بسبب انتشار الحشرة القرمزية: تراجع صابة الهندي الأملس بنسبة 40 بالمائة    بطولة العالم لألعاب القوى طوكيو 2025: العداءة التونسية مروى بوزياني تحتل المرتبة الرابعة    الحرارة هكذا ستكون الليلة    بعد تتويجه في فينيسيا.. 'صوت هند رجب' يختم مهرجان القاهرة السينمائي    من قلب القاهرة... عبد الحليم حافظ يستقبل جمهوره بعد الرحيل    الاستاذ عمر السعداوي المترشح لخطة رئيس الفرع الجهوي للمحامين بتونس ل" الشروق اون لاين ".. " ساعمل من أجل هياكل فاعلة تحفظ كرامة و تطور الممارسة اليومية للمهنة"    بن عروس: إدماج حوالي 300 طفل في برنامج "روضتنا في حومتنا" و33 طفلا من ذوي اضطرابات طيف التوحد في مؤسسات رياض الاطفال    وزير الداخلية: تونس في مواجهة مُباشرة مع التحدّيات والتهديدات والمخاطر السيبرنية    غار الدماء: وفاة أم أضرمت النار في جسدها بسبب نقلة ابنتها    الديوانة تحبط محاولة تهريب مخدرات بميناء حلق الوادي الشمالي    تحويل جزئي لحركة المرور قرب مستشفى الحروق البليغة ببن عروس    عاجل/ الأخيرة ضمن الأسطول: السفينة "أنس الشريف" تُبحر باتّجاه غزّة    القمة العالمية للبيوتكنولوجيا: وزير الصحة يعلن بسيول إطلاق مركز وطني للتدريب البيوطبي لتعزيز قدرات إفريقيا في إنتاج الأدوية واللقاحات    إلغاء الإضراب بمعهد صالح عزيز    فتحي زهير النوري: تونس تطمح لأن تكون منصّة ماليّة على المستوى العربي    تحذير صارم: أكثر من 30 مصاب بالاختناق جراء تلوث المنطقة الصناعية في قابس...شفما؟    تونس تحدد مخزون الحليب الطازج المعقم    سورة تُقرأ بعد صلاة الفجر لها ثواب قراءة القرآن كله 10 مرات    تعرف على الفواكه التي تعزز صحة القلب    جندوبة الرياضية تتعاقد مع اللاعب بلال العوني    الكاف: حجز كميّات من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك    جريدة الزمن التونسي    القصرين: مشروع نموذجي للتحكم في مياه السيلان لمجابهة تحديات التغيرات المناخية والشح المائي    أولمبيك سيدي بوزيد يتعاقد مع الحارس وسيم الغزّي واللاعب علي المشراوي    قابس: تخرج الدفعة الأولى من المهندسين بالمعهد العالي للاعلامية والملتيميديا    صدمة في القلعة الكبرى: لدغة ''وشواشة'' تُدخل شابًا قسم الكلى    وفاة "العراف سحتوت" تثير جدلًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي    عاجل/ الجامعة التونسية لكرة القدم تحذر وتتوعد بتتبع هؤلاء..    المقرونة: أصلها عربي و لا إيطالي؟ اكتشف الحكاية    بشرى سارة للتونسيين: أمطار الخريف تجلب الخير إلى البلاد..وهذا موعدها    الرابطة الأولى: تشكيلة النادي البنزرتي في مواجهة مستقبل قابس    الرابطة الأولى: تشكيلة شبيبة العمران في مواجهة النادي الإفريقي    عاجل: الإدارة الوطنية للتحكيم تجمّد حسام بولعراس مرة أخرى...علاش؟    عاجل..