كان بن لادن يعرف دون شكّ الآية التي تقول:" و إنّ أوهن البيوت لبيت العنكبوت" فنأى بنفسه عن الارتباط بالشبكة العنكبوتيّة العالميّة و قد أدرك الجميع خطورتها في تعقّب بني البشر و الإحاطة بهم و محاصرتهم. و لكنّ أعداءه ظلّوا يبحثون عنه شبرا شبرا، بيتا بيتا فاستغرق المسح 10 سنوات قبل أن يصلوا إلى الزنقا التي يقيم فيها. و قد كان لغياب الإنترنت دور في هذا النجاح رغم تأخّره كلّ هذه السنوات، فالبيت الحصين الذي أقام فيه أسامة لم يكن متصلا بالشبكة التجسّسيّة فكان ذلك كافيا للشكّ و الظنّ و مزيد التعقّب و التساؤل حتّى عن قمامة البيت التي حدّد مصيرها مصير العدوّ الأوّل لأمريكا. الدرس الذي نخرج به من هذه النهاية التي آلمت بعضنا و أراحت بعضنا الآخر أنّ التعقّب و الملاحقة الإلكترونيّة بواسطة النت لا تستثني أحدا من الذين يتمتّعون أو لا يتمتّعون بخدماتها فجميع العناوين التي تخصّنا و كلّ الصور الثابتة و المتحرّكة التي تبادلناها مع أصدقائنا و دردشات أبنائنا و نسائنا و حديثهم عن أهوائهم و أهوائنا، كلّ ذلك عليه رقيب عتيد يحصيه و يبوّبه في انتظار يوم الحساب. لا تقل إنّك في مأمن لأنّك لم تفتح حسابا على المواقع الاجتماعيّة فغيابك عن الفايسبوك مثلا غير صحيح لأنّ غيرك سيتحدّث عنك و يكشف أسرارك و ينشر حتى صورك، قد يكون جارك أو تلميذك أو صديقك أو عدوّك أو ابنك أو أبوك، فابتسم إذن فكلّنا دخلنا الفايسبوك. جوجل الباحث العظيم مسح الأرض شبرا شبرا و هو يلاحقك بخرائطه عالية الدقّة، و بما تدوّنه و ما تقرأه في أيّة لغة كانت لأنّه سيترجمه إلى أيّة لغة تكون و سيأتيك بالصورة و الخبر عنك و عن غيرك و يعلمك إن فتحت مدوّنة عنده بمن يقرأها محدّدا بلدانهم و مصدر دخولهم في صفحتك حتّى أنّني فوجئت بقارئين أو ثلاثة يواظبون على دخول مدوّنتي من سنغفورة فشعرت بالدهشة أوّل الأمر ثمّ برغبة في التواصل معهم. فكم أنت عجيبة و خطيرة أيتها التكنولوجيا! كان أسامة بن لادن يعرف كلّ ذلك فاعتقد أنّ الحلّ في عدم الدخول إلى عالمهم الافتراضيّ حتّى بالأسماء المستعارة فالأكيد أنّهم قادرون على فكّ شفراتها. و مع ذلك أخطأ في تقديره و حرصه لأنّ عزلة المسكن و انغلاق أهله على أنفسهم جلب إليهم كلّ الشكوك فبحثوا حتّى عن قمامتهم التي لم يجدوها. غياب الإنترنت و غياب القمامة سهّل العثور على أسامة و قتله، لكنّ دفنه في البحر إن كان ذلك صحيحا سيعدم أثره نهائيّا حتى لا يقرأ أحد الفاتحة على قبره أو يكون مزارا لمن يراه بطلا. دفنه في البحر الذي يغطّي 70 % من كوكبنا يهدف إلى التعجيز عن الوصول إلى جثّته لمن يرغب في ذلك و يغري البقيّة ممّن يكتبون و يبحثون بأن يكون شاغلهم الأوحد لسنوات أخرى هو بن لادن حيّا و ميّتا . و هذا فخّ من جملة الفخاخ التي تنصب لنا فنقع فيها بسرعة. إنّهم أذكياء فعلا ما داموا ينجحون في تقديم خبر منقوص أو مشكوك في بعض تفاصيله ليشغلوا العالم بمواصلة البحث في جوانبه الغامضة أو المجهولة فإذا بنا نبحث عن سراب بينما يواصلون هم تعقّب آثارنا و رصد حركاتنا و سكناتنا. أنا شخصيّا سأكتفي بهذا الذي كتبته عن أسامة لأنّ ما يشغلني الآن هو القذاّفي و الأسد ، فتعقّب بن لادن شبرا شبرا، بيتا بيتا، استغرق عشر سنوات تقريبا و هذا مخيف للشعبين الليبيّ و السوري إذ في صورة بقاء معمّر و بشار في السلطة و إصرارهما على تطهير بلديهما فإنّ المأساة قد تستغرق أضعاف ما استغرقته عمليّة البحث عن أسامة، لكنّ الطريف في هذا المأزق أنّ المخرج قد يأتي من الإنترنت إذا ما واصل المدوّنون نضالهم لكشف الجرائم و الانتهاكات التي تجري على الأرض بالصوت و الصورة. و تبقى المعادلة هي نفسها قمامة و إنترنت، فالسلطة الحاكمة في ليبيا أو سوريّة تتعامل مع شعبها باعتباره قمامة و تريد تطهير البلد منها، و الشعب يحاصر جلاّديه بصور جرائمهم التي تنشر على مواقع النت. و الغلبة في النهاية لمن يحسن التعقّب والعقاب.