61 حالة وفاة بسبب الحرارة الشديدة في تايلاند    ملف الأسبوع .. يجب الذود عن حماه والدفاع عنه...الوطن فى الإسلام !    وزير أملاك الدولة: تصفية بعض عقّارات الأجانب أمر صعب    إتحاد الفلاحة : '' ندعو إلى عدم توريد الأضاحي و هكذا سيكون سعرها ..''    نحو إنجاز مشروع جديد خاص بالشبكة الحديدية السريعة ..وزارة التجهيز توضح    سليانة: الأمطار الأخيرة ضعيفة ومتوسطة وأثرها على السدود ضعيف وغير ملاحظ    التهريب وموقف الإسلام منه    بسبب خلاف مع زوجته.. فرنسي يصيب شرطيين بجروح خطيرة    أخبار النادي الافريقي ..تغييرات في التشكيلة والكوكي يُعوّض الكبيّر    أخبار النادي الصفاقسي...عزم على تأكيد الصّحوة    أنس جابر في دورة روما الدولية للتنس : من هي منافستها ...متى و أين ؟    نادي ليفربول ينظم حفل وداع للمدرب الألماني يورغن كلوب    الكشف عن توقيت مباراة أنس جابر و صوفيا كينين…برنامج النّقل التلفزي    طقس الجمعة: امطار متفرقة بهذه المناطق    اليوم: طقس ربيعيّ بإمتياز    تسجيل 10 وفيات و396 مصاب خلال 24 ساعة في حوادث مختلفة    منبر الجمعة .. الفرق بين الفجور والفسق والمعصية    خطبة الجمعة .. لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما... الرشوة وأضرارها الاقتصادية والاجتماعية !    اسألوني ..يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    دراسة تكشف...الفوضى ... ثقافة مرورية في تونس !    اليوم «السي .آس .آس» «البقلاوة» والمنستير الإفريقي...معركة مفتوحة على المركز الثاني    بلاغ هام للنادي الافريقي..#خبر_عاجل    قوات الاحتلال تمنع دخول 400 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة..#خبر_عاجل    عاجل/ هجوم جديد للحوثيين على سفينة في خليج عدن عبر زورق مسلحين    مدنين.. مشاريع لانتاج الطاقة    بنزرت...بطاقة إيداع بالسجن في حق عون صحّة والإبقاء على 5 بحالة سراح    المهدية .. تم نقلهم إلى المستشفى لتلقّي العلاج.. إصابة 5 تلاميذ في حادثة رشق حافلة بالحجارة    بلا كهرباء ولا ماء، ديون متراكمة وتشريعات مفقودة .. مراكز الفنون الدرامية والركحية تستغيث    أحمد العوضي عن عودته لياسمين عبدالعزيز: "رجوعنا أمر خاص جداً"    شركات تونسية وأجنبية حاضرة بقوة وروسيا في الموعد...صالون الفلاحة والصناعات الغذائية بصفاقس يصنع الحدث    اتحاد الفلاحة: لوبيات القطاع سيطروا على الميدان    ولي يتهجم على أعضاء مجلس التأديب بإعدادية سهلول...القضاء يتدخل    عاجل/ مفتي الجمهورية يحسم الجدل بخصوص شراء أضحية العيد في ظل ارتفاع الأسعار..    أضحية العيد: مُفتي الجمهورية يحسم الجدل    ممثلة الافلام الاباحية ستورمي دانيلز تتحدث عن علاقتها بترامب    صفاقس: الشركة الجهوية للنقل تتسلم 10 حافلات مزدوجة جديدة    المغرب: رجل يستيقظ ويخرج من التابوت قبل دفنه    اليوم: تصويت مرتقب في الأمم المتحدة بشأن عضوية فلسطين    دراسة: المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    حالة الطقس اليوم الجمعة    بعد معاقبة طلاب مؤيدين لفلسطين.. رئيسة جامعة كورنيل الأمريكية تستقيل    نبات الخزامى فوائده وأضراره    المرسى: القبض على مروج مخدرات بحوزته 22 قطعة من مخدّر "الزطلة"    استدعاء سنية الدّهماني للتحقيق    أولا وأخيرا...شباك خالية    قابس : الملتقى الدولي موسى الجمني للتراث الجبلي يومي 11 و12 ماي بالمركب الشبابي بشنني    تونس تفوز بالمركز الأول في المسابقة الأوروبية لزيت الزيتون    اللغة العربية معرضة للانقراض….    تظاهرة ثقافية في جبنيانة تحت عنوان "تراثنا رؤية تتطور...تشريعات تواكب"    سلالة "كوفيد" جديدة "يصعب إيقافها" تثير المخاوف    سابقة.. محكمة مغربية تقضي بتعويض سيدة في قضية "مضاعفات لقاح كورونا"    دراسة صادمة.. تناول هذه الأطعمة قد يؤدي للوفاة المبكرة..    مفزع: 376 حالة وفاة في 1571 حادث مرور منذ بداية السنة..    سليانة: تنظيم الملتقى الجهوي للسينما والصورة والفنون التشكيلية بمشاركة 200 تلميذ وتلميذة    كشف لغز جثة قنال وادي مجردة    تونس تستقطب استثمارات خارجية بقيمة 517 مليون دينار خلال الثلاثي الأول من 2024    الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة التتويج – كلاسيكو الجولة السابعة) : الترجي للابتعاد بالصدارة والنجم لاعادة توزيع الاوراق    إذا علقت داخل المصعد مع انقطاع الكهرباء...كيف تتصرف؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لنتحاور معهم قبل أن يتحاور معهم غيرنا ...لنوجههم قبل أن يوجههم غيرنا
نشر في الحوار نت يوم 29 - 12 - 2010

الأستاذة مفيدة عبدولي/ أستاذة في علم الاجتماع / تولوز فرنسا
إن تربية الأبناء تعد من الواجبات الشرعية التي كلف الله سبحانه وتعالى بها أولي الأمر من الأولياء , والمسئولين والمؤسسات والهيئات , بل تعد كل مؤسسات المجتمع المدني لها جانب من المسؤولية في هذا الصدد . لقد جعل الله الإنسان محور هذا الكون وخليفته في الأرض لأداء مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمفهومها الشامل لكل مناحي الحياة. تبعا لذلك تعد مهمة وضع الجيل على السكة الصحيحة من الأولويات خصوصا عندما نكون في مجتمع مليء بالتحديات والمشكلات وعناصر الجذب نحو المنزلقات التي تكون السبب في ضياع الجيل ومن ورائه تردي عطائه وانعدام مساهمته في المسار التنموي العام , وعوضا أن يكون سادا للثغرات التي حوله والتي يقف عليها يصبح عبئا على المجتمع والأمة وفاتحا لثغرات تكون سببا لتآكل نسيج مجتمعه من الداخل وخاصة عندما تكون العملية بطيئة وخفية لا يقع التفطن إليها إلا بعد فوات الأوان ...
أن التفكير في بلورة برامج تربوية تقدم حلولا عملية تكون بمثابة إجابات لمشاكل حقيقية , ليس بأقل قيمة من التفكير في المشاريع الاقتصادية أو السياسية , بل أراها تتعدى ذلك من حيث الأهمية لتصبح في أعلى هرم أو سلم أولويات الأمة , إذ أن للتنمية مجالات متعددة منها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والتحصيل العلمي ...وكلها ميادين قسمت بهذا الشكل كضرورة منهجية فقط من اجل تسهيل البحث العلمي ,ولكنها في الحقيقة ميادين متشابكة ومتفاعلة في مكوناتها اشد التفاعل و لا يمكن فيها فصل الاقتصادي عن السياسي والاجتماعي وغيره فالتنمية كل لا يتجزأ ...

