بعد الدور الحيوي الذي اضطلعت به في ثورة 14 كانون الثاني/يونيو، تواجه صحافة المواطن في تونس انتقادات عدة بسبب تحررها، رغم انها مازالت تواصل استمالة المبحرين. ففي حين يرى البعض أنها فتحت السبيل أمام أوجه جديدة للتعبير والتعبئة، يعتقد آخرون أن هذا النمط الإعلامي تحرر كثيرا على حساب الإعلام الكلاسيكي. ولا يلتزم رواد صحافة المواطن من مدونيين وأصحاب صفحات تعبيرية على المواقع الاجتماعية بأخلاقيات الصحافة المحترفة كما لا يخضع هذا الصنف من الصحافة إلى اي إطار قانوني يحدد ضوابط النشر والبث. ويرى الكاتب والصحفي التونسي صلاح الدين الجورشي ان إثارة الجدل حول تقنين صحافة المواطن من عدمه "يبدو كمن يجري وراء السراب" بالنظر لما للمواقع الافتراضية من قدرة على تغيير أسمائها. ويستقي التونسيون الأخبار منذ أكثر من أربعة أشهر من مواقع التواصل الاجتماعي وأهمها فايس بوك الذي يحوي حاليا صفحات لأكثر من مليوني ونصف تونسي إلى جانب المدونات التي ظهرت سنة 2001 بمضامين شخصية سرعان ما انقلبت الى نقد الظواهر الاجتماعية والسياسات بصيغ شعبية. وكانت المدونات ومنابر التعبير الحر عبر "النت" تعرضت في عهد النظام السابق الى الحجب (عمار 404) الذي تبلغ تكاليفه وفق مصدر من الوكالة التونسية للانترنت إلى حوالي مليوني دينار (حوالي مليون ونصف مليون دولار) سنويا. وللتذكير فان عدد كبير من الصحفيين التحقوا في بداية الألفية الحالية بعالم المدونين جراء تشدد النظام السابق في منح الرخص لتأسيس صحف ورقية وهو ما دفع بهجرة الأقلام إلى صفحات الانترنت بحسب ما أشار الى ذلك تقرير مرصد اخلاقيات المهنة الإعلامية في 3 أيار/مايو 2011. ونبه التقرير الى الضغط الذي يتعرض له الصحفيون جراء الدور المتنامي لشبكات التواصل الاجتماعي وخاصة الفايسبوك والمواقع الالكترونية العشوائية. وجاء فيه أن الصحفيين والاعلاميين مجبرون اليوم على مواكبة النسق السريع لهذا النوع الجديد من الوسائط الذي أصبح يمثل في بعض الاحيان مصدرا للاعلام رغم أنه يحتوي في نفس الوقت على قدر كبير من الاشاعات والأخبار المشبوهة، سيما في ظل الفوضى العارمة التي تميز الفضاء الافتراضي وغياب تنظيم قطاع الاعلام الالكتروني. وأمام التدفق المعلوماتي الافتراضي، اضطرت معظم المؤسسات الاعلامية الى فسح المجال لتقاسم ما ينشر بموقعها الرسمي من أنباء وتقارير اعلامية بالصفحات الاجتماعية. ويرى زياد الدريدي (مهندس بالوكالة التونسية للانترت) أن الاعلام الكلاسيكي يمكن أن يخسر كافة جمهوره ما لم يساير الثورة التكنولوجية ويحسن وجوده على الانترنت. وتنظر الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال اليوم في 103 طلبا لإنشاء قنوات تلفزيونية ومحطات اذاعية من بينها 74 طلبا يخص اطلاق الاذاعات. ويؤكد الديوان الوطني للارسال الاذاعي والتلفزيوني على وجود عائق يتعلق بمحدودية فضاء الترددات الذي يحد من تغطية البث على كامل تراب الجمهورية التونسية. ولمعالجة هذه المعضلة، تقترح الوكالة التونسية للانترنت تأسيس إذاعات وقنوات