بعد أزمة الكلاسيكو.. هل سيتم جلب "عين الصقر" إلى الدوري الاسباني؟    آخر ملوك مصر يعود لقصره في الإسكندرية!    قرار جديد من القضاء بشأن بيكيه حول صفقة سعودية لاستضافة السوبر الإسباني    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    قيس سعيد يستقبل رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم    قيس سعيد: الإخلاص للوطن ليس شعارا يُرفع والثورة ليست مجرّد ذكرى    ل 4 أشهر إضافية:تمديد الإيقاف التحفظي في حقّ وديع الجريء    جهّزوا مفاجآت للاحتلال: الفلسطينيون باقون في رفح    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    ماذا في لقاء رئيس الجمهورية بوزيرة الاقتصاد والتخطيط؟    أخبار النادي الصفاقسي .. الكوكي متفائل و10 لاعبين يتهدّدهم الابعاد    القبض على شخص يعمد الى نزع أدباشه والتجاهر بالفحش أمام أحد المبيتات الجامعية..    في معرض الكتاب .. «محمود الماطري رائد تونس الحديثة».. كتاب يكشف حقائق مغيبة من تاريخ الحركة الوطنية    تعزيز الشراكة مع النرويج    بداية من الغد: الخطوط التونسية تغير برنامج 16 رحلة من وإلى فرنسا    وفد من مجلس نواب الشعب يزور معرض تونس الدولي للكتاب    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    منوبة: الاحتفاظ بأحد الأطراف الرئيسية الضالعة في أحداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    انتخابات الجامعة: قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    اكتشاف آثار لأنفلونزا الطيور في حليب كامل الدسم بأمريكا    تسليم عقود تمويل المشاريع لفائدة 17 من الباعثين الشبان بالقيروان والمهدية    رئيس الحكومة يدعو الى متابعة نتائج مشاركة تونس في اجتماعات الربيع لسنة 2024    هذه الولاية الأمريكيّة تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة!    الاغتصاب وتحويل وجهة فتاة من بين القضايا.. إيقاف شخص صادرة ضده أحكام بالسجن تفوق 21 سنة    فيديو صعود مواطنين للمترو عبر بلّور الباب المكسور: شركة نقل تونس توضّح    تراوحت بين 31 و26 ميلمتر : كميات هامة من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    مركز النهوض بالصادرات ينظم بعثة أعمال إلى روسيا يومي 13 و14 جوان 2024    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    سيدي حسين: الاطاحة بمنحرف افتك دراجة نارية تحت التهديد    بنزرت: تفكيك شبكة مختصة في تنظيم عمليات الإبحار خلسة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    باجة: وفاة كهل في حادث مرور    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    عاجل/ هجوم جديد للحوثيين في البحر الأحمر..    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نصوص ومقالات صدرت في صحيفة "الوطن" العدد 87 الصادر في 29 ماي 2009
نشر في السياسية يوم 29 - 05 - 2009

فرنسا "تعاقب " الناشرين التونسيين لرفضهم التطبيع مع الكيان الصهيوني
تونس/الوطن
تساءل عدد من الناشرين التونسيين إن كان إيقاف برنامج الدعم الذي يقدمه "المعهد الفرنسي للتعاون بتونس" هذه السنة مرتبطا برفضهم المشاركة في معرض الكتاب بباريس الذي انتظم خلال شهر مارس 2008 ء وحضر فيه الكيان الصهيوني كضيف شرف.
وقالت صحيفة "الشروق" الصادرة يوم الثلاثاء الفارط إن عددا من الناشرين تقدموا بملفات إلى المعهد الفرنسي للتعاون بتونس لدعم منشوراتهم لكنهم فوجئوا بإيقاف برنامج الدعم بالنسبة لهذه السنة "لأسباب مالية" حسب مصادر في المعهد المذكور.
وتزامن إيقاف برنامج الدعم هذه السنة مع عدم مشاركة المعهد الفرنسي للتعاون بتونس في الدورة الأخيرة لمعرض الكتاب وهو تزامن فهم منه أن المعهد "يرد الفعل" على عدم مشاركة الناشرين التونسيين في معرض الكتاب بباريس السنة الفارطة و أن الأمر لا علاقة له ب"الأسباب المالية".
وكان الناشرون التونسيون قاطعوا معرض باريس للكتاب الذي انتظم خلال شهر مارس 2008 احتجاجا على استضافة الكيان الصهيوني في هذا المعرض كضيف شرف ، واعتبروا أن المشاركة هي بمثابة تطبيع مع هذا الكيان ، وهو الموقف ذاته الذي عبرت عنه عديد الشخصيات التونسية والعربية و عديد الاتحادات .
ومن ناحية أخرى كان الاتحاد الديمقراطي الوحدوي أصدر بيانا يوم 29 فيفري 2008 وجهه إلى الهيئات والمنظمات الثقافية التونسية والعربية حيّا فيه "كل الأطراف الرسمية والشعبية التي بادرت بمقاطعة المعرض وأعلنت عدم حضورها وإدانتها السياسة الفرنسية في هذا المجال. "
الرأي الآخر مشروع المقاومة وعقود الاستهداف الخارجي والفتنة الداخلية
بقلم : عبد السلام بوعائشة
من الوقائع المستجدة في ساحتي الفكر والسياسة العربية المعاصرة لمرحلة ما بعد دولة عبد الناصر وتراجع فاعلية المشروع القومي العربي وتوقيع "معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية"سنة 1979 صعود تيارين في الفكر والسياسة يستهدف كل منهما ملء الفراغ الذي تركته التجربة الناصرية فكرا وسياسة ومشروعا ويسعى لتسييد بدائله في معركة كسب الرأي العام على المستويين الرسمي والشعبي ويخوض في سبيل ذلك حروبا وصراعات عديدة :
التيار الأول اختزله شعار محمد أنور السادات الرئيس المصري السابق عندما قال في سياق الدفاع عن سياسته المرتهنة للقرار الأمريكي"إن99 ٪ من الحل بيد الأمريكان" وكان يعلن بذلك الشعار عن نهاية مرحلة المواجهة القومية والصراع مع المشروع الصهيوني والغربي الرأسمالي وبداية مرحلة جديدة من السلام والتعايش على قواعد التطبيع مع "إسرائيل" وفتح الحدود الاقتصادية والثقافية على الفكر اللبرالي الغربي والقطع مع كل خيارات المشروع القومي العربي لدولة عبد الناصر وحلفائها من العرب وقد استمر هذا التيار في التصاعد طيلة ثلاثة عقود جارفا في طريقه تراث التجربة الناصرية وانجازاتها السياسية والاقتصادية في الداخل المصري والخارج العربي والدولي ومن جملة ما جرفه مبدأ الصراع مع الصهيونية والرهان على الاشتراكية كخيار تنموي والتحرر من الاستعمار كقاعدة لأي بناء وطني والوحدة العربية كأساس للنهضة القومية وسعى في نطاق تحالفاته الخارجية للقضاء على كل بؤر التحرر العربي والممانعة القومية وقواها المنتشرة على امتداد الساحة العربية دولا وأحزابا ومنظمات وهتك كل قواعد الأمن العربي العسكرية منها والاقتصادية والسياسية والثقافية والتعليمية مما هيأ أوضاعنا لمزيد الاختراق والتدخل الخارجي والاستهداف الإقليمي والدولي الذي يعمل الآن على إعادة صياغة نظامنا العربي بالكامل على قواعد جديدة ليس من بينها السيادة الوطنية أو الخصوصية الحضارية أو الحقوق القومية ويمثل الوضع العراقي والفلسطيني والسوداني والصومالي واليمني واللبناني نموذجا سياسيا حارقا لمدى الاختراق الحاصل والتداعي المربك كما تمثل الأوضاع المعيشية لجموع الشعوب العربية نموذجا اقتصاديا لمدى تغلغل المصالح الأجنبية ونفاذ استراتيجياتها.
أما التيار الثاني فتمثله ما اصطلح على تسميته بحركات الإسلام السياسي التي شهدت صعودا فكريا وسياسيا وحركيا متزامنا مع صعود التيار الأول وإن كان لا يرفع ذات المبادئ والشعارات خاصة وهو المتهم باغتيال الرئيس المصري أنور السادات بل إن هذا التيار يطرح ذاته وخياراته بديلا أصوليا يستهدف صحوة إسلامية عالمية مركزها من المحيط إلى المحيط تنقل الصراع من دائرة الجغرافيا والاقتصاد والسياسة إلى دائرة العقائد الدينية وتخوض جهاد الكل الإسلامي في مواجهة الكل غير الإسلامي بقطع النظر عن الروابط القومية أوالطبقية أو الإجتماعية .وقد شهد هذا التيار صعودا لافتا بعد اغتيال السادات في مصر ونجاح معارك"الجهاد الإسلامي" في إلحاق الهزيمة بالجيش السوفياتي في أفغانستان وخاصة بعد بروز تنظيم القاعدة وعملياته المتنوعة في شتى أنحاء العالم والتي أعطته حضورا إعلاميا وعالميا بارزا دفع به إلى صدارة اهتمامات الرأي العام وجعله مصدر إلهام لجيل كامل من الشباب وجد في الإسلام حلا شاملا لكل مشاكله وقضاياه التاريخية العالقة وأطلق عليه جيل الصحوة الإسلامية.إنه ذات الجيل الذي يعقد اليوم آماله ويعتقد ضالته في حركة حماس وفي شباب المجاهدين والمحاكم الإسلامية في الصومال وحركة طالبان والجماعات الإسلامية في أفغانستان وباكستان وفي حزب الله في لبنان وفي حركة الإخوان المسلمين في كافة الدول العربية على اختلاف التسميات فيها وباختلاف مواقعها منها في السلطة وفي المعارضة ويملأ فضاءات الانترنت ومنابر المساجد ومنتديات السياسة وحقول العمل الجمعياتي دعوة للدين والمقاومة والجهاد حتى يعاد للدين نقاؤه وللدعوة صورتها الأولى. وازداد بريق الصحوة ألقا وتألقا مع إعلان المحافظين الجدد في أمريكا حربهم ضد الإسلام والمسلمين تحت ذريعة الحرب على الإرهاب والدفاع عن الحرية ومبادئ العالم الحر.
إن التزامن في صعود هاذين التيارين -رغم ما يحمله ظاهر كل مشروع من شحنة ايديولوجية وسياسية مناقضة للآخر تصل حدود التخوين والتكفير والإقصاء والقطيعة – صاحبه تراجع خطير في مستوى الأداء الحضاري والسياسي للمجتمع العربي ولدوله القائمة وأحدث انقسامات أفقية وعمودية بارزة في مجمل الأنسجة المكونة لهما تفاقمت في عديد الأقطار لتتحول إلى بؤر للفتنة والعنف والاقتتال غذتها التدخلات الخارجية واستراتيجيات الاستقطاب الإقليمي والدولي بغرض تفكيك الكيان الحضاري القومي للأمة العربية وإعادة صياغة وجودها على قواعد القبيلة والطائفة والمذهب والعرق مقدمة لاختراقات أعمق تستهدف صهر شخصية الإنسان العربي في منظومة الفكر والثقافة اللبرالية الغربية.
إن الصعود اللافت لهاذين التيارين المتناقضين وما راكماه على امتداد صراعهما كان من نتائجه المباشرة تداعي كل منظومات الحد الأدنى من العمل العربي المشترك(أين الجامعة العربية ?) وتداعي الوحدة الوطنية في أكثر من قطر(لبنان والسودان واليمن وفلسطين والصومال والعراق والكويت والبحرين وقد نضيف الجزائر والمغرب وموريتانيا) وتداعي منظومة الانتماء والولاء للهوية العربية الجامعة لمصلحة هويات فوق قومية(الهوية الدينية) أو هويات تحت قومية( الطائفة والمذهب )أو هويات قبل قومية(القبيلة والعشيرة والأسرة) أو هويات فردية منبتة عن جميع روابط التاريخ أو الجغرافيا( النزوع الفردي نحو عصابات الجريمة بأنواعها) ولا أرى أبلغ في التعبير عن حجم هذا التداعي من الهجرة الجماعية للشباب العربي عن كل قضايا أمته وقضاياه وهي هجرة تتخذ أشكالا متعددة منها الركون إلى التدين السلبي والمبالغة في طقوسه ومنها النزوع المدمن إلى عالم اللذة والحواس والحياة المادية ومنها الركوب إلى عالم الهجرة والموت في الآخر.
