عندما أراد بيتر متى الاطمئنان على سلامة محصوله في أرض له على مشارف العاصمة المصرية في أعقاب الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك من الحكم قابله خمسة من الدخلاء ومعهم بنادق. قال واحد من المجموعة التي تعدت على أرضه وكانوا يصوبون بندقية إليه "ما الذي تفعله على أرضنا؟" وكان ذلك في مارس/آذار. وشأن متى شأن الكثير من المصريين فإنه كان يتمنى أن تكون هذه مشكلة مزعجة مؤقتة نتيجة للفراغ الامني الذي تسبب فيه انسحاب الشرطة من الشوارع بعد أن فقدت السيطرة خلال الاحتجاجات التي أطاحت بمبارك في 11 فبراير/شباط. عادت الشرطة الى مواقعها لكن متى لم يتمكن بعد من استعادة أرضه. وعندما حصل على امر باخراج المتعدين على أرضه طلبت هذه المجموعة منه أن يدفع ستة ملايين جنيه (مليون دولار) وهددت أسرته. وعندما تمكنت الشرطة من طرد هذه المجموعة عادت مرة اخرى في وقت لاحق. وقال متى "نعاني بشدة من القوة التي أصبح يمارسها هؤلاء البلطجية على الارض بينما نراقب نحن الوضع ولا حول لنا ولا قوة..لكننا نشعر بقلق اكبر من الافتقار الى الامن القومي". وربما يكون متى مثلاً صارخاً للانفلات الأمني. لكن هناك احداثاً أخرى مماثلة اذ تحدث مصريون يعيشون على مشارف القاهرة عن مهاجمة عصابات مسلحة لهم. كما يفر سجناء من السجون وارتفع معدل الجرائم المسلحة في المدينة. لجأ بعض المصريين الى شراء الاسلحة سواء بطرق قانونية أولاً لحماية أنفسهم بل ان البعض يترحم على أيام الدولة البوليسية في عهد مبارك. وفي الوقت الذي يسعى فيه المصريون جاهدين لارساء الديمقراطية بعد الاطاحة بمبارك فانهم يجدون صعوبة بالغة في اعادة النظام والثقة في اقتصاد يعاني من أزمة كبيرة بعد أن حزم السائحون حقائبهم وفر المستثمرون. وقال انجوس بلير من بلتون فاينانشال "انها قضية رئيسية نسمعها في كل مكان تقريبا أنه من الضروري أن يكون هناك امن وسيادة للقانون. وهناك أقاويل عن زيادة الجريمة في مصر التي عرف عنها ان معدل الجريمة فيها منخفض على وجه الخصوص وما زال أقل من المعدل العالمي". من المعتاد حدوث سرقة سيارة او سطو مسلح في مدينة كبيرة في اوروبا او أميركا لكن بالنسبة للمصريين الذين اعتادوا على شوارع تندر فيها حوادث السرقة بالاكراه أو غيرها من الجرائم فان ذلك يمثل صدمة حضارية. وأضاف بلير ان مشكلة الامن تقلق على وجه الخصوص المستثمرين المحليين الذين يسمعون عن مثل تلك الحوادث في الاحاديث اليومية. وفي استطلاع للرأي نشرته صحيفة الاهرام كان اعادة الامن المطلب الاول للمصريين الذين شاركوا في الاستطلاع. ومع انسحاب المستثمرين من مصر باعداد كبيرة واقتراب الانتخابات اقترح المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي يتولى شؤون البلاد في الوقت الحالي اتخاذ اجراءات امنية أكثر صرامة وألقى بثقله وراء قوة الشرطة. وانسحبت الشرطة من الشوارع بعد أيام من انطلاق الانتفاضة ضد حكم مبارك في 25 يناير/كانون الثاني وفقدت السيطرة على الاوضاع وتولى الجيش المسؤولية الامنية. ورغم عودة الشرطة فان معنويات أفراد الشرطة وقدرتهم على السيطرة على الوضع الامني اهتزت. وقال جمال عبد الجواد رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ان