تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معركة الإسلام والعلمانية فى تركيا.. هل تنهيها لدغة أردوغان للجيش الكمالي
نشر في الحوار نت يوم 02 - 03 - 2010


* تقرير: وائل الحديني
لا يصدق البعض أنّ رجب الطيب أردوغان وجّه للجناح الكمالي المتطرف فى الجيش التركي ضربات موجعة، فأردوغان عاش لمدة عام كامل فى قصر رئاسة الوزراء بدون زوجته، التي كانت تقيم فى مسكن مجاور، تبعًا للتعاليم الكمالية لأنها محجبة، وهو نفسه الذي أرسل بناته للتعلم في الخارج لأنهنّ محجبات، لكن منع زوجته من زيارة أحد أقاربها فى مستشفى عسكري بزعم أنها محجبة، أعقبه لدغة كسرت هيبة الجيش، وحطمت سطوته.
بين كل فترة وأخرى كانت الأخبار تأتي من تركيا بأن قيادات من العدالة والتنمية قد شرعوا في تأسيس حزبٍ على اعتبارِ أن حكم المحكمة الدستورية سيكونُ قاطعًا بحل حزبهم ومنع قياداته من ممارسةِ العمل السياسي، لكن ذلك حدث قبل أن يستعيدوا زمام المبادرة.
أروغان بين المصباح والشمس
ينظر أردوغان دائمًا إلى الضوء والدفء والأفق الرحب، فإذا كان زمنُ المصباح قد ولىَ فلتكن الشمس التي أشرقت ملايين المرات شعارهم، لكن يسار الظلام وعلمانية الضيق كانوا يحاولون سرقة الرمز وكأنه سيُرمم شعبيتُهم المنهارة أو يمزق خيوط العنكبوت التي نسجوها حول مبادئهم الهَرِمة!!
فالمدعي العام يقفُ دائمًا على أهبة الاستعدادِ كرأس حربةٍ بربريةْ يطالب بإعدام هذا وحظر ذاك، والجيشُ الذي يدير الانقلابات غالبًا أداةُ بلا عقل!
من النورسي إلى أربكان
(1) سعيد النورسي الملقب ببديع الزمان والذي أسس الحركة النورية، وواجه الاتحاد والترقي وقف بقوة مدافعًا عن الشريعة أمام المدعي العام الذي طالب بإعدامه قائلًا: (لو كنتُ أملك آلف روحٍ لافتديت كلٍ منها لأجل حقيقة واحدة هي الشريعة) .. وحينما أُفرج عنه خرج ليمشي في الميادين وهو يصرخ: (تحيا جهنم للظالمين)..
وحينما دعَا الناسَ للصلاةٍ في وجودِ أتاتورك قال له: (يا أستاذ نحن دعوناك هنا لنستفيد من آرائك العليا لا لتشغلنا بالصلاة) قام النورسي من مكانهِ وتقدم نحو أتاتورك وأشار بإصبعيه السبابةٌ والوسطى إلى عينيه وكأنه يخطفهما: (باشا باشا إنّ الحقيقةً العظمى في الكونِ هي الإيمان، ويلي الإيمانُ الصلاة من ترك الصلاة فهو خائن وحكم الخائن أنّه مردود)..
لكن النورسيُ كان أفضلُ حالاً من الكثيرين.. فأئمةٌ مشهورين قتلوا في معركة القبّعة، وعددٌ من العلماء شُنقوا وعُلقت أجسادهم أمام المساجد لأنهم رفعوا الأذان باللغة العربية. ثم جاءت الهجمةٌ الشرسة على أسماء الشعب وهي ما عُرفت ب"معركة الألقاب"، وبدا واضحًا أنّ أتاتورك ورجاله يسعون لتغيير دين الشعب وهيئته وأسماءه بعيدًا عن الإسلام، ففي الذكرى العاشرة لتأسيس الجمهورية التركية جُمعت المصاحف والكتب الدينية ووضعت على ظهور الإبل ليقودها رجل يرتدي الزي العربي ويتجه بها نحو الجزيرة العربية، وعُلقت على رقاب الإبل لافتة تقول: (جاءت من الصحراء، ولتعد إلى الصحراء، وجاءت من العرب، فلتذهب إلى العرب) .
