أحمد الجزيري: لا إضراب عام في البنوك نهاية ديسمبر... والموظف البنكي أصبح تحت خط الفقر    نيويورك وشيكاغو في قلب عاصفة ثلجية وفوضى في المطارات    وزارة التربية تنشر روزنامة اختبارات الامتحانات الوطنية للسنة الدارسية 2025 /2026    المجلس الجهوي لهيئة الصيادلة بتونس ينظم الدورة 13 للايام الصيدلانية يومي 16 و17 جانفي 2026 بتونس    رئيس البرلمان يفتتح مهرجان زيت الزيتون بتبرسق    كشفها الحكم المؤبّد على قاتل طالبة جامعية في رواد ... صفحات فايسبوكية للتشغيل وراء استدراج الضحايا    استراحة الويكاند    الإتفاق خلال جلسة عمل مشتركة بين وزارتي السياحة والفلاحة على إحداث لجنة عمل مشتركة وقارة تتولى إقتراح أفكار ترويجية ومتابعة تنفيذها على مدار السنة    الليلة: أمطار أحيانا غزيرة بهذه المناطق والحرارة تتراجع إلى 3 درجات    عاجل: 30 ديسمبر آخر أجل لتسوية المطالب الخاصة بالسيارات أو الدراجات النارية (ن.ت)    رئيس مجلس نواب الشعب يشرف على اجتماع المكتب    صلاح يهدي مصر «المنقوصة» فوزا شاقا على جنوب إفريقيا وتأهلا مبكرا إلى ثمن نهائي كأس إفريقيا    فيليب موريس إنترناشونال تطلق جهاز IQOS ILUMA i في تونس دعماً للانتقال نحو مستقبل خالٍ من الدخان    وزارة الفلاحة تدعو البحّارة إلى عدم المجازفة والإبحار الى غاية إستقرار الأحوال الجويّة    نصيحة المحامي منير بن صالحة لكلّ تونسية تفكّر في الطلاق    صادم/ كهل يحتجز فتاتين ويغتصب احداهما..وهذه التفاصيل..    قرقنة تكشف مخزونها التراثي: الحرف الأصيلة تحول إلى مشاريع تنموية    أيام القنطاوي السينمائية: ندوة بعنوان "مالذي تستطيعه السينما العربية أمام العولمة؟"    توزر: تنشيط المدينة بكرنفالات احتفالية في افتتاح الدورة 46 من المهرجان الدولي للواحات    قائمة أضخم حفلات رأس السنة 2026    سعر غرام الذهب سيصل الى 500 دينار..!    السعودية.. الكشف عن اسم وصورة رجل الأمن الذي أنقذ معتمرا من الموت    موضة ألوان 2026 مناسبة لكل الفصول..اعرفي أبرز 5 تريندات    وزارة التربية تنظّم يوما مفتوحا احتفاء بالخط العربي    4 أعراض ما تتجاهلهمش! الي تتطلب استشارة طبية فورية    صادم : أم تركية ترمي رضيعتها من الطابق الرابع    هام/ الشركة التونسية للملاحة تنتدب..#خبر_عاجل    الكاف : عودة الروح إلى مهرجان صليحة للموسيقى التونسية    عملية طعن في اليابان..وهذه حصيلة المصابين..#خبر_عاجل    ممثلون وصناع المحتوى نجوم مسلسل الاسيدون    مقتل شخصين في عملية دهس وطعن شمالي إسرائيل    تونس والاردن تبحثان على مزيد تطوير التعاون الثنائي بما يخدم الأمن الغذائي    نجم المتلوي: لاعب الترجي الرياضي يعزز المجموعة .. والمعد البدني يتراجع عن قراره    بداية من شهر جانفي 2026.. اعتماد منظومة E-FOPPRODEX    القيروان: حجز كمية من المواد الغذائية الفاسدة بمحل لبيع الحليب ومشتقاته    محكمة الاستئناف : تأجيل النظر في قضية "انستالينغو" ليوم 09 جانفي القادم    عاجل: هذا ماقاله سامي الطرابلسي قبل ماتش تونس ونيجيريا بيوم    جندوبة: انطلاق اشغال المسلك السياحي الموصل الى الحصن الجنوي بطبرقة    عاجل/ انفجار داخل مسجد بهذه المنطقة..    بُشرى للجميع: رمزية 2026 في علم الأرقام    إهمال تنظيف هذا الجزء من الغسالة الأوتوماتيك قد يكلفك الكثير    كرة اليد: الترجي الرياضي يستأنف قرار قرار مكتب الرابطة    عاجل: المعهد الوطني للرصد الجوي يعلن إنذار برتقالي اليوم!    