انقطاع الإنترنت والاتصالات وتحذير من توقف الخدمة الصحية في غزة..    ارتفاع الحرارة ليس السبب...النفزاوي يكشف أسرار نقص الدواجن في الأسواق    سفينة "لايف سابورت" الإيطالية تنضم لأسطول الصمود نحو غزة كمراقب وداعم طبي    اختفاء سباح روسي في مضيق : تفاصيل مؤلمة    الدينار التونسي يتراجع أمام الأورو إلى مستوى 3.4    أكثر من 100 شهيد في مجازر ارتكبها الاحتلال في قطاع غزة    الحماية المدنية: 597 تدخلا منها 105 لإطفاء حرائق خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    المريض هو اللي باش يطلب استرجاع المصاريف من الكنام.. تفاصيل جديدة    مقارنة بالسنة الفارطة: زيادة ب 37 مدرسة خاصة في تونس    بنزرت: إصابات خفيفة في انقلاب حافلة عمّال بغزالة    عاجل: طلبة بكالوريا 2025 ادخلوا على تطبيق ''مساري'' لتأكيد التسجيل الجامعي..وهذا رابط التطبيقة    الإحتلال يقصف مستشفى الرنتيسي للأطفال بغزة    أسباب غير متوقعة وراء نقص حالات الزواج عند التونسيين    الكورة اليوم ما تفلتهاش... هذا برنامج المقابلات للرابطة الأولى    جريدة الزمن التونسي    لمدة 48 ساعة فقط.. جيش الاحتلال يعلن عن ممر آمن لإخلاء سكان غزة جنوبا    مولود ثقافي جديد .. «صالون الطاهر شريعة للثقافة والفنون» ملتقى المثقفين والمبدعين    مشاركة تونسية لافتة في الدورة 13 من المهرجان الثقافي الدولي للمالوف بقسنطينة    فيلمان تونسيان ضمن مسابقات مهرجان الجونة السينمائي    وفاة روبرت ريدفورد: رحيل أيقونة السينما الأميركية عن 89 عامًا    انطلاق المخطط الوطني للتكوين حول الجلطة الدماغية    كلمات تحمي ولادك في طريق المدرسة.. دعاء بسيط وأثره كبير    أولا وأخيرا ..أول عرس في حياتي    أبراج باش يضرب معاها الحظ بعد نص سبتمبر 2025... إنت منهم؟    مع الشروق : الحقد السياسيّ الأعمى ووطنية الدّراويش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جلسة مع كتاب:المرأة بين القرآن وواقع المسلمين للشيخ راشد
نشر في الحوار نت يوم 15 - 11 - 2009


بسم الله الرحمان الرحيم
جلسة مع كتاب
منير السايبي / الحوار نت
هي محاولة منّي لمدّ القراء الكرام الذين يتصفحون هذا الموقع بتلخيص لكتاب من الكتب التي أقرؤها من حين لآخر ، ويكون هذا التلخيص مطولا نسبيا ، أقف فيه على أهم الأفكار الواردة في الكتاب ، مع ذكر بعض الإستشهادات المصحوبة بأرقام الصفحات التي أُخذت منها ، حتى يسهل على القارئ الرجوع إليها عند الحاجة .
اخترت لهذا العمل عنوان " جلسة مع كتاب " لأن من بين الأهداف التي أرجو تحقيقها من وراء هذا العمل هو دفع القراء بعد قراءة كل تلخيص ، للجلوس مع الكتاب الأصلي وقراءته قراءة كاملة ، والجلوس غير المباشر مع بعضنا البعض عبر الإنترنت مثلا ، لنروض أنفسنا على حب المطالعة والحوار البناء ، والتخلص شيئا فشيئا من حالة الخمول الفكري والتعصب السلبي .