لست أريد في هذا السياق من عرض النتائج أن أناقش هذا المشروع أو ذاك كما أني لست بصدد الدفاع عن مشاريع أصبحت تاريخا وتراثا للجميع وإنما أردت أن أشير إلى خطورة تغافل أي مشروع بديل عن حقائق الواقع الاجتماعي والتاريخي للشعوب التي يسعى لخدمتها وتطوير حياتها لأن هذا التغافل أو التجاهل لا يمكن علاجه بالنوايا الحسنة أو بافتعال حقائق لا تستقيم في الواقع أو بالإصرار على محاولات إخضاع التاريخ لمنطق الايدولوجيا أو منطق المصالح الاقتصادية أو السياسية وهو ما عجزت تجارب عالمية عديدة عن تحقيقه كالفاشية والنازية والشيوعية والمركزية الأوروبية
من جهة أخرى أردت التأكيد على أن الأمة العربية برغم كل ما أصابها طيلة العقود الأخيرة ما تزال الحاضنة الأبرز لمشروع الممانعة والمقاومة والتحرير وهي الآن تدفع من رصيد نضالها التاريخي الطويل وبتضحيات شبابها المقاوم في العراق وفلسطين وفي كل ساحات الفعل الممانع فاتورة الجرائم والأخطاء المميتة التي ارتكبتها في حقها طوابير الهزيمة والاستسلام ومشاريع الفتنة والتقسيم المحمولة على برامج التدخلات الخارجية ومصالح الدول الكبرى.
من مكوّنات المشهد السّياسي الوطني: المُتشنّجون
بقلم: محمد رضا سويسي
تمثّل المحطّات السّياسيّة الكبرى على غرار الانتخابات التّشريعيّة والرّئاسيّة فترات ذروة في النّشاط السّياسي الوطني خاصّة بالنسبة للأحزاب المعارضة الّتي تستغلّ هذه الفترة لتسخير كلّ طاقاتها وإمكانياتها من أجل تحقيق جملة من المكاسب العاجلة المتمثّلة في الفوز بعدد من المقاعد في مجلس النواب أو الطويلة المدى بكسب المزيد من المنخرطين والأنصار والمتعاطفين. بينما تمثّل هذه المناسبات بالنسبة للحزب الحاكم مناسبة أخرى لرفع وتيرة العمل والنشاط حيث أنّ نشاطه مستمرّ على امتداد السّنة نظرا لما يتمتّع به من إمكانيات مادّية ولإمساكه بالجهاز الإداري والسياسي والإعلامي للدولة وتوظيفها لفائدته حتّى أن البعض ذهب لحدّ القول أنّ الحملة الانتخابيّة لهذا الحزب تنطلق يوم الإعلان عن نتائج الانتخابات السابقة أي بعبارة أخرى فإنّ كلّ أيام هذا الحزب حملة انتخابيّة.
إلاّ أنّ الحركة في مثل هذه المناسبات السّياسيّة لا تقتصر على الفاعلين المُباشرين من أحزاب معارضة وحزب حاكم وإنّما تمثّل فرصة أيضا لبقيّة القوى والمكوّنات السّياسيّة والمدنيّة للتّعبير عن مواقفها بواسطة طرق وأساليب تتفاوت وتختلف من جماعة إلى أخرى.
فنجد جماعة اختارت وضع المتفرّج من منطلق اليأس – سلفا – من كلّ إمكانية للتّغيير أو تحقيق مكاسب سياسيّة وطنيّة ولو محدودة مُعتبرة أنّ موقفها هو شكل من أشكال التّعفّف السّياسي وأنّ البقاء على حافة الملعب يخوّل لها مُشاهدة كلّ فصول وأشواط اللعبة دون أن يمسّهم من تعبها أو من تربة الملعب وطينه شيئا... وهو موقف قمنا بتناوله بالتّحليل والنقد في مقال سابق تحت عنوان "المتفرّجون".
كما نجد مجموعة أخرى دخلت اللعبة السّياسيّة لكن على غير القواعد المضبوطة لها سلفا على خلفيّة المحاولة والمصارعة من أجل فرض القواعد الّتي تتماشى مع رغبتها ومقاسها مُستغلّة في ذلك كلّ إمكاناتها الظّاهرة و"الكامنة؟!!"... مُراهنة على مُمارسة خطاب الإحراج تجاه السّلطة وبقيّة الأحزاب القانونيّة على حدّ سواء متّهمة موقف هذه الأخيرة القابل بقواعد اللعبة بالسّلبيّة والموالاة معتبرة نفسها القوّة الرّاديكاليّة الوحيدة والمعبّرة عن طموحات الشّعب.
أمّا المجموعة الثّالثة في هذا الإطار فهي مجموعة في الغالب غير متجانسة لا في الفكر ولا في المصالح كلّ ما يجمعها هو حالة من التّشنّج الأعمى الّذي يُصيبها مع اقتراب كلّ مناسبة سياسيّة أو وطنيّة فتختار لها المقاهي مقرّات وإطارا للعمل وتجعل من السّب المجاني والتّشكيك وإلصاق النّعوت والصّفات بالأفكار والأشخاص مادّة لعملها و"حركتها"، فهذا الحزب عند هؤلاء خليّة إضافيّة من خلايا الحزب الحاكم، وهذا الشّخص المنتمي لذلك الحزب عند هؤلاء هو مجرّد واشي وعون إضافي في خدمة الأمن السّياسي وذاك مُتسوّل على أعتاب السّلطة...إلى آخر ذلك من القول المشكّك والمخرّب للسّاحة وللعقول على حدّ سواء.
أمّا إذا حاولت معرفة حقيقة هؤلاء فإنّك تجد فيهم من حاول وخاض التّجربة سابقا بأحلام انتهازيّة ووصوليّة ولمّا خاب مسعاه انقلب على أعقابه، كما تجد فيهم من لم يخض التّجربة أصلا ليس رفضا لها وإنّما عجزا وقصورا في الفهم والحركة.
أمّا المُكوّن الثّالث من مُكوّنات هذه الجماعة فهو أفراد عاشوا تجربتهم السّياسيّة سابقا في صلب تنظيمات وحركات انتهت وفقدت مشروعيّة وجودها فانقسم أصحابها فئتين، فئة اختارت التّأقلم مع الوضع القائم اقتناعا أو انتهازيّة فانخرطت في المشروع السّياسي وأخذت موقعها في مراتب متفاوتة في الحزب الحاكم أو جهاز السّلطة. وفئة أخرى بقيت مُهمّشة فلا هي استطاعت النّسج على منوال السّابقة ولا هي اختارت الابتعاد احتراما لنفسها وللسّاحة، فبقي المُنتمون إليها يتصرّفون بدرجة عالية من التّشنّج فتراهم يُخوّنون رفاق دربهم القدامى ممّن اختلفوا معهم في النّهج وينهالون على بقيّة الأطراف ممّن لا تربطهم بهم أدنى صلة أو التزام بشتّى نعوت التّخوين.
والملاحظ أنّ هذه الفئة الّتي تربّى عناصرها على إيقاعات الفرنكوفونيّة والعداء للعروبة وللقوميّة العربيّة في نهاية السّتّينات وخلال السّبعينات يزداد تشنّجها وتفقد صوابها كلّما تعلّق الحديث بالتّيارات العروبيّة والوحدويّة، فعندها تستلّ كلّ ما بجعبتها من عبارات الثّلب والقذف ممّا يدخلها تحت طائلة القانون الجزائي فضلا عن نزولها إلى الحضيض من سلّم الأخلاق وقيم التّعامل والاختلاف.
إنّ هؤلاء المُتشنّجين بمختلف مشاربهم ومواقعهم إنّما يُمثّلون واحدا من المكوّنات الاجتماعيّة الّتي تعيش على هامش الحركة السّياسيّة الوطنيّة والّتي تسعى من خلال هذا الموقع الهامشي إلى بثّ حالة من التّشكيك الشّامل (قياسا على الدّمار الشامل؟!) إنّما تُمثّل خطرا حقيقيّا على الوعي العام بالمفاهيم ذات الصّلة بالدّيمقراطيّة والمجتمع المدني وإمكانيات التّحوّل الدّيمقراطي وحرّية التعبير والحركة في إطار نزعة هي أشبه بالنّزعات التّكفيريّة .
إنّ الاتّحاد الدّيمقراطي الوحدوي كحزب سياسي فاعل على الساحة الوطنيّة ومُقرّ بمبدإ المُشاركة الايجابيّة في التّأسيس لمسار ديمقراطيّ وحياة مدنيّة ايجابيّة لم يعمل يوما على نشر الأوهام أو التّبشير بحلول الجنّة الدّيمقراطيّة وإنّما سبق له في أكثر من مناسبة سواء من خلال تصريحات أمينه العام أو عبر لسان حاله في جريدة "الوطن" أن أكّد على صعوبة المسار وكثرة العراقيل وعلى ضرورة التّحلّي بالمزيد من طول النّفس والإصرار والثّبات من أجل نحت هذا الخيار الديمقراطي وترسيخه ليصبح أداة المجتمع في تناول مشاغله ومشاكله بعيدا عن التّفرّد والإقصاء والتّشنّج.
لكنّه في نفس الوقت يرفض أن يكون موضوع تشكيك أو تخوين من أيّ كان... خاصّة إذا كان هذا الكائن قد خرج من التّاريخ ولم يعد له فيه مكان.
... مرّة أخرى نقول: الوطن أمانة... الشعب فيصل... والتاريخ يسجّل.
ما السبيل لمحاولة التصدي للأزمة الاقتصادية ؟
بقلم: محمد مسيليني
مبكّرا ومنذ أن بدأ الحديث عن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية رسمت جريدة "الوطن" لسان حال الاتحاد الديمقراطي الوحدوي لنفسها خطا واضحا تمثل في العمل على توضيح أسبابها البيّنة والمسكوت عنها وآثارها المنتظرة وخاصة على اقتصاد الدول الفقيرة أو النامية والدول العربية خاصة والاقتصاد التونسي خصوصا، كما قدمنا بعض الحلول التي يمكن اعتمادها في ظروف هذه الأزمة وأكدنا أن الإجراءات والحلول التي يمكن إتباعها والالتزام بها في ظل الأزمة وخاصة عندما تكون في حجم وخطورة ما نعيشه الآن، يمكن أن تختلف عن الإجراءات العادية والسياسات المعتادة ولنا في ما قامت به الدول الغربية واتخذته من إجراءات وما طبقته من سياسات حمائية لاقتصادها أكبر حجّة ودليلا على ما نقول.
لقد وصل بالحكومات الغربية التي تعتنق النظام اللبرالي بامتياز وفي مقدمتها أمريكا وانقلترا إلى تأميم مؤسسات بنكية ومالية واقتصادية من خلال اقتناء كامل رأس المال أو الجزء الأكبر منه. هذا الإجراء كان يعتبر، ولوقت غير بعيد، كفرا كبيرا وخطيئة عظمى قد تساوي قياسا الردة عند بعض المسلمين المتشددين.
كنا منذ البداية شرحنا بعض الحقائق وأكدنا أن للأزمة أسبابها الموضوعية وحصرناها في:
1- طبيعة النظام اللبرالي يحمل في ذاته "فيروس" الأزمة وخاصة عندما يرتبط بالعولمة.
2- هيمنة نمط اقتصادي بعيد كل البعد عن الاقتصاد الحقيقي المنتج للسلع والخدمات.
3- انخرام العلاقات الاقتصادية العالمية وهيمنة دول الشمال وغياب نظام اقتصادي عالمي أكثر عدلا ومن نتيجة ذلك هجرة الثروة من الجنوب نحو الشمال.
4- ما صاحب العولمة والعلاقات الاقتصادية العالمية من عمليات تحيّل وتبييض أموال وفساد.
5- الوضع السياسي الدولي وما نتج عنه من توتّر نتيجة العدوان الغربي المستمر.
هذه أهم العوامل التي أدت إلى الأزمة الحالية والتي كان من نتائجها:
· تراجع حركة المال والأفراد بشكل كبير مما أدى إلى تراجع الاستثمارات والتنقل والسياحة.
· تزايد عدد العاطلين والمعطلين عن العمل نتيجة إغلاق المؤسسات الاقتصادية مما ساهم في زيادة الفقر في العالم وخاصة في الدول الفقيرة أصلا.
