أرض العرب.. تتكلّم «تونسي» صابر سميح بن عامر في ثاني ربيع الأول من عام 897ه ما يوافق الثاني من يناير/ شباط 1492م قام الملك أبو عبد الله محمد الصغير –سامحه الله- بتسليم غرناطة آخر معاقل دولة الإسلام في الأندلس إلى الملك فرديناند الخامس بعد حصار خانق دام تسعة أشهر. منذ ذاك التاريخ والعرب مضطهدون، منكوبون وفي أقصى حالات الإنتفاضية يشجبون، نبراسهم في كل ذلك كلمة ألفناها وحفظناها جيلا بعد جيل ملخّصها الإنبطاحي: "مات الملك، عاش الملك"! تعاقبت دول، وتغيّرت الأديولوجيات، وتعدّدت السياسيات، والحال هو الحال رئاسة دائمة مدى الحياة وتوريث غاشم للكراسي، ومن لم يكن معنا فهو ضدّنا. أكثر من سبعة قرون مرّت والناس هم الناس مهما اختلفت ثقافاتهم وثقافتهم وثقتهم التي لا تتزحزح مطلقا بقانون النار والسلاح الموجّه ضدّهم عنوة وقصرا في أولي الأمر منهم. الى أن حصلت المعجزة ذات شتاء ساخن في تونس الثورة الشعبيّة الاستثنائيّة، ليهبّ الشارع دون قيادة لا هي بسياسيّة ولا بإديولوجيّة ولا طائفيّة صارخا بصوت واحد موحّد لا لنظام أحادي بعد اليوم. وانتشرت الثورة وصدّرت الى كافة الموانئ العربيّة المحكومة بقانون الحدود الجمركيّة، فما عاد الحرس والعسس والموالون قادرين على تكبيل كلمة "لا" فينا وبكلّ أراضينا.. سقط القناع وتكشّفت الحقائق والتجاوزات والانتهاكات بفضل شيئين لا ثالث لهما، بل وبثالث لهما، هما أوّلا: "تكنونولوجيا الديجتل وثورة الأنترنت" وأخيرا ارادة الشعوب في التغيير وتقرير المصير. فسارع أولو الأمر منّا من الماء الى الماء ودون استثناء، في العمل على تحقيق المطالب الشعبيّة بالاصلاحات الدستوريّة وفتح الملفّات السريّة للتجاوزات الانتهاكيّة في كل المجالات الحياتيّة والاعتراف بالفساد والمحسوبيّة والرشاوى المتغلغلة في الجسد العربيّ الواحد، علّهم بذلك يُنقذون ما يُمكن انقاذه مُنتفضين على أنفسهم بأنفسهم قبل أن تنقضّ شعوبهم عليهم.. فتنازل الزعماء، جلّ الزعماء، دون سابق انذار ولا اعلام عن رئاستهم الأبديّة وتوريثهم التراتبيّ للزعامة السرمديّة للأبناء والأحفاد. ومهما يكُن الأمر لمن استتبّ له الأمر ومن انتزع منه الأمر والنهي في قياداتنا العربيّة طويلة الأمد، فإن المرحلة الحاليّة في أوطاننا العربيّة هي مرحلة مفصليّة في تاريخ الإنسانيّة عنوانها الأبرز: "لا"، بعد أن عاشت مجتمعاتنا العربيّة لسنوات اضطهاديّة لا تعرف من الكلمات القطعيّة سوى "نعم". "لا" وألف "لا" للقمع والطغيان بعد الآن، بل مليون "لا" للحكم الأحادي الأزليّ، والتأليه الاعتباطيّ لأولي الأمر منّا، وأربع مئة مليون "لا" بعدد سكّان الوطن العربيّ الكبير للمحسوبيّة و"الشلليّة" واقتسام "طورطة" الأوطان بين فُلان وعلاّن والملايين جياع. ولتحضر "نعم" شامخة، صامدة، أبيّة مُساندة للديمقراطيّة والتعدديّة الحزبيّة والإرادة الشعبيّة، فالأسماء آفلة والأوطان خالدة. وقديما غنّى سيّد مكّاوي: "الأرض تتكلّم عربي" واليوم يتكلّم العالم العربي من المحيط الى الخليج.. "الأرض تتكلّم ديمقراطيّة.. صنيعة تونسيّة".