يعد العنصر البشري المحرك الأساسي لكل تلك المكونات إذ بدونه تتوقف الحياة , لذلك تهتم الدول وبنسب متفاوتة بعناصر الثروة البشرية ومواردها من اجل نهضتها وازدهارها ويعتبر الاهتمام بالجيل الصغير والشبابي من المسائل الملحة بحكم انه يعد من الرصيد الذي سيعول عليه في خلافة من سبقه إلى مجالات البناء والمشاركة , كل حسب موقعه , في المسار التنموي والنهضوي لبلده وأمته , تبعا لذلك إذا أردت التنبؤ بمستقبل امة ما , انظر إلى شبابها فهو يمثل المرآة التي تعكس واقع الأمة ومدى نهضتها وتقدمها ..
يتحدد سلوك الفرد بصفة عامة والطفل أو الناشئ بصفة خاصة داخل مجتمعه من خلال التعرض لمختلف المواقف الثقافية , حيث يتعلم أنماط السلوك وأنماط العلاقات بين الأفراد والقيم والمعتقدات والاتجاهات التي تكون النسيج الثقافي الذي يشترك فيه أفراد المجتمع , وهنا تلعب المؤسسات (كنظم الدولة والأسرة والمسجد أو الدين بصفة عامة ...)في المجتمع دورا هاما في التنشئة والتطبيع الاجتماعي .
تختلف مكونات الثقافة من بلد إلى آخر بل تختلف أحيانا في داخل المجتمع الواحد خاصة تلك التي تتكون من طوائف وأعراق مختلفة أو جماعات يربطها انتماء معين عرقي أو ديني مثل الجماعات المهاجرة في الغرب . وما يهمنا في مبحثنا هذا هو هذا الصنف الأخير وبالتحديد الجالية المسلمة بالغرب . يعاني الشباب المسلم في هذه الديار نوعا من الازدواجية في مسألة المعايير الاجتماعية ونوعا من التذبذب وانعدام وضوح الرؤية في ما يخص عملية الاندماج والحد الفاصل بينها وبين الذوبان في ثقافة الأخر.بمعنى آخر هناك نوع من الصراع بين السلوكيات السائدة والمقبولة في المجتمع والتي تعرف بالمعايير الاجتماعية حيث يعد الالتزام بها نوعا من التطبيع الاجتماعي وبين الأساليب السلوكية والثقافية وما نقبله أو نرفضه من مبادئ وقيم, معايير الصواب والخطأ بصفة عامة.
إذا الإشكال يتمثل في عملية المد والجزر أو عملية التجاذب بين ما هو ذوبان في الآخر وبين الاندماج في الحراك الاجتماعي بصفة عامة مع المحافظة على الخصوصية الإسلامية , كما يتمثل أيضا في مسألة الضبابية التي تسود خطوط التماس بين كلا العمليتين : الاندماج والذوبان , أين ينتهي الاندماج ليبدأ الذوبان , وتحديد المقاييس التي نقيس بها سلوكا ما فنعده في خانة هذا المسار أو ذاك ...
أفرز عدم وضوح الرؤية حول ذلك واقعا أليما مثل ومازال يمثل تحديا حقيقيا يواجه الجالية ومستقبل الجيل الناشئ. فكيف يمكن لنا رفع هذا التحدي ؟؟ ثم ما هي الوسائل المتاحة بين أيدينا ؟ أسئلة نطرحها على أنفسنا كأسر والحال أننا نحن واضعي حجر الأساس لما يتعلمه الطفل في مراحل تكوينه الأولى من أنماط سلوكية تحدد إلى حد كبير إن كان الطفل سينمو نموا سليما أو العكس . هذا من ناحية ومن ناحية أخرى , وهي تعد في نظري الجانب الأكبر من التحدي الذي نواجهه , كيفية التعامل أو الأساليب التي يمكن من خلالها وضع الجيل الذي ترعرع وولد في بيئة مغايرة تماما لبيئة الآباء والأجداد , وهو صاحب مزاج ارتبط ببيئة فيها من التحديات التي تجعل المربي يقرأ ألف حساب لأسلوب التربية قبل المادة التي سيطرحها .....
في نظري ليس المهم أن تلقي محاضرة متناسقة وملمة بجوانب الموضوع من الناحية النظرية , بل المهم هو تنزيل تلك الأفكار في الواقع وجعلها أو تصنيفها على شكل وصفات دواء لكل داء داخل المجتمع , دون ذلك نصبح كالباحثين أو الأطباء الذين يتحدثون عن أنواع الأمراض ماهيتها وأعراضها دون أن يبحثوا في الأدوية الشافية لكل علة ثم تنزيلها إلى الأسواق لتصبح في متناول الجميع , اذا المهم هو إيجاد نوع من التفاعل بين النظري والواقع أو بمعنى آخر خلق تفاعل بين النص والواقع وتحويل الشعارات إلى خطوات عملية وكل وثيقة أو نظرية إلى برامج تفصيلية . الذي يذهب إلى محاضرات تحمل عنوانا يمس الحياة الاجتماعية عادة ينتظر من الخطيب أن يقدم له إجابات عن أسئلة جوهرية وعن مشاكل حقيقية يعيشها ... بل يشاركه في البحث عن حلول شافية لازمات وضياع وتذبذب, قد يكون يعيشه , ولا يقع اكتشافه إلا باستفزاز صاحبه ليسترسل في الحديث , فإذا ما كسب الخطيب أو المربي بصفة عامة ثقته تسهل عليه مهمة الإصلاح والتربية...فقد تكمن في داخل الفرد والشباب خاصة مشاكل لا يقع التفطن إليها إلا بمساعدة مختص يجيد فن الاستفزاز (الايجابي طبعا ) عن طريق طرح الأسئلة المناسبة والتي عن طريقها يسترسل المعني بالأمر في الحديث ليكتشف من خلاله مكمن الداء . إذا مسألة التربية تعد من الفنون أو العلوم الاجتماعية على حد تعبير الدكتور مصطفى أبو سعد (دكتور في علم النفس التربوي وهو مدرب معتمد عالميا في البرمجة العصبية اللغوية وهو أيضا استشاري تربوي ومشرف على إعداد ملفات تربوية في العديد من المجلات ) كما اعتبر الدكتور أن استقالة الآباء والأمهات عن واجبهم والذي يتمثل بالأساس في الإلمام بعلوم وفن التربية كان له الأثر السلبي على مردود أبنائنا وعلى مستقبل الأمة عموما .
كما اعتبر أن الكهربائي ليتقن التعامل مع الأسلاك, يحتاج للإلمام بالعلوم المتصلة بمهنته والميكانيكي ليفهم خبايا السيارات عليه بمعرفة كيفية اشتغال المحرك وكل ما يتصل به ...هذا بالنسبة للتعامل مع كائنات جامدة فما بالك بالإنسان الذي زوده الله سبحانه بالعقل وحرية الاختيار التي تعد أقوى ما منح الخالق للإنسان إذ بها يتخذ قراراته بكل اقتناع انطلاقا من ملكاته الفطرية التي زوده الله سبحانه بها ثم ما اكتسبه من بيئته , انطلاقا من ذلك يكاد يكون كل إنسان عالما بذاته . الإنسان كائن معقد والتعامل معه يحتاج إلى الإلمام بعلوم أو قواعد التربية وهي حسب مصطفى أبو سعد هي جملة من المهارات والفنون تمنح الأولياء جملة من الحلول لفهم العملية التربوية والتدخل بشكل ايجابي وهادئ لحل المشاكل وتقوية الجوانب الايجابية في شخصية الطفل واكتشاف مواهبه لتوجيهها الوجهة الصحيحة بدل تدميرها واللجوء أحيانا للضرب والشتم ورفع الصوت .يقول الدكتور مصطفى أبو سعد طاعة الأبناء للآباء مثلا ليست صفة ايجابية إذا لم ترتكز على قاعدة أو قانون متفق عليه أما أن تطلب الطاعة لمجرد كون الأب صاحب سلطة دون أن ترتكز على معايير وقيم تربوية ودينية فأن الطاعة ستنتقل دوما بالنسبة للطفل لمن يفوقه قوة حتى ولو كان مروج مخدرات ,
كما اعتبر هذه الحلول بمثابة الآليات أو الأدوات التي تؤهل الآباء والأمهات لربط علاقات سليمة ومتوازنة مع الأبناء وهي في حد ذاتها معايير ومقاييس للتمييز بين الحق والباطل والصواب والخطأ والحلال والحرام . أما طريق النجاح فيها هو الإقناع والحوار وغير ذلك حسب قوله تكون مدمرة وإذا فرضت بالعنف والقوة والأوامر الكيفية والنواهي غير المبررة ...حيث ترغم الطفل أحيانا على الكذب والادعاء...وتجعل دوافع السلوك لديه خوفا من عقاب أو طمعا في ثواب ليس إلا
كم اعتبر أن أساس النجاح في ذلك هو الطموح ورسم الهدف بوضوح لا يسعى للنجاح من لا يملك طموحا ...ولا يصل للهدف من لا يسعى إلى تغيير رأيه في نفسه بأن يزيل عنها غبار التقصير والكسل وأن يشطب كل الكلمات السلبية عن نفسه من مثل لا أستطيع وترديد أنا مبدع أنا قادر ...

