بسم الله الرحمان الرحيم السلام عليكم أخي عبد الحميد وحمدا لله على سلامتك، نأيت بنفسي من أمد غير يسير عن التعليق والكتابة لكثرة الشواغل، وأحيانا لقلة الاهتمام بما يكتب، إذ رأيت بعضه غير ذي نفع. أما عن حديث عودتك أيها الرجل الطيب، إن شاء الله، فقد راودتني نفسي كثيرا في الكتابة في أمرك ولكن قصر بي الداعي، حتى رأيتك اليوم تعيد فتح الأمر من جديد فلم تقو أصابعي عن مقاومة الكتابة وامتلأت نفسي بكلمات، لكم كنت أكتّمها. ولا أرى اليوم لي راحة إلا إذا أطلقتها. الأخ عبد الحميد العداسي رجل أحبه، ولكنه استحيا منك حتى قصر في سؤالك عن أمور أنت من ورط نفسه فيها. وقد كنت والله أرى أولى بك لو أجبت عن سلسلة أسئلة أثارها الأخ منجي الفطناسي تعليقا على ما نشر لك في السياسية، وأتمنى عليه إن قرأ كلامي هذا أن يعيد طرحها عليك وسنرى بما تجيب! ظننتك ستصمت ولا تعيد الحديث في هذا الأمر إلا أنك عاودت الحديث فيه ولم تفوت فرصة شكر صاحب النعمة بن علي وتعديد إنجازاته هكذا صدفة قبل الانتخابات، وهذا وقعة خفيفة كان أولى بكريم مثلك أن يربأ بنفسه عنها. على فكرة: إنك لم تنتبه إلى أنك لم تشكر الله في أمر عودتك وشكرت بن علي. فهل أسقطتها أسرة الحوار سهوا هذه المرة أيضا؟ هل اختزل عندك أمر البلاد في العودة يا رجل؟ ألا تبا لها من عودة! في الوقت الذي نرى فيه أحرارا من تونس، دون خلفية إسلامية، يقومون في وجه الظلم ويضحون بالغالي والنفيس ويتصدون للسجون، نرى أئمة الإسلاميين قد صاروا مداحين مسيدين (بكسر الياء الأولى) لبن علي لأجل رخصة بعودة، لعلها نغصتها الأحلام المرعبة بالاعتقال وكوابيس الاقتحام في الليل. والله لقد اكتشفت صدفة أن زملاء سابقين لي في الجامعة صاروا اليوم مناضلين حقوقيين، وما كنت أنتظر أبدا من أمثالهم مثل تلك الخطوة الجريئة في التصدي لفساد هذا النظام. أولما قامت البلاد في وجه الظالم بَرَكَ الإسلاميون. (عفوا أقصد البعض فقط). زعمت أنك لم تدفع ثمنا لعودتك يا شيخ. وهل رسالتك هذه إلا ثمن؟ وهل تصديك ومعارضتك للفتوى التي حدثت عنها إلا ثمن؟ وهل حديثك لجريدة السياسية عن أمر تلك الفتوى إلا ثمن؟ وهل كان ذكرك لتلك المسألة إلا استرضاء لمن منوا عليك بالعودة؟ أما تقرأ على صفحات النات ما ينشر من اضطهاد لعباد الله سرا وعلنا؟ وأنت تعود وتبارك سيدك سود الله وجهه كما سود هو شعره. إلى أي بلد أعود؟ أعود لبلد لازال فيه الصادق شورو يقبع خلف القضبان، وأنا أتمايل بين الأهل والأصحاب والخلان غير آبه؟ أعود ولا أزور قبور الشهداء الموتى والأحياء؟ أعود ولا أذهب إلى رجال صبروا خلف القضبان فأكب على رؤوسهم وأقبل أيديهم وأقول: سامحونا! بينما كنتم تتقلبون في السجون كنا نحن نتمرغ في نعيم أوروبا وما ذكرناكم والله إلا قليلا يا أسفى عليكم يا أخي. لقد صدق عليكم بن علي حكمه: \" كما فررتم تعودون\" فررتم فرادى خائفين وتعودون فرادى معتذرين \"كل واحد حدو روحو\" \"اللي يحل فمو ياكلو الصباط\" تقول أن بن علي يريد التسامح وصدق بالعمل؟ لماذا؟ ألأنه منّ عليك بعودة ما كنت تضمن كيف كانت تنتهي؟ وما شأن إخوانك الذين يسامون الهوان يا رجل؟ أبعت شهادة الحق على ما يلقون من عذاب بعودة؟ أبشروا يا من تريدون العودة فثمن العودة زهيد! أسكتوا عن آلام إخوانكم عن انتظار أمهاتهم عن لوعة زوجاتهم عن دموعهم يوم العيد! وامدحوا سيدكم الرئيس وامدحوا العهد الجديد! وزكوه \"بحسن نية\" قبل الانتخابات واذكروا أمره الرشيد! أما من رفع الرأس منكم وعاند فمآله كالدكتور العشي في العذاب الشديد وقد علمتم أنه لولا شفاعة فرنسا في العشي للبث في بطن السجن لعيد ثم عيد تحدثت عن صلة الرحم يا رجل؟ لو طبقنا هذا الحديث لما كان لحديثنا هنا مجال؟ أشهد أمامكم يا إخوتي أني عققت أبوي بأمركم. فاستغفروا الله لي اليوم. كان أبي يقف أمام الباب يمنعني من الخروج، وهو يعلم أني منصرف تلبية لدعوتكم في خروج إلى مظاهرة أو عقد اجتماع. فكنت أقول له أنا خارج لا محالة، وأستأسد عليه رحمه الله، وأتحداه، فيستسلم لضعفه وشيبته وقلة حيلته، ثم يقعد إلى دمعته ويقول لأمي: أتركيه يذهب، لقد تودع منه. إن أمره هذا لن ينتهي حتى أموت وتموتي ويموت. وقد مات أبي كمدا علي وأنا في السجن، وأمي اليوم تقاوم المرض والهرم والشوق إلي. ولا أدري ما يكتب الله في شأنها. وها أنذا قد نيفت على الأربعين وقد بدأت المحنة ولما أجاوز سبعة عشر ربيعا. وقد رأيت صدق ما قال أبي وقد كان والله أميا قليل العلم. تدعونا اليوم لنصل الرحم يا شيخ؟ تأخرت بالنداء يا رجل! فررتم لما رأيتموها \"اتخذت\" وتركتمونا فرادى نصرف وجوهنا فلا نرى لنا مصرفا. واليوم تتاجرون بنا من جديد وتعودون ويسمونكم في الصحف \"دعاة\". وهل كانوا حاربوكم إلاّ لأنكم دعاة أيها الشيخ؟ يا لسخرية الأيام: جريدة السياسية تذهب لتستقبل الداعية. داعية في تونس. داعية تونسي يعود إلى تونس. من طرد الداعية التونسي من تونس قبل عشرين عاما؟ ولماذا تستقبله تونس اليوم؟ وتنوه به وتسميه داعية، وهي التي طردته من قبل لأنه داعية، أو ربما مشروع داعية؟ لماذا تحتفي تونس بداعية وتنكل بدعاة؟ لماذا يعود داعية ويفر دعاة؟ لماذا يأمن داعية ويخاف دعاة؟ لماذا سمحوا لك أن تعانق أباك، ولم يسمحوا لي أن أشهد جنازة أبي يوم مماته في فجر شبابي، وتأخر علمي بوفاته أسبوعا كاملا؟ لماذا أيها الشيخ لماذا؟ كنت سأصمت لو لم أر في حديثك هذا تزلفا مع ما ترى من ظلم بيّن. ولكنك أبيت إلاّ أن تدفع الثمن، وتكتب \"صدفة\" \"وبحسن نية\" توضيحا حول ما راج عن عودتك، وأبت الدراهم إلاّ أن تمد أعناقها. وتشاء الأقدار \"صدفة\" \"وبحسن نية\" أن تكتب هذا قبل الانتخابات تزكي وتمدح وتشكر وتتمنى على سيدك أن يسامحنا لنعود. فمن قال لك أنّ مشكلتنا جميعا هي العودة؟ ولماذا تطلب باسمنا دون إذن منا؟ ومن خولك بذلك أيها الرجل الطيب؟ لقد نسيت سريعا اتهامك للمتحدثين باسم المهجرين أنهم يتاجرون بهم، وقد أراك انقلبت على قولك وصرت أنت الذي تتاجر بنا اليوم أيضا وتطلب باسمنا ما لم نأذن لك فيه؟ أما وقد سألت باسمنا، أفلا سألت سيدك أن يترك خلق الله يحيون أحرارا في بلدنا قبل أن تسأله لنا العودة؟!. هربتم ساكتين ولم تخبرونا، ألا عودوا اليوم ساكتين ولا تخبرونا. فصدقني مشكلتي في تونس أخف من مشكلتك بكثير ولو شئت العودة لتركوني أعود!!! بل عفوا أخطأت أنا هذه المرة. فسيدك الرئيس يريد أن يعود الدعاة أولا كما فروا أولا. أما أنا فلست إلا دويعية صغيرا صغيرا صغيرا لعلي لا أنفعهم كثيرا. فهم يرحبون فقط بالكبار. أمثالك وأمثال النمري، والونيسي، والعبعاب، إلخ. هذه آلام حركتها في فنطقت من نفسها، فمعذرة أيها الشيخ الذي أرى في وجهه سمة الإيمان إن كنت قد تطاولت عليك أو أسأت إليك فقد أخذتني سكرة الحمى من شدة الجرح