجل/ الحوثيون يستهدفون سفينة في البحر الأحمر    وسام إمبراطوري ياباني يضيء مسيرة طبيب تونسي بارز في قلب إفريقيا    كيت ميدلتون: "الأصعب يبدأ بعد العلاج"… الأميرة تتحدث عن تحديات مرحلة التعافي من السرطان    مدنين: الميناء التجاري بجرجيس يستقبل ثاني رحلة عودة لابناء تونس المقيمين بالخارج    المهرجان الجهوي للمسرح بدور الثقافة ودور الشباب بولاية منوبة يومي 8 و9 جويلية    الهلال السعودي يحسم صفقة لاعب أي سي ميلان ثيو هيرنانديز    عاجل: هذا النادي العربي يدخل في سباق التعاقد مع ليونيل ميسي    الندوة الصحفية لمهرجان جمال: "مرتضى" في الافتتاح وأمينة فاخت في الإختتام    قبلي: تواصل مراقبة الوضع الصحي للواحات وعدم تسجيل بؤر مقلقة للاصابة بعنكبوت الغبار    بدنك شايح وناقص ''hydratation''؟ راو خطر صامت رد بالك    طوابع بريدية جديدة تُكرّم محميات تونس الطبيعية    رد بالك من البحر نهار الثلاثاء والخميس! عامر بحبّة يحذّر من اضطرابات جوية مفاجئة    للتوانسة بالخارج : فلوسك تنجم تتحجز في المطار إذا ما صرّحتش بالعملة ...تفاصيل    جريمة مروعة/ اكتشف علاقتهما فقاما بقتله: امرأة تنهي حياة زوجها بمساعدة عشيقها..    كي تخدم الكليماتيزور في 16 درجة: تعرفش قداه تستهلك ضوء؟    لمواجهة الحرّ: 2 مليون ''كليماتيزور'' في تونس    بطولة ويمبلدون للتنس - ألكاراز يتأهل لربع النهائي    عاجل/ نشرة تحذيرية جديدة للحماية المدنية..وهذه التفاصيل..    فيبالك.. الي البطيخ في الصيف يولي دواء    من غير كليماتيزور ولا مروحة : الطريقة هاذي باش تخليك تبرد دارك،ب0 مليم!    ليفربول يقرر العودة للتدريبات غدا الثلاثاء بعد تأجيلها بسبب وفاة لاعبه غوتا    بكالوريا: اليوم انطلاق التسجيل في خدمة ال SMSلنتائج دورة المراقبة    شنية سرّ السخانة في جويلية.. بالرغم الي أحنا بعاد على الشمس؟    تاريخ الخيانات السياسية (7): ابن مُلجم و غدره بعلي بن أبي طالب    الفنان غازي العيادي يعود إلى المهرجانات بسهرة "حبيت زماني" في الدورة 59 لمهرجان الحمّامات الدولي    وزارة الثقافة تنعى فقيد الأسرة الثقافية فتحي بن مسعود العجمي    عادل إمام يتوسط عائلته في صورة نادرة بعد غياب طويل بمناسبة عقد قران حفيده    تاريخ الخيانات السياسية (6) .. أبو لؤلؤة المجوسي يقتل الفاروق    تذكير بقدرة الله على نصرة المظلومين: ما قصة يوم عاشوراء ولماذا يصومه المسلمون ؟!..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلام ومسحة الجمال
نشر في الحوار نت يوم 27 - 12 - 2010

هل للجمال مكان في عقول أصحاب المشروع الإسلامي وبرامجهم التربوية والاجتماعية؟ إنّه سؤل له ما يبرّر طرحه بسبب ضغط موروث مزدوج يكاد يسقط الجمال من النسق الإسلامي، ذلك أن العقلية الأعرابية امتدّت عبر تفكير نصوصي كثير الجنوح إلى التحريم والتبديع فلم يترك استواؤها على الذهنيان المشدودة إلى الماضي وحده أيّ فسحة للحسّ الجمالي،كما أنّ فكر المحنة الذي يستصحبه الدعاة منذ أكثر من نصف قرن ألقى بظلاله على الموضوع وأحال العواطف إلى الطواف بالسجون والدماء والسياط والجلاّدين فلم يترك للذوق الجمالي سوى مساحة ضيّقة، فانتهت الأدبيّات الإسلامية إلى مقاسات تطبعها الصرامة المفرطة والبرودة تجاه الجمال المبثوث في النفس والكون، وهذا أمر غير طبيعي ، ولا مفرّ من إدراج عنصر الجمال في منظومة إصلاح القلوب والعقول والمجتمعات والسلوكيات باعتباره من مكوّنات النفس السوية ومن دلائل الإعجاز الإلهي، وكيف يتلذّذ بنعم الله من لا يفرّق بين الحلو والمرّ والجميل والقبيح؟