وأول هذه الكتب التي سأقوم بتلخيصها إن شاء الله تعالى هو كتاب :
الكتاب : المرأة بين القرآن وواقع المسلمين
المؤلف : الشيخ راشد الغنوشي
الناشر : المركز المغاربي للبحوث والترجمة الطبعة الثالثة طبعة مزيدة ومنقحة 1421 ه 2000 م
ينقسم هذا الكتاب إلى قسمين :
القسم الأول : المرأة في القرآن الكريم
يرى الشيخ راشد الغنوشي أن جهد المفسر للنصوص الشرعية يبقى دائما جهدا بشريا لا يرقي بأي شكل من الأشكال إلى مستوى الكمال والقداسة . فمهما توفرت للمفسر من أدوات الدقة وإتقان الصنعة ، يبقي مجهوده مجهودا نسبيا قابلا للتقويم والتجاوز ، بينما تبقى النصوص الشرعية ( القرآن والسنة ) " دائما فوق القولبة التفسيرية ، محتفظة بثرائها المتجدد بحسب ارتقاء الفكر وتطور العلوم".ص7 و ص8
أصل واحد :
ذهب جمهور المفسرين إلى أن حواء قد خُلقت من ضلع آدم . غير أن الشيخ راشد الغنوشي يعارض هذا الرأي معتبرا أن العديد من المفسرين القدامى مثل الرازي ، والمحدثين مثل الشيخ محمد عبده ، ومحمد حسين الطباطبائي ، والشهيد سيد قطب وغيرهم ، ذهبوا إلى أن النفس الواحدة الواردة في الآية الأولى من سورة النساء هي الماهية أو الحقيقة التي كان بها الإنسان أنسانا ، أي من جنس واحدة وحقيقة واحدة هي الإنسانية . ويورد الشيخ راشد الغنوشي في سياق هذا الفهم نصا للشهيد سيد قطب يقول فيه " والسنة التي نعلمها عن كل خلق الله هي الزوجية : ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون فهي سنة جارية وهي قاعدة في كل خلق الله أصيلة ، وإذا سرنا مع هذه السنة فإن لنا أن نرجح أن خلق حواء لم يمكث طويلا بعد خلق آدم ، وأنه تم على نفس الطريقة التي تم بها خلق آدم " . كما اعتبر الشيخ راشد الغنوشي أن الأحاديث النبوية الواردة في هذه المسألة لا تدل بشكل قطعي على أن حواء خلقت من ضلع آدم .فعبارة الضلع الأعوج الذي خلقت منه المرأة لم تذكر هذه الأحاديث إطلاقا أنه ضلع آدم .ويخلص الشيخ في آخر تحليله لهذه الحلقة المتعلقة بمسألة خلق الإنسان ، إلى أن الرأي الأول ( القائل بخلق حواء من ضلع آدم ) هو رأي يُكرس تبعية المرأة للرجل ويُؤصل مبدأ التمييز والتفاضل على أساس الجنس ، الأمر الذي يتنافى حسب رأيه مع مقاصد الشريعة . في حين أن الرأي الثاني ( القائل بتماثل عملية خلق آدم وحواء )هو تأصيل لمفهوم إسلامي إنساني" ناضلت الحركة النسائية المعاصرة طويلا من أجل تحقيقه..وهو تحقيق استقلال شخصية المرأة وتحملها مسؤولية وجودها ومصيرها كاملا . والقضاء على أول وأقدم اضطهاد للإنسان لأخيه الإنسان على أساس الفوارق الجسمية كخطوة أساسية للقضاء على كل تمييز يقوم على أساس العرق والعنصرية والاضطهاد." من ص 8 إلى ص 15
أسكن أنت وزوجك الجنة:
حول سبب خروج آدم وحواء من الجنة ، استعرض الشيخ راشد الغنوشي نصوصا من كتب اليهود والنصارى ، ومن القرآن الكريم وفسرها على النحو التالي :
وردت الشجرة في الكتب الأولى ( التوراة والإنجيل ) كرمز للمعرفة لا يحصل عليها الإنسان إلا بالمعصية ، فعوقب بالنزول إلى الأرض ملاحق باللعنة الإلهية . فالمرأة لأنها هي سبب الفتنة ومصدر الإغواء للرجل ، عوقبت بالجهل وألم الولادة وبالتبعية للرجل طول حياتها . فهي كما أكدت المجامع الكنسية في فرنسا في القرن 16 ، لها روح شيطانية . وعوقب آدم بالتعب وعرق الوجه للحصول على لقمة العيش ، لأنه سمع قول حواء وأكل من الشجرة .