في الساعة التاسعة وخمس دقائق في 10 /11 /1938عندما لفظ أتاتورك آخر أنفاسه في قصر دولما باغشة في اسطنبول لم يعني ذلك أن العلمانيةً الاتاتوركية فقدت حصونها المنيعة فحراس صنم أتاتورك كانوا أكثر التزامًا بمبادئه، واشدُ تطرفًا في مواجهة أعدائه.
إلّا أنّ انفراجةً جاءت بتشكيل عدنان مندريس وزارته في 25 /11 /1957، فلقد سمحت الحكومة الجديدة بتلاوة القرآن الكريم في الإذاعة التركية بعدما كان محظورًا، وافتتحت كلية الإلهيات (الشريعة) وفتحت العديد من المدارس الشرعية المسماة مدارس الأئمة والخطباء، ورخص لمعاهد تحفيظ القرآن الكريم، لكن انقلابًا بقيادة الجنرال جمال غورسيل أعادَ الزمن للوراء بشكل دموي بعدما حكم بإعدام عدنان مندريس، ووزير خارجيته فاتن رشدي زورلو، ووزير ماليته حسن بولادقان، وحكم على الرئيس محمود جلال بايار بالسجن المؤبد..
وتم تسريح خمسةُ آلاف ضابطٍ من رتبة جنرال حتى رتبة مقدم تحت شعار تنقية الجيش من الأصوليين، وأقالوا 147 أستاذا من أساتذة الجامعات.
وأذاع البيان الانقلابي (ألب ارسلان توركيش) شيطان العلمانية وثعلب تركيا العجوز المولود في قبرص سنة 1917..
وقف ألب ارسلان أمام أربكان طويلًا خاصة في أحداث 97 وأرهق كل منهم الآخر، لكنه شاهد هزيمةُ حزبه الحركة القومية واندحاره مرة بعد أخرى على يد الأصولية التي تلا بيان دفنها!!
(2) ظهرالبروفيسور نجم الدين أربكان المولود عام 1926م في نهاية الستينات ليدخل البرلمان عن دائرة (قونيه) مستقلًا بعدها شكل مع مجموعةٍ من النواب المتدينين (حزب النظام الوطني) الذي كان شعاره قبضةُ يد منطلقة في الهواء وإصبع الشهادة موجهًا نحو الأمام.
إلا أنّه في أبريل 1971م وجهت له بعض التهم وقدُّم للمحكمة التي أصدرت أمرًا بإلغاء حزبه الذي لم يستمر سوى (16) شهرًا، مع مصادرة ممتلكاته ومنع شخصياته من العمل من خلال أي حزب سياسي آخر، ومنعهم من تأسيس أي حزب جديد كما أنه لا يجوز لهم ترشيح أنفسهم ولو كانوا مستقلين!!!
ورغم ذلك أسس أربكان في 11/10/1972. حزب السلامة وعلى إثر انتخابات 14/10/1973م شكَّل السلامة مع حزب الشعب ائتلافًا وزاريًّا تولى فيه أربكان منصب نائب رئيس الوزراء لمدة تسعة أشهر قبل أن تسقط الحكومة بانسحابه من الائتلاف.. وفي 5/12/1978م طالب المدعي العام التركي فصل أربكان عن حزبه (السلامة الوطني) بدعوى أنه يستغل الدين في السياسة وهو أمر مخالف لمبادئ أتاتورك العلمانية.
في 12/9/1980م قاد الجنرال كنعان ايفرين انقلابًا تسلم الجيش بموجبه زمام الأمور في البلاد.