· تراجع التجارة في العالم بفعل تراجع إمكانيات الإنفاق لدى العائلات أي تراجع القدرة الشرائية.
· تراجع نشاط البورصات وخسائر هائلة.
في تونس عندما كانت الحكومة تقول على لسان أكثر من وزير أن الوطن في مأمن من الأزمة، أكّدنا أننا نتفق مع الذين لا يرون خطرا من الأزمة المالية لأسباب سبق أن شرحناها بشكل مفصل لكننا أكّدنا أنّنا عرضة للأزمة في مظهرها الاقتصادي ورغم نفي الحكومة المتكرر لهذه الحقيقة فقد أثبتت الأيام أننا كنا على صواب، فها هي حركة المال تتراجع إلى مستوى كبير مما أدّى إلى إلغاء مشاريع هامة رغم نفي الحكومة المتجدد وتشبثها بالقول أنها مجرد عملية تأجيل كما أن التجارة قد تراجعت والأرقام العالمية لا تكذب.
العديد من المؤسسات في تونس إما أنّها أغلقت أو أنّها قلصت نشاطها بشكل كبير، كما أن حركة السياحة في تراجع حتى قبل موضوع "أنفلونزا" الخنازير وإلا بماذا يمكن أن نفسر ما تقدم عليه العديد من الدول العربية المعنية من محاولات لتنشيط السياحة؟ !
قد يكون للحكومة مبرراتها في اعتماد خطاب تطميني ولكننا على يقين أن المصارحة وشفافية التعامل أسلم وأضمن للجميع.
لم نكن مجرد ناقدين بل قدمنا العديد من الحلول التي اعتبرناها ضرورية في ظل الأزمة نذكّر بأهمها:
1- كان على الحكومة أن تعلن عن توقفها عن مسارها اللبرالي وعن الخصخصة، ونحن لا نرى مبررا لطلب العطاء الدولي لبناء محطة توليد كهرباء خاصة في بنزرت أو التفويت فيما بقي من اتصالات تونس.
2- التخفيض في نسبة الفائدة تخفيضا ذو دلالة ولا نتصور إنّ ما أقدمت عليه الحكومة من تخفيض سيكون له اثر على الحركة الاقتصادية.
3-دفع الاستهلاك من خلال تخفيض الأسعار ولو على حساب الميزانية أي تخفيض الأداءات وكذلك هامش الربح.
4- بعث مشاريع بنيوية كبرى ولو على حساب بعض المؤشرات مثل عجز الميزانية والمديونية ونسبة النمو.
5-تشجيع السياحة الداخلية والمغاربية من خلال تخفيض جدّي في أسعار الإقامة في النزل
هذه حزمة من الإجراءات التي سبق ذكرها وشرحها بشكل مفصل نذكّر بها الآن لأننا لا نرى الحكومة تسير في الاتجاه الصحيح في علاقة بالأزمة الاقتصادية ولا يزال خطابها كما عهدناه، وكأن شيئا لم يحصل في العالم ومن حولنا.

رأي
المشهد السياسي في تونس نحو إعادة بناء "العقد الجماعي" .. بعيدا عن توطين مفاهيم المغالاة والموالاة
بقلم : عبد الفتاح كحولي
لقد برزت في الفترة الأخيرة أطروحات سياسية تصبّ في اتجاه بناء الخطّ الثالث وجعل الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة محطّة لتدشين حالة جديدة من الفرز السياسي. ولئن تكشف هذه الأطروحات عن وعي حادّ بضرورة تطوير المشهد السياسي وخلق حراك جديد يقطع مع حالة الجمود التي مثلت العلامة الفارقة للحياة السياسية منذ سنوات فإن هذه الأطروحات لا تستجيب لطبيعة التجربة التونسية وسياقها الرّاهن بقدر ما تمثل شكلا من أشكال التعميم لتجارب أخرى تختلف من حيث خصائصها البنيوية عن التجربة التونسية.
لقد أتّسم المجال السياسي بجملة من الخصائص أهمّها تلك الثنائية التقابلية بين المعارضة والموالاة وعلاقة اللاتكافو بين السلطة والمعارضة بجميع أطيافها فإذا كانت السلطة مطلقة المبادرة من حيث تحديد وتيرة التحول الديمقراطي والتحكّم في مداه فإن المعارضة بدت ضعيفة غير قادرة على مغالبة مآزقها الداخلية ومغادرة دائرة الهامش في اللعبة السياسية. فإذا كان القطب الثالث يشكّل حالة من التمايز بين الموالاة والمغالاة أو المعارضة فإن تمايزه سيظل محكوما بلعبة الهامش ويظل اختلافه عن المكوّنين الهامشيين اختلافا غير منتج بل قد يتحول إلى الطّرف الأضعف في لعبة الهامش أمام قوّة تملك أسباب استمرارها من دعم السلطة لها وقوة أخرى تمنحها جاذبية الخطاب المعياري الحامل أسباب بقائها. أمّا إذا كان المقصود بالخط الثالث التوسّط بين المعارضة بشقّيها والسّلطة فهو التوسط في مكان قلق أو بين أعمدة ثلاثة يستحيل معها رابعا عاجزا عن امتلاك أسباب القوة والرّسوخ ولن يزيد ذلك في كل الحالات إلاّ في مزيد تفكيك المشهد السياسي وبلقنته في سياق محكوم بضرورة المشاركة والمساهمة الجماعية في إعادة بناء المجال السياسي وهي ضرورة تمليها المعطيات الداخلية ومفردات الوضع الدولي.
وإذا كان الحديث عن ضرورة بناء الخطّ الثالث غير ذي معنى ارتباطا بالسياق الرّاهن ومميزاته فإن الحديث عن فرز جديد هو حديث سابق لأوانه لأن أي فرز على أرضية غير مشتركة يؤدي إلى ولوج حالة من الصّراع المفتوح على كلّ الاحتمالات . وإذا كانت مرحلة التحول الديمقراطي مرحلة لا تختفي فيها أشكال الصراع فإن التحول المنتج والمؤدي إلى ترسيخ الديمقراطية هو ذلك القائم على أساس التراضي حول قواعد اللعبة. فهذه القواعد المشتركة القابلة للتعميم والتي لا تنبع من مراعاة مصالح خاصة وضيقة هي صاحية الأولوية في سياق التحول الديمقراطي ولا يكون الصراع أو الفرز ضامنا للمصلحة العامّة بقطع النظر عن المصالح الخاصة للمتصارعين إلا إذا كان محكوما لهذه القواعد العامة.
لقد تمّت إعادة تشكيل المجال السياسي في نوفمبر 1987 بمبادرة ذاتية من السلطة وفق قواعد جديدة تقوم على نبذ العنف واحترام القانون فتأسست الأحزاب السياسية على هذه الأرضية ونشأ حراك سياسي بعد عملية نقد مشتركة لنظام الحزب الواحد والصراع على الشرعية بين الحكم والمعارضات بكلّ الأشكال بما في ذلك العنف، وإذا كانت السنوات الأولى من التحول قد عرفت مدّا كبيرا ترجمه تبني السلطة للكثير من المطالب التي رفعتها المعارضات في الفترة البورقيبية فإن وتيرة التحول عرفت بعد ذلك البطء ولم يكن الحاصل منسجما مع حجم الانتظارات التي أسست لها السنوات الأولى. وإذا تركنا جانبا عرض الوقائع والأخطاء التي ارتكبها مختلف الفاعلين من أجل بناء مقاربة أكثر عمقا وأكثر جدوى في تدشين مرحلة جديدة فإن السبب العميق لهذا البطء أو التراجع هو تدشين مرحلة جديدة بأدوات وأفكار وأشكال من السلوك قديمة وهي السّمة المشتركة بين كلّ الفاعلين سلطة ومعارضات.
إن المتأمّل في التجربة التونسية بعد 20 سنة من أول انتخابات عرفتها البلاد بعد 7 نوفمبر 1987 يلاحظ أن المسار قد آل إلى بطء شديد ترجمته الإجراءات الحذرة والتخوّف من المآلات غير المتوقعة في غياب شركاء حقيقيين حسب السلطة ترجم عنه الحديث المستمرّ حول ضعف المعارضة. كما آل هذا المسار إلى ضعف الفعل السياسي المعارض وانحسار عدد المنضوين إلى الأحزاب وتحوّل السياسة إلى مغامرة غير محسوبة النتائج في ظل استمرار ثقافة الحزب الواحد من جهة وثقافة المزايدة أو التملق من جهة أخرى وفي مقابل ضعف المعارضة بجميع أطيافها برزت السلطة بوصفها المبادر الوحيد المتحكم في مسار التحول ووتائره مستفيدة من استمرار مركب الحزب/الدولة وما يتوفر لمؤسسة الرئاسة من صلاحيات قانونية وما يتوفّرلرئيس الدولة من سلطة أدبية باعتباره المنقذ للبلاد عشية السابع من نوفمبر.
إن هذه المعطيات تكشف عن غياب التكافؤ بين طرفي المعادلة السياسية ومن ثم عدم بلوغ مرحلة الشراكة الفعلية التي تعني التشاور في تحديد وتيرة التحول والالتزامات المشتركة على قاعدة الحوار المأسّس وغياب هذه الشراكة لا يمثل عامل قوة بالنسبة إلى السلطة في زمن تغيّرت فيه المفاهيم وتغيرت أحوال الاجتماع البشري وأنماط العلاقات الدولية، وإذا تجنبنا القراءة التي تنطلق من الوعي المباشر ورصد التفاصيل وحشد الأحداث في اتجاه مقاربة أعمق فإننا نرى أنّ هذا المآل قد تحكّمت فيه جملة من الأسباب أهمها:
1 – سيطرة التقليد:
لم يستطع مختلف الفاعلين التخلص من سلطة التقليد وعبء الموروث السياسي، فإذا كانت السلطة خاضعة لضغط إرثها السّلطوي الراسخ منذ عقود وعدم استعدادها للتفريط في الامتيازات التي يمنحها التداخل بين الحزب والإدارة فإن المعارضة بجميع أطيافها لم تقطع أيضا مع إرثها الإيديولوجي القائم على ثقافة الإقصاء وملكية الحقيقة المطلقة والسلوك التآمري في تدبير الشأن الحزبي الدّاخلي باعتباره استمرارا لمناخات التنظم السرّي المفتقد لشروط الديمقراطية.
لقد كرّس استمرار هذا الإرث مسلكية التعامل التكتيكي مع الديمقراطية عبر مقولتي الواجهة /الهامش وساد الحذر في التعامل بين طرفي المعادلة السياسية نتيجة أخطاء من هنا وهناك ترجمت عن غياب التمثل الحقيقي لرهان البناء الديمقراطي فتعطّلت عملية التفاعل المنتجة بين الطرفين في سياق مرحلة تحوّل ديمقراطي تستوجب الحوار والتفاعل البناء من أجل صياغة مشتركة لقواعد اللعبة تأخذ مسارها الزمني اللازم مع المحافظة على التمايز الفكري والسياسي .
لقد خلق التقليد حالا من الريبة المتبادلة عطلت حركيّة التجديد والإصلاح إذ بقيت المعارضة حبيسة الشعار العام دون ترجمته إلى سياسات عملية وكرّست في خطابها مفاهيم لا تستوعبها الحالة الديمقراطية كما بقيت أسيرة النماذج غير متمعّنة في خصوصيات التجربة المحلية كما بقيت في الغالب الأعم مرتهنة لقيادات الظل إذ أن القرارات تصنعها الأقليات بعيدا عن الهياكل المنتخبة وتفرضها بأساليب معقّدة تتراوح بين الديماغوجيا والزبونية دون التضحية بالمظهر الديمقراطي الشكلي كما ظلت السلطة أسيرة التقاليد القديمة في غياب شريك فاعل وقويّ يجسّد الطرف الآخر للمعادلة.
إن المهمة التقدمية التي يفرضها السباق الرّاهن هي محاربة التقليد من أجل تحديث الوعي السياسي وإنتاج ثقافة سياسية جديدة ومشتركة بين جميع الفاعلين تستند إلى قيم الحداثة والتقدم وتساهم في تدشين مرحلة جديدة في سيرورة بناء المجال السياسي بأدوات جديدة حتى يتحقق التكافؤ بين طبيعة الرّهان وطبيعة الوسائل والأدوات.