أما في القرآن الكريم فقد وردت الشجرة كأداة لاختبار إرادة الإنسان ، وتهيئته للقيام بمهمة الخلافة على الأرض . أما المعرفة فهي هبة من الله للإنسان وتكريما له . كما بيٌن الشيخ راشد الغنوشي في سياق التصور القرآني ، أن وجود الإنسان على الأرض ليس كائنا تلاحقه اللعنة مغضوبا عليه ، بل هو أفضل خلق الله كُرم بتحمل مهمة الخلافة على الأرض لإقامة مجتمع الحق والعدل والحرية . أما المرأة فليست هي مصدر الإغواء والتضليل للرجل كما ورد في كتب اليهود والنصارى بل هي \" مُخاطَب كفء للتلقي عن ربها على قدم المساواة مع زوجها اسكن أنت وزوجك الجنة ، وكلا منها رغدا حيث شئتما ، ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ( البقرة 35 ) شريكة له في مهمة الخلافة ف " استعداد المرأة كاستعداد الرجل في جميع الشؤون البشرية ." من ص 17 إلى ص 24
وليس الذكر كالأنثى :
في بداية هذه الحلقة بين الشيخ راشد الغنوشي أن الإسلام قد أعاد للمرأة إنسانيتها وحررها من أغلال القرون المظلمة التي كبلتها قبل الإسلام ، وذلك من خلال تنويه القرآن الكريم بالعديد من النماذج النسائية ( مريم ، بلقيس ، آسية وغيرهن ) .
في تفسيره للآية 36 من سورة آل عمران بين الشيخ أن العديد من المفسرين قد انتزعوا "وليس الذكر كالأنثى" من إطارها ، لتقديم الذكر على الأنثى . بينما هي قد وردت في سياق تكريم المرأة ودعوة الله سبحانه وتعالى لامرأة عمران إلى نبذ هواجسها وهي تُفجع في الأمل الذي تعلقت به ، وهو أن تُنجب إبنا يكون خادما للمعبد . بينما سياقها الطبيعي تعقيب من الله على قولها رب إني وضعتها أنثى لبيان أن الله يعلم أهمية ما وضعت وهي لا تعلم . ولو كانت تعلم ما أراده الله لها ما حزنت وما تحسرت " فليس الذكر الذي طلبته كالأنثى التي أُعطيت ، بل هذه الأنثى خير مما كانت ترجو من الذكور ..فمالك تتحسرين وقد أعطيت أنثى خير من الذكر الذي كنت تطلبين ، فليس لتحزنك وأسفك من سبب غير الجهل بقيمة هذا المولود وما أودع فيه من أسرار وعجائب ومعجزات وما سيترتب عن ذلك من تغيير في الأنفس والآفاق وفي المصير البشري جملة . امرأة اصطفاها الله وطهرها من الرجس وهيأها لحمل عيسى عليه السلام .
وفي نقاشه لمسألة نبوة مريم ونبوة النساء أوضح راشد الغنوشي أن الأصل هو التساوي في النوع البشري بين الذكور والإناث . كما خالف الشيخ رأي القائلين بنبوة الرجال دون النساء ، الذين اعتمدوا على الآية 8 من سورة يوسف " وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى "وتبنى في هذه المسألة رأي العديد من الشيوخ والعلماء السابقين مثل ابن عاشور، الذي يرى أن "رجالا " الواردة في الآية لا تدل على جنس الذكور وإنما تدل على النوع الإنساني كما في قوله صلى الله عليه وسلم " ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه " أي إنسان أوشخص ، وليس المقصود به الإحتراز عن المرأة . فتكليم الملائكة لمريم واصطفائها يدلان حسب رأيه على نبوءتها . فالنبوة تكون للنساء دون الرسالة .