أبطال إفريقيا: الكاف يكشف عن طاقم تحكيم مواجهة الإياب بين الترجي الرياضي والأهلي المصري    انقلاب "تاكسي" جماعي في المروج..وهذه حصيلة الجرحى..    سليانة: تخصيص عقار بالحي الإداري بسليانة الجنوبيّة لإحداث مسرح للهواء الطلق    غرفة القصابين: تكلفة كلغ ''العلّوش'' تتجاوز ال 45 دينار    فيديو.. الممثل ستيفن سيغال في استقبال ضيوف حفل تنصيب بوتين    مخاوف من اختراق صيني لبيانات وزارة الدفاع البريطانية    عاجل: اعتقال تونسي صرخ "الله أكبر" داخل قطار في فرنسا..وهذه التفاصيل..    أريانة: الشروع في إزالة مظاهر الانتصاب الفوضوي بمفترق سيدي عمر بمعتمدية روّاد    يومي 10 و 11 ماي:تونس تحتضن بطولة إفريقيا للجمباز.    تونس تسيطر على التداين.. احتياطي النقد يغطي سداد القروض بأكثر من ثلاثة اضعاف    منظومة الاستثمار: نحو مناخ أعمال محفز    اتصالات تونس تنخرط في مبادرة "سينما تدور" (فيديو)    تونس : 6% من البالغين مصابون ''بالربو''    فتوى تهم التونسيين بمناسبة عيد الاضحى ...ماهي ؟    باكالوريا: كل التفاصيل حول دورة المراقبة    وزارة التربية تنظم حركة استثنائية لتسديد شغورات بإدارة المدارس الابتدائية    المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك: "أرباح القصابين تتراوح بين 15 و20 دينار وهو أمر غير مقبول"    متى موعد عيد الأضحى ؟ وكم عدد أيام العطل في الدول الإسلامية؟    لاعبة التنس الأمريكية جيسيكا بيغولا تكشف عن امكانية غيابها عن بطولة رولان غاروس    أستاذ إقتصاد :'' وضعيتنا مع صندوق النقد غير مرضية ..''    الرابطة الأولى: النجم الساحلي يفقد خدمات أبرز ركائزه في مواجهة الترجي الرياضي    الليلة في أبطال أوروبا ...باريس سان جرمان لقلب الطاولة على دورتموند    ماذا يحدث بين محرز بوصيان ووزير الشباب و الرياضة ؟    البرلمان : إنطلاق التصويت على مناقشة قضية المهاجرين    عدد من المناطق التابعة لولاية بنزرت تشهد اضطرابا في امدادات المياه بداية من العاشرة من ليل الثلاثاء    عاجل/ أمطار أحيانا غزيرة تصل الى 60 مم بهذه الولايات بعد الظهر..    المتلوي: مروج مخدّرات خطير يقع في قبضة الأمن    الكشف عن وفاق إجرامي قصد اجتياز الحدود البحرية خلسة    حوادث: 13 حالة وفاة خلال يوم واحد فقط..    يدرّب أفارقة في العامرة .. إيقاف مدرّب «كونغ فو» سوداني    في قضية رفعها ضده نقابي أمني..تأخير محاكمة الغنوشي    «فكر أرحب من السماء» شي والثقافة الفرنسية    الفنان بلقاسم بوقنّة في حوار ل«الشروق» قبل وفاته مشكلتنا تربوية بالأساس    مشروع مصنع ثلاثي الفسفاط الرفيع المظيلة على طاولة الحكومة    الخارجية تجدد رفض تونس القاطع إقامة منصات عبور أو توطين للمهاجرين غير النظاميين    رئيسة قسم أمراض صدرية: 10% من الأطفال في تونس مصابون بالربو    بعد إطلاق منصة مشتركة مع ليبيا وتونس.. وزير الداخلية الإيطالي يعلن تحرك عالمي لوقف تدفقات الهجرة غير النظامية    عاجل- قضية الافارقة غير النظاميين : سعيد يكشف عن مركز تحصل على أكثر من 20 مليار    إشارة جديدة من راصد الزلازل الهولندي.. التفاصيل    البطولة الانقليزية : كريستال بالاس يكتسح مانشستر يونايتد برباعية نظيفة    عاجل/ هجوم على مستشفى في الصين يخلف قتلى وجرحى..    هزة أرضية بقوة 4.9 درجات تضرب هذه المنطقة..    