كتب عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- إلى قائد جيشه يقول :" إذا جاء الربيع فأخرج الأجناد إلى الوادي ليروا كيف يحي الله الأرض بعد موتها "...هذه مسحة جمالية رأى أمير المؤمنين أن يزوّد رها جيشه رغم ما يبدو من تباعد بين الخدمة العسكرية والجمال،لكنّه تفطّن إلى التكوين المتكامل الذي لا يمكن أن يهمل عنصرا فاعلاً كثيرا ما استعمله القرآن الكريم لينفذ معانيه إلى النفوس :
- "ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون" – سورة النحل6
- "إنّا زينّا السماء الدنيا بزينة الكواكب"- سورة الصافّات 6
-" يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد" – سورة الأعراف 31
-"و زينّأ السماء بمصابيح وحفظا" – سورة فصّلت 12
-"ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين" – سورة الحجر 16
-"أنظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه" - سورة الأنعام 99
إنّ الله جميل يحبّ أن يكسو الجمال البواطن والظواهر فيشبع العين والأذن والفؤاد،لذلك خلع مسحة الجمال على كونه الفسيح ، فآتى نبيّه داود - عليه السلام- صوتا ندياً جذب إلى ترنيماته تجاوب الطيور:" ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير " – سورة سبأ 10،و من تمام التربية الإيمانية التفكّر في خلق الله والنظر فيه لإدراك الحسن والتأثّر ببدائع الصنع وإمتاع السمع والبصر به :"صنع الله الذي أتقن كل شيء" – سورة النمل 88
-"قل انظروا ماذا في السماوات والأرض" – سورة يونس 101
-"أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت" – سورة الغاشية 17-20
فالقلب يتحرّك والعين تبتهج بمشاهدة ظواهر الطبيعة الخلاّبة، ومنها- كما يقول صاحب الظلال رحمه الله - :" هذا الليل الطامي السادل الشامل الساكن إلّا من دبيب الرؤى والأشباح، وهذا الفجر المتفتّح في سدف الليل كابتسامة الوليد الراضي، وهذه الحركة يبستم بها الصبح فيدبّ النشاط في الحياة والأحياء، وهذه الظلال السارية يحسبها الرائي ساكنةً وهي تدبّ كالطيف، وهذا الطير الغادي الرائح القافز الواثب السابح في الهواء،وهذا النبت المتطلّع أبداً إلى النماء والحياة "
أليست هذه المشاهد تدغدغ العواطف وتصقل النفوس وترفع الإيمان؟ إنّه سحر الجمال...كيف لا والمؤمن يرى يد الله وراء كلّ نجم يبزغ أو يأفل وكلّ برعم يترعرع أو يذبلوكلّ ورقة تنبت أو تسقط وكلّ نبع يرفرف أو يغيض وكلّ حيّ يولد أو يموت؟ إنّ الإحساس بجمال الكون وروعته عبادة فإذا سلك الفنّ هذا المسلك فهو من وسائل العبادة وذرائعها ، وللسمع حظّه من الاستمتاع بالجمال ، فهذا الرسول عليه الصلاة والسلام يشنّف سمعه بقراءة أبي موسى وابن مسعود رضي الله عنهما ، ويطرب لشعر الخنساء ولبيد وكعب بن زهير، ويتنبّه إلى ما فجّره الحادي بترنيماته من أحاسيس غلبت نساء القافلة في الهوادج فيشفق عليهنّ ويقول بعبارة فيها تأثّر وإعجاب وتشجيع أيضا :'' رفقا بالقوارير يا حادي '' ، ويأتيه رجل ثائر الشعر فينتهره ويأمره بتسريح شعره وإصلاح هيئته.