أقام الانقلابيون (محاكم تفتيش) وبلغ عدد المعتقلين 30 ألفًا على رأسهم أربكان الذي أحيل مع 33 شخصًا من قيادات حزب السلامة إلى المحكمة العسكرية وطلبت لهم النيابة العامة أحكامًا تتراوح ما بين 41 و63 سنة سجنا، وتم حلُّ الحزب.
لكن أربكان عاد رئيسًا للوزراء تحت عباءة الرفاه في 1996!!
وفي 28-2-1997 وجه مجلسُ الأمن القومي إليه رسالةٌ تحذيرية تطلبُ منه تنفيذ عددٍ من الإجراءات الموجهة ضد نشاطات ومظاهر إسلامية (كالحجاب، ومدارس الأئمة والخطباء، ومعاهد تحفيظ القرآن الكريم).
وقام الجيشُ التركي باستعراض عضلاته في إحدى ضواحي أنقرة وأغلقت الشرطة (18) مركزًا للتعليم الإسلامي، واعتبر رئيس الأركان: أنّ تحطيم الأصولية الإسلامية في تركيا مسألة حياة أو موت بالنسبة للجيش، وأصدر مجلس الأمن التركي تقريرًا في (70 صفحة) عن خطر الرجعية في تركيا على العلمانية، ونشر لائحة سوداء بأسماء (600) مؤسسة صناعية وتجارية يدعو الحكومة والشعب لمقاطعتها لأنّ الأصوليين يديرونها!! متهمًا حزب الرفاه علنًا بدعم الأصولية وبالتحريض ضد العلمانية..
كما قامت محكمة عسكرية بتوقيف ثلاثة من مرافقي أربكان وهدد الجيش باللجوء إلى السلاح لإزالة الخطر الأصولي على العلمانية!!
لكن في رسالةِ تحد للجيش أعلن أربكان عزم حكومته على بناء مسجد ضخم في ميدان "التقسيم" في إسطنبول حيث ينتصب أكبر تمثال لمصطفى كمال، وبناء مسجد آخر في أنقرة في منطقة "شانكايا" التي تحتضن مقار مؤسسات الجمهورية العلمانية الرسمية. مؤكدا للصحافة أنّ العلمانية لا تعني قلَّة الدين.. وبعد أسبوع من إنذار الجنرالات حذَّر أربكان في تصريح صحفي الجيش من محاربة الإسلام، مؤكدًا أنه لا يمكن لأحد أن يقضي على شعب مؤمن.
وفي 11/5/1997افتتح أربكان اجتماعًا ضم ممثلين لثماني دول إسلامية لبحث إمكانية تشكيل سوق إسلامية مشتركة، وهو ما اعتبره العلمانيون بمثابة إعلان حرب جديد على النظام
وفى خُطة مُحمكة تم إلغاء شراكة حزب الوطن الأم بزعامة تانسو تشيللر مع الرفاه بزعامة أربكان، وأدّى انفراط شراكة الحزبين إلى استقالة الحكومة في أوائل شهر يونيو من عام 1997.
وفي 9-6-1997م تقدم المدَّعي العام بدعوى قضائية أمام المحكمة الدستورية، مطالبًا بحل حزب الرفاه بتهمة العمل على تغيير النظام العلماني في تركيا.
وفي شهر يناير من عام 1997م أصدرت المحكمة الدستورية حكمًا بحل الرفاه، وبمنع أربكان وعدد من قادة الحزب من العمل السياسي لمدة خمس سنوات.
ظن البعضُ بهذه النهاية الدرامية أنّ تجربة الإسلام السياسي في تركيا انتهت إلى غير رجعة، وأنّ جهود النورسي وأربكان ذهبت سدى!!
لكن نواب أربكان الشباب كانوا يرون أنّ تركيا التي أنجبت محمد الفاتح قادرةٌ على إنجاب محمد فاتح آخر لا يرضى أن يكون مصطفى كمال أتاتورك المشكوك في نسبه حارسًا على بابه!!