سيدي حسين: مداهمة "كشك" ليلا والسطو عليه.. الجاني في قبضة الأمن    أولا وأخيرا .. دود الأرض    مشروع لإنتاج الكهرباء بالقيروان    في لقائه بخبراء من البنك الدولي: وزير الصحة يؤكد على أهمية التعاون المشترك لتحسين الخدمات    اتصالات تونس تنخرط في مبادرة 'سينما تدور'    بمناسبة اليوم العالمي لغسل الأيدي: يوم تحسيسي بمستشفى شارل نيكول حول أهمية غسل الأيدي للتوقي من الأمراض المعدية    فيديو/ تتويج الروائييْن صحبي كرعاني وعزة فيلالي ب"الكومار الذهبي" للجوائز الأدبية..تصريحات..    تصنيف اللاعبات المحترفات:أنس جابر تتقدم إلى المركز الثامن.    الفنان محمد عبده يكشف إصابته بالسرطان    نسبة التضخم في تونس تتراجع خلال أفريل 2024 الى 2ر7 بالمائة في ظل ارتفاع مؤشر أسعار الاستهلاك    الفنان محمد عبده يُعلن إصابته بالسرطان    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنّان بلقاسم بوڨنّة    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورة الياسمين والنموذج التونسي في التغيير
نشر في الحوار نت يوم 16 - 01 - 2011

أربع أسابيع تمر على تونس، وعبرها تغير البلد، مشهد جديد بدأ ينسج أطرافه، الشعب التونسي مرّ من هنا! قصة بدأت سنة 1987 وموعد جديد مع التغيير، الرئيس السابق بلغ من العمر عتيا، وقضية خلافته فرضت على أهل السرايا الدخول في عراك وتقاسم للأدوار، ودخلت البلاد في مرحلة فوضى وحالة ما قبل الثورة. كانت الحركة الإسلامية الأكثر وجودا وعددا وتنظيما على الساحة رغم مواجهتها مع سلطة بورقيبة، وكان الداخل والخارج ينتظر حدوث تغيير وكان للإسلاميين شوط وسبق في هذا المشوار، في ظل تخبط سياسي وخوف من سقوط البلاد في فوضى عارمة، وأصبحت تونس على كف عفريت.
في يوم 7 نوفمبر استفاق التونسيون على صوت من جهاز الأثير لم يكونوا متعودين به، كان المواطن التونسي متعودا على سماع مدائح وأذكار في تمجيد الرئيس السابق الحبيب بورقيبة كل صباح مباشرة بعد القرآن الكريم وانطلاق برامج الإذاعة، صوت جديد يعلن تنحية الرئيس السابق لأسباب صحية بعد اتفاق مجموعة من الأطباء، يقال أن بعضهم أخرج من فراشه على عجل، انقلاب أبيض، انقلاب من داخل القصر، ثورة بيضاء أو هكذا يراد تسويقها. أقسم على المصحف بأنه يفتح عهدا جديدا للتونسيين كل التونسيين ليعيشوا حياة الرفاه والمسؤولية، لا ظلم بعد اليوم، لا رئاسة مدى الحياة بعد الساعة، رُفعت الأقلام وجفت الصحف.
منهجية جديدة في التغيير والتمكين، لم تسل فيها قطرة دم واحدة، منهج جديد اصطبغ بلغة حضارية في التعامل مع نظام سابق ، أقيل بورقيبة في عملية استيلاء على السلطة في مشهد هادئ، ووقعت مرافقته إلى مأواه الجديد خارج قصر قرطاج لتنتهي قصة دامت أكثر من ربع قرن بين "المجاهد الأكبر" اللقب الذي صنعه لنفسه و فرضه على الجميع، وبين شعب رافقه في رحلة طويلة كانت بكل الألوان.
حاكم تونس والحقيقة المرة
كانت المنهجية الجديدة في التغيير فردية خالصة وجديدة، وفتحت عهد التغيير على يد لامست المصحف وعلى تشوّف شعب بكل أطيافه إلى الحرية والإنعتاق، وعلى علاقة مع الحاضر غاب فيه الجمهور، ولكن السلطة الجديدة حملت عهودا ووعودا لإنقاذ البلاد نحو منازل الحرية وكرامة الإنسان.
لم تمر سنتان حتى دخلت البلاد في نفق مظلم وسنوات من الجمر، ضُربت الحركة الإسلامية وشُردت واستأصلت، عشرات الآلاف من الأسر وقع تهميشها وإفقارها، وطُبقت خطة مريعة لتجفيف منابع التدين في البلاد، ثم تلاه تكميم للحريات وأُنزل ستار حديدي على تونس، أصبح فيه مجرد التذمر من غلاء السلع موقفا سياسيا يحاسب عليه حسابا عسيرا.