تونس: مواطنة أوروبية تختار الإسلام رسميًا!    أفضل دعاء يقال اخر يوم جمعة لسنة 2025    تونس : آخر أجل للعفو الجبائي على العقارات المبنية    نابل: حجز وإتلاف 11طنا و133 كغ من المنتجات الغذائية    عاجل : لاعب لريال مدريد يسافر إلى المغرب لدعم منتخب عربي في كأس الأمم الإفريقية    هام/ كأس أمم افريقيا: موعد مباراة تونس ونيجيريا..    البحث عن الذات والإيمان.. اللغة بوابة الحقيقة    كأس أمم إفريقيا "المغرب 2025": برنامج مقابلات اليوم من الجولة الثانية    مصر ضد جنوب إفريقيا اليوم: وقتاش و القنوات الناقلة    الرصد الجوّي يُحذّر من أمطار غزيرة بداية من مساء اليوم    استدرجها ثم اغتصبها وانهى حياتها/ جريمة مقتل طالبة برواد: القضاء يصدر حكمه..#خبر_عاجل    عاجل/ قتلى وجرحى في اطلاق نار بهذه المنطقة..    أبرز ما جاء لقاء سعيد برئيسي البرلمان ومجلس الجهات..#خبر_عاجل    روسيا تبدأ أولى التجارب للقاح مضادّ للسّرطان    ترامب يعلن شن ضربة عسكرية على "داعش" في نيجيريا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طوبى لك يا بو عزيزي.. المجد والخلود لثورة 14 جانفي (يناير)
نشر في أوتار يوم 29 - 01 - 2011

يا أم بو عزيزي.. لم أستطع كبح جماح دموعي وأنا أقرأ كلماتك : «شمعة داري وولدي اللي يخدم عليّ راح».. نعلم "غلاوة" الإبن على الأم.. لكن زغردي يا أماه.. فقد أغلاه الله (أي جعله غالياً)
.. الطوبى له (أي الفرحة وقرة العين والغبطة والسرو.. تنتهي بالجنة).. مبروك لك شهادة ولدك.. لا تظني وحدك.. فكل أمهات العراق وثكلاه معك؛ وأولهن أمي التي اغتالوا ابنيها وشردوا آخرين.. كلهن وكل أمهات أحرار العالم ينثرن على ابنك "الغالية"؛ (وهو نوعٌ من الطِّيب مركَّب من مِسْكٍ وعَنْبَرٍ وعُودٍ ودُهْنٍ).. لأنه درة أغلى الرجال..
يا أم بو عزيزي.. يا أم طارق (هو اسمه الحقيقى فى بطاقة التعريف الوطنية).. يا أم "محمد بسبوس" (اسم شهرته) الذي رافقه منذ كان طفلا لأنه حنون جداً وقريب من كل أفراد العائلة.. زغردي يا أماه.. لأنه مثلما ضحى في حياته بدراسته الجامعية للإنفاق عليك وعلى شقيقته ليلى فى كلية الآداب.. ضحى بروحه الطاهرة من أجل شعب تونس.. تونس حرة.. تونس الخضرا.. بعدما أصبح الناس مشغولين بالفرار إلى الخلق.. وهو وكلّ الشهداء يفرون إلى الله..
زغردي يا أماه.. نعلم أن بسبوساً يعيل عائلة بسيطة وفقيرة فى مدينة سيدي بوزيد؛ ليست لديها أملاكاً سوى قوتها اليومي.. كان يعاني منذ 7 سنوات من قهر أعوان البلدية، بقيادة فادية حمدى (آنسة عمرها 35 سنة) ومساعدها صابر؛ يصادران بضاعته من الخضروات مرتين في الأسبوع.. ونعلم أن فادية صفعته على خده، وسدد له صابر عدة ركلات.. وضرباه على أنفه حتى انفجر بالدم عندما حاول اللحاق بهما فى مقر البلدية.. ونعلم أنه صعد إلى مكتب الكاتب العام للبلدية ليتقدم بشكاية، ورد عليه قائلاً «يا مسخ متكلمنيش» (بالتونسية تعنى يا قذر لا تحدثني).. ونعلم أن المحافظ رفض استقباله.. لذا دخل في فردوس "ممن لا يأبه بهم".. وهؤلاء هم من ملوك الجنة فقد جاء في الحديث: "ألا أخبركم عن ملوك أهل الجنة ؟. قالوا: بلى، يا رسول الله. قال: كل ضعيف أغبر ذي طمرين لا يُؤبه له، لو أقسم على الله لأبرَّه"..