تلفزيونية على الإنترنت باعتبارها أقل كلفة وأسرع انتشارا. ويدعو زياد الدريدي في هذا السياق إلى تخطي "الخوف من الانترنت" الذي حررته المدونات والشبكات الاجتماعية من قيود الرقابة إبان الثورة وساهمت من خلاله بقسط كبير في إعلاء سقف حرية التعبير. ويشار الى أن وزارة الداخلية اسندت ما بعد الثورة 122 وصل اعلام لاصدار نشريات دورية منها 8 جرائد اسبوعية ناطقة باسم 7 احزاب سياسية. وتعتبر الصحفية المدونة نادية الهداوي أن المدونين هم من ساهم بقسط كبير في تحريك الثورة مما جعلهم من منظورها يحظون بالشرعية على حساب الاعلاميين المتغيبين البارزين عن الساحة آنذاك. ويقول رئيس الهيئة الوطنية لاصلاح الاعلام والاتصال كمال العبيدي في هذا الصدد إن "متصفحي الإنترنت يتمتعون بحرية لا يتمتع بها صحفيو وسائل الإعلام التقليدي"، مشيرا الى الدور الحيوي لمستخدمي الإنترنت في ثورتي تونس ومصر. ولاحظ أن المدونين هم من دفع في تلك الفترة بالمحترفين الى أن يكونوا أكثر جرأة وقدرة على تجاوز الخطوط الحمراء واللجوء الى عدد كبير من المواقع الاجتماعية والمدونات لاستقاء الاخبار. ويرى الصحفي صلاح الدين الجورشي أنه لا يفترض بالصحفي اعتماد المدونات والمواقع الاجتماعية كمصادر أساسية للمعلومة، قائلا إن "صحافة المواطن هي سلاح ذو حدين يمكن أن تساعد على نشر المعلومة وتكوين موقف من قضايا وأنظمة مستبدة كما بوسعها بث خطاب قائم على البغضاء يشعل فتيل الفتن في فترات الانتقال الديمقراطي". ولا يخفي العبيدي حالة القلق التي يشعر بها الكثير تجاه انفلات صحافة المواطن لكنه يعتقد أن القيود التي فرضت في فترة النظام السابق ولدت لدى المدونين ردة فعل تحررية عنيفة. وتعمل الهيئة اليوم على اصلاح القطاع الاعلامي بما يستجيب لطموحات الشعب التونسي. ويؤكد العبيدي على ضرورة إعطاء فرصة للكفاءات التي لم تكن متورطة في خنق حرية الصحافة والتعبير وتنمية المهارات لكسب رهان الجودة. ووفرت جهات عدة في هذه الفترة فرصا لتدريب الاعلاميين التونسيين وتكوينهم في تغطية انتخابات المجلس الوطني التأسيسي بمختلف مراحلها. وكانت آنا سكروهيما (ناطقة باسم وزارة الشؤون الخارجية الامريكية) أكدت في لقاءات اجرتها خلال الشهر المنقضي مع اعلاميين تونسيين على ضرورة أن يعمل الصحفي كما في بلادها على تجديد معارفه وفقا للتغيرات التكنولوجية وتطور القطاع الاعلامي. ويتفق المدونان هيثم المكي وآمنة بن جمعة على أن تشبيه المدون بالصحفي هو من قبيل التعسف على مهنة الاحتراف. ويقول هيثم المكي في هذا الاطار إنه لا يمكن له القيام بعمل الصحفي المحترف في التحقيق والتدقيق بالمعلومة، غير أنه في المقابل يعتمد ألفاظا وعبارات "عامية متحررة" في مدونته لا يجوز اعتمادها في الصحافة. وتدعو آمنة بن جمعة من جهتها الى التكامل بين القطاعين من أجل انارة الرأي العام. ونفى العبيدي وجود أي تحرك لاخماد حرية التعبير في تونس من أي مصدر كان قائلا "إن التونسيين عانوا لسنوات طويلة من قطع الحريات ومن أولويات عمل الهيئة طي صفحة فرض الرقابة"