سعيّد يتوجّه بهذه التوصيات لوزير الخارجية.. #خبر_عاجل    رئيس الجمهورية يؤكد ضرورة إعادة هيكلة عدد من المؤسّسات التي لا طائل من وجودها    أبرز ما جاء في لقاء رئيس الدولة بوزير الداخلية.. #خبر_عاجل    صواريخ إيرانية تضرب مستشفى "سوروكا" في بئر السبع وتخلف أضرارا بالغة وإصابات    بلومبيرغ: واشنطن تستعد لاحتمال توجيه ضربة لإيران خلال أيام    هجوم صاروخي كبير على تل أبيب وبئر السبع    جيش الإحتلال يعلن اغتيال قائد مدفعية "حزب الله"    كأس العالم للأندية 2025: الهلال السعودي يفرض التعادل على ريال مدريد الإسباني 1-1    كأس العالم للأندية 2025: يوفنتوس الإيطالي يمطر شباك العين الإماراتي بخماسية    كأس العالم للأندية: العين الإماراتي يسقط أمام يوفنتوس بخماسية    كأس العالم للأندية : هزيمة قاسية للعين الإماراتي على حساب جوفنتوس (فيديو)    كأس العالم للأندية: سالزبورغ يتصدر محموعته بفوز صعب على باتشوكا    تشكيلة العين الإماراتي ضد يوفنتوس الإيطالي    الخارجية الإيرانية.. قادرون على مواجهة العدوان الإسرائيلي المدعوم أميركيا    بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة "قافلة الصمود"    لجنة الاشراف على الجلسات العامة والمنخرطين بالنادي الافريقي - قبول القائمة الوحيدة المترشحة برئاسة محسن الطرابلسي    مصر.. الشرطة تحبط مخططا واسعا لتهريب أسلحة نارية إلى البلاد    تونس – مصر : نحو شراكة معززة في قطاع الصحة    وزارة التعليم العالي تفتح مناظرة لانتداب 225 عاملا..التفاصيل..    اليوم انطلاق مناظرة ''النوفيام''    صندوق الضمان الاجتماعي ينفي    نابل...وفاة طفلة غرقا    فرْصَةٌ ثَانِيَةٌ    الإعلاء    سأغفو قليلا...    محمد بوحوش يكتب: عزلة الكاتب/ كتابة العزلة    الإعلان عن المتوجين بالجائزة العربية مصطفى عزوز لأدب الطفل    معهد باستور: تراجع مبيعات لقاح السل وتوقف بيع الأمصال ضد لسعات العقارب ولدغات الأفاعي وداء الكلب    شركة "إيني" الإيطالية تعزز استثماراتها في قطاع المحروقات بتونس    من جوان وحتّى سبتمبر 2025: الشركة التونسيّة للملاحة تبرمج 149 رحلة بحرية    مدير عام الامتحانات: استكمال إصلاح اختبارات البكالوريا    في الرشقة الأخيرة: إيران تستخدم صواريخ "أسرع من الصوت".. #خبر_عاجل    الليلة: أمطار متفرقة محليا غزيرة بالشمال الشرقي والحرارة تتراوح بين 20 و29 درجة    وزارة الفلاحة تدعو كافّة شركات تجميع الحبوب إلى أخذ كلّ الإحتياطات اللاّزمة والإستعداد الأمثل للتّعامل مع التقلبات الجوية المرتقبة    بنزرت: العثور على جثة طفل ملقاة على الطريق    مشاركة اكثر من 500 عارض في النسخة الاولى لمهرجان تونس للرياضة    نابل: مخاوف من تفشي مرض الجلد العقدي ببوعرقوب وإدارة الإنتاج الحيواني تؤكد تلقيح كافة القطيع مع الاستجابة المستمرة للتدخل في حالات الاشتباه    عاجل : أنس جابر تطيح بالمصنفة الخامسة عالميًا وتتأهل لربع نهائي برلين    الكاف: اليوم انطلاق توزيع مادتي القمح الصلب والقمح اللين المجمّعة على المطاحن (المدير الجهوي لديوان الحبوب)    18 اعتداء ضد الصحفيين خلال شهر ماي..    