حقَّق حزب العدالة والتنمية في تركيا فوزًا مستحَقًّا في الانتخابات "البرلمانية"، والتي تَمّ الإعلان عن نتيجتها مؤخرًا، وهو الفوز الذي تجاوزت نسبته 50%، بما يجعله جديرًا بتشكيل الحكومة منفردًا، غير أنّ هذا الفوز لن يُمكِّنه من تعديل الدستور منفردًا، مما سيجعله يتوافق مع أحزاب أخرَى لتغيير الدستور، وإلا طُرِح للاستفتاء، في حال إقدام الحزب بتعديل الدستور منفردًا. وعلى الرغم من عدم الانفراد الذي يمكن أن يَتمتَّع به الحزب لتغيير الدستور، إلا أنّ استحقاقه بجدارة الفوز بالانتخابات "البرلمانية"، عكس حالةً من إصرار الأتراك على التمسُّك بالخيار الإسلامي لقيادة البلاد للمرة الثالثة على التوالِي، لتصبح "ثلاثية" العدالة والتنمية التي يقودها رجب طيب أردوغان هي الخيار الذي يبدو أنّ الأتراك لن يرتضوا خِلافَه، بعدما حقَّق أردوغان لتركيا تقدمًا ملحوظًا، خاصة في العقد الأخير، جعل مواقفها السياسية الخارجية أكثر قوةً، وانحيازًا لإقليمها، فضلاً عن إحداث تقدُّم ملحوظ في الداخل التركي. هذا التقدُّم الاقتصادي ساهم في جَعْل تركيا واحدةً من أهم 20 دولة في العالم، بعدما أصبح اقتصادها يحتلّ المرتبة السابعة عشر، بما أَهَّلها لتكون ضمن مجموعة العشرين العالمية، وهو ما كانت له انعكاساته على وضعها الاقتصادي في الداخل بتحسُّن نسبة دخل المواطن التركي. علاوةً على هذا الجانب الاقتصادي، فإنّ تركيا بسياساتها الإقليمية، وخاصة فيما يتعلَّق بالقضية الفلسطينية كان واضحًا منذ تولِّي حزب العدالة والتنمية الحكم في البلاد، حتى في اللحظات الأخيرة التي أعلن فيها أردوغان فوزَ حزبِه بالانتخابات الأخيرة، مهنئنًا شعبه بهذا الفوز الكبير، فإنه لم ينسَ الانحياز لهذه القضية، بل وتجاوزها بإعلانِه تأييده الكامل للثورات العربية. هذه المواقف التي باتَت تركيا تُقْدِم عليها، وتعمل على تحقيقها، تعكس دبلوماسية أنقرة التي يقودها أردوغان وحزبه لتحقيق دبلوماسية قوية في الخارج، لم تمنع التفاف العسكر عليها في أن تكون داعمةً للحق العربِي والإسلامي، على الرغم من عدم عروبة تركيا، إلا أنّ أنقرة لم تتنكر لمحيطها وإقليمها، وإرثها التاريخي مع العرب، فضلاً عن واجبها الإسلامي. فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات يُمهّد لوضع تركيا على أعتاب مرحلة جديدة، وعلى الرغم من كونها "الثلاثية" التي يُحقّقها الحزب في مرمى معارضيه، وبالأخصّ حزب الشعب، إلا أنَّها هذه المرة تختلف عن جولتيها السابقتين، فهي تأتِي في ظل "الربيع العربي"، وانطلاق الثورات العربية، وبروز تغيير حقيقي في المنطقة، وفق معطيات وشواهد تؤهلها أن تكون وفق منعطفٍ جديدٍ، يختلف عما كانت عليه من قبل برعاية الحكام المستبدين. وبالمؤكّد أن حصافة حزب العدالة والتنمية ستتجاوز "أزمة الدستور"، والذي بتغييرِه ستكون المرة الأولى التي تغير فيها أنقرة دستورها، وذلك تجنبًا لطرحه للاستفتاء، مما قد يؤشِّر إلى عدم الموافقة عليه، في ظل حالة من التنافس القوي مع حزب الشعب المعارض. غير أنّ تاريخ حزب العدالة والتنمية، وما حقّقه لتركيا واستحقاقه بقيادة البلاد ونجاحه في تحقيق النمو الاقتصادي المتطور- يَجْعله جديرًا بتشكيله للحكومة منفردًا، فهذه من الأمور التي تجعل الحزب قادرًا على تجاوز "أزمة الدستور"، والتعامل معه بحنكة سياسية، لا تقلّ عن سابق تعامله عند طرح الحزب لعبد الله جول لرئاسة البلاد، وهو الأمر الذي تحقِّق للحزب. ووفق كل الشواهد، فإنّ حزب العدالة والتنمية أصبح على وقع مستقبل جديد، وفق ما تعكسه معطيات الواقع الراهن، الأمر الذي سيجعل تركيا نموذجًا للمنطقة والعالم، بما يُمكِّنها من تأسيس "تركيا واحدة يعيش كل أبنائها بحبّ وسلام"، على نحو ما كان يخاطب به أردوغان شعبه ومؤيديه، بعد إعلان نتيجة الانتخابات، مهنئنًا إياهم بفوز حزب العدالة. ولهذا سيسعَى حزب العدالة والتنمية إلى تحقيق هدفه في الإصلاحات الدستورية والتي يؤكّد عدم تخليه عنها، وذلك من خلال إقامة تحالفات مع أحزاب أخرى، وخصوصًا مع المستقلين أو غيرهم ممن تَضَمّنت شعاراتهم الانتخابية دعوات لإصلاح الدستوري. يأتِي هذا في ظلّ ما أعطاه الشعب التركي من ثقته مجددًا لحزب العدالة والتنمية، لتدخل تركيا في الولاية الثالثة لحزب العدالة والتنمية عصرًا جديدًا مع إصراره على إدخال أنقرة لمرحلةٍ جديدةٍ من الديمقراطية التي لم تعرفها من قبل، مما يُؤهِّلها لطرق أبواب الاتحاد الأوروبي بقوة، لتتحول إلى نموذج في قدرة الإسلام المعتدل على صياغة ديمقراطية حقيقية تُعْلِي من شأن الحرية الشخصية وتضمن حقوق الإنسان، وتُسْهِم في صياغة الرفاهية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتتعايش مع العلمانية من خلال دولة مدنية فاعلة وقادرة. مصدر الخبر : البشير a href="http://www.facebook.com/sharer.php?u=http://alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=18972&t="الربيع التركي" ينتصر للإسلاميين&src=sp" onclick="NewWindow(this.href,'name','600','400','no');return false"