وقبل ابن عاشور ، ذهب الإمام القرطبي والعلامة ابن حزم إلى نفس الرأي . وفي سياق توضيحه للفرق بين الحقيقة الإسلامية والحقيقة التراثية رأى الشيخ راشد الغنوشي " إن من أهم المواضيع التي لا يزال الإسلاميون يتعاملون معها من خلال الخلط بين الحقيقة الإسلامية والحقيقة التراثية موضوع المرأة ، فيتعرفون في هذه القضية وغيرها بالرجوع إلى كتب التفسير والفقه آخذين محتوياتها وكأنها ناطق رسمي باسم الحقيقة الإسلامية المطلقة ، فيتحول التراث من كونه عامل تثوير للواقع في اتجاه الإسلام إلى معوق أساسي دون عملية التحول تلك ... فتكرس الحيف الإجتماعي والإستبداد السياسي والفوارق على أساس الجنس واللون والطبقة ، كل ذلك باسم الإسلام ، باسم القرآن والسنة وإجماع العلماء . ص 35 و 36 . كما اعتبر أنه ليس في البنية الطبيعية للمرأة ما يحول بينها وبين بلوغ درجات الكمال الإنساني والتكريم الإلهي كالنبوة . فمجال الترقي مفتوح حسب رأيه أمام الرجال والنساء عربا وعجما ، وليس أمام الجميع سوى محاولة وضع أنفسهم في الطريق الصاعد. وختم الشيخ هذا الفصل بنداء الى المراة بصفة عامة ، والمرأة المسلمة بصفة خاصة قائلا : " يا مريم كل زمان ومكان يا أختاه ، نداء الحق والسمو والجهاد والثورة في الملأ الأعلى يناديك : اقنتي لربك وأقبلي عليه بإخلاص تستمدين منه القوة لتحطيم أغلال القرون ..أغلال الإقطاع ...وأغلال أيديولوجيات التخلف والتبعية والإستعمار التي تريدك جسما منمقا مزخرفا قابلا للتشكل والاستمتاع والإستغلال كما يشاء الرأسماليون والطغاة .." ص37
إن كيدهن عظيم
في هذا الفصل بين الشيخ أن الكيد في ذاته ليس ذميمة أو نقيصة ، بل منه ما يحمد وما يذم ، بحسب الوسائل المستخدمة ، وبحسب نبل الأهداف التي يراد تحقيقها أو وضاعتها . فقد ورد الكيد في القرآن الكريم منسوبا إلى الله ، وإلى الإنسان والشيطان ، للرجال والنساء ، للصالحين والطالحين .
وفي إطار تحليله لهذه المسألة إنتهى الشيخ للنتائج التالية :
أن الصلاح والتقوى والنبوة لا تُعدم في الإنسان نوازعه وميولاته الغريزية . فهي جبلة في كل إنسان من أجل أداء وظائف أساسية على المستوى النفسي والإجتماعي .
ليس في ما ورد في سورة يوسف " إن كيدكن عظيم " حكما إلهيا قاطعا محددا للطبيعة الخاصة بالنساء في كل زمان ومكان ، ولم يأت في الكتاب والسنة ما يميز شخصية كل النساء بالخبث والدهاء والإغواء والإدعاء بالباطل . فالآيات التي تحدثت عن الطبيعة الإنسانية لا تميز بين الذكر والأنثى .فالإستعداد للخير والشر يشكل خاصية في النوع الإنساني عامة ذكورا كانوا أو إناثا.
فالتصور الذي يزعم أن شخصية المرأة وحدها هي المتمحضة للدهاء والشر والفساد والخيانة والإنحطاط ، هو تصور " مناف ومصادم للثورة الهائلة التي أحدثها الإسلام في تحرير النساء والإنسانية كافة من عقلية الإستبداد والطغيان والسيطرة والإستعمار بمبررات جنسية أو إقتصادية أو غيرها \" ص44 ولا يزال هذا التصور المُهين للمرأة متفشيا في تراثنا " في التفسير والفقه والأدب الفصيح والشعبي وفي عاداتنا وتقاليدنا ...من خلال تأكيد وإشاعة ثقافة إشلامية منحرفة تحقر المرأة وتلصق بها كل ما هو وضيع ممتهن " ص45
على فرض التسليم بأن كيد النساء ( أي براعتهن في التوصل إلى أهدافهن ) هو أعظم مما لدى الرجال ، فليس ذلك نقيصة بل هي خصلة لصالحها تمكنها من التوصل بذكاء إلى الهدف الذي تحدده لنفسها لا يصرفها عنه شيء . ويبقى منهاج إستخدام طاقة الكيد تابعا لنمط وطبيعة تربية المرأة ، فإما أن تنير به المجتمع وتدفعه نحو التطور والبذل والفداء ، وإما أن تدفع به وراء كل تافه خسيس شأنها شأن طبيعة تربيتها وطبيعة المجتمع الذي تعيش فيه .
