أثبتت الثورتان التونسية والليبية مدى ترابط الشعبين التاريخي والروحي والإنساني ترجمته المئات من حملات المساندة من إيواء واحتضان للعائلات الليبية بالتراب التونسي من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه متواصلة إلى حد هذه الساعات"... هذا ما خلص اليه المجتمعون مساء السبت خلال ندوة صحفية نظمتها "المجموعة التونسية لمساندة الشعب الليبي" بمشاركة عدد من الشخصيات الليبية على رأسهم الأستاذ خليفة عاشور المستشار القانوني للمجلس الانتقالي الليبي الذي أشار الى تنوع الحملات في أساليبها وآلياتها وطرق مساندتها للشعب الليبي منذ اليوم الاول للثورة بتلقائية غلب عليها الواجب الديني والإنساني وواجب العروبة لتسلك لاحقا مجرى آخر "لغاية في نفس يعقوب" باعتبار أن ليبيا من المفترض أن تتحول إلى "جنة افريقية" لما ستوفره من مواطن شغل ومشاريع ومجالات للتعاون وتبادل للخبرات والمشاركة في بناء الدولة الجديدة التي لا يخفى عن أحد أنها تشكو من التخلف والخراب والفراغ على جميع المستويات بما في ذلك البنية التحتية.
لبيبا في حاجة للكفاءات
هذا التوجه لم تخفه "المجموعة التونسية لمساندة الشعب الليبي" التي ارتكزت هيئتها مؤخرا برئاسة الدكتور عمار عبد الواحد الداودي من تونس ونائب رئيس الأستاذ خليفة عاشور حيث كشفت المجموعة عن توجهاتها ومجالات التعاون التي ستعتمدها بالتنسيق مع المجلس الانتقالي الليبي حتى لا تذهب المساعي والبحوث والبرامج في مهب الريح ويقع تطبيقها فالعديد من الخبرات والكفاءات، أغلبها تونسية إلى جانب كفاءات ليبية، في ميادين مختلفة خاصة منها البحث العلمي والتكنولوجي والتربوي والطبي والقانوني قد انضمت إلى هذه المجموعة، يبقى السؤال المطروح ما مدى استفادة التونسيين والليبيين على حد السواء من هذه التوأمة بين الشعبين دون أن تفسدها نوايا "النهب والاستغلال والركوب على الأحداث وخدمة المصالح الشخصية المطلقة وفي ذات الوقت حماية المصالح العامة المشتركة من هذه النوايا"؟ لقد أكد الدكتور إبراهيم رفاعي الخبير الفلسطيني في المؤسسات السياسية "أن الثورتين اللتين التأمتا في جسد واحد قد طوت صفحة من صفحات الاستبداد والفساد كان عمودها الفقري شخصنة الدولة والسلطة التي كانت البذرة الأولى لإنتاج هذا الخراب" وأضاف الرفاعي أن "ليبيا اليوم كما هي تونس معركتها الحقيقية هي بناء المؤسسات لا مؤسسات الدولة الانتقالية وإنما الدولة الدائمة" وبالتالي وحسب ما أكده كل من الأساتذة نبيل العرفاوي ويوسف الرزقي ومختار زروق ونجيب عبيدة ورياض بوحوش في مداخلاتهم خلال الندوة الصحفية على ضرورة أن تتجه الجهود نحو إيجاد العاجل من الحلول خاصة فيما يهم السنة الدراسية والوضع الصحي والتفكير في التأسيس لحكومة الكترونية تؤمن التواصل والتنسيق بين جميع الأطراف، وهنا مربط الفرس بالنسبة "للمجموعة التونسية لمساندة الشعب الليبي" كيف ستنفذ هذه البرامج وتوجيهها نحو استقطاب أكثر ما يمكن من اليد العاملة التونسية وتوظيف كفاءاتها في ذات الوقت نحو بناء "الجمهورية الليبية" ومساندة ذاك الشعب "الذي سرق منه وطنه على مدى أكثر من أربعين سنة" على حد قول الأستاذ خليفة عاشور المستشار القانوني بالمجلس الانتقالي الليبي. ومن بين الحلول العاجلة التي اقترحتها "المجموعة" القيام بجرد للوضع التعليمي خلال الأيام القليلة القادمة والقيام بالدورات التدريبية وإنشاء فرق خاصة لمتابعة الوضع بليبيا بالإضافة إلى النظر في إمكانية استغلال الجامعات التونسية في استقطاب الطلبة الليبيين في حصص ليلية تساهم في تشغيل الحاملين لشهادات الأستاذية في عدة اختصاصات واستغلال الجامعات المحدثة في السنوات الأخيرة.
ثورات صنعت معجزات
هذه المساعي باستطاعة الجمعيات ومختلف مكونات المجتمع المدني أن توجهها في المسار الصحيح، فقد أكد الدكتور نوفل بوعكاز عضو "بالمجموعة التونسية لمساندة الشعب الليبي" أن "المنظمات بصدد التحرك من منطق روح التطوع إيمانا منها بإرادة الشعبين في التغيير لتتجاوز إرادة الرؤساء التي كانت تحدد مستقبلهم وبالتالي فان مسؤولية الجمعيات في الضغط على من سيملؤون الفراغ وتوجيه تواجدهم نحو ما ينفع البلاد والعباد" وأضاف "على كل المتحدثين والمساهمين في الشأن السياسي والاقتصادي وتحقيق الانتقال الديمقراطي أن يعترفوا بالأمراض التي أصابت هذين الشعبين وتشخيصها حتى يتمكنوا من الإصلاح والبناء". ومن جهته بين الدكتور عمار عبد الواحد الداودي أن "مهمة البناء والتأسيس شاقة جدا تستوجب الدقة في كيفية البناء وأيّ مؤسسات يجب إعادة بنائها وهو ما ستعمل المجموعة على النظر فيه والمساهمة في تحقيقه مع إعطاء الفرصة للكفاءات واليد العاملة التونسية للمشاركة من جهة والانتفاع من جهة أخرى"، وفي ذات السياق أكد الأستاذ عبد المجيد محمد الميت محامي من ليبيا أن العقبة الكبيرة أمام إعادة البناء في ليبيا هي عقلية الشباب التي دمرها نظام القذافي بترسيخ الجهل وتفقيرهم من أيّة ثقافة وأيّ تواصل مع حضارات أخرى. هذا البناء والتحديث ألهم عديد الجهات الخارجية والداخلية بأن توجه أنظارها نحو ليبيا للانتفاع بخيراتها كل بحسب قدراته ومصالحه فقد أوضح الأستاذ خليفة عاشور المستشار القانوني للمجلس الانتقالي الليبي "للصباح" أن "الشعب الليبي في حاجة إلى كل مساندة من الدول العربية وبالخصوص من الشعب التونسي لما يتمتع به من خبرات وكفاءات وأيضا اليد العاملة التي من شأنها المشاركة في إعادة البناء والتأسيس" وأكد أيضا أن "لا رغبة في أي طرف ليبي بأن يفكر ويتكلم بعقلية العقبات حتى لا تؤسس ديكتاتورية جديدة استطاع الشعب الليبي من أن يقتلعها بعد سنوات الطمس والقهر ليسترجع كرامته ويثبت إنسانيته وبالتالي فإن فرص العمل بليبيا متاحة للجميع خاصة التونسيين وما يهم في هذه المسألة تنظيم الجهود وحسن التنسيق حتى تحصل الفائدة لكل المساهمين والمشاركين في إنجاح هذه الثورات التي صنعت المعجزات".