معنويات الافراد الذين يعملون في الشرطة متدنية ولم يتلقوا التدريب اللازم أو يحصلوا على الاطار القانوني الذي يتعين عليهم العمل بموجبه. وفي محاولة من الحكومة المصرية لاعادة الثقة أصدرت أمراً يسمح باستخدام الشرطة للقوة لمساعدتها على القيام بواجبها في حفظ النظام وحماية المواطنين. ويقر ضباط الشرطة بالتحدي الذي يواجههم. وقال ضابط طلب عدم نشر اسمه "هناك خوف عام بين أفراد الشرطة من استخدام القوة لكن بعد أن قالت الحكومة انها ستنفذ القانون وتمكن الشرطة من مواجهة الجرائم فستكون قادرة على العودة للعمل وسيكون وجودها ملحوظاً". لكن البعض يعتقد أن اعادة المصداقية المنهارة للشرطة ستستغرق وقتاً اطول. وتقول جماعات لحقوق الانسان انه لا يمكن العودة الى الاساليب السابقة التي تعود لعهد مبارك عندما كان العاملون في الشرطة الذين يتلقون أجوراً متدنية يتقاضون رشى أو يلجأون للتعذيب للحصول على اعترافات وكانوا يقمعون المعارضة بوحشية. وقال مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان في خطاب الى مجلس الوزراء "تنطلق المذكرة من اعتبار أن الضعف الحالي لاجهزة الامن يرجع بالاساس الى أسباب سياسية تتصل بفجوة الثقة المتواصلة لعدة عقود التي لم تتم معالجتها بين الشعب والشرطة...وأن علاج هذه الفجوة هو بالاساس سياسي ولا يمكن تسكينه بمجرد زيادة عدد أفراد الشرطة ومعداتهم". ويقول محللون انه كلما طالت فترة ضعف الامن كلما صعب احكامه لاحقاً. والثقة ليست موجودة لدى الجميع في مدى سرعة السلطات في الوفاء بوعودها مما يشعل التجارة المشروعة وغير المشروعة في الاسلحة. وقال رجل أعمال عمره 50 عاماً طلب عدم نشر اسمه "خلال الثورة عندما تم اقتحام مخازن اسلحة الشرطة وصل الكثير من تلك القطع الى السوق السوداء لان الناس يسعون الى تحقيق الربح في اوقات الاضطرابات". وقال انه عرض عليه بندقية يكون سعرها في العادة 15 ألف جنيه (2500 دولار) مقابل ألفي جنيه فقط. وأطلقت وزارة الداخلية برنامج "الامن للجميع" الذي سيعرضه التلفزيون المصري حيث يمكن ان يتحدث المواطنون عن أي شكاوى بشأن الأمن. وقال المهندس احمد صفي الدين "تحسن الوضع الامني لكن لن نكون في أمان لوقت طويل. لا اعتقد أننا سنكون آمنين كما كانت الحال". وأخرج أفراد أسرته بندقية قديمة كانت الأتربة قد تراكمت عليها ونظفوها واشتروا طلقات جديدة عندما سمعوا أن هناك مسجونين هاربين. وقالت وسائل إعلام ومصادر أخرى ان سجناء في أربعة سجون على الاقل فروا. وأضاف صفي الدين "مع وجود هذا العدد من الاسلحة في الشوارع..من الصعب جداً جمعها". وتنظم وزارة الداخلية باحكام مسألة حيازة السلاح لكن كثيرين يتجنبون الاجرءات الرسمية لترخيص الاسلحة. وقال محمد فيصل (20 عاماً) الذي يحمل مسدساً للحماية وساعد صديقاً له في العثور على سلاح بشكل غير مشروع "هذا وقت السلاح الناري..الجميع يعلم ذلك. اذا كنت تريد سلاحاً حقاً فلا يوجد وقت أنسب من الآن للحصول على واحد". ومضى يقول "كانت رخيصة وموجودة في كل مكان". وتابع "أصبح الوضع الآن أصعب قليلاً لأن الشرطة عادت للشوارع وأصبح البيع والشراء أكثر صعوبة لكن هذه التجارة ما زالت رائجة".