2 – الثقافة الزبونية:
هذه الثقافة تدعم المحافظة والتقليد إذ أن علاقات الولاء والزبونية تسعى بطبعها إلى الإبقاء على الوضع الذي يحقق مصالح أصحابها وهذه الزبونية أو الانتهازية لا تنخر فقط القوى المنتمية إلى معسكر السلطة بل إن أطرافا في المعارضة تنزع إلى توظيف العملية السياسية في تحقيق الصّعود الطّبقي فتتحول بذلك السياسة إلى آلية للمحافظة على المصالح أو إعادة الاندماج الاجتماعي وهو ما يساهم في تشوّه المجال السياسي فيفقد صفته السياسية ويتحول الفاعل السياسي في نظر المجتمع إلى وصولي لا علاقة لفعله بالمصلحة العامة.
3 – الغلوّ:
يطبع الغلو خطاب بعض المعارضات فيتحول إلى شكل من أشكال الذمّ يقف في مقابله خطاب المديح لدى الوصوليين ويشترك الخطابان في الابتعاد عن دائرة الوعي السياسي المستند إلى آليات الوصف والتحليل والتشخيص والاستشراف ليتحولا إلى حالة شعرية انفعالية لا جدوى لها في إنتاج وعي سياسي حقيقي.
لقد استبطن خطاب بعض المعارضات محاولة توطين مفاهيم ظهرت في سياقات مغايرة ونقل تجارب ببرامجها وألياتها وأفكارها وتكتيكاتها في سياق مختلف فنشأت القطيعة بين الخطاب والواقع بمفرداته المعقّدة وتحوّلت البرامج إلى ما يشبه الحلم /الكابوس زادت في تعقيد المشهد السياسي فرغم استناد هذه القوى إلى المعايير الديمقراطية في بعدها الكوني فإنها لم ترتبط بحقائق المجال السياسي، وبطبيعة البنية السوسيولوجية في إنتاح برامجها فغابت عنها حقائق متصلة بالنظام الديمقراطي من جهة كونه محكوما بالمعطيات التاريخية والاجتماعية وليس نموذجا جاهزا مفارقا للواقع.
إن التحول من الخطاب المستند إلى الوعي السياسي إلى الخطاب الانفعالي الحالم يشكل عبءا آخر أمام إنتاج ثقافة سياسية حقيقية ومجال سياسي جديد.
4 - اللاتسيّس:
لقد أنتجت هذه الظواهر حالة من اللاّتسيّس عبّر عنها عدم تشكل وعي سياسي مشترك يستند إلى الحداثة السياسية وحالة النّفور من الانخراط في الشأن العام خاصة لدى الفئة الشابة، لأن الشأن العام تم تخصيصه من قبل أغلب الفاعلين فتحول إلى آلية لتحصيل المغانم دون مراعاة المصلحة العامة كما تحوّل عند البعض إلى آلية لبروز الزعامة الوهمية المستندة إلى جاذبية الخطاب. ولمّا كان الشعب غير معني بمغانم هذا أو زعامة ذاك بقدر ما هو معني بحقوقه ومصالحه ومصالح الوطن العليا، فإن السياسة لم تجد في نفسه هوى ولم يتوفر له المبرّر المقنع للانخراط فيها. ولا بدّ أن نشير في هذا السياق إلى المخاطر المحتملة الناجمة عن غياب التسيّس من إرهاب وجريمة منظمة وغيرها من الآفات.
إنّ هذا المشهد يستبعد أطروحة خلق الخطّ الثالث أو الشروع في فرز حقيقي. بل إن المطلوب من أطراف المعادلة السياسية عشية الانتخابات القادمة وبعدها المساهمة المشتركة عبر آليات النقاش العام التي توفرها المحطّة الانتخابية في تدشين مرحلة جديدة من الوعي السياسي والثقافة السياسية تساهم في عملية اللحم التاريخي بين مختلف القوى لإنتاج عقد من التراضي على قواعد اللعبة.
إن توطين مفاهيم المغالاة والموالاة والفرز وغيرها من المفاهيم الاحترابية وتصعيد معركة الشرعية لا يستجيب للمهمّة الراهنة. إذ تقتضي هذه المرحلة إعادة بناء العقد الجماعي لا على أساس المصلحة الظرفية بل على أساس راسخ يتمثل في القطع مع التقاليد القديمة وأنماط السّلوك المنفّرة من العمل السياسي ولا يتم ذلك إلا في ضوء التمسّك برهان إعادة الاعتبار للسياسي (Le politique) في ظرف دولي كانت فيه الأزمة الاقتصادية مناسبة للتأمل وإعادة التفكير في أولوية السياسة.
إن إعادة الاعتبار للسياسي لا تتم إلا بتخليق السياسية عبر آلية النقد والنقد الذاتي وتطهيرها من أعباء الانتهازية والانفعالات المرضية من أجل وعي سياسي يترجم عن تفكير مسؤول في مصلحة البلاد ومصلحة الشعب والأجيال القادمة.
إننا في أشدّ الحاجة إلى معارضة متمسّكة بالمبادئ الديمقراطية ومتمسّكة بالوعي السياسي الحقيقي الذي يتيح لها إدراك الممكنات والانخراط الفاعل في تحقيقها ومعرفة نقاط التوافق والتعارض مع الآخر كما أننا في أشدّ الحاجة إلى إجراءات انفراجية من السلطة تشيع جوّا من الاطمئنان وتشجّع على توسيع دائرة التفكير الإيجابي بعيدا عن كل أشكال العدميّة كما أننا في أشد الحاجة إلى ترك كل أشكال الصراع غير المستندة إلى قواعد واضحة لأن هذه الأشكال مفتوحة على كل المستويات لا تحكمها ضوابط في سياق نحن في أشد الحاجة فيه إلى ضوابط مشتركة.
وإذا كان بطء وتيرة التحول الديمقراطي بعد أن عرف اندفاعا لافتا في سنواته الأولى راجعا إلى هيمنة التقليد والانتهازية والشخصانية وغيرها من المعوّقات فإن ذلك يكشف عن أمتناع الاستمرار في التحول ومنحه لحظة اندفاع جديدة بذات الوسائل والعلاقات والأفكار القديمة لذلك فإن الدّرس المستفاد هو ضرورة التفكير المشترك في القطع مع هذه المعوّقات حتى تكون الانتخابات القادمة مناسبة لتدشين حالة من التعاون والانفتاح والتواصل لإنتاج ثقافة جديدة تفتح المجال أمام بناء جديد لمجالنا السياسي وقواعد اللعبة فيه تتأسس على القيم الديمقراطية من أجل تقريب يوم قيام الديمقراطية الرّاسخة البعيدة عن كلّ أشكال النكوص وفي إطار تلك القواعد الراسخة والمجال السياسي العصري ليتنافس المتنافسون .
إن فتح أبواب النقاش العام وتعطيل مفاعيل الحذر والريبة لدى جميع الفاعلين هو المدخل للقطع مع التقليد من أجل ترسيخ قيم الحداثة السياسية وهي مهمّة تتجاوز البند الديمقراطي لتشكل مهمّة وطنية رهانها مصلحة البلاد والعباد.
المفاوضات الاجتماعية في القطاع العام
تحركات احتجاجية منها الإضراب على خلفية عدم التوصل إلى اتفاقات


تونس/الوطن
لوّحت بعض القطاعات في الاتحاد العام التونسي للشغل بشن تحركات احتجاجية منها الإضراب على خلفية عدم التوصل إلى اتفاقات في المفاوضات الاجتماعية.
ومن ضمن هذه القطاعات قطاع الاتصالات والبريد والتطهير و الصناديق الاجتماعية والتجهيز.
ففي خصوص قطاع الاتصالات والبريد أعلن النقابيون مبدأ الدخول في اضراب لمدة يومين (26 و27 ماي) وذلك بعد تعطل المفاوضات رغم الجلسات التي انعقدت لتقريب وجهات النظر.
وكان قطاع الاتصالات والبريد شن إضرابا عن العمل لمدة يوم واحد قبل أسابيع.
أمّا في قطاع الصناديق الاجتماعية فإن الأعوان لوّحوا بشن إضراب يوم 3 جوان المقبل وذلك بعد عدم التوصل إلى اتفاق بشأن الزيادة في أجور العاملين في الصناديق الاجتماعية.
وقالت مصادر نقابية "إنه بالرغم من التقدم المسجل في بعض النقاط الا أن الطرف النقابي تمسك بموقفه والقاضي بالزيادة في أجور أعوان الصناديق الاجتماعية بنسبة 7بالمائة" .
وفي قطاع التجهيز أصدر عمال الديوان الوطني للتطهير قبل أيام برقية إضراب بسبب عدم وجود نتائج إلى حد الآن في المفاوضات مع الجهات الإدارية.
وكذلك الشأن في قطاع المياه، فمن المفروض أن المجلس القطاعي للنقابة العامة للمياه قد انعقد يوم أمس الخميس 26 ماي ونظر بالخصوص في تعثر المفاوضات في الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه .
ورغم أن عديد المصادر النقابية تتحدث عن إمكانية التوصل إلى اتفاقات قبل الدخول في هذه التحركات الاحتجاجية ، فإن ما يحصل يبين أن هناك مشكلة فعلية في المفاوضات الاجتماعية في القطاع العام وأن التباين في وجهات النظر بين الطرف النقابي والطرف الإداري مازال "شاسعا" .
وقالت مصادر مهتمة بالشأن النقابي إن تواصل الأمر على هذه الحال قد يدفع للتدخل من الجهات العليا .
أشرعة الذاكرة
يأجوج ومأجوج في حروب بوش.. نبيّ الله المنقذ
عبد الكريم بن حميدة

"إن الحرب ضدّ العراق هي رغبة الله الذي يريد أن نخوض هذه الحرب لنهزم أعداء شعبه قبل أن يبدأ عصر جديد". هذا القول ليس لأحد القساوسة أو الحاخامات.. كلا.. إنّه جزء يسير ممّا قاله الرئيس الأمريكيّ السابق جورج بوش الابن في سياق حملته التي استهدفت الإطاحة بالنظام الوطنيّ الشرعيّ في العراق. وكلنا يذكر أن بوش استخدم العديد من "العبارات الدينيّة" خلال فترة حكمه، الأمر الذي أثار جدلا كبيرا بشأن دوافعه ومراميه لا سيّما لفظ "الحروب الصليبيّة". كما أنّه لم يتورّع عن اتّهام المسلمين "بالفاشية".. وهو اتّهام سافر لم يكن يحتاج إلى أيّ تأويل. غير أن المسؤولين الأمريكيّين حرصوا على إظهار الأمر باعتباره زلّة لسان.. أو زلاّت.. وأن بوش يُضمر للمسلمين كل الاحترام، وأنه يميّز جيّدا بين الإسلام دينا وحركات الإسلام السياسيّ المتطرّفة.
كثيرون منّا صدّقوا التبريرات.. والتأويلات..
وهم بلا شكّ اطّلعوا على المذكّرات السرّيّة لوزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد، وهي التي قال فيها إن بوش الابن كان "أداة بيد إله بني إسرائيل".
وكثيرون استدلّوا على صحّة مواقفهم بطعام الإفطار الذي تناوله بوش في أحد أيام شهر رمضان مع بعض الشيوخ والأيمّة..
وهم بلا شكّ طالعوا نصوصا أوردها رامسفيلد في مذكّراته.. كان أحدها يقول: "البس درع الله الكامل، فعندما يأتي يوم الشيطان، أكون قادراً على الدفاع عن أرضي".
وكثيرون منّا نزّهوا بوش وعصابته عن الأبعاد الدينية التي كانت أحد العوامل المحرّكة لحربيه المقدّستين في كل من العراق وأفغانستان..
مخدوعين كانوا.. أو سذّجا.. أو متواطئين.. وإذا لم يحالفنا النجاح في هذا الوصف فلنقل بوضوح إنه لم يعد لدينا استعداد لسماع هذا الضّرب من التبريرات والتحاليل التي تراهن على حسن نوايا الآخرين أكثر ممّا تحتكم إلى التصريحات والوقائع والحقائق.
كان جورج بوش مدفوعا في حربيه الظالمتين على العراق وأفغانستان بالإيحاء التوراتي الذي صوّر له أنّ (يأجوج ومأجوج) مازالا موجودين في الشرق الأوسط، وأنهما يجب أن يُهزما.. لأنهما استنادا إلى الفكر التوراتي سيدمّران "إسرائيل" في المعركة الأخيرة..
