قناة نسمة، هل آذَتْ الله ؟ وهل أحَسَّ الله بالأذى؟ بسم الله الرحمان الرّحيم هَبَّ المسلمون في تونس يحتجّون على ما اقْترفت قناة نسمة من أذى في حقّ جلالة الله وذاته العليّة، وكان غضَبُ المؤمنين مشرّفا ما اختلف في هذا إثنان، بل من خرج مُحتجّا، ومن وقف موْقفَ غضبٍ، ومن كتَب حرْفا مندّدا ومسْتنكرا، لا يضيّع الله له ذلك وسيكتُبه له في كتاب عِزٍّ وفخْرٍ ويُبرِزُه له يوم الحاجة الشّديدة، ولَيرَيَنَّ يومئِذ أنّ عملَه ذاك لا يَعْدلُه عملُ العاملين و لا تعبّد العابدين، ويفرح به بين يدي ربّه أيّما فرح. لكن، في مقالتي اليوم أقول قد يتساءل مُؤمن، ربّما معرفته العقائدية متواضعة: هل الله سبحانه وتعالى يلحقُه الأذى من المُؤذين من عباده كجماعة نسمة وغيرهم من الكفّار والملحدين في كل مكان و زمان؟ أليس هو الله الّذي قادرٌ على كلّ شيء و لا يَقْدر عليه شيء؟ فكيف يُؤذَى وقد سمعْناه فعلا يقول في القرآن: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ بل وسمعناه في مواقف أخرى وهو يردّ على أعدائه اليهود وقد بدا كأنّهم آذوه بألسنتهم وكأنّه في موقف دفاع ممّا لحقه من أذى، وذلك في سورة المائدة: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ بلْ وأوْصى بأن لا يَسُبَّ المؤمنون آلهة الكفّار وما يعبدُون حتّى لا يتعرّض أولائك إلى الله بالسّبّ ردّا بالمثل، ﴿ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾(الأنعام 108) فما تأويل كلّ هذا؟ فأقول وبالله التّوفيق: نعَمْ، إنّ الله إسمُه عزيز، وهذا الإسم من أسماء الجلال وهو صفة من صفاته اقترنتْ به على المطلق حتّى أصبحتْ إسماً له، والعزيز هو المنيع الّذي لا يُقهَر ولا يمسّه أذى ولا يلحقُه ضُرّ من أحد لا بالقول و لا بالفعل. فكيف إذن أعداء الله يؤذون الله؟ الجواب: هُم يُغضِبونه بالمعصية وهذا هو الأذى كما ورد عن السّلف من المفسرين ومنهم ابن كثير رحمه الله، فمعصيتُه ومخالفتُه تساوي أذيّتُه فيغضب لذاك. جاء فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ﴿ يَقُولُ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ : يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ ، يَسُبُّ الدَّهْرَ ، وَأَنَا الدَّهْرُ ، أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ ﴾ وهذا نوع من أنواع الأذى الموجّه إلى الله وهنا يقول ابن كثير: وَمَعْنَى هَذَا: أَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا يَقُولُونَ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ، فَعَلَ بِنَا كَذَا وَكَذَا. فَيُسْنِدُونَ أَفْعَالَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى الدَّهْرِ، وَيَسُبُّونَهُ، وَإِنَّمَا الْفَاعِلُ لِذَلِكَ هُوَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ. انتهى كلام ابن كثير وإنّما عرضْنا الحديث لأنّ فيه قول الله تعالى: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ... الحديث. وروى الْمُزَنِيِّ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ﴿وَمِنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ ، وَمَنْ آذَى اللَّهَ يُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ﴾ وللعلم أنّ أدْنى مخالفة وأحْقرها عند النّاس تؤذي الله وتُغضبه! ولا حَلّ لذلك ولا مخرج سوى إرضاءه سبحانه في أسرع الآجال، وإرضاءه يا أيّها النّاس هو أيضا من أيْسر وأسْهل الأمور وهذا من لطفه ورحمته وعفوه، فيكفيك أن تقول ربّي ظلمتُ نفسي فاغفرْ لي فيغفر لك واقرأوا إن شئتم عن الإنسان الأوّل يوم زلّ زلّته الشّهيرة كيف كان شأنه مع الله وما شأن الله معه: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم﴾. أوْ تذهب فتُصدّقْ صدقة فترضيه بها، فقد قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "إنّ الصّدقة لتُطفئ غضب الرّبّ" وليت جماعة نسمة تلين قلوبهم لهذا فيستغفرون الله فيجدونه غفّارا.. ولكنّهم باعوا أنفسهم للشّيطان بحفنات من وسخ الدّنيا الّتي تأتيهم من أسيادهم "ساركوزي" والصّهيونية من وراء البحار الّذين يَعِدُونهم بالتّمكين في بلاد المسلمين. نعود ونقول: وأمّا حين نرى الله يردّ على الكفّار لما يُؤذونه بقولهم السيّء مثل الْيَهُودُ حين قالوا في الآية الّتي ذكرناها آنفا ﴿يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾ فقابلَهم بالدّعاء عليهم قائلا: ﴿غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا﴾ فهو هنا في الحقيقة يُدافع عن المؤمنين وليس عن نفسه فهو كما قُلنا عزيزٌ منيعٌ لا يبلغه أذاهم، ولكن، معلوم أنّ المؤمنين لهم مشاعرهم ككلّ النّاس، بل ومشاعر المؤمنين هي أرفع وأسمى مشاعر النّاس، فهم يحُبّون الله أكثر من كلّ شيء، وأكثر من أنفسهم، فإذا أوذي الله أو سُبّ أو شُتِمَ، فهُم في مُنتهى الأذى والغضب، لذلك فالله يتولّى الرّدّ على من آذى المؤمنين في ربّهم ويوصي بأن لا نسبّ أصنام الكفّار والتّعرض لها فيتعرّض أولائك للّه فيتأذّى المسلمين في مشاعرهم وقد قال سبحانه وتعالى:﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ فأيّ غيرة هذه وأيّ شرف للمؤمن.. بقي أنّ كلّ من يهبّ ليذبّ عن الله وعن الدّين، بالكلمة وبالتّظاهر وبكلّ وسيلة متاحة ومشروعة وفي أوانها ففي الحقيقة هو الله الّذي قيّظه ليدافع عن المؤمنين فالله من وراءه والله هو المدافع. وإلى لقاء آخر إن شاء الله