وفى أغسطس 2001 أعلن جول وبولنت أرينش تأسيس حزب العدالة والتنمية كقرار استباقي لحكم المحكمة الدستورية بإغلاق الفضيلة، في الوقت الذي أسس فيه قوطان حزب السعادة، لكن العدالة والتنمية حظي بالثلاثة الكبار في تركيا، فبالإضافة إلى الاسمين السابقين كان أردوغان ينتظر السماح له بممارسة العمل السياسي بعد انتهاء فترة الحظر.
التجديديون هؤلاء غيروا وجه تركيا، ونجحوا فيما لم ينجح فيه الكثيرين!!
عهد الطيب
* لم يتخلف أردوغان يومًا عن واجب العزاء لأي تركي يفقد عزيزًا ويدعوه للجنازه.
* اقترب من الجماهير خاصة البسطاء منهم، قال أحدهم: نحن نفخر بأردوغان ونعتقد أنه لن يجرؤ أحد بعد اليوم على السخرية منا أو إهمالنا.
* ولد الطيب باستانبول فى 26 فبراير عام 1954 فى حي قاسم باشا الفقير لوالد يعمل فى خفر السواحل، وبعد أن انتهى من تعليمه الابتدائي التحق بمدرسة الأئمة والخطباء، ومنها إلى كلية التجارة والاقتصاد بمرمره
طويل القامة، فارع الطول، جهوري الصوت، حاد الطباع، نتيجة نشأته، لكنه خرج من السجن بدرجة عالية من المرونة وأفكار إصلاحية وأسلوب معتدل..
* متدين لا يجيد سوى التركية، لكنه متحدث بارع ومصغي جيد
* تاجر ماهر، مارس كرة القدم فى ثلاثة أندية رياضية
يقول رجل الأعمال - التركي من أصل سوري - غزوان مصري: كل من يعيش فى استانبول يدين للطيب بالماء والهواء النظيفين، والخضرة التى تملأ المكان.. كانت وسائل الإعلام سابقًا تنصح كبار السن والأطفال ألا يخرجوا للشارع لأنّ الهواء ملوث، كما كانت الكمامات توزع فى الشارع.
* خلال ثمان سنوات عالج الطيب كل ذلك وحول استانبول إلى عاصمة اجتماعية وثقافية وسياحية تليق بتركيا
* اقتحم الطيب عالم الدعارة، واستطاع أن يعيد تأهيل الفتيات نفسيًا واجتماعيًا، ويلحقهم كعاملات فى المصانع.
* دخل السجن فى عام 1999 بسبب أبيات من الشعر: ( المآذن رماحنا.. والقباب خوذاتنا.. والجوامع ثكناتنا.. والمؤمنون جنودنا)
* مُنِع أردوغان من ممارسة العمل السياسي رغم فوز حزبه بانتخابات 2002 وحصوله على 354 مقعدًا وتشكيله الحكومة منفردًا، لكنه عاد إلى البرلمان بعد خمسة أشهر، حينما رفع عنه البرلمان عدم الصلاحية واستقال أحد نواب الحزب ب (سرت) لتجري الانتخابات ويفوز الطيب بها، ثم تنازل له جول عن رئاسة الوزراء ليعيد صياغة التاريخ التركي في ظرف أعوامٍ قليلة
الرئيس: جول
* لا تفارق الابتسامة وجهه في أشد المواقف صعوبة ومشقه..!
يعتبر واحدًا من السياسيين الذين لا تأخذ التجربة السياسية والخبرات المتولدة عنها من الرصيد الإنساني لديهم... وإنما تضيف إليه.
* ولد في قيصريه لعائلة متواضعة في 29 أكتوبر عام 1950، وأكمل تعليمه الابتدائي ثم التحق بمدرسة الأئمة والخطباء التي تخرج منها أردوغان، وتخرج في كلية الاقتصاد بجامعة استانبول عام 1972م
حصل على الماجستير في الاقتصاد من بريطانيا، ونال درجة الدكتوراه في موضوع تطور العلاقات الاقتصادية بين تركيا والعالم الإسلامي...عمل في بنك التنمية الإسلامي في جدة لمدة ثمان سنوات... يجيد الانجليزية إجادة تامة على عكس أردوغان (اعتقل في عهد الجنرال كنعان إيفرن 1980 لعدة أشهر قضاها بسجن متريس الشهير
* استطاع بناء شبكة علاقات واسعة أثناء توليه حقيبة الخارجية، ومد خطوط اتصال مع كل الأطراف.