أمّا الصحابة رضوان الله عليهم فقد فهموا عن الله ورسوله معنى التربية الجمالية فتفنّنوا فيها ،ويسجّل التاريخ أنّ ابن عباس رضي الله عنهما- وهو العالم المتبحّر في القرآن الكريم والسنة الشريفة والفتوى- كان-كما يقول هو- يتزيّن لزوجته كما تتزيّن له حتى اشتهر بنوع معيّن من العطر كأنّه خاصّ به ، فإذا مرّ بطرق المدينة وجدت النساء رائحته وهنّ في البيوت فقلن :'' أمرّ المسك أم ابن عباس؟ '' ، وتوارث هذا الحسّ الجمالي الأجيال الفاضلة ، فكان مالك بن أنس رحمه الله – وهو عالم المدينة الفذّ وأحد أقطاب الفقه والحديث- لا يأتي حلقة درسه في المسجد النبوي إلاّ بعد أن يرتدي أحسن ثيابه ويتعطّر ، وقد كان من أرباب العبادة والزهد..
ومن روائع حضارتنا ما تفرّدت به من مسحة جمالية فريدة في العمران كالمساجد والقصور والحصون والخطّ العربي...أو ليس قصر الحمراء – مثلا - آية في الجمال تضاهي عجائب العالم؟ وقل مثل ذلك عن المسجد الأزرق في اسطنبول وتاج محلّ في الهند.
إنّ الذوق الجمالي يهزّ المشاعر ويربط القلوب بالمعاني السامية ، ومن علامات الخسف بالقلب أنّه لا يزال جوّالا حول السفليات والرذائل ليس له تطلّع إلى المقامات الرفيعة والأدب العالي ، وهذا من أفدح ما يصيب الإنسان ، ولقد استشرى هذا الداء حتىّ كاد يطمس ملامح الجمال في المجتمع الإنساني ، فما أجدر المسلمين أن يؤسّسوا أقساما للتربية الجمالية في الجامعات الإسلامية لبعث وتأصيل الأداة المفترض فيها تنمية الجمال ألا وهي الفنّ الرفيع لتدارك ما أصاب الحسّ من تبلّد من جرّاء استفحال النزعة المادية من جهة والروح الأعرابية من جهة أخرى.
فلا عجب من إهمال الوظائف الجمالية في ظلّ ذهنية التخلّف الحضاري وسطوة المادة، وهذا ما يحمّل دعاة الإسلام واجب تطعيم أدبياتهم ومشروعاتهم بالفنّ الرفيع الذي تلين له القلوب القاسية وترتفع به همّتها ، لأنّه فنّ يمتع السمع والبصر باللحن العذب والكلمة الطيّبة المؤثّرة والمشهد الخلاّب والأداء الجيّد ،إنّه الفنّ الذي لا يتمرّد على القيم وإنمّا يخدمها بوسائله ، ولا يمجّد الرذيلة بل يفضح قبحها ويقود الناس إلى ضدّها ،فنّ يكون بديلا عن كتاب ألف ليلة وليلة وأغاني الأصفهاني وروايات نجيب محفوظ وأشعار أدونيس و موسيقى الراي وأصنام النحّاتين ،فنّ يتناول – بدل هذا الغثاء – آمال الإنسان وآلامه ، ويدفع المتذوّقين إلى الانسجام مع الكون ويرفعهم إلى الأعلى بعد أن كان الأدعياء يهوون بهم إلى الأسفل ، ويصنع البطولة من مواقف الأمانة والعفّة والوفاء والتضحية لا من مشاهد الخيانة والجنوح والانغماس في الشهوات البهيمية والعيش في مهبّ الريح ، ذلك أنّ الجمال يجلّيه الفنّ ، والفناّن المبدع ينفعل أمام الطبيعة ويعيش بمنهجية السلام والانسجام فيبدع وهو يتمثّل مبادئ الصياغة الجمالية ويستشفّها في مجال السمع أو النظر أو اللمس..إنّ له وظيفة حضارية لأنّه ينشىء الحسّ المرهف ويعلّم الذوق الرفيع وينقل الإنسان من ضيق اللحظة و الحيّز إلى سعة الوجود والكون ، كلّ هذا بتعبيرات وإيحاءات ورموز و أسرار وألفاظ و أشكال وأنغام مناسبة ، بالريشة أو الكلمة أو الآلة ، يبدع فيطرب و يؤثّر.
إن التربية الجمالية تمتدّ إلى المبدع والمتلقّي حتىّ تتفتّح العقول المغلقة والقلوب القاسية وينزاح التشدّد والإفراط في الحسية وتنتشر المشاعر الرقيقة.
عبد العزيز كحيل / الجزائر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.