كما حذر الدكتور من الفشل والكسل واليأس أمام الحالات المستعصية ورأى بضرورة استغلال الفشل ليكون معبرا نحو النجاح الوحيد الذي لا يفشل هو من لا يعمل ..الفشل هزيمة مؤقتة تخلق لك فرص النجاح .
بعد هذا التمهيد ,أقدم هنا ورقة عمل بين يدي المرصد والقارئ بصفة عامة, يمكن أن نسميها ورقة توجيهية تستعمل كمنطلق للعمل في هذا المجال. أساس ما أقترحه هو إيجاد خلايا مختصة في المجال التربوي تقوم بدورات أو لقاءات مفتوحة يحضر فيها الأبناء والأولياء على حد سواء , لقاءات توعية يطرح فيها الأولياء مشاكلهم ويستمع فيها لآراء الأبناء وهمومهم وطبيعة علاقتهم بوالديهم ...يحضر كما قلت مختصون في علم التربية وغيرها من العلوم المتصلة بهذا الموضوع , يستمع الكل للكل , يقال فيها للأبناء إنكم هنا , أثبتوا وجودكم , قدموا آراءكم , نسمعكم وتسمعوننا ....
فالمحاضرات والندوات, التي تعتمد على محاضر ومستمع, بعيدة عن محاولة تلمس أو البحث عن آليات الفعل والتفاعل المتبادل... أصبح جدواها محدودا...
سنعتمد إن شاء الله على ثلاث محاور تكون بمثابة أساس ننطلق منه في برنامجنا وفي نقاشنا مع الأبناء .
المحاور هي التالية: طبعا الترتيب هنا لا يهم فقد يحدث تداخلا في المحاور في حالة النقاش , إذا الترتيب هو ضرورة منهجية فقط .
أولا: تشخيص الداء , في هذه النقطة يقع إشراك الأبناء
اختار الدكتور شعارا لهذه القواعد وهو قواعد المحبة أو قواعد التربية الايجابية . اذا سعيا مني وحرصا على ان أكون مفيدة فيما أكتب أضع بين يدي القارئ هذه النصائح التي أراها ثمينة ومجدية لكل ولي او أب أو أم وصالحة كأساليب في منهج التربية بوبها الدكتور على شكل نصائح عملية وسهلة التنفيذ