* يتميز بالواقعية والرؤية الثاقبة.. عُين مسؤول العلاقات الدولية بحزب الرفاه، ثم نائب رئيس حزب الفضيلة.
* كان يُلقب بالأمير لقربه الشديد من أربكان (الملك)
*مهندس مجموعة الثمان الإسلامية، ومهندس حزب العدالة والتنمية.
* تنازل عن رئاسة الوزراء لأردوغان فى مشهد قلما يتكرر، وأعطاه أردوغان الرئاسة لاحقًا رغم أنّه كان يحلم بها..
تقديم القدوة
* لم تمنع أردوغان نشأته المتواضعة أن يعتز بنفسه، ففي مناظرة تليفزيونية مع زعيم الحزب الجمهوري وريث الكمالية دينز بايكال قال: (لم يكن أمامي غير السميد والبطيخ فى مرحلة الابتدائية والإعدادية كي استطيع معاونة والدي وتوفير قسم من مصروفات تعليمي، لأنّ والدي كان فقيرًا).
* لم يغير الطيب مسكنه رغم تواضعه حتى بعد وصوله لمنصب عمدة استانبول ووجود فرص للحصول على عملات بملايين الدولارات بشكل شرعي ومتعارف عليه لكنه كان يخصم تلك العملات ويوفرها لخزينة المدينة
* فى رمضان.. يقوم جول باصطحاب زوجته يوميًا إلى منزل إحدى العائلات الفقيرة بالعاصمة أنقره لتناول طعام الإفطار ليؤكد أنه خرج من بين هؤلاء، وانتمائه الحقيقي لهم.
* روى البستاني محمد أردوغان أنّ جول زار صاحب المنزل الذي يعمل به. وأنه ساعد فى إعداد طعام الإفطار ثم ذهب ليستكمل عمله، لكن جول ناداه فظنّ أنه ارتكب خطأً ما، لكن جول طلب منه أن يتناول معهم الإفطار على نفس المائدة وألح في ذلك، ولم يقبل اعتذاره أبدا.. يقول البستاني (تعودنا من كبار القوم ألا يلتفت أحدهم لأمثالنا من طبقات الشعب، ولكنه أثبت بحق أنه ابن محافظة قيصري، كما أثبت أنه رجل مسلم بحق وجدير بالاحترام أيضا).
* كانت أشهر الصور في تركيا ل (جول) وهو يمر على أحد المدارس الابتدائية أثناء نهاية اليوم الدراسي والتلاميذ يلتفون حوله في حميمية وود.
* رغم ذلك لن تستطع زوجة جول خير النساء استكمال تعليمها في كلية الآداب جامعة انقره بسبب رفض الحكومة التركية لأنها محجبة، ورفعت دعوى قضائية أمام المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان في عام 1998..
حصل العدالة والتنمية على 354 مقعدًا من 550 مقعد في انتخابات 2002 بنسبة 34%.. لكنه اكتسح الانتخابات في 2007 بنسبة غير مسبوقة تقترب من 50 %..
معركة الاقتصاد
يعتبر الإعلامي أحمد منصور: أنّ اردوغان بعد مرور ثلاثِ سنواتٍ على توليه رئاسة الوزراء بدا واثقًا من حجم التطورِ الهائل الذي تم في تركيا على يد حكومته، لاسيما في مجالات الاقتصاد، والتعليم ، والصحة والحرب على الفساد .. كما بدا علي باباجان أيضا والذي تولى وزارة الاقتصاد وعمره خمسة وثلاثون فغير وجه تركيا واثقًا من (أنّ الاقتصاد التركي أصبح أكثر رسوخًا من أي وقتٍ مضى).. وهو أحد الأسلحة الماضية التي يخوض بها أردوغان دومًا معاركه الانتخابية. وهو الأمر نفسه بعد مرور ستِ أعوام في الحكم.