حب النساء
" زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب (14) قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد "(15) آل عمران
وردت هاتان الآيتان يقول الشيخ في إطار تربية الجماعة المسلمة على تحرير نفسها وتحرير الإنسانية عامة من المطامع العابرة واللذات القصيرة ويهيؤهم لمستوى أرفع من اللذات الروحية والمادية أعمق وأدوم .
فمصير أي مجموعة بشرية تجاه قضية الحضارة من حيث اكتسابها أو المحافظة عليها هو رهين " الطريقة التي تتعامل بها مع دوافعها الفطرية ورغباتا الغريزية " . فالتحدي الكبير الذي يواجهنا هو كيفية تفجير الدوافع والطاقات الحيوية لدى الإنسان وتوظيفها في ترقية الحياة دون الإنزلاق بها في طرفي التفريط والإفراط مثل ما وقع في :
التراث المسيحي الذي يحقر هذه الدوافع الغريزية ويدفع للتطهر من أدرانها لأن اللذة حسب هذا التصور لا تورث غير "غصص الذنب " وذلك بالعودة إلى فكرة الخطيئة الأولى التي اقترنت بحواء رمز الخطيئة وأحبولة الشيطان الذي يزين للإنسان الإقبال على الزينة ليصده عن عبادة الله .
والتراث اليهودي والوثني الذي لا يحركه سوى الحرص الشديد على إشباع دوافع الجنس، والمال ، والتكاثر .
" فالتصور الإسلامي للحياة ودور الغرائز يتجه إلى توظيفها بدل قمعها ...كطريق من طرق عبادة الله والتقرب إليه ...للمحافظة على الحياة وترقيتها . وفي ظل هذا التصور ...لا يبقى داع للتحرج من هذه الغريزة وكأنها آفة طارئة على الشخصية أو خلل فيها "ص52
وفي إطار تحليله لمدى حدة ميل كل جنس للإخر ( المرأة والرجل ) يتجاوز الشيخ رأي بعض مفسريالقرآن الكريم ، ويعود إلى علم النفس الجنسي الذي يرى أن الحياة الجنسية هي وظيفة بيولوجية عند الرجل ، بينما هي ظاهرة نفسية عند المرأة .\"ذلك أن حياة الرجل الجنسية تتعلق بذاته بينما حياة المرأة الجنسية تتعلق بشريكها...فالرجل ليس مجرد وسيلة لإشباع حاجتهن الجنسية بل لتحقيق كمال أنوثتهن ...كل ذلك لا يستقيم معه إجراء لفظة "النساء"في الآية على ظاهرها ويتعين معه صرفه إلى معنى الزوجية "ص59 "...عندما يخلو قلب المرأة والرجل من الهموم الكبيرة والمثل العليا ورأسها محبة الله وخشيته وعبادته والجهاد لأجل إعلاء كلمته وتتقلص الشخصية وتتمحور حول المتاع القريب ، تتحول قوة التجاذب بين الرجل والمرأة إلى كارثة على نفسيهما وعلى المجتمع والحضارة جملة . وقد يكون كل منهما للآخر بركة ورحمة عندما تندرج العلاقة بينهما ضمن البرنامج الإلهي لحياة البشر وترقيتها ، عندها يمكن أن تلمح " وراء كل عظيم امرأة ...عندها لا تكون الحياة الجنسية في إطار الزواج مجرد لذة عابرة بل تكامل وسكينة وتشارك لترقية الحياة وتطورها نحو الوحدة والبذل والحرية ".ص 62
إذا أردنا أن نستعرض أهم الأفكار التي وردت في للقسم الأول من الكتاب يمكننا القول بأن الشيخ راشد الغنوشي أراد أن يُبين فيه ما يلي :
هناك فرق كبير بين الحقيقة التراثية التي هي جملة ما قام به أئمة وشيوخ الأمة من إجتهاد لتفسير وتأويل النصوص الشرعية ( قرآن وسنة )، وبين هذه النصوص في ذاتها كما وردت عن الله سبحانه وتعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم . فيجب أن نفصل بين هاتين الحقيقتين ولا نُخلط بينهما بأي شكل من الأشكال ، أي بين الحقيقة التراثية والحقيقة النصية في ذاتها .