أولا: مسؤولية الأولياء
سأنطلق هنا من مقولة لابن القيم , يقول :كم ممن أشقى ولده , وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه وإعانته على شهواته , ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه وأنه يرحمه وقد ظلمه ففاته انتفاعه بوالده وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة.
إذا ما ذكر موضوع تربية الأبناء , فأنه أول ما يتبادر إلى الذهن هي قائمة النواهي و الأوامر التي تكون في جعبة الأولياء , والتي عادة ما تكون جاهزة الاستعمال في أي ظرف وفي أي حين ....والحال أن الأمر ليس كذلك. فالتفكير في النواهي يجب أن يوازيه تفكير في البدائل ....فأنت قد ترسم لنفسك أهدافا لتربية أبنائك , لكن هذا لا يكفي ...فرسم الأهداف يجب أن يوازيه رسم لخطط ووسائل تحقيق الأهداف. تظل الأهداف في شكل أحلام وأماني إذا لم يكن تفكيرنا إجرائي , الافتقار لرؤى برامجية هو الذي يعطل مسيرة التطور نحو وضع أفضل لأننا اليوم في حاجة لإجابات واقعية بعيدة عن الشعارات , نحتاج لرصد المشاكل عبر عمل رقمي ومسحي لرصد وتشخيص الداء...
ما هي أبرز الأخطاء التي يقترفها الأولياء في حق أبنائهم بل في حق أنفسهم , سأحول رصد البعض منها على سبيل المثال لا الحصر , لتكون منطلقا لنا في مناقشة هذا الجانب :
أولا : الدلال الزائد والمبالغة في التسامح , المغالاة في الدلال والرعاية يجعل الطفل غير قادر على تكوين علاقات اجتماعية ناجحة مع محيطه وغير قادر على مواجهة الحياة بمفرده ومن هنا ينعدم عنده الشعور بالمسؤولية لانه لم يمر بتجارب كافية ليتعلم منها كيف يواجه الأحداث والمشاكل التي قد يواجهها في حياته العامة ...وهنا لا يعني عدم التعاطف مع الابن وعدم التسامح معهم في حدود المعقول , فحب الأبناء من المسائل التي فطر الله عليها الأولياء لكن الدلال الزائد والتساهل بحجة رقة قلبيهما وحبهما لابنهما يجعل الطفل يعتقد أن كل شيء مسموح ولا يوجد شيء ممنوع ... واذا ما خرج الى المحيط الخارجي فأنه يصطدم بقائمة من القوانين والممنوعات تجعله يتصادم معها ويخالفها دون التفكير في العواقب ...
ثانيا : الصرامة والشدة المبالغ فيها , هذا الاسلوب لا يقل خطورة عن الاول وعواقبه تكون في أغلب الاحيان كارثية وقد كتب في ذلك العديد من علماء النفس والتربية ...الحزم مطلوب في المواقف التي تتطلب ذلك ...أما العنف والصرامة فيزيدان تعقيد المشكلة وتفاقمها خاصة عندما يفقد الولي صوابه فينهال على الطفل ضربا وشتما واستعمال ألفاظ بذيئة وهذا ما نسميه العقاب الانفعالي الذي يجعل الطفل يفقد الامان ...ولا يحترم المربي الا ساعة حدوث المشكلة وذلك نتيجة الخوف وليس قناعة منه بضرورة تغيير سلوكه ...يدفع هذا الأسلوب الطفل للنفاق ...
ثالثا : عن الثبات في أسلوب التعامل مع الطفل , لا ينبغي التساهل في تطبيق تعاليم ما ثم نعود اليوم التالي للتأكيد على ضرورة الالتزام بذلك , فهذا السلوك يسبب إرباك لدى الطفل ويجعله غير قادر على تحديد ما هو مقبول منه وما هو مرفوض ...ثم هذا التذبذب هو الذي يجعله أي الطفل يقع تحت ضغط نفسي يجره لارتكاب الأخطاء...
رابعا : عدم العدل بين الأبناء , هذا الأسلوب في التعامل أي تفضيل واحد من الابناء عن البقية لجماله أو تفوقه في مجال ما هو الذي يغذي الأحقاد بين الإخوة ويشتت الجهود ويحدث مشاكل داخل البيت الواحد , مشاكل تؤثر على تماسك الاسرة وتحد من عطاء أفرادها كل في مجاله ...
خامسا : الحماية الزائدة , يعني ذلك , أن يتولى الأولياء القيام بواجبات الطفل وتحمل المسؤولية بالنيابة عنه , ظنا منهم أنهم يساعدونه وهو العكس تماما فالتدخل في شؤونه لا يتيح للطفل الفرصة لتحمل المسؤولية واتخاذ قراراته بنفسه ...
سادسا : الإهمال , نجد أن الأولياء أحيانا لا يحاسبون أبناءهم على سلوك مشين ونفس الشيء لا يشجعونهم على ممارسات محمودة أو سلوك مرغوب فيه ...ذلك يجعل الطفل لا يمتلك المقاييس والمعايير التي يمكن من خلالها الحكم على أفعاله و تجنيب نفسه ما هو غير مرغوب فيه ...فميزان المعايير عنده مختل , لا بوصلة له ...
هذه طبعا بعض الممارسات الخاطئة وليست كلها . يمكن تدعيمها ...
ثانيا :أهم الأخطاء الشائعة عند الأبناء
لا تكاد تجلس اليوم الى أحد الا وتجده يشكو سلوك أبنائه , يخشى عليهم من هجمة الفساد وأهله ...أن محاولة تشخيص الداء مهمة جدا لتسهيل تشخيص الدواء ...
الاهتمام بموضوع تربية الأبناء ومستقبلهم وما يحيط به من مخاطر وغموض أحيانا, يتطلب منا إشراك الطرفين: الأبناء والأولياء على حد سواء. أن تناول الموضوع من طرف الكبار والمختصين , دون حضور المعنيين بالأمر الأبناء يجعل من الجهود المبذولة في الموضوع منقوصة لعدم سماعها للطرف الثاني والتدقيق في ما يدور بداخله , فمشاركته قد تكشف لنا الكثير . وقد تكون منارة للمهتمين بهذا المجال, لان تشخيص الداء بدقة يساهم في تقديم وصفات علاجية ممتازة وناجعة , تكون مرتبطة بخصوصية هذه الحالة أو تلك ...لذلك أنا أدعو لتكوين مجموعات عي عدة مدن أروبية العواصم منها بالخصوص تقوم بحوارات مع الابناء أي الحوار مع عينات من عدة أحيا ء لتكون لنا فكرة عن ماهية المشاكل ثم القيام بتبويبها , وهذا أمر ممكن وسهل اذا توفرت العزيمة والنيات الصادقة ...
ربما هنا سأحاول رصد عدد من المشاكل على سبيل المثال لا الحصر والتي عادة ما تتردد على أفواه الأولياء :ابني لا يطيعني , ابني لا يفهمني , شخصية غير جادة , لا يقيم وزنا للعلم والدراسة , يتعلق بأمور تافهة , لا يتعظ ولا يأخذ الدروس مما يتعرض له من مشاكل , يبالغ في الاهتمام بمظاهر الترف , عنيف مع اخوانه , كثير الصراخ والغضب , لا يحرص على الصلاة , لباس الفتاة ومشكلة اللباس الشرعي , يسهر في الليل وينام في النهار , لا يخالط الرجال ولا يهتم بالذهاب للمسجد وحضور الدروس هناك , الكذب والتحايل , يرى نفسه غريبا في المنزل , يعتبر طلباته ملزمة , كثرة استعمال الهاتف , الاصحاب ....
هذه فقط بعض العينات يمكن تدعيمها بما اقترحته من ضرورة الحوار مع الأبناء...
ثالثا : الحلول ,أو ''أساليب التربية الايجابية ''
هنا سأقدم مادة للدكتور مصطفى أبو سعد ( سبق أن عرفت به ) أقدمها لكم لنعتمدها كمادة للعمل , أقدمها كما هي , وهي كالتالي : هي جملة من القواعد والنصائح العملية