وتشكل قصة نجاح حزب العدالة والتنمية في المجال الاقتصادي التركي أحد أهم عوامل زيادة شعبية الحزب جماهيريًا ومن العناصر الأساسية التي دفعت إلى فوزه في الانتخابات التشريعيةِ والرئاسية الأخيرة، والتي استطاع من خلالها اكتساح جميع منافسيه وإخراج النخبة العلمانية والجيش (من حلبة المنافسة) ووضعهم في خانة ضيقة، وكان الوضع الاقتصادي البائس، والانهيار التجاري والمالي لتركيا هو التحدي الأول للعدالة والتنمية، لكنه بمرور الوقت أصبح المعجزة التي ثبّت أردوغان من خلالها أقدامه، ووضع اسمه كواحد من أهم الشخصيات تأثيرًا في التاريخ التركي الحديث..
الانجاز بلغة الأرقام:
*الناتج القومي التركي كان 180 مليار دولار وصل إلى 550 مليار دولار.
*الصادرات كانت 36 مليار دولار أصبحت 100 مليار دولار.
*دخل الفرد كان 1200 دولار وصل إلى5500 دولار.
*معدل التضخم كان 30% وصل إلى 9%.
*نسبة الفائدة كانت 60% تصل إلى 140% انخفضت إلى 17% تزيد إلى 20%..
*معدلات النمو أصبحت تتراوح ما بين 7 9%.
*كل أربعة تليفزيونات تباع للاتحاد الأوربي ثلاثة منها صناعة تركية..
*الحرب على الفساد وفرت 100مليار دولار لخزينة الدولة.
*كل شركة تركية تضاعفت قيمتها أربعة مرات.
لذا كان كل واحدٍ من تركيينِ اثنين يصوت للعدالة والتنمية في آخر انتخابات برلمانية..
لكن النهضة الحقيقة في تركيا والانقلاب الاقتصادي لم يكونا كافيين لتخفيف قبضة العلمانيين والجيش تجاه العدالة والتنمية.. فكل معركة يخوضها أردوغان يراها المحللون بمثابة المعركة الأخيرة له، لكنه حين يخرج منتصرًا يُدفع إلى معركة أخرى سريعًا..
فعندما انتهت المدة القانونية لنجدت قيصر سيزار وهي سبع سنوات كان أمام أردوغان خيارات محدودةٍ للغاية: إما أن يندفع نحو سدة الرئاسة كما كان يهفو تاركًا مكانه لرفيقه جول أو أن يبقى هو مكانه ويُصعد جول مكان سيزار..
ربما كان الجيش والتيار العلماني يرون الخيار الثاني الأفضل رغم مرارته، لكن كان هناك تساؤل مطروح: العلمانيون لا يصبرون على رؤية طالبة محجبة فكيف بزوجة رئيس الدولة؟
فلجأ حزب الشعب الجمهوري إلى كذبة قانونية كما يصفها المؤرخ التركي "اورخان محمد علي" لتعطيل فوز جول..
فالدستور التركي ينص على أنّه إذا لم يحصُل المرشح للرئاسة على 376 صوتًا يتكرر التصويت على نفس العدد بعد ثلاثة أيام.. ثم على 276 صوتًا (النصف +1).. وإذا لم يحصل المرشح على هذه النسبة تنعقد الجلسة للمرة الرابعة ويصبح الرئيس هو من يحصل على أكبر عدد من الأصوات بين المترشحين..
