بين رافض ومثمن للمبادرة وتكييفها محليا: المراجعات الليبية تفجر المسكوت عنه بين جهاديي المغرب عبد اللاوي لخلافة فجر رأي عبد الوهاب رفيقي الملقب بأبي حفص المغربي، أحد المعتقلين في ملف السلفية الجهادية بالمغرب، في شأن المبادرة التصحيحية للجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، وتثمينها وإمكانية الاستفادة منها الخلاف داخل التيار الجهادي المغربي. وفي وقت اعتبرت فيه مجموعة تطلق على نفسها "أسرى التوحيد والجهاد في السجون المغربية" أنها غير معنية بالمراجعات التصحيحية الليبية؛ لكونها "إضافة جديدة لفقه الهزيمة المرذول" والتدجين والتتويب، كما تتضمن "انحرافات عقدية خطيرة، واستسلاما ينافي عقيدة الولاء والبراء وأسس دعوة ملة إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام"، كذبت مجموعة "معتقلي الرأي والعقيدة بالسجون المغربية" -التي تنسب إلى الشيوخ: الفيزازي، والحدوشي، وأبي حفص، وحسن الكتاني- الاتهامات الكاذبة لمجموعة التوحيد، مؤكدة على أن مراجعاتها تنبني على ثلاث ركائز مختصرة ومقصدية، وهي: نبذ تكفير المجتمعات الإسلامية، ورفض العمليات العشوائية التي تستهدف الأبرياء، وعدم رفض شكل النظام الملكي بالمغرب ما أقام الدين ووحد الأمة
من اليمين( أبو حفص والكتاني) . وكان أبو حفص رفيقي قد صرح ليومية التجديد في سبتمبر الماضي إمكانية الاستفادة من التجربة الليبية وتفعيلها بالمغرب؛ مما جر عليه انتقادات وضغوطات من لدن الرافضين لأي مبادرة لحل الملف. رفض مطلق للمراجعات وفي رسالة بعنوان: "أسرى السلفية الجهادية المغربية يؤكدون رفض التراجعات المنسوبة إليهم" أكدت المجموعة عدم موافقتها على مراجعات الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة وتصريحات بعض مشايخ السلفية الجهادية في المغرب (أبو حفص). وأشارت الرسالة، التي نشرها مركز المقريزي للدراسات التاريخية "www.almaqreze.net" بدون تذييلها باسم مرسلها، إلى رفض معتقلي المجموعة "القاطع لهذه المزايدات المجانية والمجانبة للصواب، والبعيدة عن واقعنا المغربي"، مؤكدة أن "السواد الأعظم من السجناء ضمن ملفات السلفية الجهادية المغربية يرفضون هذه التراجعات، ويعتبرون أنفسهم غير معنيين بها ما داموا أعلنوها للعالم مرارا بحسبهم ضحايا انخراط المغرب في مسلسل مكافحة الإسلام تحت يافطة الإرهاب وفق مقررات مؤسسة راند". وذهبت إلى أن "المنعطف الكبير الذي نمر منه اليوم يحتاج من كل الصادقين وقفات تأمل عميقة لإيقاف المد المتنامي للمؤامرات التي تحاك ضد المنهج الجهادي بصفة عامة، والطليعة المؤمنة التي ترسف في أغلال الأسر داخل السجون بصفة خاصة". وأضافت الرسالة أن أبا حفص "لا يعبر في هذه الخرجات الإعلامية إلا عن نفسه ومن معه في مبادرته وهم 16 معتقلا، وقد أكد على هذا المعنى في كثير من بياناته، وعليه فتراجعاته لا تعنينا لا من قريب ولا من بعيد". مجموعة من معتقلي السلفية الجهادية بالسجون المغربية واعتبرت الرسالة مبادرات أبي حفص في دعوته لتفعيل المراجعات الليبية محاولات متكررة "لإقحامنا في المسلسل المبير للتراجعات"، وعملا مرفوضا شرعا وعقلا ومنطقا؛ فقد وصله بما لا مجال للارتياب فيه رفضنا لمشاريعه الانهزامية، سواء بإبلاغه مباشرة، أو من خلال البيانات المنشورة والصادرة عن الأسرى ومن يتصدى للرد عليه من أفاضل الإخوة الموحدين في السجون". وأفادت الرسالة: "إننا في السجون المغربية لا ولم ولن نبارك المراجعات الليبية، ولا تعنينا لا من قريب ولا من بعيد، وبعد اطلاعنا عليها من خلال ما نشر في الإعلام نزداد تشبثا وقناعة بهذا التوجه؛ لما تحتويه هذه التراجعات من انحرافات خطيرة"، معتبرة مبادرة أبي حفص بتفعيلها في السجون المغربية "محاولة جديدة لتوريطنا في مشاريع الدجل، فلسنا حقول تجارب نخضع للتدجين والتتويب". وخلصت إلى القول: إن "المراجعات الليبية لا تعنينا، ولم نباركها، ونعدها إضافة جديدة لفقه الهزيمة المرذول، وإن شاء الله لن يؤتى أهل التوحيد من قبلنا". وبعد تمهيد بين دوافع تخصيص مركز المقريزي بنشرها بأنه إلقاء لعبء البلاغ وصدق صاحب المركز وتصديه "الشجاع لتعرية وثيقة الترشيد العمل الجهادي"، التي أصدرها الدكتور سيد إمام، و"الخروج الإعلامي لأبي حفص ومن يعضده، قالت الرسالة: "إننا نحتاج لثقة ثبت يتولى إيصال حقيقة موقفنا من المراجعات خاصة، والمؤامرة تحاك اليوم وبحبكة بالغة التعقيد لنقل غثاء التجارب الانهزامية للجماعتين المصرية والليبية بعد فشل جميع محاولات الاحتواء والاشتمال داخل الأقبية المغربية". وتابعت: "قد ازداد تنامي هذه المحاولات عقب إصدار وثيقة الشيخ سيد إمام ومحاولات أبي حفص نشرها داخل السجون، ثم تضاعف الجهد اليوم مع مراجعات الجماعة الليبية والتي يدعمها الدكتور أحمد الريسوني، وهو مقرب جدا من حزب العدالة والتنمية المغربي، وبتنسيق معه ومن خلال جريدة التجديد المغربية يتم الترويج لهذه التراجعات، ومحاولة زرعها في السجون المغربية دون مراعاة للبون الشاسع بين الحالتين المغربية والليبية، وخصوصية كل تجربة، وعدم مماثلتهما لبعضهما شكلا وموضوعا". تكذيب للرفض المطلق لم تكد تمر أربعة أيام فقط على رفض تفعيل المراجعات الليبية في الساحة المغربية (24 أكتوبر 2009) من مجموعة التوحيد، حتى بادرت مجموعة "معتقلي الرأي والعقيدة في السجون المغربية"، والتي ترتبط بأبي حفص والفيزازي والحدوشي والكتاني ومن والاهم، بإصدار بيان يرد على اتهامات ومغالطات رسالة مجموعة "التوحيد والجهاد". وأوضح بيان الحقيقة أن مجموعة "معتقلي الرأي والعقيدة" لا ترى حرجا في تبني مراجعة مغربية ثلاثية الأبعاد: نبذ تكفير المجتمعات الإسلامية، ورفض العمليات العشوائية التي تستهدف الأبرياء، والقبول بشكل النظام الملكي بالمغرب ما أقام الدين ووحد الأمة، داعية "المنتديات إلى التثبت والتبين قبل نشر مثل هذه الأكاذيب، والتي لا تمثل إلا قلة قليلة داخل السجون سمتهم ب"الغلاة". وأضاف البيان: "قد كنا في منأى عن الدخول في لعبة البيانات والبيانات المضادة، خاصة ونحن تحت وطأة الأسر والمحنة، لكن إخواننا بغوا علينا، وكذبوا ونهشوا أعراضنا، وقد كنا ننزه هذه المواقع عن نشر هذه الأكاذيب دون تثبت ولا تبين، فليس مجرد ادعاء البطولة والنيل من أهل الابتلاء الصادقين بكاف للوثوق بصحة ما جاء في البيان ونشره على علاته وسوءاته". ونفى البيان -الذي وصل موقع "الإسلاميون.نت" نسخة منه ولم ينشر بموقع المقريزي حتى كتابة هذا التقرير- "أي جهد للشيخ أبي حفص وغيره في هذا الباب (تفعيل المراجعات الليبية)، ولا كلمنا أحدا في ذلك، وإنما أبدى كل منا رأيه ما بين مرحب ومتوقف، دون تأثير من أحد، إلا إذا كان كاتب البيان يعيش في سجن آخر غير السجون المغربية، فالله أعلم". وفي محاولة لإحداث مسافة وقطيعة مع التجربتين المصرية والليبية في مسألة المراجعات أفاد البيان أن "المبادرة التي نتبناها ليس فيها أي تأصيل أو مباحث شرعية، وإنما هي مواقف ثلاثة، كتبناها في ورقة ذات أسطر قليلة بطلب من المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، ننص فيها على نبذنا لتكفير المجتمعات الإسلامية، ورفضنا للعمليات العشوائية التي تستهدف الأبرياء، وعدم رفضنا لشكل النظام الملكي ما أقام الدين ووحد الأمة، ولم نزد على هذا شيئا، فأين هذا من سلسلة المراجعات والتأصيلات والمناقشات عند المصريين والليبيين؟!". الكثرة في السجون أيدت مراجعات الجماعة المقاتلة وفي تكذيب لنسبة المشيدين بالتجربة