كيف تساعد ابنك على تكوين صورة ايجابية على نفسه

1. أتبع حاجات ابنك النفسية مثل حاجته للحب والمدح والاحترام والقبول .
2. خصص لابنك وقتا تحاوره فيه عن القيم الدينية والاجتماعية
3. ازرع قيمة الايمان بالله وقيمة أركان الاسلام كالصلاة بتركيزك على القيمة لا السلوك , بمعنى ليكون تركيزك حول العقيدة الصحيحة . عندما تستقيم العقيدة يستقيم السلوك
4. عامل ابنك وكأنه إنسان ناضج واع من حيث تقديرك له وباعتباره شخصا ذو أهمية
5. ثبت وعزز سلوكيات ابنك الايجابية من خلال المدح والافتخار والمكافأة فهذا يزيد من ثقته بنفسه ويأخذ صورة ايجابية لذلته , ويحفزه لعمل المزيد .
6. أكتشف مصادر القوى لدى ابنك ومواهبه وقد تكون في الحفظ او الرياضة او الخطابة اوالتركيب ...واعمل على تبنيها وتوجيهها وتنميتها .
7. انصت لافكار ابنك بكل جدية واهتمام وليس المطلوب قبولها وتنفيذها , وانما المهم هو الانصات لها والاهتمام بها , ونذكر أن الطفل الذي يعامل بعدم احترام وبأنه لا أهمية له , ينشىء صورة سلبية عن نفسه ويضعف تقديره الذاتي .
8. امنح ابنك فرصة للتعبير عن نفسه وعن مشاعره وآرائه وساعده على فهم عواطفه بمنحه مصطلحات تفسيرية لها لما يفكر به .
9. عبر عن حبك له باللسان والسلوك وتفنن في ابداع الوسائل
10.كن بجانب ابنك في المواقف الصعبة والحرجة كالحزن والقلق والغضب وبين له مدى اهميته بالنسبة لك
11.لا تصرخ في وجهه فان الصراخ يحطم معنوياته ويضعف تقديره الذاتي , اضافة الى انه يضعف هيبة المربي ووقاره
12. امنح ابنك فرصة للاختيار وتذكر ان قوة الاختيار تعد أقوى ما منح الخالق للانسان , وبها يسعد الانسان ويتخذ قراراته بكل اقتناع
13. برر مواقفك وطلباتك ونواهيك لابنك , فان التبرير يشكل المعايير لديه
14. افصل بين السلوك الذي لا ترضاه له وبين حبك اياه لتوصل اليه رسالتين متتين , اولا انك لا ترضى عن هذا السلوك ثانيا ان حبك له ثابت لا يتغير وهذا يساعده على التخلص من العديد من السلوكيات السلبية ويحافظ على شعوره بالامان
15. ركز على السلوك الايجابي واجعل ابنك يصل لدرجة وعيه بالذات الايجابية داخله . وللاسف ان العديد من المربين يركزون على سلبياتالابن بدرجة كبيرة تجعل منه شخصا واعيا فقط بذاته السلبية وبالتالي صورته عن نفسه ستتأثر ( الشخصية الضعيفة )
16. لاحظ ردود فعلك تجاه سلوكه فالطفل يراقب كثيرا تفاعلاتك ويتعلم منها ويبني عليها مواقفه ومشاعره قفد ينشأ سريع الغضب ان كنت تتصرف معه بغضب وعصبية
17. من المواقف التي تؤثر بشكل سحري على الطفل ان تفتخر به امام اقاربك واصدقائك على مسمع منه دون ان تشعره انك تعلم باستماعه فهذا يجعله يتقدم عدة خطوات دفعة واحدة .

كيف تزيد من تقدير ابنك لنفسه

1. لا تصف ابنك بصفة سلبية يمكن ان يقتنع بها مع تكرار توجيهها له مثل وصف الابن بالغبي او الفاشل

2. دع ابنك يتعرض للمواقف الصعبة وامنحه فرصة للتصرف معتمدا على نفسه ومختبرا لقدراته

3. لا تكن دوما بجانب ابنك تحل مشكلاته نيابة عنه

4. اذا تعرض لموقف او فشل او احباط فليكن دورك متجها نحو رفع معنوياته لا تحطيمها

5. لا تترك ابنك بلا قوانين وحدود فالطفل الذي يجد نفسه بلا ضوابط ولا خطوط حمراء يضيع . وتعد حدود الشرع واخلاقيات الاسلام اعظم هذه الضوابط
6. لا تبالغ في وضع القيود واجعل القيود ما جاء فقط في الشرع و القانون


