نحن - في تونس - رغم أننا لا نشكو من أي تنوع عرقي أو ديني أو مذهبي فإننا نفتقد إلى ثقافة الحوار و التسامح و قبول الرأي الآخر ... و لعل ذلك يعود إلى طبيعة التربية التي تلقيناها و إلى سياسة الإستبداد و الكبت التي زرعت فينا الكثير من القيم السلبية على إمتداد عقود طويلة ... فحياتنا مليئة بالتوتر و سرعة الغضب و الخوف من الآخر... و كل ذلك قد يؤدي إلى العنف بكل أشكاله ... لم نتعود على قبول الآخر... لأن هذا " الآخر" لا يوجد في ثقافتنا ... فقد تعودنا على الزعيم الأوحد الذي يملك وحده الحلول لكل المشاكل ... و الذي لا يُخْطِئ أبدا ... و لا يُحاسب أبدا ... و إذا نزلت الآمطار فذلك بفضل حكمته و حكومته الرشيدة ... و تعودنا على المعلومة الواحدة و الخبر الواحد في جميع وسائل الاعلام ... و الحزب الواحد ... و سادت نوعية واحدة من الفن (الفن الهابط أو ذلك الذي يمجد الحاكم) ... و حتى لا نكره حاكمنا - مهما طالت مدة حكمه و مهما طال عمره - فقد علمنا كيف نكره بعضنا البعض و ذلك بتكريس الجهويات ... و حثنا على عشق الكرة حتى ينسينا حب الحديث في السياسة ... لقد علمونا أن المواطن الصالح هو ذلك الإنسان المهمش , الضائع, التائه , المسلوب الهوية و الأحلام ... الذي يهتز لنغمات "المزود" ولا يتأثر بأخبار المجازر و الحروب ... و الذي لا يحزن لما يحدث في فلسطين أو العراق ولكنه يبكي لهزيمة فريقه المفضل ... و يُأرقه عدم فوز نجمه في "ستار أكاديمي" ... أما من كان لديه بعض الوعي و الفهم فمصيره السجن أو النفي ... فلا مكان له في "مجتمعنا المدني" و لابد أن يُأدب حتى يتوب ... لقد ترك "بن علي" تونس في أسوء حال على جميع الأصعدة ... و لا ينحصر واجبنا اليوم في الترميم و الترقيع ... و لكن علينا إعادة بناء كل الدار ... و إعادة بناء الذات ... منير عكاشة