الليبية -16 معتقلا- قال البيان: "هؤلاء ستة عشر من سجن فاس وحده، على أنهم ليسوا 16 بل 25، بل منهم بعض أتباع كاتب هذا البيان، كتبوها وسلموها سرا حتى لا يتهموا من أصحابهم بالتراجع والهزيمة، أما من تبناها في غير ذلك من السجون فالكثرة الكاثرة، وخاصة في السجون الكبرى، كسجن عكاشة بالبيضاء؛ حيث تبناها كل المعتقلين القدامى بجناح رقم 5، وعدد كبير من سجن القنيطرة، وغالب سجن سلا، وكذلك سجن وجدة، وسجن الناظور، وسجن الجديدة، وسجن سطات، وسجن برشيد، ومن المتبنين بعض سجناء جوانتانامو سابقا، بل كل السجون المغربية ما عدا سجن مكناس الذي ليس به إلا ما يقارب العشرة من المعتقلين". وعضد قوله بتبني الغالبية للمبادرة بما أعلنه "منتدى الكرامة"، وهو منتدى حقوقي إسلامي مستقل، من أنه تلقى مئات الرسائل من السجون تثمن فتح قنوات الحوار مع السلطات المغربية وتطلب العفو. وأكد بيان الحقيقة أن "تبنينا لهذه المبادرة وتوقيعنا عليها ليس إلا اقتداء منا بمشايخنا الذين يشاركوننا المحنة والبلاء، وليس الشيخ أبو حفص وحده؛ فقد أصدر المشايخ الأربعة (الفيزازي والحدوشي والكتاني وأبو حفص) ردا على تقرير أعدته المخابرات المغربية، وأكدوا فيه على كل ما جاء في هذه المبادرة، بل أصلوا لذلك تأصيلا علميا، ونشر الرد بجريدة الأيام المغربية، ونشره المرصد الإسلامي لحقوق الإنسان بلندن". وأعرب عن عجبه من "أن بعض دعاة البطولة اليوم كانوا من الموافقين والمشاركين في تهيئة ذلك الرد، وإن لم يظهر اسمهم في العلن". وفي الرد على إشارة الرسالة، التي أفادت أن محاولات أبي حفص لإقحام المعتقلين في المسلسل المبير للتراجعات عمل مرفوض شرعا وعقلا ومنطقا، قال البيان: "نحن لا نتكلم باسم الشيخ أبي حفص، وله مواقفه التي نحترمها، ونعلم أنها عن علم وصدق، سواء اتفقنا أو اختلفنا، إلا أننا نجزم بكذب هذه الدعوى؛ مما نشهده ونراه كل يوم بأعيننا، فكفى كذبا وبهتانا على مشايخنا، ويكفيهم ما هم فيه معنا من بلاء ومحنة". ما وراء الرفض والتكذيب البيانان يكشفان عن عمق الأزمة التصورية التي يعيشها التيار الجهادي بالمغرب، وصوابية الفرز والتمييز بين فئة تصر على رأيها ومستعدة للبقاء عليه ولو كلفها حياتها وبمسوغات تراها"شرعية"، وأخرى تراعي تحولات المحيط الذي تعيش فيه، ومستعدة للتصالح معه برؤية تغلب المقاصد على الوسائل، مع الوفاء لاختياراتها التصورية. فالقراءة الأولية للبيانين تكشف أن التيار الجهادي بالمغرب ليس واحدا؛ فهناك قلة منه ذات ارتباطات خارجية، وترى الاستنصار الخارجي سبيلا للحفاظ على "التوحيد"، و"الجهاد"، وتفعيل "الولاء"، وفئة ثانية بقيت وفية لمحيطها المحلي وظروفه السياسية بتأكيدها على ثلاثية قد تجمعها مع باقي التنظيمات الحركية مع بعض الاختلافات الطفيفة في التفسير للمقصود بكل عنصر: (نبذ العنف، ورفض قتل الأبرياء، والموقف الإيجابي من النظام السياسي). وتوضح لغة كل بيان، المتراوحة بين الشدة واللين، خلفية كل مجموعة؛ مما يجعل إمكانية التراجع واستدراك الأخطاء متعسرا لدى الأتباع؛ وهو ما يتطلب حوارات فردية أولا تتوج بأخرى جماعية مع كل طرف، وبالآليات المناسبة لطبيعة أي تفكير من داخل التيار الجهادي. وبناء عليه تجد تأكيدات سابقة لحقوقيين وباحثين سياسيين مغاربة منشغلين بالملف الجهادي بالمغرب (مصطفى الرميد، وخليل الإدريسي، ومحمد ضريف، وحامي الدين عبد العالي) بأن حل الملف يتوقف على حتمية التفريق بين المعتقلين وعدم وضعهم في سلة واحدة من حيث التعامل، مصداقية وصوابية؛ فهناك فئة يجب أن تُحاور ويطلق سراحها لتمارس قناعاتها الفكرية بكل حرية وإن اختلفت مع الرؤية الرسمية، وفئة قليلة العدد يبقى السجن فرصتها لمزيد من تمحيص قناعاتها الخاصة للولاء والجهاد