ثلاث وعشرون سنة مرت على تونس رُفعت فيها يافطات النجاح الاقتصادي على مستنقعات من الحريات المفقودة واعتداءات على حقوق الإنسان، وكما ذكرت في مقالتي المنشورة على هذا الموقع [بين الاقتصاد والسياسة تونس على صفيح ساخن] كانت المعجزة الاقتصادية بالونة عضمت موقع الإنتاج رغم هشاشته على حساب التوزيع الذي جعل مناطق بأكملها تعيش بؤسا وفقرا مدقعا، في ظل تعتيم إعلامي رهيب. وكانت بداية النهاية عبر قطيعة هيكلية تتضخم مع الأيام بين نظام يعيش على الفساد والمحسوبية، وشعب يتطلع إلى الحرية ورفاهة مادية مقبولة، ودخلت على الخط الأسر المقربة وأهل القصر وذويه، وتقاسم الجميع ثروات البلاد بكل غطرسة وبدون حرج، على وقع بطالة وفقر وبؤس وفقدان لمواطنة كريمة وحقوق الإنسان، حتى انفجر التنور وفاض الماء وكانت الانتفاضة والتي لا تزال تستوطن المكان والزمان...
في مساء الرابع عشر من شهر يوليو جويلية سنة 1789 وقع سجن لاباسطي في أيدي المنتفضين على حكم الملكية في فرنسا، فأسرع دوق دو ليانكور لإعلام الملك لويس السادس عشر بذلك فقال له الملك هي انتفاضة؟ فأجابه الدوق بطريقة استشرافية : لا يامولاي إنها ثورة!
الأحداث في تونس تسارعت بشكل غير مسبوق، والدماء تسيل والشهداء يتساقطون والرصاص يجوب الديار والأحياء. انتفاضة بدأت، انتفاضة سارت وثورة تصير...صور تملأ المواقع الاجتماعية والفضائيات، شعارات ترفع، رموز تسقط، يافطات تُنشَر، أصابع تتهم، ودماء تسيل، الشعب قال كلمته... كتبها بحبر أحمر لا يمحى، التاريخ ثنى ركبتيه احتراما، شعوب العالم تنظر إليه من ثقب بابها الصغير...تونس حلم يتحقق، تونس مخاض فولادة جديدة.
إرادة الشعب لا تقهر، هكذا جسدته صدور الشباب والكهول، الرجال والنساء، إرادة الشعب التونسي فعل ونظر، صبَرَ الشعب التونسي حتى قالوا خنوع، سَكَتَ حتى نعتوه بالشاذ، انسحب حتى ظنوه ميتا والأموات لا تعود...
انحنى للعاصفة حتى لا ينكسر، لاطفها رافقها ابتسم لها، حتى إذا مرت انتصب قائما، تراكمت المآسي حتى زعموا أنه المأساة، استغلوا سماحته فدخلوا دياره ضيوفا ثم سلبوه البيت وأثاثه وتركوه يلتحف السماء ويفترش الأرض! عصابات شر طرقت بابه، أسر وطبقة حاكمة استحوذت على كل شيء يمكن أن يسعده وأن يبني مستقبله، حتى بلغ الزبد الربى وفاض الكأس، وكانت انتفاضة الكرامة.
رسائل غير مشفرة للثورة
كانت الانطلاقة مجسدة في حادث غريب على العقلية التونسية وثقافة البلاد، شاب في مقتبل العمر وصاحب شهادة عليا يشعل في جسده النار يأسا وحسرة على وضع يشاركه فيه عشرات الآلاف من شباب تونس، ومن نار جسد فرد مرمي في طرف خال من تراب تونس، عمت النيران كل أرجاء البلاد ودخلت الثورة كل بيت ولم تنطفئ حتى غادر الرئيس السابق البلاد تاركا الأمر مفتوحا على المجهول بعد أم روى أرضها بدماء شعبها الزكية.
لعل الرسالة الأولى الذي تبعثها ثورة الياسمين إلى العالم ومن ورائها إلى العالم العربي خاصة، أنها جددت وأكدت مقولة أن للحرية ثمن، والتونسيون دفعوا ثمنها باهضا جدا 100 شهيد أو يقاربون، مئات من الجرحى وعشرات الأسر المنكوبة والمكلومة.
أما الرسالة الثانية، فإن درجة وعي الشعب وثقته في نفسه ولد عفوية في انطلاق الثورة وجنبها التوظيف السياسي والانتهازية والحسابات الخاصة والطموحات الفردية، رغم أن هذه الإيجابية لها محدوديتها حين تبلغ المراحل المتقدمة من الثورة حيث يبرز دور النخبة الواعية.
