استنكر رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور يوسف القرضاوي الانفجار الذي استهدف كنيسة "القديسين" بمدينة الإسكندرية المصرية الساحلية المطلة على البحر المتوسط والذي أسفر عن سقوط 21 قتيلا وما يقرب من ثمانين مصابا. وشدد القرضاوى خلال مقابلة عبر الهاتف مع وكالة الأنباء الألمانية السبت 1-1-2011 على أن " فاعلي هذه الجريمة لا يمكن وصفهم إلا بوصف واحد هو أنهم مجرمون سفاكون للدماء يبرأ الإسلام منهم ومن جريمتهم، فالإسلام يحترم النفس البشرية ولا يجيز قتلها إلا بالحق الذي يقضى به القضاء العادل القائم على البينة، أما قتل الناس جزافا وخصوصا إذا كانوا في مكان مثل دار عبادة يحتفلون فيه بذكرى دينية فتكون الجريمة أكبر وأفحش".
وأضاف أن القرآن الكريم يقرر مع كتب السماء أنه "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا" (سورة المائدة 32). ويعتبر القرآن جريمة القتل من أكبر الجرائم بعد الكفر والشرك بالله تبارك وتعالى..ويظل الإنسان في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما كما جاء في الحديث النبوي الشريف".
وأكد أن الحادث لا يتفق مع الإسلام وتعاليمه السمحة بشيء موضحا: " نحن نبرأ باسم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وباسم علماء المسلمين جميعا، إلى الله من هذا الحادث.. وأن يقوم به مسلمون فهذا لا يتفق مع الإسلام في شيء".
وتابع: " فالإسلام حتى في الحرب الرسمية عندما تلتقى الجيوش بعضها ببعض له دستور أخلاقي، فلا يجيز الإسلام في الحرب إلا قتل من يقاتل فقط أي من يحمل السلاح، وينهى ولا يجيز قتل امرأة أو طفل أو شيخ كبير ولا الرهبان في صوامعهم ولا الحراث في مزارعهم ولا التجار في متاجرهم.. فكل هؤلاء محميون، فكيف يجوز قتل أناس يتعبدون لله تعالى في مناسبة دينية .. هذا لا يجيزه الإسلام أبدا".
يد أجنبية وألمح القرضاوي إلى احتمال أن تكون هناك يد أجنبية وراء الحادث، بغرض إشعال الفتنة الطائفية بمصر، مشددا: " أنا أخشى أن تكون وراء هذا العمل يد أجنبية، فلا يعقل أن يكون هناك إنسان مصري أو مسلم وراءه، وربما تكون يد أجنبية تحاول أن تشعل الفتنة الطائفية..ولعن الله من أيقظ الفتنة، أنا في الحقيقة استنكر كل الاستنكار هذا العمل وأجرمه وأحرمه بكل قوة".
وأردف قائلا: "استبعد وأستنكر على إنسان مصري أو مسلم أن يقتل أناسا من غير حق، أناس يجتمعون في دار العبادة دون أن يرتكبوا جرما، هذا أستبعده تماما وأخشى أن يكون وراءه يد أجنبية تريد أن تشعل الفتنة ونسأل الله أن يقينا من الفتنة".
يذكر أن مصدرا أمنيا كان قد صرح في وقت سابق أن الحادث نجم عن استخدام كمية كبيرة ربما تصل إلى مائة كيلو جرام من مادة "تي. إن. تي" شديدة الانفجار كانت مثبتة أسفل سيارة، الأمر الذي أدى لتفجير السيارة بالكامل وتضرر المباني المحيطة بالكنيسة، وتوقع المصدر أن يكون وراء الحادث يد أجنبية بسبب طريقة تنفيذه وحجم المتفجرات المستخدمة فيه.
عزاء المسيحيين
وقدم رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عزاءه للمسيحيين بمصر قائلا: " أبلغ عزائي إلى إخواننا المسيحيين في مصر عمن قتل منهم.. ونسأل الله أن يبعد الفتنة التي يشعلها المشعلون ما بين الحين والآخر وأن يجمع كلمة الأمة على الحق والخير دائما".
وردا على تساؤل عما إذا كان يتوقع أن يكون وراء هذا العمل "تنظيم القاعدة في العراق" والذي سبق وأعلن استهدافه لمسيحيي وكنائس المنطقة العربية، أجاب القرضاوي:" حدث هذا بالعراق وأنا استنكرت ذلك في حينه.. وكل عمل من هذه الأعمال التي تستهدف الكنائس ودور العبادة أنا أستنكره بكل شدة، وأستنكر كل عمل يستهدف المدنيين والأبرياء الذين لا ناقة لهم بالسياسة ولا جمل أو كما يقول المثل المصري ليس لهم لا في الطور (الثور) ولا الطحين، أستنكر قتل هؤلاء خصوصا إذا كانوا يمارسون عملا دينيا".
جدير بالذكر أن ما يسمى تنظيم" دولة العراق الإسلامية" على صلة بتنظيم القاعدة، قد هدد نهاية نوفمبر الماضي باستهداف الكنائس المصرية وغيرها في الشرق ما لم يتم الإفراج عمن أسموهم "مسلمات مأسورات في الأديرة المصرية".
وجاءت تهديدات هذا التنظيم للأقباط بمصر بعد دعوات المسلمين بالتحرك من أجل زوجتي كاهنين قبطيين، تردد أن إحداهما أعلنت إسلامها واحتجزت في أحد الأديرة والثانية أبدت رغبتها في إشهار إسلامها فتم احتجازها أيضا بأحد الأديرة.
ولفت الشيخ القرضاوي إلى أن أول عمل للإسلام حين دخل البلدان هو إعلانه حماية كنائسهم وصلبانهم ومعابدهم كما انه ترك لهم حرية التعبد بعد أن ترك لهم حرية الاعتقاد فلا إكراه في الدين " المسلمون مكلفون بحماية أهل الذمة، يقاتلون(دفاعا) عن الكنيسة كما يقاتلون عن المسجد ، هذا مقرر في الفقه الإسلامي بالإجماع، والمسلمون حين يقاتلون، يدافعون عن حرمة الأديان جميعا، هذا هو الموقف الإسلامي الصحيح".
حقهم في الاحتفال
وردا على تساؤل حول خلط الناس بين الفتوى التي اصدرها بتحريم الاحتفال بأعياد الميلاد في الدول العربية وتحديدا دول الخليج وبين حق المسيحيين في الشرق والمنطقة العربية بالاحتفال بأعياد الميلاد، قال الشيخ القرضاوي: "من حق النصارى في مصر أن يحتفلوا بمناسباتهم الدينية، أما في بلاد كبلدان الخليج، لا يوجد نصارى من أهل البلاد الأصليين، وبالتالي لا داعي لاحتفالات مبالغ بها، ولابد من الحفاظ على هوية المجتمعات ومنع التقليد الأعمى".
وتساءل: "هل يسمحون للمسلمين في أوروبا أن يقيموا احتفالات بأعيادهم تملأ الشوارع.. لا يمكن هذا فكل بلد لها تقاليدها ولها هويتها الخاصة ".
وانتقد القرضاوى خلط الناس بين الأشياء بعضها ببعض في فهم الفتوى، مشددا : " أما في بلاد كبلدان الخليج لا يوجد نصارى من أهل البلد الأصليين، إنما في مصر من أهل البلد الأصليين مسيحيون من حقهم أن يحتفلوا، ليس من المطلوب أن نخرجهم من ديارهم، بل أن نحافظ عليهم ونحميهم، هناك فرق بين هذا وذاك، ولكن أحيانا الناس يخلطون بين الأشياء بعضها البعض".