إنّ هذا النمط من التفكير لم يكن وليد خيال رامسفيلد الضالع حتّى النخاع في الحربين القذرتين.. إنما هو تسجيل لوقائع حدثت فعلا.. وهذا التعبير كان بوش قد خاطب به الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك في عام 2003... وفي السنة نفسها أخبر وزير الخارجيّة الفلسطينيّ بأنه كُلف بمهمّة من الله في حربيه لغزو العراق وأفغانستان.. وأنه يتلقّى الأوامر من الله!!".
لقد كانت مذكّرات رامسفيلد بمثابة تصديق للمثل العربيّ "وشهد شاهد من أهلها".. ربّما جاءت هذه الشهادة متأخّرة إلى درجة يتعذّر معها إعادة عجلة التاريخ وتصحيح المسار ومنع الخطأ من الوقوع ومن الاستفحال.. كلّ هذا صحيح، لكنّها يجب أن تضاف إلى الكمّ الهائل من الأدلّة التي تدين بوش وعصابته يوم يحين موعد الحساب. ويجب أن نكون واثقين أنّ الحساب آت لا محالة مهما تقادم العهد، ولن يكون بإمكان أحد أن يمنع سيف العدالة من أن يُقرّ الحقّ حتى إن رحل المجرمون..
لقد كانت حروب بوش حروبا "صليبية" بامتياز.. ومع أنّ إغفال الأبعاد القومية والاقتصادية لهذه الحروب يُعَدّ تجنّيا على الحقائق، فإنّ استخدام نصوص من التوراة لم يكن ليقود إلا إلى التفكير في هذه الروح المشبعة بثارات الماضي وإثارة الغرائز والأحقاد.. ففي إحدى مذكّرات الاستخبارات العسكريّة التي كان رامسفيلد يشرف عليها شخصيّا قبل تقديمها إلى الرئيس بوش، تصدّرت الغلافَ صورةٌ لقوس نصر في بغداد على شكل سيفين.. كانت دبابة أمريكية تستعد للمرور من تحته.. وفوق الصورة عبارة:"افتحوا الأبواب لتدخل الأمّة البارّة الحافظة للأمانة".. هذه العبارة اقتُطفت من سفر أشعياء.. هم الأمّة البارة الحافظة للأمانة.. أمّا نحن..؟
الاِتّحاد الدّيمقراطي الوحدوي والممارسة الدّيمقراطيّة
بقلم الأستاذ: فتحي الشّيخاوي
لقد بات من الغريب فعلا أن تنكر النّخبة المثقّفة في الوطن العربي القدرة التّصاعديّة لنفاذ فكرة الدّيمقراطيّة ثنايا الفكر السّياسي العربيّ المعاصر بكلّ مضامينه وتجلّياته ، وهو نفاذ لم يتطرّق إلى اتّجاهات الانتشار النّظري الصّرف والمجرّد، بقدر ما بلغ الإطار التّطبيقي الذي يسايرالمقوّمات الموضوعيّة سواء في الواقع السّياسي أو الاِقتصادي أو الثّقافي... كما بات من الغريب أيضا أن يؤكّد بعض المثقّفين العرب تمحور الفكرة الدّيمقراطيّة في زاوية شعاراتيّة تُفتح متى شاء لها أن تُفتح، في خضمّ مناسبات ضيّقة تخلو من الأسباب التي تضمن لها البقاء والصيرورة دون معاداة لموضوعيّة الإطار الذي تدور حوله، إلى أن تعود من حيث انبثقت، في زاوية أشدّ ضيقا وظلمة. لقد بات من الغريب أيضا أن يصدح البعض من نفس الفئة بعدم أحقّية الفكرة الدّيمقراطيّة بمفهومها السّياسي طبعا، أن ترقى في الوطن العربي إلى درجة التّطبيق مستدلّين في ذلك بغياب الإرادة والوعي الدّيمقراطيين وانغلاق نظم الحكم العربية.
كلّ هذه الآراء والمواقف تدفعنا للسؤال : أليست الدّيمقراطيّة بمفهومها القيمي والعملي قادرة بما لا يدعو مجالا للشكّ على التّجسيد النّمطي والنّوعي للأرضيّة الصّلبة التي تحقق البدائل الثّقافيّة والسّياسيّة والاِقتصاديّة؟ أليست المهمّة التّاريخيّة العربيّة الآن و المتمثلة في مراكمة مقوّمات الدّيمقراطيّة بات أمرا ملحّا لبناء هيكل مجتمع يحثّ أبناءَه على العمل الهادف وإلى وضوح الرّؤية المستقبليّة...؟ ألا تُعدّ الممارسة السّياسيّة لأحزاب المعارضة في الأقطار العربيّة و في تونس صورة تعكس الفكرة الدّيمقراطيّة والممارسة الدّيمقراطيّة في أسمى معانيها وتجلّياتها، باعتبارها مهمة تاريخية تتراكم انجازاتها عبر المراحل والأجيال؟ أليس بإمكان هذه الأحزاب بالتأمّل في برامجها السّياسيّة الضّمنيّة أن تذهب بعيدا في الممارسة الدّيمقراطيّة في كلّ اتّجاهاتها؟
لنأخذ مثالا على ذلك (الاِتّحاد الدّيمقراطي الوحدوي) نموذجا حزبيّا عربيّا، نتناول من خلاله دراسة ومناقشة مدى إسهامه في تركيز الفكرة الدّيمقراطيّة والعمل الدّيمقراطي كقيمةً نضاليّةً في أعماق ممارسته السّياسيّة الوطنيّة، ولْنتأمّلْ أبعاد نظرته لما حوله من خصائص المحيط السياسيّ القطري، دون غضّ الطّرف عن استقراء اتّهام البعض له بالموالاة وإبعاده عن صفّ المعارضة القانونيّة الحقيقيّة استنادا إلى المفهوم الفئوي للمعارضة.
جاء في أدبيّات الحزب أنّ (الاِتّحاد الدّيمقراطي الوحدوي) "هو تنظيم سياسيّ عربيّ تقدّميّ يضمّ في صفوفه المؤمنين بالمشروع الوحدوي القومي، كما أنّه وسيلة للنّضال من أجل الدّيمقراطيّة والاِشتراكيّة والوحدة وهو تنظيم مستقلّ في هياكله وقراراته السّياسيّة وبالتّالي فإنّه يضع لنفسه جملة من المهام الأساسيّة هي... (اُنظر كتاب برنامج الاِتّحاد الدّيمقراطي الوحدوي صفحة 26)
يرى الاِتّحاد الدّيمقراطي الوحدوي (أنّ الاِستقلال الوطني يشكّل المدخل الرّئيسيّ نحو الدّيمقراطيّة السّليمة أسلوبا للتّفاعل والتّطوّر والتّقدّم على كافّة الدّروب ومنها وحدة أمّتنا العربيّة... / كتاب برنامج الحزب ص16) واستنادا إلى ذلك تتراءى لنا جليّا حقيقة المنظار الذي يعتمده الحزب في نظرته للممارسة الدّيمقراطيّة السّليمة، والفكرة الدّيمقراطيّة النّوعيّة تلك التي لا تتجرّد عن الاِستقلال الوطني ولا تنعزل عنه، اِعتبارا منه أنّه المكسب الأسمى الذي يدور في محيطه رافعا شعار العمل الدّيمقراطيّ ساعيا إلى تأسيس بنائه بالشّكل المساير لواقع الاِستقلال الوطني المكتسب. ألا يمثّل الاِستقلال الوطني كما يؤمن به الحزب أرضيّة صلبة للسّموّ نحو الممارسة الدّيمقراطيّة السّليمة تحقيقا للعدالة الاِجتماعيّة (من أجل توزيع عادل للثّورة الوطنيّة ومواجهة تحدّي التّشغيل الكامل لأبناء شعبنا وإرساء التّنمية الاِقتصاديّة المستقلّة باعتبارها وجها من وجوه الإصلاح الذي نريد... لذلك نؤكّد على أنّ الدّيمقراطيّة بوّابة المداخل الحياتيّة العامّة سياسيّة واقتصاديّة واُجتماعيّة وثقافيّة...(نفس المصدر ص16). ولكن، ورغم ذلك فإنّه بقدر ما يتعلّق الأمر بأسئلة وإشكالات تتّصل بالفكرة الدّيمقراطيّة وممارستها الميدانيّة، بقدر ما نرى مشهدا متناقضا لا يلتقي طرفاه، ليتحوّل إلى محور لجدل ونقاشات متّسعة الجوانب، تصبّ أغلبها في علاقة مناضلي حزب الوحدويين بالقطر التّونسي والطّرف المقابل من المنتصرين للمعارَضةِ المعارِضةِ، ولهم في ذلك مفهومهم للمعارضة الموسومة بالتّجاذب للتّجاذب فحسب والرّفض لمجرّد الرّفض...حينها تظلّ الفكرة الدّيمقراطيّة رهن المزايدات والتّجاذبات...ولا أمل في ارتقائها إلى مستوى الواقع والموضوعيّة المنشودة. لقد أكّد حزب الاِتّحاد الدّيمقراطي الوحدوي سواء من خلال أدبياته أو من خلال تصريحات أمينه العام (الأخ أحمد الإينوبلي) في مناسبات عدّة أو من خلال جلساته الضّيقة والواسعة أيضا...أكّد أنّه (لا يرى من حيث المبدإ أنّ المعارضة تعني القطيعة بل بالعكس تسعى لكي يكون دور المعارضة هو تحقيق التّوافق الوطني الأمثل المستجيب لشروط المرحلة السّياسيّة الدّقيقة التي يمرّ بها مشروع المقاومة والممانعة العربيّة في ظلّ تداعيات الواقع الدّولي والإقليمي وحالة الاِستهداف المعلن للأدنى الوطني المحافظ على الاِستقرار..(حديث الأخ أحمد الإينوبلي لصحيفة الشّروق يوم 13/05/2009) وهذا إنّما هو تأكيدٌ منه لما سبق في حديثه لصحيفة (الرّاية القطريّة يوم 09/12/2008) لمّا رفض اتّهامه بالموالاة للحزب الحاكم فقال "حين نقول أنّ حزبا من الأحزاب هو موال للسّلطة أوّلا يجب أن يتماهى هذا الحزب من حيث برامجه وأهدافه ومنطلقاته مع البرنامج الذي يضعه الحزب الحاكم. ونحن لا نتماهى مع الحزب الحاكم في تونس لا من حيث الخيارات الاِقتصاديّة ولا من حيث الخيارات السّياسيّة ولا خيارات العلاقات الدّوليّة." ولقد اِسترسل في حديثه مفصّلا لما ورد مجملا فقال " نحن عروبيون والحزب الحاكم ليس عروبيّا فهو يعتبر أنّ تونس أمّة قائمة بذاتها. نحن اِشتراكيون نبحث عن العدالة الاِجتماعيّة على مستوى مجتمع العدل والكفاية والحزب الحاكم حزب ليبراليّ يتوخّى اِقتصاد السّوق" أمّا على مستوى خيارات العلاقات الدّوليّة فقد أماط أُخوّتُه اللّثام عنها مقارنا إيّاها بما يكرّسه الحزب الحاكم فقال "نحن نطالب ونسعى إلى أن تكون أمّتنا موحّدة وأن تكون علاقتنا العربيّة العربيّة هي عمقنا الاِستراتيجي، والتّجمّع الدّستوري الدّيمقراطي لا يعتبر العلاقات العربيّة عمقه الاِستراتيجي بل يعتبر علاقاته مع أوروبا هي عمقه الاِستراتيجي...".
هكذا، تتراءى لنا صورة القدرة العالية للدّيمقراطيّة بمفهومها القيمي على تركيز أرقى للمسار الحضاري الوطني المتضمّن للبدائل الثقافيّة والسّياسيّة والاِقتصاديّة، وذلك من خلال واقعيّة البرامج للاِتّحاد الدّيمقراطي الوحدوي، عبّرت عنها أدبياته وفصّلتها أحاديث وتصريحات أمينه العام الأخ أحمد الإينوبلي في مناسبات عدّة كما سلف. وممّا زاد هذا المسار الحضاري الوطني رقيّا، هو سعي الحزب ونجاحه في النّضال عبر المعارضة من داخل المنظومة السّياسيّة القائمة وليس من خارجها باعتبار أنّ الوحدويين يمثّلون (كما أكّد الأخ الأمين العام لصحيفة الشّروق) "طرفا سياسيّا إصلاحيّا يسعى لتطوير النّظام السّياسي وليس لتقويض أركانه أو إنكار المكتسبات التي حقّقها".