زغردي يا أماه.. محمد بسبوس (مواليد 29 مارس 1984) كان مستوحشاً غريباً في أرضه كملايين العرب، وإن ازدحمت من حوله المواكب، يعيش بين الناس ولسان حاله يقول:
أنا في أمة تداركها الله.................................... غريب كصالح في ثمود
يا أم بو عزيزي.. أقبِّل قدميك.. زغردي يا أماه.. ما بكيت مثلما بكيت وأنا أكتب لك هذه الرسالة.. ليس فقط لأني أحب تونس.. وشعب تونس.. بل أيضاً لأن بسبوساً أطلق الشرارة الأولى للثورة، فشعرتُ لأول مرة بأني نصف عربي.. أقول نصف عربي.. لأني سأقول أنا عربي.. عندما تثور شعوب العرب مثلما ثار شعب تونس.. في ثورة الشعب.. ثورة الحرية والكرامة.. وليست ثورة المطالب لأن الشعب التونسي ليس متسولاً.. ثورة المستضعفين.. ثورة الخبز.. ثورة الجياع.. ثورة الياسمين... ثورة ليس وراءها رجل وإنما وراءها شعب.. ثورة شعب غُيِّب صوته وطُمست أخباره خلال 23 سنة جالساً القرفصاء في زنزانة ابن علي.. ثورة 78 شهيداً (100 حسب مصادر الأمم المتحدة) و 94 جريحاً في خمسة أسابيع مظلمة.. وما قبلها كثير..
يا أم بو عزيزي.. هنيئاً لشعبكم.. ها هي مباركة الرب لكم.. "وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ"..
زغردي يا أماه.. محمد بسبوس فجَّر للعرب روح الثورة بجسده الطاهر.. بعد أن أصبح نشيدنا "بلاد الغرب أوطاني".. بدلا من "بلاد العرب أوطاني".. ونحن نطفة في بطون أمهاتنا.. نذرف دموعاً على ما يسمى - مجازاً بلاد العَرَب - نرعد فيها ولا نمطر.. ندخل الحروب ولا نخرج.. نلحس رجل الخليفة.. من أجل حفنة تمر.. وندعو له حتى في جماعنا لنسائنا.. لزيفنا الديني ولنفاقنا.. وهكذا.. كثُر نعي العرب وهم أحياء، وأصبح التبرأ من أمة العرب أمر شائع بين الشباب، لأنهم يرون أنفسهم خارج حلبة التاريخ.. لذا صدق قول الشاعر العراقي مظفر النواب في العرب:
"لن يبقى عربي واحد
إن بقيت حالتنا هذي الحالة
بين حكومات الكسبه
يا شرفاء مهزومين
ويا حكاماً مهزومين
ويا جمهوراً مهزوماً"..
زغردي يا أم بو عزيزي.. محمد بسبوس أعطى العرب جرعة مقويات وشجاعة.. بعد أن كان فتح الفم ممنوعاً فيك يا وطن.. وحمى بو عزيزي تقض مضاجع الطغاة.. وخوف يعتري الزعماء العرب من حمى الإنقلاب في تونس.. وموجة إشعال النار في النفس بدأت تجتاح بعض الدول العربية من مصر إلى موريتانيا، مروراً بالجزائر إلى السعودية، تيمناً بالبطل التونسي محمد بوعزيزي.. والمظاهرات تجتاح مصر والأردن واليمن والجزائر.. والخلود للشهداء..
زغردي يا أم محمد.. ولا يضرنّكِ فتاوى وعاظ السلطان.. فهؤلاء فقهاء تحت الطلب، مرتزقة الطغاة.. لأنهم من أعمدة حكم الظلمة جنب السيف.. لذا فإن وعاظ السلاطين وصناعة الفتاوى من أسباب تخلف العرب.. يبررون للطغاة ماشاؤوا.. حتى خدروا الشعوب.. بحيث أصبح الخروج على هذا الأمر من قبيل الزيغ والضلال.. "أمام غشوم خير من فتنة تدوم".. "الحاكم ظل الله على الارض".. "أدوا إليهم حقهم واسالوا الله حقكم".. وكأن الله قد أختص الحاكم العربي برعايته أما رعيته فللويل والثبور لهم.. وهم كالأنعام بل أضل سبيلا..
