هل عادت ظلال حرب داحس والغبراء لتلقي رداءها على العلاقات بين الجزائر ومصر على خلفية ما حصل بعد مباراة في لعبة كرة القدم شعارها الترّشح لأكبر تظاهرة كرويّة في العالم؟ سؤال مقلق ويخفي ألما وجدانيّا وسياسيّا حين نشاهد الإعلام المصريّ يؤجج نار الفتنة بين الشعبين ويجعل من الجزائر عدوّا استراتيجيّا للقاهرة التي بناها الفاطميون وليس المصريون. لا أخفي موقفي الثابت والمبدئي من رفض كلّ أشكال العنف وممارسته مهما كانت الأسباب لكن ما يحدث يجعلني مكرها على الإشارة إلى بعض الحقائق. المصريون يحاولون ارتداء ملابس الضحيّة في تعامل غير متوازن مع التاريخ.. ضربوا الجمهور الجزائري في القاهرة وأنكروا وضربوا لاعبي المنتخب الجزائري وأنكروا رغم أنّ الاتحاد الدولي لكرة القدم أدانهم.. المصريون عنفوا منذ ثلاث سنوات لاعبي النجم الرياضي الساحلي في ملعب القاهرة حين هزموا الأهلي وعنفوا منذ سنوات الفريق الوطني لكرة اليد في بطولة العالم التي أقيمت في مصر وعنفوا لاعبي المنتخب الليبي لكرة القدم داخل القاعات وغيرها من الممارسات وعنفوا حكاما في بجاية في الجزائر وسبوا وشتموا ولم يتعرضوا لأيّ أذى بل حماهم الجزائريون في أرضهم.. هذه حقائق لا يجب أن تمحى من الذاكرة فلِمَ هذا الإصرار المصري على إهانة الجزائر وشعبها وقيادتها وسبّهم وشتمهم في قنواتهم وصحفهم إلى حدّ بات معه حرمان الجزائر من المشاركة في بطولة كأس العالم مطلبا شعبيا ورسميا لمصر.. الأسباب في اعتقادي لا تعدو أن تكون في عمقها سوى نرجسية تطبع شخصية أغلب المصريين بفعل التأثير الإعلامي فمصر هي أمّ الدنيا وبلد الرّيادة والشقيقة الكبرى وغيرها من الصفات التي تفرض على باقي الشعوب العربية وأنظمتها السياسية الخضوع للرؤى المصرية وللسياسة العامة للدولة المصرية لا سيما في القضايا الخارجية. وهذه النرجسية تحولت إلى مرض أصاب الشخصية المصرية جعلها تبحث عن أعداء جدد فلم تعد إسرائيل دولة عدوة ولم يعد تحرير سيناء مطلبا قوميا ونسي المصريون فجأة مشاهد الجثث التي تساقطت أمام أفران الخبز والجثث التي احترقت في القطارات والجثث التي غرقت في عبارة الموت والشهداء من الجنود الذين سقطوا برصاص الإسرائيليين على الحدود ونسي المصريون ماذا فعلت الدبابات الإسرائيلية بالرجال من الجنود المصريين حين مزقت أجسادهم الطاهرة أحياء وهم أسرى. كلّ ذلك نُسي لتصبح الجزائر بلد المليون ونصف المليون شهيد عدوّا يجب استئصاله وربّما لا نستغرب أن تشنّ مصر بعد فترة حملة دولية تتهم فيها الجزائر بتمويل المشروع النووي الإيراني وتمويل حزب الله وحركة حماس والحوثيين وتطالب بإحالة ملفها على مجلس الأمن الدولي ومحكمة العدل الدولية ومحاكمة قيادتها السياسية. هذا الجنون المصري ليس له ما يبرره وهزيمة مصر أمام الجزائر في مباراة كرة القدم مجرد شجرة أريد لها أن تحجب الغابة.. غابة الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها مصر وأساسا ما تعلق بمسألة التوريث. أرادوا الانتصار لتمرير مشروع التوريث وسط صخب الاحتفال بالترشح لبطولة كأس العالم لكرة القدم وتحويل اهتمام الشارع المصري عن مشاغله الحقيقية ولأنّ الجزائر ربحت وأجهضت هذا المخطط وسمحت لنفسها ان تتعالى عن مصر الرائدة فبات من الأهمية معاقبتها.. هل فكّر النظام المصري في حسابات الرّبح والخسارة.. لا أعتقد ذلك طالما أنّ توريث جمال مبارك أهمّ من مستقبل بلد ومستقبل علاقاته الدبلوماسية. ومن المراهقة السياسية أن يعتقد المصريون أنهم ربحوا المعركة فجلّ الشعوب العربية تضامنت مع الجزائر وفرحت لانتصارها ليس شماتة في الشعب المصري ولكن ردّ فعل على تواطئ القيادة المصرية في حرب غزة مع إسرائيل بشهادة الاسرائليين أنفسهم وإغلاقها لمعبر رفح ومنع الدواء والغذاء على سكان قطاع غزة الذي يتبع قانونيا مصر. مأساة المصريين أنهم يتعاملون مع الشعوب العربية بمنطق الاستعلاء دون أن يدرسوا سيكولوجية هذه الشعوب.. لا يعرفون أنّ الجزائريّ يفضلّ الموت على أن يحتقر وأنّ التونسيّ بقدر انفتاحه وتسامحه لا يقبل الإهانة ومنطق الاستعلاء. هل سأل المصريون لِمَ لم تصل الأمور بين الجزائر والمغرب إلى هذا الحدّ رغم الخلاف السياسي بين الدولتين حول قضية البوليساريو؟ لأنّ السياسة حكمة وتبصّر وليست تهييجا لشعب ضدّ شعب. مصر خسرت وستخسر أكثر لو واصلت تهجمها على الجزائر وسينسى الناس مباراة كرة القدم وسيلتفتون إلى مشاغلهم الحقيقية سيسألون عن رغيف الخبز وعن أكوام الزبالة المنتشرة في أرقى أحياء القاهرة وعن أشياء أخرى يريد النظام المصريّ تصديرها عبر هجومها على الجزائر. شوقي بن سالم إعلامي وناشط سياسي