الموسيقى لغة العالم ، شعار الاحتفال بعيد الموسيقى    عاجل/ تطورات جديدة في قضية مقتل المحامية منجية المناعي..    عجز ميزان الطاقة الاولية لتونس يرتفع بنسبة 10 بالمائة مع موفى أفريل 2025    عرفها التونسيون في قناة نسمة: كوثر بودرّاجة حيّة تُرزق    عاجل - يهم التونسيين المقبلين على الزواج : وزارة الصحة تصدر بلاغا هاما    هام/ هذه أسعار السيارات الشعبية في تونس لسنة 2025..    المنستير تتقدم: زيادة في الإقبال السياحي وتطوير مستمر للخدمات    تونس تُصدر زيت الزيتون إلى أكثر من 60 دولة    بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة "قافلة الصمود"    علاء بن عمارة يصل إلى تونس    الحماية المدنية تتدخل لإخماد 198 حريقاً خلال 24 ساعة فقط    عاجل/ آخر مستجدات أخبار قافلة الصمود..    تونس تتسلم دفعة تضم 111 حافلة جديدة مصنعة في الصين    3'' حاجات'' لا تخرج من المنزل بدونها فى الطقس الحار    انخفاض في درجات الحرارة... وهذه المناطق مهددة بالأمطار    نسبة امتلاء السدود بلغت حاليا 55 بالمائة    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونس تلقّننا الدروس
نشر في الحوار نت يوم 16 - 01 - 2011

نشرت في المدّة الأخيرة ثلاثة مقالات عن " الفرعونيّة "، أوّلها عنوانه " الفرعونيّة: صفاتها نهايتها "، انتهيت فيه بعد التحليل إلى أن الاستبداد في ربوع بلادنا العربية آيل إلى السقوط والاندثار، وهاهي تونس تؤكّد ذلك وتؤسّس لعهد الانعتاق من أنظمة القمع الشموليّة.
وكان المقال الثاني بعنوان " الفرعونيّة والقابليّة للاستخفاف " ، وفيه تحميل المسؤوليّة للشعوب الّتي تحمل الهزيمة في نفوسها فتجعل التربة مهيّئةً للأنظمة الطاغوتيّة، ولو تحلّت بالوعي والشجاعة لكانت هي الأقوى ولعصفت بالمتسلّطين عليها العابثين بمصيرها المنتفخين – كذباً وزوراً – انتفاخة الأسود ، بينما هم في الحقيقة مظنّة الجبن والخور، وهاهي انتفاضة أحرار تونس تنقل هذه الحقيقة من عالم التجريد إلى عالم الواقع.
أمّا المقال الثالث فكان " الجهاد المدني في وجه الفرعونيّة "، وجاءت الثورة الجماهيرية التونسيّة تبصم على ما ذكرت فيه من وجوب الانخراط القويّ الفعّال في النشاط التغييريّ السلميّ بكلّ أشكاله بعيداً عن حمل السّلاح الّذي لن يؤدّيّ إلاّ إلى سفك المستبدّين للدّماء وطول بقائهم وإرهاق الأمّة بمزيد من الفتن والفساد والخراب.
وكتبت مقالاً منفصلاً ينضح غيرة على الأمّة المظلومة ويقطر دماً ممّا فعلت بها الفرعونيّة المعربدة ، لكنّه في نفس الوقت مفعم بالأمل المستند إلى سنن الله في الخلق، كان بعنوان " يا مسلم، يا عربيّ، قل لا للاستبداد "، واليوم وقد فرّ طاغيّة تونس، قال لي أحد الإخوة العرب الّذين قرؤوه: " يبدو أنّ التونسيّين هم الّذين قرؤوا مقالك ولسنا نحن "، فحمدا لله الّذي يملي للظالم حتّى إذا أخذه لم يفلته، والّذي ينصر المظلومين ولو بعد حين .