حصل جول في الجلسة الأولى على 351 صوتًا وكان يحتاج إلى 16 صوتًا فقط.. بينما كانت الجلسة الثالثة كافية لتمريره رئيسًا إلّا أنّ حزب الشعب الجمهوري قاطع الجلسة وطعن على نتيجتها فلجأ أردوغان إلى خيار الانتخابات المبكرة التي ضرب بها أعناق الجميع وعاد أكثر قوة. وعاد جول رئيسًا..
معركة الحجاب
صرح أردوغان مرةً أنه يتمنى أن يرى المحجبات والسافرات وهنّ يسرن يدًا بيد في الجامعات.. ربما سيتوقف الكثيرون أمام مقولة أردوغان متهمين إياه بالتراجع والتنازل!! لكن الوضع في تركيا جدُ متداخل ومتشابك فهذه الكلمات على بساطتها عَدّها المدعي العام دليلاَ على نية أردوغان هدم العلمانية!!
وكان أردوغان في رحلته لاستراليا عام 2004 قد تقدمت إليه فتاتان تركيتان تدرُسان في الجامعة هناك بعد مَنعهما من الدراسة الجامعية في تركيا بسبب الحجاب، وطَلبتا منه حل المشكلة فأجاب: (إنني أعرف هذه المشكلة جيدًا، وقد قاست منها عائلتنا كثيرًا فقد حصَلت ابنتان لي على الدرجة الكافية للالتحاق بجامعة (بوغاز إيجي) ولكنهما لم يستطيعا الدوام في تلك الجامعة لكونهما محجبتين، أنا أعرف هذه المشكلة جيدًا وأرى أنّ حلها يتم بالتفاهم مع الأحزاب الأخرى. لذا أرجو ألا يطالبني أحد بحلها بشكل منفرد لأنني لا أريد إثارة التوتر في البلاد!)
لكنه في يناير 2008 تحدث بالقول: (سنتخطى هذه المشكلة معًا.. لا حاجة للانتظار للدستور الجديد.. حل هذه المشكلة بسيط للغاية سنجلس معًا ونحلها بجملة واحدة)!
وفى فبراير أقر البرلمان التركي التعديلات التي اقترحها العدالة والتنمية على المادة 10 و42 من الدستور بموافقة 411 عضوًا وامتناع 47 عن التصويت.. لكن المحكمة الدستورية التركية أصدرت يوم 5 يونيو قرارًا يقضي: (ببطلان التعديلات الدستورية التي تسمح للطالبات بدخول الجامعة بالحجاب) وهو القرار الذي قال أردوغان: (إنّه تجاوزٌ لصلاحيات المحكمة).. بينما رأى رئيس أركان الجيش التركي "ضرورة احترام قرار المحكمة"..
وهو ما اعتبره البعض استباقًا لصدور قرار بالموافقة على طلب المدعي العام حظر العدالة والتنمية ومنع 71 من قياداته من ممارسة العمل السياسي!!

* لكن في 30 يوليو رفضت المحكمة الدستورية حل العدالة والتنمية في سابقة لم تحدث من قبل لأيّ حزب تركي واكتفت المحكمة بتغريم مالي للحزب لا يتعدى خصم نصف مستحقاته!
بات الاقتصاد التركي الآن يشكل الاقتصاد الإقليمي الأكثر ديناميكية وقيادية، وإذا ما أضفنا إلى كل هذا موقع تركيا الجغرافي وتوقعات أن تضم تركيا أكبر شبكة نقل ومرور للطاقة في العالم فإنّ هذا يقودنا إلى أنّ دور تركيا في تعاظم مستمر ويتجه إلى استعادة حالته التاريخية ولو بشكل بطيء..
والاقتصاد هو الذي سيشكل الدعامة الأساسية التي سيسعى حزب العدالة والتنمية من خلالها النفاذ لجميع شرائح المجتمع ليثبت لهم أنّه الأقدر والأكفأ على قيادة تركيا وتمثيل الشعب التركي..
وفي النهاية وقف القضاءُ مع ما يعتقد أنّه حقُ الدهماء في (العدالة، والحرية، ولقمة العيش) وهو شعار العدالة والتنمية..