بعض الاساليب الخاطئة في التعامل مع الطفل لنتجنبها قدر المستطاع
أولا : الصرامة والشدة : يعتبر علماء التربية والنفس ان هذا الاسلوب اخطر ما يكون على الطفل اذا استخدم بكثرة فالحزم مطلوب في المواقف التي تتطلب ذلك ...اما العنف والصرامة فيزيدان تعقيد المشكلة وتفاقمها , حيث ينفعل المربي فيفقد صوابه فينهال على الطفل معنفا وشاتما ويزداد الامر سوءا اذا قرن العنف بالضرب .
النتيجة ان الطفل يفقد الشعور بالامان والثقة بالنفس كما ان الصرامة والشدة تجعل الطفل يخاف ويحترم المربي وقت حدوث المشكلة فقط , لكنها لا تمنعه من تكرار السلوك مستقبلا
ثانيا : الدلال الزائد و التسامح : هذا الاسلوب لا يقل خطورة عن القسوة والصرامة , فالمغالاة في الرعاية والدلال سيجعل الطفل غير قادر على تكوين علاقات اجتماعية ناجحة مع الاخرين , او تحمل المسؤولية ومواجهة الحياة لانه لم يمر بتجارب كافية ليتعلم منها كيف يواجه الاحداث التي قد يتعرض لها ولا نقصد أن يفقد الابوان التعاطف مع الطفل ورحمته , و هذا لايمكن ان يحدث لان قلبيهما مفطوران على محبة أولادهما ...لكن هذه العاطفة تكون احيانا سببا في تدمير الطفل حيث يتعامل الوالدان بدلال زائد بحجة رقة قلبيهما وحبهما لطفلهما مما يجعل الطفل يعتقد ان كل شيء مسموح
ثالثا : عدم الثبات في المعاملة : الطفل يحتاج ان يعلم ما هو متوقع منه لذلك على الكبار ان يضعوا الانظمة البسيطة واللوائح المنطقية ويشرحوها للطفل وعندما يقتنع فانه سيصبح من السهل اتباعها . لا يجب ان تتساهل في تطبيق قانون ما ثم تعود اليوم التالي للتأكيد على ضرورة تطبيقه . هذا التصرف يسبب الارباك للطفل ويجعله غير قادر على تحديد ما هو مقبول وما هو مرفوض .
رابعا التذبذب والاختلاف بين الابوين يجعل الطفل يقع تحت ضغط نفسي يدفعه لارتكاب الاخطاء
خامسا : عدم العدل بين الاخوة
سادسا : التسلط او السيطرة : تحكم الاولياء في نشاط الطفل , الوقوف أمام رغباته التلقائية ومنعه من تحقيقها وهي مشروعة ( اللباس الاكل مثلا ), تكليفه بمهام لا يطيقها ( التوجيه المدرسي ) , قائمة الممنوعات أكبر من المسموحات .
النتيجة : ينشأ الطفل ولديه ميل شديد للخضوع واتباع الآخرين : لا يستطيع الابداع والتفكير , عدم القدرة على ابداء الرأي والمناقشة , شخصية قلقة خائفة من السلطة , فقدان الثقة بالنفس , طفل عدواني لانه في صغره لم يشبع حاجته من الحرية في ابداء الرأي
سابعا : الحماية الزائدة : أي قيام الوالدين بالنيابة عن الطفل بالمسؤوليات التي يفترض ان يقوم بها :القيام بواجباته الدراسية , حمايته عندما يعتدى عليه
النتيجة انتاج شخصية ضعيفة غير مستقلة لا تثق في قراراتها
ثامنا : الاهمال
عدم التشجيع على سلوك مرغوب فيه
عدم محاسبته على سلوك غير مرغوب فيه
سبب ذلك هو الاهمال الاب في الشغل والام في الزيارات او الهاتف او الاسواق
اهمال حاجيات الطفل مثل نظافته وملبسه ومأكله : الطفل يفسر ذلك على انه من باب الكراهية له , انعكاس ذلك على نموه النفسي
تحقير انجازات الطفل بدل تشجيعه
عدم المكافأة عند الحصول على معدل جيد
يوبخ عندما يحصل على درجة منخفضة
النتيجة : فقدان الثقة بالنفس , هروب الابناء من المنزل الى الاصحاب ليجدوا مايشبع حاجاتهم المفقودة هناك في المنزل