خالف الشيخ راشد الغنوشي جمهور المفسرين في قولهم بخلق حواء من ضلع آدم ، معتبرا أن خلق حواء تم على نفس الطريقة التي تم بها خلق آدم . فرأي الجمهور حسب رأيه يكرس حالة تبعية المرأة للرجل والإستنقاص من قيمتها وقدراتها مقارنة بالرجل ، في حين أن الرأي الثاني القائل بتماثل عملية خلق آدم وحواء يؤصل مبدأ التساوي في القيمة والقدرة بين الجنسين .
المرأة ليست هي مصدر الإغواء والتضليل كما ورد في التراث اليهودي ، والمسيحي ، وكتب المفسرين للنصوص الشرعية ، بل هي كائن كُفء يمكن أن تدفع بالمجتمع نحو سبل الصلاح وأبواب الخير إذا أحسنا تأهيلها وتربيتها .
يعتبر الشيخ راشد الغنوشي أن تنويه القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة بالعديد من النماذج النسائية مثل مريم وبلقيس وآسية وغيرهن ، هو سعي من الإسلام لإعادة الإعتبار للمرأة ومساواتها من حيث القيمة والقدرة مع أخيها الرجل ، ورفض أي تأويل أو تفسير للنصوص يكرس مبدأ التفاضل على أساس الجنس .
ليس في القرآن والسنة تعميم على أن شخصية كل النساء تتميز بالخبث والدهاء والإغواء . فكل ما ورد في هذه النصوص متعلقا بالطبيعة الإنسانية ليس فيه تمييز بين الجنسين . فكلاهما قادر على استعمال طاقة الكيد والدهاء للهدم أو للبناء بحسب المؤهلات التربوية ، وبحسب الوسائل والأهداف المراد تحقيقها. فالإستعداد للخير والشر يشكل خاصية في النوع الإنساني عامة ذكورا وإناثا.
إن مصير أي مجموعة بشرية فيما يتعلق بمسألة كسب الحضارة أو فقدانها هو رهين نظرتها للغرائز وطريقة التعامل معها . فرؤية الإسلام للغرائز تتجه إلى توظيفها " كطريق من طرق عبادة الله " بدل قمعها أو العيش من أجلها . فغريزة التجاذب بين الرجل والمرأة قد تتحول إلى كارثة وعامل تهديم عندما يكون تصورهما للحياة والغرائز مجرد فناء في اللذة . أما إذا اندرجت العلاقة بينهما في أطار البرنامج الإلهي فإن الحياة الجنسية تكون عبادة لله وترقية للحياة وتطويرا لها .
من خلال متابعتي لهذا القسم الأول من الكتاب ، أحسب أن الشيخ راشد الغنوشي قد أدرك جيدا أن جذور استلاب شخصية المرأة وتقزيم قيمتها ، وتهميش دورها في الحياة والمجتمع ،هي ممتدة في التراث اليهودي والمسيحي قبل الإسلام ، وفي ثنايا العديد من كتب التفسير للنصوص الإسلامية ، فعاد إليها الشيخ جميعا من أجل قطعها وإلغاء مبررات وجودها واستمرارها .
إلى اللقاء في تلخيص القسم الثاني من نفس الكتاب إن شاء الله تعالى .
أخوكم منير السايبي .
.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.