لقد أثبتت الممارسة الدّيمقراطيّة الوحدويّة جدواها ورقيّها حين تمّ تكريسها أوّلا وأساسا على الصّعيد الحزبي الدّاخلي، إيمانا منه بأنّ الدّيمقراطيّة في مفهومها القيمي الموصوف لا بدّ أن تعمّ السّقف الدّاخلي الهيكلي للحزب، وتلمس أبسط خطواته السياسيّة الحزبيّة، ولا أدلّ على ذلك من اعتماده في المرحلة الراهنة، اختيار السّبيل الاِنتخابي الدّيمقراطي لرؤساء القائمات التي سيخوض بها الانتخابات التّشريعيّة القادمة، إيمانا منه "بأنّ الذي يطالب بإرساء الدّيمقراطيّة في الحياة السّياسيّة العامّة عليه أن يمارسها ويعمّقها أوّلا داخل هياكله الحزبيّة" (الشّروق 13/05/2009) فالممارسة الدّيمقراطيّة السّليمة كما يراها حزب الاِتّحاد الدّيمقراطي الوحدوي وعبّر عن خصائصها أمينه العام الأخ أحمد الإينوبلي "هي أسلوبنا في التّعاطي مع مشكلاتنا وكيفيّة إيجاد حلول لها وفق نظامنا الدّاخلي والتزامنا المبدئي بالدّيمقراطيّة منهجا وأسلوبا وسلوكا داخل الحزب وخارجه بعيدا عن منطق المناورة والمزايدة" (نفس المصدر السّابق).
وممّا يؤكّد قيمة هذه الممارسة الدّيمقراطيّة التي اصطبغ بها العمل السّياسي للاِتحاد الدّيمقراطي الوحدوي، عدم تفرّد أمينه العام بالرّأي في تقديمه لترشّحه للاِنتخابات الرّئاسيّة 2009، بل اِعتمد المنهج الدّيمقراطي الذي دعا إليه الحزب واُنبنت عليه برامجه. فمن خلال المجلس الوطني المنعقد بالحمّامات في 16/11/2008 أقرّ أغلب الأعضاء بالتّصويت ترشح الحزب للإنتخابات الرئاسية وذلك ممثلا في شخص أمينه العام الأخ أحمد الإينوبلي، وأقرّ بيان المجلس الوطني في نقطته الأولى بذلك: "مشاركة الحزب في الاِنتخابات الرّئاسيّة لسنة 2009 من خلال ترشّح الأخ الأمين العام والاِستعداد لإنجاح هذه المحطّة السّياسيّة الهامّة بما يضمن مزيد إشعاع الحزب ودعم حضوره الميداني وترسيخ خياراته".
إنّ الممارسة الدّيمقراطيّة السّليمة والتي يسعى حزب الاتحاد الديمقراطي الوحدوي إلى تكريسها سواء في الدّاخل الحزبي الضيّق أو خارجه، تعمل فعلا على أن تدخل في إطار خطّة إستراتيجية عميقة تأخذ بعين الاِعتبار حوار إطارات الحزب وهياكله الحزبيّة مع الآخر في كلّ المجالات، حتّى يتمّ التّوافق الموضوعي الشّامل مع المتطلّبات السّياسيّة والاِقتصاديّة والثّقافيّة التي تحتاجها المرحلة الراهنة التي تمر بها البلاد والأمة العربية... ولذلك كان سعيه واضحا وجليّا في سبيل اعتماد الممارسة الدّيمقراطيّة السّليمة أسلوبا من الأساليب الرّائدة لمعالجة العراقيل والصّعوبات السّياسيّة... رغم أنّ هذا السّعي اصطدم في فترات متباينة بصعوبات شتّى سواء داخليّة خاصّة أو خارجيّة موضوعيّة، حدّت من فاعلية خياره ومنهجه وأضفت بطءا على نسق تطوره وتراكم مكاسبه.
أخبار ليست للنشر
الخبر الأول
من أكثر المصطلحات استعمالا في الإعلام الرياضي هذه الأيام مصطلح "المؤامرة" ومصطلح "القلة المناوئة" أو "الشرذمة" ولولا شيء من الحياء لكان تعبير "الذين يصطادون في الماء العكر" أكثرها شيوعا ، وما التخلي عنه إلا وسيلة للهروب من تهمة "قوى الشد إلى الخلف" نظرا لارتباط هذا التعبير بمرحلة من مراحل تونس يعرفها الجميع وذلك رغم ما تقوم به الدولة من مجهود في مجال البيئة يساعد على معالجة المياه الراكدة حتى لا تتعكّر.
مؤامرة ضدّ هذا الفريق ومؤامرة ضد رئيس الجمعية أو الهيئة المديرة ومؤامرة ضد المدرب ومؤامرة ضد الفريق الوطني ومؤامرة ضد الجامعة والرابطة ومؤامرة ضد التحكيم ألخ... كل هذا تقوم به جماعة قليلة غير مسؤولة تحاول تحريض الجماهير ولكن لا احد يعرف من هي هذه الأقلية لمواجهتها والتخلص منها والقضاء على أسلوبها فينتشر الخير ويستتب الأمن.
الغريب انه لا يوجد مسؤول رياضي واحد أو هيكل رياضي صغير أو كبير لا يحوز على تزكية السلطات المركزية أو الجهوية أوالمحلية وهي التي تسمح له بالترشح أوبالتخلي فكيف للسلطة وما لها من إمكانيات أمنية لا تكشف المؤامرات والمتسببين فيها ؟
الخبر الثاني
الكثير من الوزراء والمسؤولين في عهد الرئيس السابق يدلون بدلوهم في رواية الأحداث وتفسيرهم لما عايشوه وردود فعل السلطة وفي مقدمتها الرئيس بورقيبة.
الكل يحاول إبراز دوره ويلبس ثوب الشجاعة والكرامة ونظافة ذات اليد وقوة الشخصية والكل يحمّل الآخر
- وخاصة من الذين فارقوا الحياة ولا يستطيعون الرد - مسؤولية بعض الأحداث ما عدا بعضها الإحداث التي قد تدين الكل مثل اغتيال الزعيم صالح بن يوسف وأحداث 26 جانفي . ليسمح لنا هؤلاء أن نهمس لهم أن الشعب التونسي يعرف جيدا كيف كان يعاملهم الرئيس السابق وكيف يقع تعيينهم أو عزلهم ولا نريد أن نردد على مسامعهم مثلا شعبيا تونسيا على مقاسهم.
الخبر الثالث
أخبار الشارع والصالونات تفيد بأن مؤسسة إعلامية عريقة ارتأت تضعيف نشاطها مرتين أو أكثر فلم تجد حلاّ في ظل محدودية السوق التونسية وعزوف الناس عن قراءة الجرائد وخاصة اليومية منها. غير إقناع المؤسسات العمومية والإدارات والوزارات باقتناء الجرائد اليومية والأسبوعية عن طريق الاشتراكات . هذا الحل سيمكن المؤسسة من توزيع عدد هائل من الجرائد يوميا
ليت المؤسسة المعنية تطلعنا على الأسلوب الذي اعتمدته في إقناع المسؤولين علّنا نستفيد منه في الترويج .
الخبر الرابع
وزير خليجي تحدث في برنامج مباشر تبثه إحدى الفضائيات حول الخطر الإيراني من وجهة نظر عربية، فكان متحمسا جدا للحديث عن هذا الخطر وضرورة التصدي له إلى درجة استشهد بما جاء على لسان وزير الخارجية الصهيوني الإرهابي "ليبرمان" في وصف هذا الخطر على العرب و"إسرائيل" والعالم الحر ودعا إلى تحالف عربي "إسرائيلي" لمواجهته قبل الحديث عن التسوية بأي شكل.
لا شك أن بعض السياسات الإيرانية في المنطقة معادية لمصالح الأمة ولا شك أن أهداف إيران واضحة في محاولة السيطرة على المنطقة غير أن التحالف مع العدو التاريخي للأمة تحت أي مبرر هو من مخلفات هذا الزمن الرديء الذي سادت فيه الإقليمية وأشباه السّاسة.
الخبر الخامس
أوردت بعض وكالات الأنباء أن بعض الدول العربية تفكر جديا في تقديم مكافأة لدولة العدو الصهيوني إن هي قررت إيقاف الاستيطان وجددت التفاوض مع سلطة رام الله ولو دون نتيجة والمكافأة المقترحة تتمثل في التطبيع وفتح الأجواء أمام الطيران والتبادل التجاري والقيام بزيارات وحتى الاستثمار. الطيبون من المواطنين العرب استبشروا خيرا بقول السيد عمرو موسى بأنّ المبادرة العربية لن تبقى مطروحة على الطاولة إلى الأبد لأنهم اعتقدوا أن النظام الرسمي العربي رجع له رشده واستعاد شيئا من الوعي ولكن غاب عنهم أن سحب المبادرة من فوق الطاولة ليس لإلغائها بل للتعامل معها تحت الطاولة.
هل يمكن للأمم المتحدة أن تتحمل وحدها مشكلات الاستعمار والامبريالية
الهادي غيلوفي
أقامت ممثلية الأمم المتحدة بتونس خلال الأيام الفارطة سلسلة أنشطة ولقاءات إعلامية تمثلت في مجموعة من الندوات فقد نظمت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة ومركز الأمم المتحدة للاعلام –بتونس والمعهد العربي لحقوق الإنسان، ورشة عمل للإعلاميين التونسيين حول قضايا اللجوء والهجرة وذلك يوم الثلاثاء 19 ماي. وافتتحت هذه الورشة بكلمة للأستاذ الطيب البكوش مدير المعهد العربي لحقوق الإنسان تحدث فيها عن أسباب وأنواع اللجوء والهجرة، وقد أكد على أن السبب الرئيسي هو الحروب التي سببت موجات كبيرة من الهجرة القسرية التي تحول بعضها إلى لجوء كما إن الأزمات الداخلية التي عصفت بالعديد من الدول العربية كالجزائر والسودان ساهمت في تفاقم أعداد اللاجئين والمهاجرين كما إن الأزمات الاقتصادية وسوء التنمية ساهمت بدورها في زيادة عدد المهاجرين ولا سيما المهاجرين السريين الذي يركبون قوارب الموت والذين أصبحت أعدادهم تتضاعف في السنوات الأخيرة بعد أن سدت منافذ أوروبا في وجوههم ولكن الاحتلال والاستعمار يظل العامل الرئيس في التهجير ولعل ما شهده العراق من هجرة لآلاف أبناءه يمثل أخر دليل على دور العامل الاستعماري .
كما قدم الأستاذ عبد الكريم الغول المستشار الأساسي في السياسات العامة للمفوضية بجينيف مداخلة بعنوان قضايا اللجوء في الوطن العربي شرح فيها الفرق بين الهجرة واللجوء مؤكدا على الفرق الشاسع بين كلا المفهومين. فاللجوء هو نتيجة احتلال خارجي يحتل الأرض ويقتلع الناس منها ويحرمهم من الرجوع لديارهم وأما السبب الآخر للجوء هو الاضطهاد السياسي القائم على الاختلاف في الدين أو العرق أو الآراء السياسية. إما الهجرة وان كانت قائمة على أسباب اقتصادية قهرية غير إنها تبقي اقل خطورة لان المهاجر بإمكانه العودة لوطنه عندما تتحسن ظروفه المعيشية على عكس اللاجئ الذي لا يتحكم بمصيره .