فأولئك الذين أطلقوا حكما بتكفير محمد لأنه أضرم النار في نفسه.. ومنها فتوى مفتي الجمهورية التونسية الذي حرم الصلاة عليه.. هم أنفسهم الذين يبعثون شباناً بعدما غسلوا عقولهم حيث تنتظره 72 حورية!، وسلموهم مفاتيح الجنة !، ليفجروا أنفسهم حطبا لجهنم لقتل أبناء الشعب العراقي الأبرياء.. إن غضب المظلوم تفتح له أبواب السماوات، وهو معذور في كل ما يقدم عليه..
كما سبق أن أفتوا إدانة وتحذيراً من الإقدام على الإضراب عن الطعام، بزعم أنه إلقاء الناس بأنفسهم إلى التهلكة.. كما أفتوا تجريماً للتظاهرات التي تخرج إلى الشوارع بدعوى أنها تؤدي إلى تعطيل مصالح المسلمين.. وهو نفس التجريم الذي يدان به معارضة الأنظمة المستبدة والتمرد عليها، بزعم أن ذلك من شأنه إثارة الفرقة والفوضى في دار الإسلام.. وفي نهاية المطاف تدعو هذه الفتاوى حث الناس على الرضا بالقهر والظلم، وتصرفهم عن تحدي الظلم وإنكار منكراته وفواحشه..
وقد تعامل الحكام العرب بحذر مع إنتفاضة التونسيين، خوفاً على عروشهم المتهاوية.. وتجنباً لما حدث في تونس، سوريا تقرر زيادة دعم أسعار النفط، لتكميم الأفواه.. كما قامت بمنع خاصية الدردشة على موقع فيسبوك من خلال الهواتف المحمولة، كما حظرت الدخول على الصفحة الرئيسية لفيسبوك ومواقع أخرى.. مثلما قامت حكومة مبارك بحجب موقعي فيسبوك وتوتير والإنترنيت والإتصالات.. ورغم قرار حظر التجوال في كافة محافظات مصر اليوم.. يتحداه الشعب في ثورة شعبية مشرفة في يوم الغضب (28/1/2011).. موريتانيا تطلق برنامجا للتخفيف من معاناة مواطنيها، لإخراس صوت الشعب.. الأردن تعلن خطة لخفض الأسعار، لإمتصاص غضب الشعب.. السلطات المغربية منعت وبشكل رسمي مظاهرة كانت تعتزم التنسيقية المغربية لمساندة الشعب التونسي تنظيمها أمام مقر السفارة التونسية في العاصمة الرباط.. كما تعرض القذافي لإنتقاد قاسٍ في تونس بسبب موقفه المؤيد لابن علي بعيد سقوط نظامه، مما غذى مخاوف من محاولة سعي طرابلس الى زعزعة "ثورة الياسمين".. الأحداث في تونس تبعث موجات من القلق عبر الجزائر في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة تهدئة المطالب الشعبية ومنع المزيد من الاضطرابات، وبالرغم من ذلك، تواصلت الدعوة إلى المزيد من المظاهرات بلا هوادة..
كما لعب عالم التدوين أو جمهورية المهمشين: مواقع يوتيوب، فيس بوك، تويتر، دوراً بارزاً في إنتفاضة تونس.. فقد غمرت أصداء الثورة التونسية آلاف صفحات المدونين حيث يمتزج فيها الحماس والأمل والإفتخار بالخوف والحذر.. وأنها أصبحت ذات تأثير، ليس فقط في التواصل بين الناس لكنها غيّرت قناعات وأفكار الكثير من الفتيات والشباب..
زغردي يا أم محمد بسبوس.. نعلم أن المعروف في قبيلة الهمامة أن الذي تضربه امرأة يلبسونه فستاناً.. ومحمداً يزَّفه شعب تونس كل يوم بمظاهرته الحاشدة.. الأحرار وعشاق الثورة يحجون لمدينة سيدي بوزيد..يترحمون على محمد بو عزيزي.. يتشرفون بطلعتك البهية.. هناك في مكان إستشهاده.. آجلا أم عاجلاً سيقيمون نصب الحرية.. شبان يشعلون الشموع تكريماً للشهداء في العاصمة تونس.. ها قد وصلت إلى العاصمة تونس (23/1) "قافلة التحرير" من الجهات الداخليّة التي كانت مهداً لثورة الياسمين، وشعارها حل الحزب الحاكم ورحيل الحكومة اللاّشرعية.. وسط زغاريد النساء.. ودخلوا شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي الذي يشهد تظاهرات يومياً، قبل أن يتجمعوا أمام وزارة الداخلية حيث رفعوا صورة ضخمة لمحمد البوعزيزي.. وها رجل مُسنّ اتشح بعلم تونسي يقول: "جئنا من منزل بوزيان ومن سيدي بوزيد والرقاب لإسقاط بقايا الديكتاتورية"..
