الشعوب الحرة قادرة على صناعة قدرها وصياغة مستقبلها ، أما الشعوب الميتة والعقيمة فلا مكان لها في عالم الألفية الثالثة وفي زمن العولمة . وهكذا رأى العالم كيف أن شعب تونس الذي طالما وصم بالخنوع لأعتى طواغيت العصر ، هب فجأة ومن غير سابق إنذار ليضع حدا للعبث السياسي ولعقود الصمت الطويل . أسابيع قليلة من العصيان المدني كانت كافية لانهيار الطاغية ، ليكتشف العالم كله ان الطواغيت مجرد أصنام من ورق لا يحركهم سوى حب الخلود في السلطة والخوف من الشعب الذي لا يمكن أن يكون مصدرا لسلطاتهم . ترى أين تبخرت الجماهير والتي كانت تهتف بحياة الزعيم الأوحد ؟ وأين الذين صوتوا للرئيس و لحزبه - الذي ولد وفي فمه ملعقة من ذهب كما تولد الأحزاب الموالية للطغاة في كل الدول التي يسودها الحكم الفردي المطلق - بنسبة تفوق التسعين بالمائة ؟ أين الإنجازات التنموية التي طالما تغنى بها الاعلام التونسي وطبلت لها قوى الاستعمار حتى زعم جاك شيراك يوما ان تونس معجزة تنموية ؟ هل هناك دلائل أكبر من هذه على أن الطواغيت يزوّرون كل شيء : نتائج الانتخابات والأرقام التنموية وحتى وعي الانسان لا يسلم من تزويرهم ... وأين القوى الدولية التي راهنت على زعزعة النظام الايراني من الداخل عقب الإنتخابات السابقة بحجة دعم المعارضة الديمقراطية ؟ لم خنست ولم تتكلم إلا بعد هروب الطاغية لتقول على استحياء إتها تحترم إرادة الشعب التونسي ؟ إنه النفاق المزدوج والرعونة المركبة ، لقد سقطت الأقنعة وانقشع عنها الغبار ودقت ساعة الحقيقة . من اليوم وبعد الدرس التونسي يجب ان تدرك كل الشعوب والقوى الحية أن التغيير ينبع من الذات ولا مجال للمراهنة على أية قوى خارجية . كما يجب أن يدرك الطغاة أن مكر الله لا يؤمن ، وكذلك مكر الشعوب ، وأنه في زمن عولمة الصورة والإعلام الإلكتروني أصبح حادث بسيط كحادث البوعزيزي يمكن ان يفجر شرارة الغضب ، ويوقد شعلة الثورة المقدسة ، وأن زمن الحكم الأبدي والخلود في السلطة بلا حسيب ولا رقيب لم يعد متاحا ، فليغادروا بشرف وليتركوا للشعب كلمة الفصل ، وأن المراهنة على حماية قوى الإستكبار العالمي لم تعد مجدية ، فالطاغية يصبح ورقة محروقة بعد لفظ الشعب له لا يجد مأوى إلا إذا تكرم عليه أحد إخوانه من الطواغيت العرب في انتظار أن يمتد إليهم بدورهم طوفان الثورة الشعبية . فما أعظم الشعوب وما أجبن الطغاة .