وأريد أن أشير في هذا المقام إلى بعض النّقاط الّتي أرى أنّها على جانب كبير من الأهميّة :
1.دور علماء الدين: عندما اشتدّ القمع البوليسيّ على المنتفضين وسقط الضحايا الأبرياء بالعشرات لم يجد مفتي الجمهوريّة في تونس ما يفتي به سوى تحريم صلاة الجنازة على محمّد البوعزيزي الّذي أحرق نفسه فأطلق بذلك شرارة الانتفاضة الشعبيّة، لم ير المفتي من المحرّمات والمنكرات سوى هذا الفعل البائس اليائس ، وغاب عنه ظلم الحكّام والفساد السياسيّ والماليّ والبطالة المنتشرة إلى جانب الثروات الضخمة المكتسبة من الحرام بالإضافة إلى التضييق الشديد على التديّن حيث اشتهر النظام التونسيّ بحظر الحجاب مهما كان شكله وملاحقة الشباب الملتزم بأداء الصلاة.
هذا المفتي نموذج لعالم السوء الّذي يقدّم مرضاة وليّ نعمته على مرضاة الله تعالى، ينحاز إلى الظلم ويركل المظلومين فيكون فتنةً للناس حتّى يكاد بعضهم أن يفقدوا الثقة – ليس فيه وحده – ولكن في الإسلام ذاته ، وهذا مع الأسف دأب فقهاء السلاطين الّذين ينحازون لهم بدل الانحياز لشعوبهم واحتضان قضاياهم وقيادة ركبهم نحو الحريّة والكرامة والعزّة ، كما كان شأن العلماء العاملين أمثال سعيد بن جبير الّذي واجه الحجّاج بن يوسف ، والعز بن عبد السلام الّذي أخضع أمراء المماليك لأحكام الشرع رغم أنوفهم، وابن تيميّة الّذي قاد الجهاد ضدّ التتار الغزاة في الشام حين خار حكّامها وفرّوا بأرواحهم وتركوا رعاياهم، وما أمر آية الله الخميني عنّا ببعيد.
لكنّ الفراعنة يحيطون أنفسهم دائماً ببطانة من رجال الدّين المأجورين الضعاف المهازيل بغرض إضفاء الشرعيّة على سيّاستهم الظالمة وقهرهم للناس، فقد برّأ سيّد طنطاوي – مثلاً – النّظام المصريّ من أيّ مسؤوليّة عن غرق السفينة وانزلاق التربة اللّذين أوذيا بحياة خلق كثير وقال إنّ ذلك قضاء وقدر، بينما كان تقصير الدولة صارخاً، أمّا في الجزائر فقد ألقى خطباء التيار السلفيّ خطبةً موحّدةً أثناء الأحداث الأخيرة التي ثار فيها الشباب وأحرقوا وخرّبوا بسبب ارتفاع الأسعار – من بين أسباب أخرى - قالوا فيها إن غلاء الأسعار ليس وراءه سيّاسة الحكومة بل ذّنوب المواطنين ومعاصيهم ، أي أنّ هؤلاء " العلماء " لا يكتفون بالسكوت وإنّما ينطقون بالباطل ، بناء على ثقافة متأصلّة كلّها خضوع للحكّام واستسلام وجبرية ، تستصحب اتّهام الشعوب المسلمة وتكفيرها لأدنى ذنب مع تبرئة جانب الجلاّدين والتماس الأعذار لهم ، فلا بدّ أن تأخذ الأمّة هذا المعطى بعين الاعتبار وهي تتحسّس التغيير الجذري حتى لا يغدر بجهادها المدني ونضالها السلمي باسم الإسلام .