ثم قدم المحاضر بسطة تاريخية على مسيرة المفوضية السامية التي نشأت بعد الحرب العالمية ثمّ أكد المحاضر على الجهد الذي بذلته الدول العربية بان لا تشمل أنشطة المفوضية الفلسطينيين من اجل عدم بقائهم خارج وطنهم والعمل على إعادتهم إلى أوطانهم ومن ثم تكونت وكالة خاصة تعني بهم وهي وكالة «الأنوروا» ولكن الفلسطيني يصبح من مشمولات المفوضية عندما يكون خارج مناطق عمل «الأنوروا» التي حددت أماكن عملها بالمنطقة المحيطة بفلسطين كالأردن ولبنان وسوريا وفلسطين ذاتها وهو ما خول للمفوضية التدخل أخيرا لحل مشاكل الفلسطينيين الذين علقوا على الحدود العراقية السورية والعراقية الأردنية حيث رفضت كل الدول العربية استقبالهم بحجج واهية كعدم التوطين وهو ما اضطر المفوضية إلى البحث عن أماكن إقامة مؤقتة لهم وقد وجدت ذلك في البرازيل وبعض دول أمريكا الجنوبية وشدد المحاضر على دور الاستعمار في تفاقم مشكلة اللاجئين كاحتلال العراق الذي خلف أكثر من أربع ملايين لاجئ ونازح.
كما قدمت الأستاذة عبير عطافة مديرة القسم الإعلامي للمكتب الإقليمي لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالقاهرة مداخلة حول موارد الصحفيين من تقارير ومقالات إنسانية وقدمت شرحا لكيفية وصول الصحفي للمعلومة خاصة من خلال المواقع الالكترونية للمفوضية وهي مكتوبة بمختلف اللغات مشددة على الدور الكبير الذي يمكن أن يلعبه الصحفي في التعريف بمخاطر اللجوء والتهجير وخاصة تقديم صورة واضحة للمشاهدين والقراء عن معانات ومآسي المهجّرين واللاجئين وتحفيز الناس على تقديم يد العون لهؤلاء الضحايا الذين لا ذنب لهم. كما قدمت الأستاذة "آن مايمان" المنسقة الإقليمية لشمال إفريقيا في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مداخلة حول أهم المشكلات التي تواجهها المفوضية في السنوات الأخيرة أمام تنامي ظاهرة الهجرة المختلطة ( السرية الجماعية) إلى أوروبا عبر مراكب الموت وخاصة مشاكل المحتجزين في جزيرة لامبيدوزا الايطالية التي لا تتوفر فيها أية شروط إنسانية وأكدت على أن هذه الظاهرة تعبر عن حالة التهميش والفقر الذين تعاني منها الشعوب الإفريقية وهو ما يدفع بأبنائها لإلقاء أنفسهم أمام الخطر ويمكن حل هذه الإشكالية عن طريق إيجاد نوع من التعاون الحقيقي بين دول أوروبا وإفريقيا بإحداث تعاون بناء يساهم في تحسين ظروف الحياة للشعوب الأكثر فقرا .
ولعلّ ما طرح في هذه الندوة الصحفية والورشة جدير بالاهتمام ويمكن أن نضيف إليه عدة أسئلة وأفكار نوجزها بما يلي: إن ما تقوم به المفوضية السامية لشؤون اللاجئين و"الأنوروا" ومختلف الهيئات الإنسانية الأممية يعد عملا إنسانيا راقيا لكنه لا يتجاوز تقديم الإسعافات وتضميد جراح مصاب تعرض للاعتداء من ظالم يرفض تحمل مسؤولية أعماله الشنيعة وهو ما يشجعه على المزيد من الاعتداء. فمسؤولية اللاجئين تقع قبل كل شيء على المعتدي ألا وهي الامبريالية العالمية وصنيعتها الكيان الصهيوني والأنظمة الاستبدادية التي تحضى بدعم الامبريالية الأمريكية التي تدعي أنها تعلم العالم مبادئ الديمقراطية. فالمجتمع الدولي عليه مسؤولية يجب أن يتحملها وهي حماية هؤلاء اللاجئين عبر إعادتهم لديارهم من خلال إرغام المحتل بتطبيق قرارات الأمم المتحدة التي تعبر عن إرادة المجتمع الدولي. فالكيان الصهيوني والولايات المتحدة اللذين يحتلان مركز الصدارة من حيث تسببهما في التهجير القسري واللجوء يعدان أكبر متحدي للإرادة الدولية لذلك لا يزال الشعب الفلسطيني يعاني من التهجير واللجوء بعد 61 سنة من النكبة والتي تذكر الفلسطينيين كل عام بمأساتهم وهم لا يزالون يحلمون بالعودة إلى وطنهم ويخرجون إلى شوارع مدن الشتات حاملين مفاتيح منازلهم التي طردوا منها . ولا يزال الكيان الصهيوني يمعن في التنكيل بمن بقي منهم لإجباره على الرحيل ليتمكن من جعل وطنهم فلسطين دولة يهودية. فالأمم متحدة ليست منظمة إنسانية فقط بل يجب عليها العمل على تنفيذ القرارات الصادرة عنها ولا سيما القرارات التي تنص على إنهاء الاحتلال وإعادة اللاجئين والمهجرين إلى أوطانهم ولا سيما الشعب الفلسطيني التي تعرض إلى اكبر مظلمة أو ما يمكن أن يعبر عنها بجريمة العصر.
إن قضيه اللجوء واللاجئين والهجرة والمهاجرين ما هي إلا وجه من وجوه نظام رأسمالي متغول يفتقد للعدالة في توزيع الثروات داخليا وخارجيا فسوء توزيع الثروة محليا يقود إلى هجرة شباب الدول الفقيرة لأن الأقلية تستأثر بالسلطة والمال وغالبية الشعب تعيش حالة من التهميش والفقر اللذين يدفعان الشباب للبحث عن الأمل فيما وراء البحار.
فلا حل لمشاكل الهجرة إلاّ بالتنمية القائمة على العدالة في الحصول على فرص العمل ولا حل لمشكلة اللاجئين إلا بانتفاضة مختلف الشعوب الحية للمطالبة بعدالة دولية تنهي الدكتاتوريات والاحتلال ليعود كل لاجئ إلى وطنه معززا مكرّما.
منارات
بمناسبة مائوية المسرح الوطني: تاريخ ملحمي لكسب معركة الهويّة والتقدّم.
كمال الساكري
ليس من المبالغة في شيء إذا قرّرنا أنّ دور المسرح الوطني في صراعه ضدّ الاستعمار المباشر ثم إبان الاستقلال السياسي واسترداد السيادة الوطنية وبناء الدولة ودمقرطتها وتقدّمها لا يكاد يضاهيه قطاع آخر من فضاءات الثقافة والتنوير والتوعية والإصلاح وتهذيب الذوق وتطوير الحياة السياسية والمدنية.
فكل الفنون من شعر وأدب وسينما ورسم ونحت وسينما جداول تصب في نهر المسرح الزاخر بالحياة والخلق.
فلقد وعى المسرحيون التونسيون منذ حداثة عهدهم قضيتهم الأساسية في معركة الشخصية الوطنية التونسية باعتبارها تجليا من تجليات الشخصية الحضارية العربية الإسلامية فركزت المسرحيات على التراث القومي واللغة القومية العربيتين وألحت عليهما اعتزازا بالهوية الوطنية والحضارية ونضالا من أجل تحقيقها في ظلّ استعمار ثقافي يريد ان يلحق الشعوب المستعمرة بثقافة المستعمر الباغي ويصبح أجداد التونسيين والجزائريين والمغاربة هم شعب "الغال" عوضا عن فخطان وعدنان ويعرب...
أما الدين فلا مناص للشعوب المستعمرة من التجنيس ودخول "الدين" المسيحي أفواجا والإنسلاح عن الإسلام كما نادى الآباء المؤسسون للمسرح الوطني بالحرية والاستقلال من خلال اقتباس المسرحيات المتغنية بتلك القيم تعريضا وتلميحا لمطلب الحرية المركزي الذي ينشده شعبنا آنذاك فمنذ 1910 تم تأسيس جمعية مسرحية تونسية أطلق عليها "الشهامة التونسية وقدّمت مسرحيّة "صلاح الدين الأيوبي"" ثم مع العشرينات تكونت "جمعيتا الآداب العربية والشهامة العربية " وأشرف على مجلس إدارتهما رموز وطنية وعروبية من بينهم الشيخ عبد العزيز الثعالبي وعلي عبد الوهاب... أما إبان الاستقلال وخلال بناء الدولة الحديثة فإن مجهودات المسرح الوطني وفنانيه من رجال ونساء فقد تضاعفت لما يتطلبه الواقع الجديد من إزالة آثار الاستعمار المعنوية والثقافية من جهة وغرس قيم ومبادئ وأفكار وطنية جماهيرية في ظلّ شعب يخرج من براثن الاستعمار البغيض متهالكا خاويا إلاّ من إيمانه بذاته ووطنه.
ولقد برهن المبدعون والمبدعات من المسرحيين والمسرحيات على حس فنّي مرهف وحماسة وطنية لا مزيد عليها فأسّسوا الفرق المسرحية وانتشروا في المدن والقرى والأرياف وانكبّوا على العمل والاجتهاد والالتصاق بالشعب أينما كان فعرفنا المبدع الكبير علي بن عياد والمنصف السويسي وحمادي الجزيري وعلي اللواتي وفرج شوشان وتوفيق عبد الهادي ثم الفاضل الجعايبي والفاضل الجزيري وعبد القادر مقداد ولمين النهدي إلخ ...الذين سرعان ما أثمرت اجتهاداتهم ومجهوداتهم أعمالا مسرحية خالدة مثلت اللغة المشتركة للشعب لغة الوطنية والعقلانية والحداثة والعدل والمساواة ولم تقتصر تأثير هذه الإبداعات على الوطن وإنّما أشعّت على المغرب والمشرق العربيين وخلقت أجيالا مثقفة متحمّسة لتفعيل الحرية والديمقراطية في وطننا إضافة إلى ضرورة بناء نهضته الشاملة .
وبالرغم من العراقيل التي صادفت هؤلاء المسرحيين من سجون وإقصاء وتهميش لحظة انغلاق الحزب الحاكم عهد بورقيبة في السبعينات ورفضه للرأي الآخر فإن المسرحيين صارعوا صراعا مرّا سقط فيه بعض الشهداء وانخرط البعض الآخر في فرق خاصّة من أجل خلق بديل إزاء غلق الإذاعة والتلفاز أمام المناضلين الرافضين للدكتاتورية البورقيبية واقتحم بعض المسرحيين السينما كفضاء تعبير إضافي لإبلاغ الرسالة الفنية الهادفة.
وكلما انغلق فضاء أمام المسرحيين ابتكروا حلا جديدا فعرفت العقود الأخيرة موجة المسرحيات الفردية النقدية الهادفة مثل "المكي وزكية " "في هاك السردوك نريشو" ومسرحيات بن يغلان الاجتماعية الساخرة والأعمال الإبداعية لفاضل الجعايبي.
إن احتفال تونس بمائوية المسرح فيه تقدير للمبدعين والمسرحيين وعرفان بدور هذا الفن الأصيل في بناء الوطن ودمقرطته وتطويره.
العناية باللغة العربية : الطفولة أوّلا
سامية زواغة
نظرا لما يشهده الواقع الحضاري للأمة العربية من تحديات وتطورات تنوّعت البحوث والدراسات والمؤتمرات ذات العلاقة بمستقبل فكرة العروبة والقومية وكان لبحث اللغة الأولوية في الدراسة على غرار ما حدث في المؤتمرين المنعقدين في كل من القاهرة والدوحة حول اللغة العربية بين الموجود والمنشود وهو نفس الموضوع الذي رأيت أنه من الضروري البحث فيه خاصة وأن لغة الأمة اليوم في خطر، وإن كان هذا الحاضر لا يسر فإن المستقبل مرهون بجهود المهتمين بتدارك الوضع وإصلاح ما يستدعي الإصلاح بإرادة جماعية وبقرارات ملزمة للجميع سواء ذلك على المستوى القومي أو الوطني.