ولم يضيع رئيس الوزراء الفرصة فبعد أيام قليلة من حكم المحكمة كان رئيس الأركان يودع الحياة السياسية وأردوغان متواجدًا في حفل تنصيب خليفته في دلالة ذات معنى وفي سابقة قلما تحدث أيضًا!! فحكم المحكمة يُعدُ انتصارًا جديدًا لأردوغان يمهد الطريق لمعركةٍ أخرى قادمة!!
معركة إسرائيل
المعركة هذه المرة كانت فى إعادة النظر في العلاقات التركية – الإسرائيلية.. فقد كانت تركيا الأتاتوركية أول دولة مسلمة تعترف بإسرائيل سنة 1949م، وقد جاءت هذه الخطوة ضمن مجموعة من الخطوات التي اتخذتها تركيا لتتكامل عملية الانسلاخ عن تاريخها كدولة مسلمة، ومنذ ذلك الحين والعلاقات العسكرية والأمنية بين البلدين تتخذ أشكالًا وأنماطًا متصاعدة بلغت ذروتَها في الاتفاق الأمني – العسكري الذي وقَّعه الطرفان إبان زيارة الرئيس التركي سليمان ديميريل لإسرائيل عام 1996م، والذي نصَّت أهمُّ بنودِه على النقاط التالية:
1- السماح للكيان الصهيوني باستخدام الأجواء والأراضي والمطارات التركية في عمليات تدريبية.
2- التنسيق الاستخباراتي بين الجانبين في جمع المعلومات وخاصة عن سوريا وإيران.
3- الاستفادة التركية من الخبرة والخبراء الإسرائيليين في مكافحة حزب العمال الكردستاني، وخاصة عملياته في المدن.
4- تقدم إسرائيل إلى تركيا خبراتها في مجال الصناعة العسكرية والتكنولوجية الإلكترونية المتطورة لتحديث الطائرات التركية المقاتلة.
عمد أردوغان إلى تقليص النفوذ الإسرائيلي في تركيا، وهاجم الكيان الصهيوني أثتاء العدوان على غزة بضراوة، وانسحب من جلسة مؤتمر دافوس التي جمعت بينه وبين "بيريز"، بعد أن تحدث معه بنبره عنيفة، فاستقبله الشعب التركي استقبالًا حافلًا، ثم هدد الكيان الصهيوني بأنّ أي انتهاك للأجواء التركية ستقابل برد مزلزل فى إشارة إلى مسار قد يكون مطروحًا للاستخدام فى ضربة إسرائيلية للمواقع النووية فى إيران .
(الجيش) معركة أردوغان الأخيرة
بعد ذلك لم يجد أردوغام بدّا لبدء المعركة الأخيرة، بعد تفجر فضيحة المطرقة.
فقد نشرت صحيفة (طرف) التركية تفاصيل المؤامرة في الشهر الماضي، وقالت إنها وضعت ونوقشت في عام 2003 في مقر قيادة الجيش الأول في اسطنبول.
وتضمنت المؤامرة تفجير عدد من المساجد وافتعال مواجهة عسكرية مع اليونان تسقط فيها طائرة تركية من أجل خلق بلبلة تؤدي إلى سقوط الحكومة.
اعتقل أردوغان أكثر من خمسين من قيادات الجيش، بينهما قادة أسلحة، ونواب لرئيس الأركان السابق، وقال أنه لا أحد فوق القانون، ثم بدأ الحديث عن تعديل دستوري، قد يضع للجيش حدودًا.
والحدود التي يرغب فيها أردوغان أن يبقى الجيش فى ثكناته، ولا يتدخل فى السياسة، فالسياسة لها رجالها، والجيش له أعماله، إذا نجح أردوغان فى ذلك، ربما يتّجه إلى معركة أخرى، إن كان فى العمر بقية.
* كاتب مصري له العديد من المقالات المتخصصة فى الشأن التركي

نقلا عن موقع نافذة مصر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.