أما الرسالة الثالثة فهو الموقف المبدئي من الاستبداد، فقد حسمت الجماهير التونسية أمرها وحددت هدفها وهو رئيس البلاد وحاشيته ونظامه، والعمل على تنحيته. ولعل الدرجة المتقدمة لوعي الجماهير التونسية والتي شخصنت الصراع لعلمها أن كل النظام والسلطة مركزة في فرد، وإذا سقط الرئيس فإن كل البناء ينهار.
أما الرسالة الرابعة فهو التشبث بالمطالب ووضوح الخطاب، وعدم قبول أي مساومة أو حوار أو قبول بأنصاف الحلول، أو تريث يعطي للإستبداد لحظات من الراحة يستعيد فيها أنفاسه، فالتصعيد كان السمة التي برزت من خلال ثورة الياسمين التونسية، والتي جعلت الاستبداد يُصعّد درجات الترويع فيقع في فخ التصعيد ولا يتورع عن القتل.
أما الرسالة الخامسة فهو تلاحم كل شبر من الوطن مع بعضه البعض، فالشرارة الأولى انطلقت من وسط البلاد لتشمل بعد أيام كل جهاتها. وهذا التوزيع المنهجي جعل الاستبداد يشتت قواه ويقع في فخ ضرب الثورة في كل مواقعها، فتوزع الدم المراق بين الجهات، مما جعل جميع أفراد الشعب وجهاته معنيين بالتغيير والمواجهة.
ثورة الياسمين وإشارات على الطريق
ولكن الثورة لم تنته والأخطار المحدقة بها بدأت تبرز من أول لحظة لكتابة الخارطة السياسية الجديدة لتونس، تساؤلات كثيرة تفرض نفسها وتستدعي الكثير من الحذر ودرجة كبيرة من الوعي.
فالتأكيد على الغياب المؤقت والتعذر الوقتي للرئيس السابق عند تسلم السلطات الجديدة يفتح عديد التساؤلات، لماذا مؤقت، هل ينوي العودة، وإذا نواها فهل كل ما حدث كان مبرمجا ومهيأ مسبقا حتى يهدأ الوضع، وهل هو خرق جديد للدستور في أول أيام هذه الثورة المباركة؟.
ثم يأتي الحديث عن تواصل السلطة وبنفس الوجوه مع غياب رأسها فقط، يفتح على الثورة خطر الالتفاف عليها، فتعود حليمة إلى عادتها القديمة ولكن من الباب الخلفي وفي جنح الظلام.
إن الهبوط الهادئ للثورة على أرضية قديمة غير مجددة، وفي مشهد سياسي قديم يفقدها بريقها وحجمها ويدفعها نحو المجهول. فالحديث عن حكومة ائتلاف أو إنقاذ تتنزل في نفس السياق القديم تجعل التساؤل مشروعا، فهل هو إنقاذ للنظام القديم أم هو إنقاذ للجماهير من هذا النظام نفسه؟
إن المرحلة القادمة خطيرة ونوعية، وتتطلب درجة وعي قصوى من الجماهير التي يجب أن تعلم أن ثورتها لم تنته، وأن الثمن مازال مرتفعا، فالأجندات الخارجية والداخلية لم تسحب أوراقها، والطبقة الموالية موجودة ولا يجب إنكارها حتى وإن قل عددها، والمصالح الموزعة كثيرة ويجب أخذها بالاعتبار.
إن الحل الوحيد المتاح للجماهير التونسية حتى لا يقع الاستحواذ والالتفاف على ثورتها، هو عدم مغادرة الشارع، ففي الشارع ولدت الثورة ولو بفتيل من نار شوى جسد محمد بوعزيزي رحمه الله، وفي الشارع تتحدد معالمها ونهايتها. وعلى النخبة الصادقة والواعية أن تثني الركب وتلتحم بشعبها ولا تلقي عليه التحية والدروس من عليائها، ولكن أن تتعلم، وتكون في مستوى مطالبه وتضحياته، وأن تستجيب لسقوفها المرتفعة وتشوف أفراده للحرية ومنازل العدل.
إنها انتفاضة شعب ولكنها ثورة الجميع، "إنها ثورة يا مولاي" ثورة ياسمين، ريح طيبة مرت، تسللت من نعوش على مرمى باب الجنة، قالت للظلم كفى، قالت للاستبداد تنحى، قالت للجميع، موصولة بشاعر بلادها الفذ، "إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر".
المصدر: مراسلة من موقع اللقاء الاصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net
الدكتور خالد الطراولي
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.