هَلْهِلي يا حبيبة.. ولتزغردْ معك كل أمهات شهداء تونس.. فشعب تونس العظيم، وعلى رأسهم شهداؤهم، لقنوا الظلمة والطواغيت أول درس في تاريخ العرب: إسقاط الإستبداد، وبقي عليهم متآزين الشوط الثاني: بناء دولتهم يداً بيدٍ، وعدم التفريط بقيم الديمقراطية التي حققتها تونس في مسيرتها.. وألا يسمحوا لأحد إختطاف الثورة.. أو حصاد ثمارها.. والإستمرار بالإنتفاضة دون المساس بمؤسسات الدولة لأنها ملك الشعب ولا أملاك الشعب.. وأن يقطعوا كل يد أجنبية تتدخل في شؤونهم.. وألا تتعرض الشرطة والجيش لإنتفاضة الشعب بل تساندهم وتحفظ النظام..
المجد لجيش تونس.. طالما لم يكن سيفاً ضد الشعب بيد الطغاة، بل يكون حصنا ودرعاً للوطن.. ومما يفرح إعلان الجنرال رشيد عمار (24/1/2011)؛ قائد القوات البرية في الجيش التونسي بتعهد الجيش بحماية الثورة والمواطنين وتونس.. كما إنضمت تشكيلات من مختلف قوات الأمن التظاهر بالشوارع الرئيسية للعاصمة.. لذا يبدي التونسيون فخراً بقوات الجيش التي رفضت إطلاق النار على المتظاهرين، ويسارع الكثيرون نحو دبابات الجيش لوضع باقات الورود على فوهاتها، بينما يتجه الكثيرون نحو الجنود لتقبيلهم.. وعلى الجيش والشرطة ألا يسمحوا لقتلة الشعب العراقي وأشباههم بالتسلل إلى تونس.. مهما كان مسمياتهم.. وأن ينقضوا عليهم بلا هوادة ولا رحمة..
يا أمهات تونس.. زغردْنَ كلّ غروب الشمس أينما كنتنَّ.. حتى يرتعب طغاة العرب وتتهاوى عروشهم.. فقد دخل شعب تونس التأريخ من أوسع أبوابه.. يقول الفنان وعازف العود التونسي لطفي بوشناق رداً على القذافي: "هذه الثورة كلفتنا الدماء ولسنا بحاجة للنُصح من أحد.. الشعب التونسي حقق الكثير بإعتماده على أسلوب الثورة.. دخلنا التأريخ من أوسع أبوابه بهذا الإنجاز، وسوف ندخله مرة أخرى بعد التأسيس لتونس جديدة مبنية على أساس العدل والمساواة، وكل معاني السلام والديمقراطية، التي افتقدها الشارع التونسي بشكل يجعلها مثالاً وقدوة حسنة"..
هَلْهِلنَ يا حبايب.. ثورة الأحرار سندرّسها في كل المدارس والجامعات.. ثورة قصمت ظهور فراعنة العرب.. فرّ الديكتاتور ابن علي إلى جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً غير مأسوف عليه.. فرَّ ولم يستطع ولا حتى حمل حقيبة سفره.. ساركوزي يرفض دخول ابن علي إلى فرنسا، وتأويه جدة، بعد أن استولى على السلطة في 7/11/1987، قبل أن تسقطه إنتفاضة تونس الشعبية في 14 كانون الثاني/ يناير 2011.. مذكرة طلب دولية بحق ابن علي وزوجته إلى الإنتربول للقبض عليه.. محمد الغنوشي؛ رئيس الوزراء المؤقت، أبلغ ابن علي إستحالة عودته إلى تونس.. أفراد (22/1/2011) من عائلتة ولوا هاربين إلى مونتريال.. ثم أعتقل الشقيق الأكبر لزوجة ابن علي ونجليه في مونتريال.. وضع اثنين من مقربي ابن علي قيد الإقامة الجبرية فيما يجري البحث عن ثالث.. إعتقال 33 من اقرباء الرئيس السابق للاشتباه بارتكابهم "جرائم بحق تونس"..