قواعد أخرى يمكنا استعمالها والاستفادة منها :
القاعدة الأولى: لا تنه عن أمر إلا عند الضرورة !
القواعد التربوية تعني أسسا وضوابط ينبغي الالتزام بها؛ لكن يخطئ الكثير
من المربين حين يتصورون أن الطريق لتحقيق هذه الأسس يتم بكثرة إصدار الأوامر والنواهي.. العمل التربوي يبني على الحوار والإقناع والإشارة المباشرة وغير المباشرة، وكلها وسائل اتصال فعالة ومقبولة لدى المستقبل الطفل إذ تدخل في صفة " التي هي أحسن ".
أما كثرة النواهي والمحظورات في حياة الطفل فإن وقعها السلبي أكثر من الإيجابي، وهي عموما تشل الإبداع وروح المبادرة والجرأة لدى الطفل، لا نشجع أبدا أن يترك الأبناء دون أن نمنعهم من بعض التصرفات فهذا الأسلوب ترك الطفل يفعل ما يريد دون ضوابط يربى أجيالا مدللة لا تتقيد بقواعد الحياة الاجتماعية، وفي نفس الوقت لا نؤيد المبالغة في إصدار الأوامر والنواهي. والمنهج الوسط هو الاعتدال في ذلك أي: " لا ننه عن أمر إلا للضرورة " هذا المنهج هو الذي يراعي شروط الصحة النفسية والنمو النفسي لدى الطفل.
سبيل ذلك هو وضع القواعد والضوابط والحدود بشكل معقول، وبسطها على الحياة الأسرية بأسلوب الحوار والإقناع، والتذكير بها بين الفينة والأخرى بشكل عام وليس مرتبطا دوما بحادث أو شخص معين..
ثلاث عشر قاعدة لممارسة سليمة لعملية النهي:
قواعد في النهي:
إذا أردت أن تنهي عن أمر فاحرص على القواعد التالية:
1- لا تنه إلا لضرورات موضوعية يقول د. هادفيلد " عندما يكون للولد الحق بأن يقوم بتسعة أشياء من أصل عشرة، فهو يقبل عادة دون احتجاج التحريم الوحيد ".
2- ولا تجعل العوامل الذاتية المرتبطة بمزاج الشخصي دافعا للنهي. كأن تنهي الطفل عن ممارسة حقه في اللعب لمجرد أنك متوتر الأعصاب أو بحاجة إلى المطالعة..
3- لا تجعل ابنك مجالا لإفراز توترك. والتنفيس عن معاناتك بكثرة النواهي.
4- لا تنطلق من دوافع انتقامية.
5- لا تنقل إحباطات طفولتك لأبنائك.
6-لا تجعل علاقتك بابنك علاقة الأعلى بالأدنى، والأقوى بالأضعف.
7- إذا نهيت عن أمر فتمسك به حتى تعلم ابنك حس الانضباط والاهتمام.
8-حاول كلما نهيت عن أمر أن تضعه في قالب الحرص على سلامه الطفل؛ لتمنحه شعورا بالأمن والأمان، وتبدد هواجس الطفل.
9- اشرح سبب النهي: لا تلعب بعود الكبريت حتى لا تحترق..
10- حول ما تراه سلبيا إلى إيجابيا: تخريب أثاث البيت يحول إلى ألعاب الفك والتركيب، وكثرة الحركة إلى الرياضة المنتظمة...
11- لا تصرخ وترفع صوتك وأنت تنهي وتصدر الأوامر له، فالطفل سيتعلم الابتعاد عن الأشياء التي لا ينبغي له الاقتراب منها بالتعليم والتدرج وليس بالصراخ في وجهه.
" إن الكبار عندما يصرخون في وجوه الأطفال لا يفعلون أكثر من توجيه الدعوة للطفل لأن يتحدى أكثر وأن يستمر في السلوك السيئ أكثر ".
12- احرص على عدم إثارة التناقضات في حياة الطفل لا تحدثه عن: مضار التدخين وأنت تدخن... وعاقبة الكذب وتأمر أحدهم بالرد بأنك غير موجود بالبيت فإذا نهيناه عن أمر ينبغي أن نكون أول المبتعدين عنه.
13- تعلم فن النهي: من أخطاء الآباء الشائعة أنهم ينهون كزعماء نصبوا أنفسهم للأمر والنهي وعلى غيرهم الخضوع والطاعة. إن الأبناء والناس عموما يرفضون ما يصلهم على شكل أوامر ونواهي بينما يقبلونها لو جاءتهم في صورة: تمن تجميل اقتراح.. فثمة فرق شاسع بن توجه لابنك: " إياك أن تفعل لا تفعل.. ". و" أتمنى أن لا تقوم بهذا الشيء كم هو جميل أن لا يكون المرء مدخنا " والأسلوب القرآني فريد في تعليم هذا الفن [ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ] (البقرة: 185) [وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً ] (الفرقان: 63). [ذَلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ]( البقرة: 2-3 ).
القاعدة الثانية: الطفل على الفطرة، وأي توتر في علاقته بالكبار يطرح علامة استفهام: من المخطئ ؟‍!
من الحقائق الثابتة لدى المسلم أن: " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل ترون فيها من جدعاء ؟! " ( الحديث ). والفطرة كما أشار إلى ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم تعني: الجمال والكمال الخلقي والخلقي... وأقل ما في هذا الجمال أنه صفحة بيضاء نقية جاهزة للنقش واستقبال الرسائل التربوية الخارجية.
هذا الصفاء، وهذه الفطرة تستمر طيلة سن البراءة وهو سن ما دون التمييز من هنا نتساءل حين يوصف الأطفال بالعناد، والعدوانية، وعدم اتباع أوامر الآباء والمربين وضعف التحصيل الدراسي خلال السنوات الأولى.. من المسؤول عن هذه العيوب والنقائص ؟!
من المسؤول عن أي علاقة توتر تتم بين طرفين أحدهما عاقل مميز والآخر طفل قاصر لا يميز ؟!
هلا توجهنا إلى ذواتنا لنكتشف مواطن النقص والخلل سواء في سلوكياتنا أو أخلاقنا أو طرق تعاملنا مع الأطفال؟
لو أصر الطفل على اللعب والحركة وأحدث صوتاً وإزعاجاً داخل البيت وفي نفس الوقت أصرت الأم أو الأب على تسكيته وشل حركته ليتسنى لهما متابعة البرامج التلفازية واتهم الطفل البريء أنه عنيد مزعج فمن يا تري العنيد ؟ هل هو هذا الطفل الذي من طبعه وغرائزه أن يتحرك ويكتشف العالم من حوله من خلال الحركة اللعب؟ أم هذان الأبوان الأنانيان اللذان يصران على إرغام الطفل على سلوك ضد ضرورات نموه ونشأته الفيزيولوجية على سلوك ضد ضرورات نموه ونشأته الفيزيولوجية والنفسية ؟
لو أصدرت الأم على وضع اللقمة في فم أبنها البالغ من العمر سنتين مثلاً، وأصر هو على أن يأكل بيده دون حاجة لمساعدة غيره وتمسكت الأم بموقفها خوفاً على ثياب الطفل أو السجاد وأصر الطفل على موقفه تماشياً مع بداية الاعتماد على الذات والنزوح نحو الاستقلالية عن شخصية الأم هذه الغريزة الطبيعية لدي كل طفل بعد شهره الخامس والعشرين، شهر بداية وضع اللبنات الأساسية لشخصية الإنسان واتهمت الأم ابنها بالعناد هذا إذا لم تعاقبه بصفعة أو صحية في وجهة فمن يا تري العنيد حقاً.
هل هو هذا الطفل الذي يخضع لسنن إلهية زرعها الله لنمو الإنسان أم هذه الأم التي تريد أن تقف حجر عثرة أمام هذا النمو الطبيعي ؟!
تخاف الأم على الثياب والأواني ولكنها لا تخاف أن تدمر شخصية خاصة بموقف عناد منها. كم نشكوا من ضعف شخصيات أنبائنا ؟! وكم نشكوا من انطوائيتهم الزائدة عن الحد ؟! وكم نشكوا من فشلهم في مواجهة الناس ؟! وما يخطر على بالنا أننا قد نكون نحن السبب لأننا بموقف خاطئ منا دمرنا شخصيته، وأصبناها بالأحباط وفقدان الثقة في النفس وكنا سبباً في بث هذه المشاكل النفسية لديه.
