في إطار تغطيتها للأحداث الجاريّة بالبلاد بعد هروب الطاغية الجنرال بن علي وضمن برنامج فضاء حرّ استضافت التلفزة التونسيّة اختصاصي تونسي في علم النفس لتحليل حالة الغضب التي تسود الشارع التونسي رغم حدوث ما يسمّى بالتغيير ، وبعد أن أكّد الضيف في أكثر من مرّة على ملازمة الهدوء كشرط لعودة الحياة إلى طبيعتها ، مشيدا في الوقت نفسه بتمتّع الطاقم الحكومي الجديد بقدرات وكفاءات عاليّة دون التطرّق إلى مسؤولياتهم الحكوميّة في العهد البائد ، أشار إلى أنّ ما يحصل اليوم في الشارع التّونسي هوّ نتيجة طبيعيّة لانعدام فضاءات الحوار في العهد السّابق ، وأنّ القناة الوطنيّة بفتحها المجال لمداخلات المواطنين سوف تمتصّ تلك الشحنات التي يرى أنّها ستزول بعد وقت قصير ، وشبّه تلك الحالة بامرأة متخاصمة مع زوجها . وقد نسي الضيف التونسي أو ربّما تناسى أوأرغم على النسيان بأنّ الشّعب التّونسي قد بلغ درجة من الوعي والنضج لا يمكن الرّجوع به إلى العهد البائد . وعلى صعيد آخر فإنّ التلفزة الوطنيّة كما أطلق عليها أصحابها هذه التسميّة قد تجاهلت الحديث عن حركة النّهضة التّونسيّة كقوّة وطنيّة وما تعرّض له أبنائها من تشريد وتعذيب وتنكيل ، واقتصر الحديث في الغالب على بعض الإيحاءات الخجولة المقرونة بالتخويف . ونحن إذ نتطرّق لهذا الجانب من الموضوع فليس من باب الإستعطاف لأنّنا نعلم جيّدا أنّ هؤلاء الصّحافيين مع بعض الإستثناءات بالطبع قد امتهنوا التملّق والتزلّف ومارسوا النّفاق السيّاسي على مدى عقدين من الزّمن . وفي جانب آخر يتعلّق بدور القناة والذي كان من المفترض توجيه الرأي العام وإعلامه بحقيقة تطوّرات الأوضاع فقد كان مجمل الحديث لهذا اليوم الأحد 23 جانفي 2011 زرع الأحقاد وإثارة الفتنة والنعرات ، عبر تسريبات مغلوطة تتعلّق بمجلة الأحوال الشّخصيّة الغاية منها تشويه التيار الإسلامي والمقصود به حركة النهضة التونسيّة ، بيد أنّ مجمل التدخّلات كانت في معظمها تلامس الواقع عبر التطوّرات المتسارعة في المشهد السياسي التونسي وهو ما يشير إلى القطيعة التّامة بين المناوئين والمغالطين من أهل المهنة والوطنيين المخلصين الأحرار . بقي أن نشير في الأخير إلى أنّ ثورة الياسمين والتي لم يدرك بعض صحافي " قناة تونس7الجديدة " مدلولات هذه التسميّة ، فإن المقصود بذلك أنّ الثورة لم تستعمل الذخائر الحيّة ولا القنابل المسيلة للدموع لمواجهة قوات القمع ومليشيات الحزب الحاكم ، ولم تتسبّب في قتل أحد ، بل جعلت من ثوابتها ركائز لتنطلق منها إلى غاياتها وآفاق أهدافها ، متلائمة مع معطيات الواقع وسنن التغيير. ولعلّ انطلاقاتها الثوريّة هيّ التي جعلتها ترفض أن تدور أو أن تكون أسيرة لسياسات أو تحالفات مشبوهة ، لذلك صوّبت رماحها لتسقط النظام وأزلامه ، ولتفتح لنفسها أبوابا متسعة تستوعب بالتجربة منهجا تشقّ به طريقها نحو الحريّة والكرامة . لذلك ظلّت إرادة جماهير الثورة منتصرة وانهزمت معها قوى الطّغيان ، لا بل أصبحت ناقوسا يأذن بميلاد فجر جديد تتغيّر فيه موازين القوى وملامح التحكّم الكوني لصالح الجماهير ، وكأنّها بداية ميلاد تغيّر التّاريخ .