إن اللغة ليست ألفاظا وصيغا وأساليب فحسب ولكنها مكوّن من مكونات الأمة ومقوّم لوجودها المعنوي وحجر الزاوية في بنائها الثقافي والحضاري والركن الأساسي في كيانها الإسلامي وانسجامه باعتبار أن اللغة العربية هي المقوم الثاني بعد العقيدة الدينية وعندما يتعرض أي مجتمع لغزو يورث الهيمنة على مقدراته واختراق خصوصياته تمتد آثار ذلك كله إلى الهوية والثقافة والفكر وإلى اللغة في المقام الأول، والأمم النامية التي تتعثر في خطواتها نحو استكمال شروط التنمية المتوازنة المتكاملة هي الأكثر من غيرها تضررا من آثار هذا الغزو الذي يتخذ أشكالا متعددة، لذلك أرى أن حساسية هذا الموضوع وخطورة الوضع يستدعيان بحث قضية اللغة العربية على أعلى المستويات خاصة ونحن ننظر اليوم إلى لغة الطفل لنرى أنها تشكو حالة من الهشاشة اللافتة للنظر والمنذرة بالخطر بسبب نشوء ظاهرة التلوث والفساد اللغويين اللذين لا يقلان خطورة عن أي نوع من التلوث الذي تعرفه المجتمعات الحديثة والطفل هو أول المتضرّرين من هذا لأنه يجد نفسه أمام وجود اللهجات الدارجة والعامية والمحكية من اللغة الأم ووجود اللغة الفصحى المكتوبة واللغات الأجنبية التي تنتمي في الغالب إلى القوى المهيمنة المحيطة بالمجتمع وبهذا المنظور تصبح اللغة هنا هي الداء والدواء في نفس الوقت لأن بها كل مفاتيح البناء الفوقي والفهم البشري ومفاعيل الهوية الذاتية والجمعية.
وفي خضم هذا الوضع الذي يشكو فساد اللغة وتمزقها كما يقول فقهاء اللغة وعلماء الاجتماع يصبح السبيل سهلا جدا لاستلاب الهويات وإضعاف الشخصيات لإكراه الأفراد والجماعات على الذوبان في الثقافة الأجنبية التي تغزو اللسان قبل الجنان وهذا يبدو جليا عندما نرى أن كثيرا من الدول الأوروبية تنفق على نشر لغتها في أنحاء العالم أضعاف ما تنفقه على تعليم لغتها لمواطنيها بل وتحمي لغتها بالقانون فلا يمكن أن يسكت المجتمع عن خطأ ورد في وثيقة رسمية أو على لسان مسؤول في الحكومة لأنهم هناك يعدون المسّ بسلامة اللغة انتهاكا للقانون وعدوانا على السيادة الوطنية.
في حين أنه و في مجتمعاتنا العربية يسبب الضياع والفساد اللغوي إضعافا لمقومات الكيان الوطني والقومي فتضعف بالتبعية الخصوصيات الثقافية والحضارية وخير دليل لنا على ذلك ما تشهده لغة الشباب في المدارس والجامعات بحيث أصبح الوضع خطيرا على شتّى المستويات مما يستدعي المعالجة الحازمة وبقرارات ملزمة لحماية الهوية الثقافية والحفاظ على السيادة الوطنية والأمن على واقع اللغة العربية في الوقت الراهن وتحديد أدوارها ووظائفها في تشكيل هوية العربي إضافة إلى الثقافات الأجنبية حتى نستطيع الوصول إلى إيجاد حلول وإصلاح اللغة من جميع النواحي من حيث هي لغة قابلة للتجديد والتطوير والتيسير ونرى أيضا ضرورة تأسيس سلطة لغوية أو ضوابط لغوية للجهات المسؤولة عن الحفاظ على سلامة اللغة العربية حتّى لا نتعامل مع أمور اللغة من منظور جزئي أو ثانوي لا يتناسب مع ما تطرحه اللحظة الراهنة من تحديات وأن الإصلاح يجب أن يواكب ويتزامن مع بقية الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وفي هذا الربط بين الإصلاح اللغوي وبقية الإصلاحات الضرورية في واقع البلاد وعموم المجتمع الأمر ليس أمر لغة في حاجة إلى إصلاح وتقويم أو أمر ثقافة لغوية ينبغي أن تسود فحسب وإنما الأمر يكتسب طابعا مميزا يرقى إلى مستوى الأمن القومي بالمعنى العربي العام تكون العناية فيه موجهة للطفل وإصلاح لغته وتحبيبها له ننطلق في ذلك خاصة من الحضانات ورياض الأطفال في المدارس ثم يستوي في الجامعات إلى أن ينضج في وسائل الإعلام التي تستعمل اللغة العربية على أن يتوازى ذلك مع التركيز على مناهج تعليم اللغة في كليات التربية والمدارس العليا وللمدرسين والأساتذة بل وأيضا طرح توصية لوزراء الثقافة والإعلام بفرض نوع من الرقابة اللغوية على المنتجات الثقافية المذاعة والمطبوعة للطفل العربي دعما للغة الفصحى باعتبار أن لها الدور الهام في تنمية الفكر واستيعاب العالم من حولنا كما أنها وسيلة البشر لممارسة الإبداع.
أهميّة الاستحقاق السياسي القادم في تونس
زمنا ومقاربة
بقلم صالح التايب

لم يعد يفصلنا الكثير من الوقت على موعد الاستحقاق السياسي القادم الذي سوف تشهده تونس خلال شهر أكتوبر وهو حدث هامّ بمقاييس عديدة.
1 – لأنه يشمل الحراك الذي سيحدثه في أهم المؤسسات السيادية (المؤسسة الرئاسية والمؤسسة التشريعية).
2 – لأنه سيشكل اختبارا لأحزاب المعارضة أساسا وكذلك للحزب الحاكم وعن مدى قدرتهم على الانتشار كمّا ونوعا وعلى استنباط برامج تعالج القضايا المطروحة وطنيا كما يكشف أيضا مدى تمثّلهم بمنهج التعدّديّة سلوكا وخطابا.
3 – لأنه يأتي إستكمالا لمشوار طويل من الخيار التعدّدي ممّا يجعله محرارا لقياس مدى نضج هذا الخيار.
4 – لأن البرنامج الانتخابي الفائز سيصبغ البلاد بلونه على مدى الخمس سنوات القادمة.
5- لأنه يأتي أيضا في ظلّ منعطف تاريخي يمر به العالم ولّد وضعا مليئا بالتناقضات حتى تنغمس أكبر قوّة في العالم ومعها الحلف الأطلسي في حرب مباشرة في أكثر من مكان في الوقت الذي تئنّ فيه تحت وطأة أزمة مالية لم تشهد لها مثيل منذ 1929 هزّت بعمقها وأتّساعها كافة أرجاء المعمورة في حين يشير الوجه الآخر للصورة إلى تنامي المدّ القومي الاشتراكي في أمريكا اللاّتينية وإلى ارتفاع الدعوات المنادية بإعادة الدّور للدّولة في تصريف بعض القطاعات بلغ حدّ المناداة بالتأميم في اتجاه معاكس تماما لدعاة الليبرالية.
أما عربيا فإنّ المشهد أكثر مأساوية حيث يعتري الناس الخوف من تشضّى الدولة الإقليمية تحت مظلّة حقوق الأقليات والمذاهب والطوائف ويتصاعد التطرف داخل الكيان الصهيوني في أجواء تشبه آخر أيام "دكلارك" في جنوب إفريقيا في ظلّ "نظام الأبارتايد" في وقت بلغ فيه الموقف الرسمي العربي حدّا من الخنوع تُرجم بتهنئة المجرمين الصهاينة بذكرى النكبة في محاولة يائسة من هذا النظام لاستجداء العدوّ بالحفاظ على مسار التفاوض الشيء الذي مهّد إلى انحسار في قوى الاحتجاج والمقاومة التقليدية لصالح التيار الأصولي مستفيدا من تعثّر برامج التنمية وعجزها عن التصدي للبطالة والفقر والأمية ، وممّا تقدّمه الآلة الإعلامية الأمريكية في هجمتها على أفغانستان والصومال والعراق وباكستان من مادّة إعلامية تجعل منه - في انتقائية محسوبة - عدوّها الأوحد.
عطفا على ما سبق ذكره من أهمية لهذا الحدث في ظلّ المشهد العربي والعالمي المفتوحين على أكثر من احتمال تكتسب المستويات الآتي ذكرها أهميتها وجدواها ضمن أي مقاربة.
1 – المستوى الثقافي والسياسي:
لا يمكن مواجهة هذه الظروف والتصدّي لها في غياب رؤية فكرية جامعة تأخذ بعين الاعتبار الواقع وتستشرف المستقبل مما يستدعي إعادة الاعتبار للميثاق الوطني بإعادة قراءته و تحيينه على ضوء ما هو قائم وعلى الاحتمالات الممكنة بحيث نتمكن من التأسيس لخطاب سياسي ذا مرجعية فكرية واضحة وعمل سياسي ثابت ينأى بنفسه عن التردّد والارتباك و يحدّد الثوابت التي لا محيد عنها تحت أي ظرف ويرسم المتغيرات التي يمكن التعاطي معها بمرونة.
2 – المستوى الإعلامي:
يتيح لنا المرجع الفكري الآنف الذكر أنتاج خطاب إعلامي داخلي واضح يعبأ الناس حول القضايا الوطنية ويشدّ من عزمها للتمسّك بعرى التضامن الوطني ويعمّق الحوار في إطار من التعددية الملتزمة بالوحدة ويؤسس لخلق إنسان مدني متحضر، قيما وسلوكا، متجاوزا عن وعي ثقافة الاستهلاك وإعلام التجارة والابتذال أمّا خارجيا فيعطينا القدرة على تسويق أنفسنا بكل كبرياء كذات وهوية ملتزمة بما يحتمه الانتماء والمصير من حقوق وواجبات تجاه أنفسنا وتجاه العالم.
3 – المستوى التربوي والتعليمي:
التعليم والتربية: من حيث إنهما استثمار في الإنسان بامتياز، وليس أي إنسان، إنّما إنسان الغد الذي نؤهله ليحمل مشعل الرسالة جيل بعد جيل ولكي يتم التواصل معه سلسا وألاّ يحدث انفصام فيه، يجب أن يحفر التعليم والتربية عميقا في النفس تثبيتا للهوية، ومن هنا يأتي الاهتمام باللغة العربية وتنزيلها المكانة التي تستحقها في برامج التعليم من المراحل الأولى إلى آخر المراحل فيه كمادّة أساسية لذاتها أو كأداة لنقل بقية العلوم، حيث يعاني التلاميذ والطلاّب ، إلاّ ما ندر، ضعفا كبيرا في امتلاك اللغة تحدّثا وكتابة، ويصل الأمر أحيانا إلى حدّ التلكّؤ في القراءة ممّا يستدعي إعادة الاعتبار إلى القراءة بالتهجّؤ عوضا عن القراءة الشمولية ولِمَ لا ردَّ الاعتبار للكتاتيب لما لها من دور مشهود في هذا الإطار وفي صقل مواهب النشء في رسم الخط الذي يشهد بدوره ميلا نحو الرّداءة في رسم الحروف وإعطائها أحجامها الحقيقية عند الكتابة.
4 – المستوى الاقتصادي والاجتماعي:
بعد أن تجاوزت المضاربات الدّولية نطاق التجارة والصناعة لتستهدف حبّة الدّواء ورغيف الخبز، وسعيا وراء تأمين حاجاتنا من هذين المادّتين يتعيّن رسم سياسة فلاحية على أساس الإنتاج من أجل إشباع الحاجات الوطنية المتجدّدة فقط والتعويض عن الإيرادات من العملة الصعبة المتأتية من هذا القطاع بخلق بدائل أخرى وتكثيف الاستثمار في صناعة الأدوية ولو بتحفيز شركاء للانتصاب ببلادنا نظرا لما يتواجد عندنا من مزايا اقتصادية ويأخذ هذا التمشّي حجمه الحقيقي إذا اندرج في إطار تصور أشمل لسياسة اقتصادية يكون للدّولة فيها النصيب الأوفر من حجم الاستثمار والتشغيل وتنحو تدريجيا نحو الفكاك من كمّاشة الاندماج في السوق الدّولي باتجاه شراكة متكافئة مع المحيط العربي الإفريقي خاصّة إذا علمنا أن المواطن في تونس يخصّص قرابة 35% من دخله في الإنفاق على الغذاء وما يقارب 12% على العلاج، ممّا سيكون له انعكاس إيجابي على حماية القدرة الشرائية للطبقة الفقيرة والوسطى ومن ثمّة على التوازن الاجتماعي برمّته مع تعزيز ذلك أيضا بتنمية جهوية متوازنة تحدّ من النزوح باتجاه المدينة خاصّة في المناطق التي ترتفع فيها نسبة الحضر على الريف إلى ما فوق المعدّل الوطني وذلك بتنويع الأنشطة الاقتصادية بها حيث تشهد في معظمها تضخّما للقطاع الخدمي على حساب بقية القطاعات الاقتصادية الأخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.