إذا فشل طفل احتاج إلى التشجيع لينهض ويتجاوز الفشل أما إذا عنف واستهزي به فإنه يصاب بالأحباط وفقدان الثقة بالنفس وقد تستمر هذه العاهات مدى الحياة !
إن أي توتر يحدث بين أب أو أم من جهة وطفل دون سن التمييز من جهة أخرى ينبغي أن يثير ليدنا أكثر من تساؤل.. من المخطئ ؟ ومن المصيب ؟ وليس من البديهي أن يكون العاقل البالغ على صواب !!
القاعدة الثالثة: الطفل إنسان له مشاعر وأحاسيس... عامله باحترام
كثير منا يظن أن الطفل مجرد كائن صغير... لا يفهم، لا يعرف، لا يشعر لا يحس، لا يتأثر.. ويخطئ من يعتقد ذلك !
إن مرحلة الطفولة هي أكثر المراحل حساسية ورقة وتأثرا... ومن خلالها ترسم معالم شخصية الإنسان ومستقبله...
إذا أهان الوالد ابنه واستهزأ به.. وبالغ في احتقاره.. لا يلبث الولد أن ينشأ على أحد حالين.
1- طفل أثرت معاملة الاحتقار على شخصيته أصيب بالفشل والضعف والاستكانة والاستسلام، واقتنع بداخله إنه إنسان ضعيف، فاشل لا يقدر على شيء والنتيجة فقدان الثقة بالنفس، انطواء، انعزال عن الآخرين، خجل، جبن خوف.
2- طفل لم يقبل أن يكون ضحية ممارسات الاحتقار والاستهزاء... يتمرد على كل قانون وعرف يرفض كل أمر ونهي ونصح عن الوالد المستهزئ..... يعارض. يرفض، يبالغ في إبراز ذاته واستقلاليته... والنتيجة: معاند مشاكس من الدرجة الأولى، متمرد على القيم والمثل التي تمثلها المؤسسة الأسرية.. مستعد للانسياق وراء كل منحرف وجانح...
وكلا الحالتين تمثل صورة إنسان غير مقبول اجتماعيا، فاشل غير مؤهل للمسابقة في تغيير وتطوير مجتمعه، أو استقبال الرسائل التربوية... ويحتاج تأهيلهم إلى جهد كبير ووقت ليس بالقليل... والسبب استهتار بشخصية نظن أنها صغيرة لا تفقه ولا تفهم... ونشكو بعد ذلك من عناد أبنائنا أو انحرافهم، أو انطوائيتهم الزائدة عن الحد ؟!..
إن الوالدين مطالبان ب:
- معاملة أبنائهم بكل احترام وتقدير...
- محاورتهم بكل أدب...
- فهم أفكارهم وأحاسيسهم ومشاعرهم... انطلاقا من رؤيتهم أي الأبناء لا من رؤية الكبار، فما يبدو لهذين الوالدين تافها قد يكون في نظر أبنائهم مهما.
- إشراك الأبناء في أمور وحياة الأسرة بالاستشارة، وأخذ رأيهم في بعض القضايا إشعارا لهم بأهميتهم داخل الأسرة.
- المرونة في التعامل معهم مع مراعاة نموهم السريع الذي يطبع سن الطفولة.
- إبعادهم عن جو الاختلاف والمشاجرات الزوجية التي قد تسبب لهم معاناة أليمة يكبتونها عادة بداخلهم... ولا يشك عاقل في تأثيرها السلبي على سلوكياتهم ومستقبلهم الدراسي والنفسي والاجتماعي...
- الاستماع إلى الأبناء متى ما رغبوا في الحديث والكلام مع الوالدين والجلوس على هيئة تناسب مستوياتهم. ولننطلق دوما من قناعة وعلم بأننا نتعامل مع إنسان ذي مشاعر وإحساسات... لابد من مراعاتها كما نحب أن تراعي مشاعرنا لينشأ أطفالنا على احترام الآخرين.. ومن شب على شيء شاب عليه ‍‍!!
القاعدة الرابعة: ( أقنع الطفل ولا تفرض عليه فرضا ).
التعامل مع الأبناء فن وعلم؛ فكما أننا نبذل الجهد لنتعلم مهارة من مهارات الحياة مع الآلة، أو قيادة السيارة محترمين قوانين المرور، ومتعلمين الطرق السليمة للتعامل مع سيارة ما.. فكيف بالتعامل مع أعقد موجود مخلوق في هذا الكون، ألا وهو الإنسان، وأعقد ما يكون وهو طفل صغير في مراحل تكوينه ونموه...
كثيرا ما نفرض على أبنائنا أوامر دون أن نحمل أنفسنا عناء تفسيرها أو تعليلها أو شرح مغزى ما نريد من أوامرنا، معتقدين أنه طفل صغير لا يفهم... ونظن مخطئين ذلك وتغيب عن أذهاننا أنه وهو طفل يفهم أكثر مما نتصور. ولو افترضنا جدلا أنه لا يفهم واستمرت أو امرنا تنهال على مسامع أبنائنا فإننا سنحولهم إلى آلات أو حاسوب يبرمج حسب إرادة مالكه أو مستخدمه الذي يضغط على زر الأوامر، وما على الحاسوب إلا الإستجابة.. فمن يرضي لابنه أن يصبح آلة لتنفيذ الأوامر ؟!.... ومن يرضى لنفسه أن يصبح آلة لإصدار الأوامر ؟!
حين تصبح العلاقة بين الوالدين وأبنائهما مجرد علاقة إصدار أوامر وتنفيذها فإن شخصية الابن تتأثر سلبيا ويغلب عليها طابع الجمود والتقوقع، وتغيب عنها كل الصفات الإيجابية التي تؤهل الإنسان ليكون صاحب ابداع ومواهب.
لو تجاوزنا الأوامر الكيفية: أفعل، لا تفعل !! كل ! نم ! اخرج ! لا تلعب ! لا تلمس هذا !! فإننا لن نقدم لأبنائنا رصيدا ذاتيا يكتسبون من خلاله معايير القيمة التي تحدد لديهم الخطأ والصواب والحق والباطل والضار والنافع...
إن استقلالية أبنائنا بشكل إيجابي رهين بمدى اكتسابهم لهذه المعايير من خلال سلوكياتنا اليومية، وما نلقنه إياهم من معارف ومهارات..
تصور لو أن كل أب وأم جعل أوامره بشكل مقبول لدى الطفل، معللا إياها بحقائق علمية واقعية لأصبحت حياتنا مدرسة يومية لأبنائنا:
- كل التفاح؛ فأنه يحتوي على فيتامين يساعدك على النمو ويقوي عظامك..
- لا تكثر من الحلويات؛ فإنها تسبب تسوس الأسنان وبالتالي آلاما حادة..
- لا تلمس خيوط الكهرباء؛ حتى لا يصعقك التيار وقد يؤدي بحياتك..
- ادخل البيت فأن الجو حار وقد تصاب بالضربة الشمسية...
- نم مبكرا حفاظا على صحتك.....
- لا تكثر من مشاهدة التلفزيون؛ فإن كثرة متابعته تؤثر على بصرك..
- لا تلعب في هذا الوقت المتأخر حتى لا تؤذي جيراننا وهكذا نعلمهم ونمنحهم معايير لمعرفة ما يليق وما لا يليق.. وبذلك نحقق الكثير من الإيجابيات في حياة أبنائنا نفتح حوارا، نحدثهم، نجعله يسمعوننا، نعبر لهم عن حبنا لهم، وكذلك عن تخوفنا من أن يصيبهم أذى ونربط أوامرنا وتوجيهاتنا بالعواطف والأواصر التي تربطنا بهم.. وحين تفتقد أوامرنا هذا الأسلوب التعليلي فإننا ننقلب في أذهان أبنائنا إلى أنانيين كبار لا يفكرون في غيرهم..
ثماني قواعد من أجل تعامل أفضل:
حاول أن:
1- تقنع أبنك، ولا تفرض عليه فرضا.
2- تجتنب الأوامر الكيفية..
3- لا تكن آلة لإصدار الأوامر..
4- لا تجعل من ابنك آلة لتنفيذ الأوامر..
5- احترم ابنك من خلال إقناعه، وعدم نهيه بطريقة استفزازية.
6- لا تضغط عليه بإرغامه على أشياء... فإن كثر الضغط تسبب القلق والنفور.
7- مارس الثناء والتشجيع؛ لتهيئة الطفل لتنفيذ ما يراد منه.
8- لا تكثر من الأوامر ولا تشعر أبناءك بمراقبتك الصارمة.
تذكر !!
من أين نشأت انحرافات الشباب في الدول الغربية إلا من أنهم لم يقتنعوا بالقيم والمبادئ والمثل والأخلاق !!


هذا ما أردت تقديمه بين يديكم أتمنى أن أكون قد أسهمت ولو بالقليل في تلمس الطريق نحو ما هو أفضل وما هو أنفع لمستقبل أجيالنا

أستودعكم الله


مفيدة عبدولي
أستاذة في علم الاجتماع
تولوز فرنسا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.