زغردن يا نساء تونس.. ما حقق شعبكم في فترة خمسة أسابيع يعادل ما حققه العرب في 50 سنة.. أعضاء "حكومة الوحدة الوطنية" التي تتولى مؤقتا تسيير شؤون تونس، قدموا استقالاتهم (الخميس 20 يناير) من حزب التجمع الدستوري الديموقراطي.. محمد الغنوشي سيتخلى عن كل نشاط سياسي بعد الفترة الإنتقالية.. غاب الدعاء للرئيس المخلوع عن صلاة الجمعة.. وزارة الشؤون الدينية التونسية دعت كافة الأئمة الخطباء في جوامع البلاد الى إقامة صلاة الغائب "ترحما على أرواح شهداء ثورة الشعب.. الدولة ستستعيد الممتلكات المنقولة وغير المنقولة للتجمع الوطني الديموقراطي".. البنك المركزي أصبح الآن يسيطر على بنك الزيتونة الذي يملكه صخر الماطري زوج ابنة الرئيس المخلوع.. دول الإتحاد الاوروبي اتفقت على مبدأ تجميد أموال ابن علي وأقاربه..
قانون بالعفو العام.. إطلاق سراح المعتقلين السياسيين.. منح الإجازة القانونية للأحزاب السياسية المحظورة.. الإفراج عن 1800 معتقَل من السجناء السياسيين (19/1/2011).. خسائر بقيمة ثلاثة مليارات دينار (1,6مليار يورو، ملياران و150 مليون دولار) للإقتصاد التونسي.. 71 لقوا مصرعهم من المساجين أثناء هروبهم.. 7500 فروا من السجن.. بدء الحداد الوطني الرسمي في ذكرى ضحايا الثورة التونسية يوم الجمعة (21/1/2011) ولمدة ثلاثة أيام.. إضراب عام مفتوح (27/1/2011).. تشكيل حكومة مؤقتة بعد إستبعاد وزراء ابن علي السابقين...
زغردي يا أم الشهيد.. سيكتب التأريخ رسالة ولدك بحروف من ذهب.. وستكون من معلقات العرب الخالدة: «مسافر يا أمي، سامحني، ما يفيد ملام، ضايع في طريق ما هو بإيديا، سامحني كان (إن كنت) عصيت كلام أمي. لومي على الزمان ما تلومي عليّ، رايح من غير رجوع. يزّي (كثيرا) ما بكيت وما سالت من عيني دموع، ما عاد يفيد ملام على زمان غدّار في بلاد الناس. أنا عييت ومشى من بالي كل اللي راح، مسافر ونسأل زعمة السفر باش (أن) ينسّي».
يا شعب تونس العظيم.. لقد أعطيتم نموذجاً فريداً للتغيير في العالم، وهي تجربة فريدة ومشجعة ورائدة.. أتاك الفرج يا أمة العرب.. بعد عقود من الذل والسغب.. على أيدي حكام من قصب.. تفرّ كالجرذان عند الخطب.. سلاما على تونس.. سلاما على شعب تونس..
نحن مزهوون بنصركم.. فرحون بتحرركم.. حتى أمواتنا فرحون.. فقد مات نزار قباني (1923-1999) وهو يرثي العرب في قصيدته الذائعة الصيت "متى يعلنون وفاة العرب ؟":
"أنا... بعْدَ خمسين عاماً
رأيتُ العروبةَ معروضةً في مزادِ الأثاث القديمْ
ولكنني.. ما رأيتُ العَرَبْ !!.."
ويرد عليه غازي القصيبي قبل وفاته (2010):
"نزار أزف إليك الخبر
لقد أعلنوها وفاة العرب"
وإنّا نقول لهما: نزار ! غازي !.. التوانسة قد أعلنوها بعث العرب.. بعد أن بعث الله فيهم روح شاعرهم العظيم أبي القاسم الشابي محققين حلمه الخالد في النصر، ولم ينسوا وفاة محمد بو عزيزي، يوم الثلاثاء 4 يناير 2011:
إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَاةَ فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَدَر
وَلا بُدَّ لِلَّيْلِ أنْ يَنْجَلِي وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَنْكَسِر
وَمَنْ لا يُحِبّ صُعُودَ الجِبَالِ يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَر
الدكتور جاسم العبودي
في 28/1/2011
هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.