وفي هذا الإطار أؤيّد فكرة الدكتور خالص جلبي حين نادى – منذ أيام – فضيلة الشيخ القرضاوي ليتولّى قيادة الجماهير لما يتمتّع به من مصداقية وشخصية مؤثّرة وسيرة نظيفة تجعل كلمته مسموعة لدى الأمّة بقدر ما يبغضه أكثر الحكّام .
2.استثمار أحداث تونس شعبيا : يجب إبلاغ النظام الرسمي العربي رسائل واضحة قويّة تنبّهه على الحقائق التّى يغمض عينيه عنها منذ أحقاب من الزمن ، وقد رأى أنّ الحماية الخارجية لم تغن بن علي شيئا ، فقد تخلّت عنه فرنسا وأمريكا رغم خدماته الجليلة لهما ، وحتّى مخبؤه السعودي لن يجيره من المحاسبة ، وبمجرّد استعادة تونس للاستقرار سوف تبادر إلى استرجاعه ومقاضاته وطنيا أو دوليّا ، وقد أصبحت العولمة تتيح ذلك بسهولة.
ولا بدّ أن يفهم هذا النظام والكيانات السياسية والثقافية والإعلامية الدائرة في فلكه أن لا مجال بعد الآن للتحليلات السياسية أو أنصاف الحلول وأن تخفيض الأسعار بعد رفعها ، فالجماهير تغيّر وجهتها تماما ولا تقبل بنضال البيانات الصحفية ولا ترضى بالتحرّك في إطار القواعد التي وضعها النظام نفسه با تريد الإنتفاض عليها لتغييرها جذريا وبعث حياة سياسية حقيقية ، كما يجب أن تفهم المعارضات بكلّ أطيافها أن التنديد بالاستبداد تجاوزه الزمن وحان وقت إزالة الاستبداد شعبيا وسلميا ولكن نهائيا ، فهو لم يعد أهلا لأن يعطي اعتمادا لحزب أو إذنا بمسيرة فضلا عن يلبّي رغبات الشعوب في أيّ مجال وبأيّ شكل.
3.المستقبل المشرق: أمّا التخويف من الفراغ الذي ستعاني منه تونس بعد فرار الطاغية والفوضى التي ستعمّها فهي دعاية استخباراتية فاشلة لأن بلداننا تعاني من الفراغ والفوضى من قديم وبسببهما تثور الجماهير، أجل ستمرّ تونس بمخاض عسير ومراحل صعبة لكنّها بالتأكيد تجاوزت الأصعب عندما أطاحت بالطاغية وستتعافى من غير شكّ وتتلمّس طريقها نحو العدل والأمن والرخاء والاستقرار حين تقضي على أركان النظام البائد وتحتضن رموزها الإسلامية والوطنية النزيهة وتنطلق في عملية بناء الدولة والمجتمع على أسس توافقية ، والبلد يملك نخبا ذات مستوى رفيع ستظهر كفاءتها في أجواء الحرية التي نتمنّها لتونس الشقيقة.
وقد مرّت بلاد كثير بمثل ما تعيشه تونس هذه الأيام وتعافت منه ، حدث هذا عندما فرّ
شاه ايران وعند الإطاحة بطاغية اندونيسيا – سوهارتو – ولمّا أرغم تشاوشيسكو على الفرار ، بل أكثر من ذلك كله هناك مثال الإتحاد السوفييتي الذي انهار من غير سابق إنذار واستطاعت الشعوب هناك أن تتجاوز المرحلة وتتعافى .
الأمل معقود على تونس التي لقنّتنا دروسا بليغة لتثبت لأنظمة الحكم أنها ضعيفة وللشعوب العربية والإسلامية أنّ الأمر بيدها والله معها ، وعسى بلاد الزيتونة أن ترجع سريعا إلى عمقها العربي الإسلامي بعد التغريب الذي شوّه صورتها ، وأن تصبح قبلة للأحرار بعد أن حوّلها الطاغية إلى مرتع للصهاينة وماخور للعربدة والرذيلة.
عبد العزيز كحيل / الجزائر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.