مثلت الثورة التونسية فتحا مبينا لخطاب إعلامي وسياسي احتضنته فضاءات متعددة ، خطاب متنوع أحيانا،متكرر أحيانا أخرى،جامع تارة ،مفرق طورا آخر ،إلا أن المتابع للتصريحات والمناقشات والندوات عبر القنوات الإعلامية والصحف والاجتماعات الجماهيرية ولا أقول الفايس بوك يتساءل بداية : هل يساهم خطاب النخبة السياسية اليوم في صنع مستقبل مشرق للتجربة التونسية الديمقراطية؟ وبالتالي هل يتطور الفكر السياسي التونسي إلى أفق رحب يصنع ثقافة ديمقراطية بدل التوق إلى سياسة ديمقراطية يمكن أن تتهددها الممارسات الاجتماعية المنفلتة والخطابات الماضوية؟ هل في الخطاب السياسي اليوم ما يؤسس لنقلة نوعية في العقلية الثقافية للمواطن ؟ وإذا كانت الأحداث قد أثبتت أن شقا كبيرا من المواطنين برهنوا أثناء الثورة أنهم على قدر كبير من الوعي والجرأة بحيث لم يحتاجوا لتوجيه النخبة السياسية والفكرية فهل يثبتون أيضا اليوم أنهم أرقى خطابا وابعد نظرا من نخبة فقدت كثيرا من فاعليتها طيلة ثلاثة وعشرين سنة أو يزيد؟ وبالتالي هل يمكن أن يكونوا البوصلة التي تشير إلى الاتجاه السليم؟ ولعل فكرة شاعت منذ زمن طويل أن المثقف في قومه مرشد ودليل وان السياسي في بلده مخلص ومصلح وان الشعب في حاجة إلى هذا وذاك بل ويريدون اقناعنا ان المواطن البسيط في حاجة لمن يسهر على حماية مستقبله الحداثي... ولكنني الفت النظر إلى أن الحكمة ليست دائما قرينة المثقف وان الصلاح ليس مطلقا ديدن السياسي وهو ما يبرر لنا النظر في الخطاب السياسي والفكري للنخب التونسية وعلاقته بمشروع الثورة الشعبية. وهو مشروع لم يتأكد بعد أن ثمة توافقا صادقا على معالمه وأهدافه حتى يتيسر الحديث عن أولوية الانشغال بضرورة حمايته وهو أمر ضروري ، وحتى الحديث عن ميثاق وطني محدد معنويا على الأقل للممارسة السياسية اليوم وهو جزء هام من هذا الخطاب الذي أتناوله أراه رغم دلالته الايجابية مؤشرا نوعيا على أخطار محدقة بالمشهد السياسي التونسي فهل يخشى البعض ردة من شق سياسي معين ؟أم أن البعض يطمح للمصادرة على إرادة شعبية ستفرز بعد أشهر مجلسا تأسيسيا تناط له مهمة البناء لحياة ديمقراطية تشريعا وممارسة؟ ازعم بان الارتقاء بالخطاب الإعلامي ومفردات النقاش السياسي والفكري يمثل الأرضية اللازمة للمحافظة على المكاسب المشتركة للشعب التونسي لأنه يقدم الضمانة الحقيقية للمواطنين بمختلف انتماءاتهم على جدارة النخب السياسية بالمرحلة الخطيرة التي تمر بها البلاد،دون ذلك فان هذا الخطاب يقدم قرائن شاهدة على مناخ المكر والاستفزاز والكيدية ويؤسس بالتالي لثقافة اجتماعية وسياسية وإعلامية منحرفة ويوحي بان النخبة السياسية لازالت رهينة لثقافة دكتاتورية ،كيدية مستبطنة.احسب ان زمرة اللاهثين الى الامام في حاجة الى درس آخر يقدمه لهم هذا الشعب الاصيل واحسب انه سيفعل ذلك ،لان البعض الان يستخف بعقله ورشده وقدرته على التمييز بين الغث والسمين فينبري وصيا على الشعب قبل اختياره . وقد يرى البعض ان منطلق الخطاب السياسي بل والفعل السياسي أيضا في جزء كبير منه الخوف من خواء الباع وهو أهون من الكيد والوصولية ،الخوف منخواء الماضي وخواء الحاضر وخواء المستقبل ،وليس معنى ذلك أن هذا الخوف لا مبرر له وأن استحضاره اليوم غير مقبول ،كل هذا يبدو لي منطقيا ان كان خوفا من نوع آخر، فمن منا لا يخاف أن تقع انتكاسة إلى الظلم والاستبداد ،ومن منا لا يخاف نبش ثقافة وفكر مهملين ،غريبين عن واقعنا والهوس بتمريرهما باسم الدين أو باسم الحداثة ، يحق لكثيرين أن يحتاطوا من "كنيسة دينية" أو "كنيسة علمانية" ولذا فان التأسيس للمستقبل بلغة انفعالية ،نارية ،أو تهكمية مثل "الرجعيين" أو "الظلاميين" تقيم الإقصاء لا يخدم مشروع الثورة الوطني ، أقول: أي صوت من الشعب لا تعدمه مثل هذه التوصيفات وقد تغيره الحوارات الجادة والمقالات الراقية، فلما لا نستفيد من تجاربنا؟ وللنخبة السياسية والفكرية اليوم أقول: نظرة ثاقبة إلى الوراء ،الم يكن هذا الخطاب أو جزء منه يملأ عليكم أسماعكم وانتم بعد قيادات تلمذية أو طلابية أونقابية بل الم يكن هذا الخطاب اغنية يومية يرددها النظام السابق ومرت سنوات وما فعل هذا الخطاب شيئا ولذا فمن المفيد الخلوص إلى أن كيانكم الإنساني واعتباركم الوجودي والفكري وفعلكم السياسي والاجتماعي هو الذي يمنحكم الحق اليوم دون تلك اللغة فليكن خطاب المشهد السياسي والفكري والثقافي منفتحا،مرنا،مؤسسا لتربية اجتماعية ديمقراطية للمواطن والا فسيلفظكم المواطن والوطن .