بلى إنّ لنظام بن على ايجابية، ولكنها وحيدة! "لولا الشاه ما كانت الثورة الإسلامية في ايران " على شريعتي و لولا بن على ما اندلعت أحداث سيدي بوزيد و ما كانت.... محمد أمجد مصطفى شايبي حقوقي/سويسرا
1.الشائع في الأواسط العربية و الدولية تلقاء الفرد التونسي، من كونّه فردا رصينا و هادئا، فهو ميّالٌ بطبعه للتنظير و التأمل العقلي دون الإنجاز و التطبيق وذلك بحثا عن السلامة، فالتفاوض و الحديث هو سقف نضاله و عطاءه مهما علت مطالبه فالمقاومة مستبعدة منه ابتداءا و خاتمة، فلسانه أقوى من ساعده، و تأمله غالب على عمله. 2.و تتضاعف هذه الملكة أمام مقاومة الظلم و الحيف الاجتماعي و التصدي لمشاريع الديكتاتورية و الاضطهاد السياسي، و لعلّ القاموس الشعبي التونسي زاد امتلاءا بعد "الانقلاب النكد" من مثيل "الله ينصر من صبح" و ما شابهها من هذه المقولات الشعبية. 3.تغدو هذه التصريحات نسبية من وجهة نظر علمية إذ ليس للإنسان طبيعة ثابتة قبليا، فمها كان موقع الإنسان الزمكاني فهو رادٌّ للظلم و الحيف غير أن امتداد الاستبداد و تراخيه في الزمان قد يجعل استبعاده عسيرا على حدّ ما ذهب إليه الكواكبي في طبائعه، فكلّما أوغل الظلم في الزمان تبلدت روح المقاومة و التغيير في الإنسان. 4.إن الدارس الموضوعي للحالة التونسية منذ "الانقلاب النكد" في الخطوط العريضة محصورة في ما قدمه هذا النظام للإنسان التونسي باعتباره الجوهر و المقياس في نجاح أي مشروع يَدعى التوفيق و السداد، ليستنتج دون عناء تفكير أو إعمال عقل غياب هذا العامل فاتجاه "التحول النكد" كان تحولا بامتياز نحو الأدنى، نحو ثقافة التخويف و الترويع منتهية بالتجويع و التفقير و استخدام الجسد كمطية للتنديد و رفض الواقع السائد. لقد غاب الثقافي و الاستيطقي و حلّ محله توجه الرداءة بزعامة "النخاسون الجدد" الماسكين بمرْوّد الحرف و الكلمة لغرس شجرة خبيثة جذورها التأصيل لثقافة التخابر و جذعها الكذب و الخداع و فروعها النفاق والمحاباة و ثمارها الرداءة و القبح. 5.أما على المستوى الاجتماعي فإن الفوارق الطبقية تجاوزت توقعات كارل ماركس لتشعبها و لخصوصيتها و لمحاولات "النخاسون الجدد" وأد الحقيقة و تجميل الواقع البائس، فإذا كان الرأسمالي هو المتحكم في فائض القيمة طبقا للأطروحات المادية التاريخية فإن طيفا آخر متمثلا في شريحة يستعصى تصنيفها. لقد استطاع "الثائرون الجدد" توصيفها ممثلة في شعار "عصابات السُراق"، هذه العصابات التى فاقت عصابات الكمورا الإيطالية و أصبحت هذه الاخيرة في موضع الرضيع و المتلقى. 6.في عهد "التحول نحو الأدنى" احتار ربّ الأسرة في تصريف شؤون أسرته، فالدخل محدود، و الموارد ضنينة، و الأسعار مستعرة و الكل يشكو و يبحث طرق إشباع الضروري. لقد عرف التونسي الفقر و الجوع و التعري بجروعات فاقت مرحلة الاستعمار المباشر حيث تأتى للتونسي في تلك المرحلة فرصة التنديد و الخروج للشارع منددا بالسياسة الفرنسية ما لم يستطعه تونسي في عهد "التحول النكد" و قبل جملة الاحداث الاخيرة و ذلك لسياسة "العصا و القارورة المهشمة" المتبعة من "عصابة السراق". 7.إنّ العقل المُنظِر لوجوب انقلاب الضحية على جلدها باسترداد الكرامة والعزة المسلوبة ومن جهة نظر فلسفة التاريخ لَيُبشر في هذه اللحظة الراهنة بأن الطاغوت دشن حفر رمسه وذلك لكونه يسارع في صنع نقيضه بتكثيف "كم القمع و الحرمان" ليتحول إلى "كيف المقاومة و المواجهة". إننا نعيش بحق انقلاب العبد على سيده ضمن المنظور الهيقلى للتاريخ و توجيه بالمعني الغرامشي للكتلة التاريخية من طرف المثقفين العضويين المكيفيين لطبقة الفاسدة: "عصابة وحكومة الفساد". 8.لأول مرة نَشْهد في "تونس الثائرة" بأن التونسي لا يبالى بقوات القمع و سيارات البوليس فلقد شهدت منذ حاداثة سني أغلب المسيرات منذ هزيمة 67 إلى وفاة عبد الناصر إلى احداث الخبز إلى مسيرات 87 ، و قد كنت فردا بارزا فيها بحكم امتلاكي لناصية اللغة و سهولة نظم الشعارات و تنزيلها اقتضاءا، ففي كل المسيرات ترتبك مقدمة المسيرة بمجرد أن يحل علينا البوليس و قوات البوب، لكن هذه المرة و بالرغم من الصلف و القوة المستخدمة من طرف قوى الصلف فإن مقدمة المسيرة بل كل المسيرة تزداد قوّة و حماسا، فلقد شهدنا التونسي مِقداما و شجاعا من بنزرت إلى بن قردان... 9.فضارة النظام أصبحت في وجه من وجوهها نافعة، فقد قطع الشارع صمته و تحول العقل المنظر إلى عقل مناضل و مقاوم. إن مثيل الفرد التونسي ما حصل للفرد اللبناني و الذي كان يوصف بالآنسة قبل شيوع ثقافة المقاومة و التمكين لها. 10. و لا يمكن في مثل هذا إلا إكبار هذه الايجابية اليتيمة للنظام المافيا المتهالك في "تونس الثائرة" اذْ أن ايجابيته في فساده، ففساده كان وقود الحرف الاول من ثورة المستضعفين و الجياع، فقد كان العامل القاطع مع التنظير لوحده ليتحول ذلك إلى مشروع مقاومة على الأرض، مقاومة الظلم و البغي و التصدى لعصابات و حكومة الفساد. فلا جزى الله خيرا عصابات المافيا على هذه الرغيدة، المجد و الخلود لشهداء انتفاضة سيدي بوزيد و من سايرها استقبالا.